إسلام ويب

مسائل في التوبةللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أهمية التوبة والحث عليها في القرآن والسنة، وهي نوعان: واجبة ومستحبة، وهناك قصص في التوبة كثيرة للعظة والعبرة، وشروط التوبة: الإقلاع عن الذنب، وعقد العزم على عدم العود، والندم، وأن تكون في زمن القبول، والتخلص من حقوق الآدميين، ولا مانع من تكرار التوبة مع تلك الشروط، وهناك عوامل تساعد على التوبة منها: قوة العزيمة، وكثرة الدعاء، وترك بيئة المعصية، وعدم القنوط.
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، الحمد لله الذي فتح بابه للتائبين، وبسط غناه للراغبين، ومدَّ عطاءه للطالبين، الحمد لله الذي وسع جوده، وكرمه، وفضله وعطاءه جميع خلقه، ففتح لهم أبواب السعادة في الدنيا والآخرة.

    الإخوة الكرام.. لعله فألٌُ حسن أن يكون الحديث في مثل هذا المجلس الطيب، عن موضوع التوبة، عسى أن يمن الله تعالى علينا جميعاً بأن يتوب علينا من ذنوبنا وخطايانا، وأن يكتبنا في عداد عباده الذين تابوا وأنابوا إليه، ولعله من المناسب أيضاً أن يكون الحديث عن التوبة في مثل هذه الأوقات التي كثرت فيها الذنوب والمعاصي، بل وكثرت فيها المجاهرة، التي تدل على الاستخفاف بالذنب، والتهوين من شأنه، بل ربما دلت على الشك، وعدم الإيمان بوجوب ما أوجب الله، أو تحريم ما حرم الله، وفي هذا الوقت بدأت الآيات والنذر، تتوالى من بين أيدينا، ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا.

    فنحن نسمع من المحن، والفقر، والجفاف، والفيضان، والزلازل، وغيرها الشيء الكثير، ونجد حتى فيما بين أيدينا شيئاً من ذلك، فنضرع إلى الله عز وجل، في صلاة الاستسقاء أن يغيثنا، يقول الله عز وجل على لسان نبيه نوح عليه السلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12] فمن أراد سقيا الله وبره وجوده وعطاءه في الدنيا والآخرة، فعليه بالاستغفار والتوبة إلى العزيز الغفار.

    التوبة في كتاب الله

    لقد حث الله في كتابه الكريم، على التوبة في مواضع كثيرة، يقول الله عز وجل في صدر سورة هود: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود:1-3].

    ويقول الله عز وجل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الزمر:53-55].

    ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ [التحريم:8].

    ويقول عز وجل: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

    ويقول سبحانه عن نبيه آدم عليه السلام: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:121-122].

    إلى غير ذلك من الآيات التي فيها الحث على التوبة والأمر بها.

    الأحاديث من سنة النبي صلى الله عليه وسلم

    وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، من الأحاديث في ذلك الكثير الطيب، فمن ذلك ما في صحيح مسلم عن الأغر المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنه ليغانُ على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة} وعن ابن عمر رضي الله عنه نحوه وفي صحيح مسلم -أيضاً- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها} وفي الحديث المتواتر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي رواه ابن مسعودٍ والنعمان بن بشير، وأبو هريرة، وأنس وغيرهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لأصحابه: {لله أشد فرحاً، بتوبة عبده، من أحدكم كان بأرضٍ فلاة، ومعه راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه، فنام تحت ظل شجرة فذهبت هذه الراحلة، فطفق يبحث عنها حتى إذا أيس منها، رجع إلى تلك الشجرة، ونام تحتها ليموت، فلما استيقظ نظر فإذا راحلته عند هذه الشجرة، قد أمسكت بها أغصانها، وعليها طعامه وشرابه وزاده، فقال هذا الرجل: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح!!} وهذا فيه دليلٌُ على إثبات صفة الفرح لله عز وجل، وإن الله ليفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه وأناب، أعظم وأشد من فرحة هذا العبد الذي ضيع راحلته، وعليها طعامه وشرابه؛ حتى أيقن بالهلكة، فساقها الله تعالى إليه على غير انتظار، إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في فضل التوبة.

    وقد يتساءل كلُ فردٍ منا، أو كثير منا، فيقول: إنما التوبة للعصاة، والمذنبين، ولسنا بالضرورة عصاة أو مذنبين، فكيف نتوب؟! وهذه مشكلة تقع لكثير من الناس، حين تقول لإنسان: يا أخي استغفر الله، يقول لك: وهل عصيت الله حتى استغفره!! وجاء أحدهم إلى مريض على سرير مرضه، فقال له: (لا بأس عليك طهورٌ وتكفيرٌ لذنوبك إن شاء الله) فقال: وهل أنا عاصٍ حتى تكون هذه الآلام والأمراض تكفيراً لذنوبي، وهذا من جهل العباد بقدر أنفسهم وما يصدر منهم، وجهلهم -أيضاً- بحق الله تعالى عليهم، وأن العبد لو قضى حياته كلها ساجداً، راكعاً لله ما أدى حقه.

    ما للعبادِ عليه حقٌ واجبُ      كلا، ولا سعيٌ لديه ضائعُ

    إن عُذِّبوا فبعدله أو نُعِّمُوا           فبفضلهِ وهو الكريمُ الواسعُ<

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087508873

    عدد مرات الحفظ

    772756256