إسلام ويب

شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد [22]للشيخ : عبد الله بن محمد الغنيمان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مدار الإسلام على النطق بالشهادتين، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأركان الثلاثة بالذكر -كما في حديث معاذ رضي الله عنه- لأهميتها ومكانتها من الدين، فلا يكون الدين كاملاً إلا بها.
    يقول المصنف رحمه الله: [ وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله -وفي رواية: إلى أن يوحدوا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) أخرجاه. ].

    مخاطبة الناس بما يناسب حالهم

    بعث معاذ رضي الله عنه كان في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعث معاذاً معلماً وداعياً ونائباً عنه في الحكم وإبلاغ الرسالة التي أرسل بها إلى أهل الأرض، وقال له: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب) يعني: في اليمن. ولا يعني ذلك أن أهل اليمن من أهل الكتاب كلهم، ولكن فيهم أهل الكتاب الذين هم اليهود والنصارى، وأكثرهم ليسوا منهم، بل هم أهل أوثان من العرب، يعبدون الأوثان، ولكنه نبهه إلى أن مخاطبة أهل الكتاب وكلامهم ليس كمخاطبة الجهال أهل الأوثان الذين ليس عندهم علم، فهؤلاء قد تكون عندهم شبه ومجادلات، فنبهه لذلك ليستعد لما عساهم أن يلقوه عليه من الشبه، أو يجادلوه في علوم قد يكون منها ما هو مأخوذ من كتب الله السابقة.

    هذا هو السر في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب) يعني: لتستعد لذلك، وتعد نفسك وتتهيأ، ويكون عندك ما تستطيع أن تجيبهم به.

    ثم إن هذا يدلنا أن مخاطبة الناس ليست سواء، وكل الإنسان يخاطب بما يناسبه، ولا يخاطبون خطاباً واحداً؛ لأن بعضهم قد يكون -مثلاً- عنده علوم وأفكار ليست عند الأخرين، والآخر لا يصل إلى هذا، ويخاطب هذا بما يناسبه وهذا بما يناسبه.

    ثم قال له: (فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة ألا إله إلا الله)، وهم أهل كتاب، ومعلوم أن أهل الكتاب الذين هم اليهود -خصوصاً- ما كانوا يعبدون أوثاناً، بل كانوا يعيبون على العرب ذلك، وكان يهود المدينة يقولون للعرب: آن وقت نبي سيبعث نتبعه ثم نقتلكم معه قتل عاد وإرم، لأنكم كفرة أصحاب أوثان. ولكن الله يمن على من يشاء، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم آمن به أصحاب الأوثان وكفر به أصحاب العلم الذين يتوعدونهم، وذلك لأنهم ما كانوا يظنون أنه من العرب، فقد كانوا يظنون أنه يبعث منهم، فلما بعث من العرب حسدوه وأبغضوه، وتركوا الحق من أجل الحسد والبغضاء.

    وهذا يدلنا على أن العلم ليس كل شيء، فإن الإنسان قد يكون عالماً ويكون ضالاً على علم، إما لحسد وإما لمنافع معينة يريد أن يتحصل عليها من رئاسات أو أموال أو غير ذلك، وهذه معروفة، وعلل الناس التي يتعللون بها لكونهم لا يتبعون الحق إما لأنه يخالف أهواءهم، أو لأنه يمنعهم من شهواتهم، كما قال أحد النصارى لما قيل له:

    لماذا لا تسلم وتترك النصرانية لأنها ضلال، ولأن في دينك ما يلزمك باتباع محمد صلى الله عليه وسلم؟

    فقال: كيف أسلم وأترك شرب الخمر وأنتم في دينكم تحريم الخمر؟ لا أستطيع.

    وقيل لنصراني آخر: لماذا لا تُسلم وتَسلم من عذاب جهنم وما يترتب على كفرك وبقائك على دينك الفاسد؟

    فقال: أنا محتاج إلى الأموال، وأقاربي يعطونني الأموال، ولو أسلمت لمنعوني ذلك.

    وكذا علل الناس من هذا القبيل.

    ومنهم من يمنعه الملك، مثل ما منع هرقل ملك الروم لما جاءه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم أنه الحق؛ لأنه تيقن وقال: والله لو أستطيع لأتيته ولغسلت نعليه ولحملتها، والله إن كان ما تقوله الحق -يقوله لصاحب الكتاب الذي جاء به- ليملكن ما تحت قدمي هاتين. وهو على سرير ملكه.

    يقسم ويحلف، ثم بعد ذلك أمر بمن عنده بأن يخرجوا، وأمر بالأبواب التي تصل إليه أن تغلق وتوصد، وأمر بقواده وكبرائه أن يوضعوا في مكان قريب منه ولكن لا يصلون إليه.

    فلما فعلوا ذلك قال: هل لكم في السعادة؟ هل لكم في الرشد والهدى؟

    فقالوا: وما هو؟

    قال: نتبع هذا النبي. فأسرعوا ذاهبين إلى الأبواب يريدون أن يقتلوه، فوجدوها موصدة، ثم قال: ردوهم عليّ، فلما ردوهم عليه قال: إنما قلت ما قلت لأختبر دينكم وصلابتكم فيه، وقد رضيت منكم بذلك ونحن على ديننا.

    أي أنه اختبرهم ليرى ماذا لو أسلم هل يبقى على ملكه ويتركونه أو لا يتركونه، فلما رأى أنهم لا يتركونه بقي على كفره معتاضاً به عن الإسلام.

    ومنهم من رضي باتباع العادات واتباع ما وجد عليه قومه وما وجد عليه أبناء جنسه، وهذا هو الذي منع كثيراً من المشركين، ومنهم عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طالب ، فإنه لما دعاه قال: لولا أن أجر على أشياخي وكبرائي مسبة لاتبعتك وانقدت لقولك. والمسبة التي يزعمها هي أنه يحكم عليهم بالضلال؛ لأنهم كانوا يعبدون الأوثان.

    فالمقصود أنه ليس من كان عالماً يلزم أن يكون مهتدياً، بل كثيرٌ ممن يكون عالماً يكون ضالاً على علم، ولهذا يقول علماء التفسير في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] لما ذكروا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أن المغضوب عليهم اليهود، والضالين هم النصارى؛ لأن النصارى يتعبدون على جهل فضلوا، وأما اليهود فهم أهل عناد وتكبر وأهل علم قال العلماء: من ضل من علمائنا فهو شبيه باليهود، ومن ضل من عبادنا فهو شبيه بالنصارى.

    قوله: (إنك تأتي قوماً ...)

    قوله: (إنك تأتي قوماً من أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة ألا إله إلا الله) يعني: يبدأهم في الدعوة بأن يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

    فهذا أول ما يبدأهم به، مع أنهم ما كانوا يعبدون الأوثان، ومع ذلك يدل هذا على أنهم يجب أن يشهدوا ألا إله إلا الله قبل كل شيء، وأنهم لا يصح دخولهم في الإسلام ولا يقبل منهم حتى يتشهدوا هذه الشهادة وينطقوا بها؛ لأن هذه الكلمة وضعت لكون الإنسان يتحقق أن العبادة لله وحده، وأنه يكفر بكل معبود سوى الله جل وعلا؛ لأن عبادة الله لا تستقيم إلا بالكفر بما يعبد من دونه، كما قال الله جل وعلا: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة:256]، والعروة الوثقى هي (لا إله إلا الله)، فإذا قالها الإنسان مؤمناً بها مصدقاً موقناً محباً لها قابلاً بها عاملاً بما تقتضيه فقد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وهذا هو أصل الدين الذي جاءت به الرسل كلها من أولها إلى آخرها، فكل رسول يأتي بهذا إلى قومه ويدعوهم إليه أول شيء، ودين الرسل كلها هو دين الإسلام، كما قال الله جل وعلا : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وذكر الله جل وعلا عن الرسل أن كل واحد منهم يقول: أسلمت لك يسلمون لله، ويأمرهم بالإسلام، فالإسلام معناه الاستسلام لله جل وعلا بالإنقياد والطاعة التامة والخضوع له. وهو مقتضى (لا إله إلا الله)، أن يكون القلب متحليّاً بالتأله لله جل وعلا وحده، والتأله هو عبادة القلب عبادة الحب والذل والتعظيم، كما سيأتي تقسيم المحبة، وأنها يجب أن تكون لله وحده؛ لأنها هي التألة، وهي محبة مشتركة بين الخلق كلهم.

    معنى الشهادتين

    ثم يضاف إلى شهادة التوحيد ووجوب التشهد بها شهادة أن محمداً رسول الله.

    ومعناها: أنه رسول من عند الله جاء بالدين الذي يلزم كل إنسان قبوله والعمل به، وأنه ليس هناك طريق يسلك إلى الله جل وعلا إلا ما جاء به هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، أما الطرق الأخرى سواءٌ أزعم أنها موروثة عن الأنبياء وأنها وحي أوحي به إليهم أم لا، كلها يجب مجانبتها وتركها، واتباع محمد صلوات الله وسلامه عليه الذي هو خاتم الرسل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (والله لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي) موسى عليه السلام كليم الله لو كان حياً موجوداً لاتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو خاتم الرسل الذي بعث للخلق كلهم.

    فمعنى شهادة أن محمداً رسول الله: العلم اليقيني بأنه رسول من الله جل وعلا، أوحى إليه شرعه، وأكرمه بذلك، وهو عبد يعبد الله جل وعلا، ليس له من الإلهية ولا من الربوبية شيء، وإنما قام بعبادة الله جل وعلا حسب أمر الله جل وعلا، وألا يُعبد الله جل وعلا إلا بما جاء به صلوات الله وسلامه عليه.

    هذا هو معنى: (أشهد أن محمداً رسول الله) رسول أوحي إليه بالشرع، كلف الناس بطاعته وتوقيره وتعظيمه واتباعه في ذلك، وألا نعبد الله جل وعلا إلا بما جاء به عن الله، وكل ما يقوله ويأمر به من الرسالة التي أرسل بها؛ لأن الله جل وعلا يقول: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى *عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:3-5] الذي هو جبريل عليه السلام هو الذي جاءه بالوحي.

    ثم هذا ليس خاصاً بأهل الكتب، فهذا يُدعى به الناس كلهم، ولكن هذا يدل على أنه لا يقبل من إنسان يريد الدخول في الإسلام حتى يتلفظ بهاتين الشهادتين، والتلفظ يلزم منه أن يعلم معناهما، فيعرف معنى الشهادتين، ويعلم أن التلفظ بغير معنى يتضمنه الكلام لا يفيد شيئاً، فيكون شبه هذيان، وشبه كلام النائم السكران الذي لا يعقل ما يقول.

    ومعلوم أن الكلام: اسم للفظ والمعنى، والكلام لا يكون في للفظ دون المعنى، ولا للمعنى دون اللفظ، وهذا هو الحق الذي دل عليه كتاب الله ولغة العرب، وكذلك إجماع أهل الحق على هذا، ولهذا لابد من معرفة هاتين الشهادتين حتى يكون الإنسان مسلماً حقاً، أما إذا نطق بهما وهو لا يعرف معناهما فيحكم له بالإسلام ظاهراً، وأما الباطن فإن كان لا يعرف معناهما ولا يعمل بهما فليس بمسلم، ولا بد من معرفة معناهما والعمل بهما، فإذا فعل ذلك وجب عليه قبول كلما جاء به الرسول، والالتزام بالصلاة والزكاة والصوم والحج وسائر الأوامر التي أوجبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ينبغي اجتناب ما نهى عنه، فإن فعل ذلك فهو من المؤمنين المتقين السعداء في الدنيا والآخرة، وإن كان على ظاهره وترك بعضها، والتزم ببعضها فأمره إلى الله جل وعلا إن شاء آخذه وعذبه، وإن شاء عفا عنه، إلا أنه لا بد من شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة.

    أما البقية التي هي أداء الزكاة وصوم رمضان والحج فالكلام فيها يختلف عن هذا؛ لأن الزكاة أمر يتعلق بذمة الإنسان وبماله الظاهر الذي يرى ويشاهد، أما المال الباطن الذي لا يعلمه إلا صاحبه فهذا إليه، إن كان عنده إيمان وتقى ومخافة من الله دفع زكاته، وإن لم يفعل ذلك فالله الذي يحاسبه، إلا أنه يجب على الإمام -إمام المسلمين- إذا كان ظاهر الإنسان الإسلام، وله أموال ظاهرةٌ فيجب عليه أن يأخذ الزكاة منه، فيضعها حيث أمر الله جل وعلا كما سيأتي، أما الأموال الباطنة فموكولة إلى إيمان الإنسان نفسه.

    وأما الصوم وهو ركن من أركان الإسلام كما هو معلوم فهو موكول إلى إيمان الإنسان وأمانته، إن كان عنده أمانة وإيمان صام، وإلا لم يفعل. فالصيام بين العبد وبين ربه جل وعلا؛ لأن الإنسان يمكن أن يظهر أمام الناس أنه صائم، وهو يأكل ويشرب ويفعل ما يريد، ويذهب إلى البيت أو إلى أي مكان ويفعل ما يشاء، ولا يراقبه إلا الله، ولهذا السبب لم يذكر الصوم في هذا الحديث، وفي بعض الأحاديث لم يذكر في الأركان.

    وأما الحج فالحج له أمر آخر، وهو أنه لا يجب على كل أحد، وإنما يجب على المستطيع القادر، وكذلك هو لا يجب في كل عام، وإنما يجب في العمر مرة، فإذا كان كذلك فليس كبقية الأركان.

    ولهذا السبب أيضاً لم يذكر الحج في هذا الحديث، وهذا هو الصحيح من أقوال العلماء في كون الصوم والحج لم يذكرا في هذا الحديث، وليس كما يقول بعضهم: إن بعض الرواة اختصر الحديث. لأن هذا طعن برواة الحديث، ولو قبل مثل هذا الطعن لأمكن لكل مبطل أن يقول: هذا الحديث مختصر، وهذا محذوف منه كذا ومزيد فيه كذا، وما أشبه ذلك.

    وإنما الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر عندما يذكر أركان الإسلام فيقول: (بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً)، وكذلك إذا سئل عن الإسلام فإنه يذكر أركان الإسلام كاملة، وإذا ذكر الإيمان ذكر أركان الإيمان كاملة، أما إذا جاء الأمر ويترتب على الأمر القتال أو الحكم بالإسلام أو الضلال فإنه يذكر ذلك حسب ما يناسب المقام؛ لأن الخطاب بالصوم ليس لكل أحد، وهو أمانة بين العبد وبين ربه، فمثلاً الحائض لا يلزمها الصيام، وإنما تقضي أياماً بعدما يزول المانع، وكذلك المسافر لا يلزمه، وإنما يقضي أياماً بعد زوال المانع، وكذلك الكبير الذي لا يستطيع الصوم لا يلزمه، وإنما يفطر ويأكل ويطعم بدل كل يوم مسكيناً، وكذلك الحامل إذا خافت على ولدها فإنه لا يلزمها، فإنها تأكل ثم تطعم وتصوم، وكذلك المرضع، وهكذا.

    بخلاف الصلاة؛ فإن الإنسان ما دام فيه عقله وما دام قد كلف لا تسقط عنه الصلاة بحال من الأحوال، سواءٌ أكان صحيحاً أم مريضاً، وسواءٌ أكان يستطيع أن يجلس أم لا يستطيع الجلوس، يستطيع القيام أم لا يستطيع، فيجب عليه أن يصلي حسب حاله، ولا تسقط الصلاة بحال من الأحوال.

    وكذلك شهادة ألا إله إلا الله، شهادة التوحيد، وشهادة أن محمداً رسول الله ملازمة دائماً للقلب والعلم، وكذلك الاعتقاد، يعتقد ذلك، فتلازمه دائماً وأبداً لا تسقط بحال من الأحوال.

    وبهذا يتبين الفرق بين هذه التي يذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر الأحاديث وبين الأركان التي قد لا يذكرها في بعض الأحاديث، وليس الأمر كما قيل: إن ذكرها وعدم ذكرها حسب تنزل الفرائض. ففي أول الأمر نزلت الصلاة، ثم بعد ذلك الزكاة، فصارت تذكر الصلاة ثم تذكر الزكاة، ثم بعد ذلك الصوم، وقد مر معنا أن الصوم فرض في السنة الثانية للهجرة، أي: فرض في المدينة، بخلاف الصلاة فإنها فرضت قديماً في مكة.

    وأما الحج فقد اختلف فيه كثيراً، وقد علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا في السنة العاشرة السنة التي توفي فيها صلوات الله وسلامه عليه، وبهذا يتبين الفرق، ولكن ليس الأمر كما يقول هذا القائل: أنه حسب تنزل الفرائض، وإنما الصواب هو ما ذكرنا من الفرق أن الشهادتين والصلاة تلازم المسلم دائماً وأبداً، ولا تنفك عنه بحال من الأحوال ما دام عقله معه وما دام مكلفاً، بخلاف الصوم والحج فليس الأمر كذلك.

    فرضية الصلاة

    ثم قوله صلوات الله وسلامه عليه: (فإن هم أطاعوك لذلك) يعني: استجابوا وقبلوا منك بأن شهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله: (فأعلمهم -مرتباً على ذلك- أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة)، وهذا دليل واضح على أنه لا يلزم المسلم إلا خمس صلوات في كل يوم وليلة، ولا يلزمه تحية المسجد ولا الرواتب التي قبل الظهر وبعدها، والتي بعد المغرب وقبل العشاء وبعدها، ولا الوتر ولا غير ذلك، وإنما هذه كلها سنن إذا أتى بها الإنسان فله الفضل والجزاء، له الفضل من الله يتفضل عليه بالإحسان بأن يجزيه على ذلك، وإن لم يأتِ بها فليس ظالماً وليس عاصياً بترك ذلك، إذا أتى بالصلوات الخمس فقط يكون قد أتى بما يلزمه.

    ولهذا ثبت في صحيح مسلم: (أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فصار يتكلم وهو رجل كبير السن، يقول الصحابي-: نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يسأل عن فرائض الإسلام وشرائعه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولا تشرك به شيئاً -وصار يمسك بأصابعه- ثم قال: أخبرني عن شرائع الإسلام؟ فقال: خمس صلوات في كل يوم وليلة. فأمسك بإصبعه فقال: هل علي غيرها شيء؟ قال: لا إلا أن تطوع -يعني: تأتي بشيء من عند نفسك تطوعاً-، ثم قال: تزكي المال -تؤدي الزكاة- فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا. إلا أن تطوع. ثم قال: فماذا؟ فذكر الصوم -صوم شهر رمضان- فقال: هل علي غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع. ثم قال: وماذا بعد ذلك؟ فقال: تحج البيت؟ فقال: وهل علي غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع فأمسك بأصابعه وقال: والله لا أزيد عليها ولا أنقص منها شيئاً ثم ولى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن صدق دخل الجنة).

    وجاء في رواية: (من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) أمسكها بأصابعه وقال: والله لا أزيد عليها شيئاً ولا أنقص عليها شيئاً. فإذا جاء الإنسان بهذه ولم ينقص منها شيئاً فهو من أهل الجنة.

    ولما قال معاذ رضي الله عنه: (يا رسول الله! دلني على عمل يدخلني الجنة؟ قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه)، عظيم لأن دخول الجنة ليس سهلاً؛ ولأن الإنسان إذا دخل الجنة يبقى فيها ما دامت السموات والأرض منعماً، وملائكة الرحمن تدخل عليه من كل باب قائلة له: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24]، وإلا صار في الدار الأخرى في جهنم.

    فقال له: (لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، ثم قال: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً -هذه واحدة- وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت)، فقط هذه الخمس التي دله عليها لما سأله عن عمل يدخله الجنة، وأخبره بهذه الأمور الخمسة، فالجنة مرتب دخولها على الإتيان بهذه الخمسة الأشياء: شهادة ألا إله إلا الله، وهي التي يقول فيها: (تعبد الله ولا تشرك به شيئاً)، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج مرةً واحدة في العمر، وما عدا ذلك فليس بلازم على الإنسان، إلا أن يلزم نفسه به، كالذي ينذر مثلاً، والنذر هو إلزام الإنسان لنفسه ما ليس بلازم له.

    فإذا كان الأمر هكذا فلا يلزم الإنسان إلا خمس صلوات في اليوم والليلة كما هو واضح، وقد علمنا أن بعث معاذ إلى اليمن كان في السنة العاشرة من الهجرة. في السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عُلم أن معاذاً رضي الله عنه لما ذهب إلى اليمن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في اليمن، وما جاء إلى المدينة إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر الصديق.

    الصلاة المفروضة خمس وما عداها سنة وتطوع

    هذا متفق عليه بين أهل العلم، فدل هذا على أن هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الأمر، فلا يتأتى على ذلك قول من يقول: إن فرضية الوتر وغيره صارت بعد قوله لـمعاذ. لا يتأتى هذا، وهذا يشكل عليه ما جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الوتر حق على كل مسلم)، أو نحو ذلك، وقال (أوتروا -أهل القرآن- فإن الله وتر يحب الوتر) وقال في حديث يروى عنه صلى الله عليه وسلم: (لا تتركوا ركعتين قبل الفجر وإن طلبتكم الخيل)، وهذا الأمر قال كثير من العلماء: إنه يدل على الوجوب.

    والجواب أن هذا أمر دل على أنها سنة مؤكدة، وقد يعبر عن السنة المؤكدة بالوجوب، كما قال: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم)، وقد علم أنه ليس حتماً وفرضاً، وإنما هو سنة؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا هذا وعملوا به، فقد ثبت أن عثمان رضي الله عنه لم يغتسل يوم الجمعة، وجاء وعمر يخطب فأنكر عمر عليه، وقال: أنتم قوم يقتدى بكم فلماذا لا تتقدمون. فأخبره أنه كان في شغل، وأنه ما زاد على أن توضأ، فقال: وهذه. وجاء في صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)، فهذا أيضاً يدل على أن الغسل ليس بواجب، وهكذا الكلام في الوتر وفي ركعتي الفجر وغيرها مما جاء من الأحاديث، وكلها ترغيب في الصلوات.

    أما قول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [المزمل:1-4]، وكذلك في آخر السورة، والعفو عن كونهم لا يقومون أكثر الليل، وكذلك قوله جل وعلا: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] فهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: (نَافِلَةً لَكَ) يعني: ليست على أمتك. ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان يصلي ويجتهد، وفي آخر عمره صلى التراويح جماعة ليلتين أو ثلاث، وفي اليوم الثالث امتلأ المسجد وذهب الناس إليه فلم يخرج عليهم، واليوم الرابع لم يخرج عليهم، حتى صاروا يتكلمون ويتنحنحون، وربما حصبوا الباب، ثم قال لهم بعد ذلك: (لقد علمت مجيئكم ومكانكم ولكني خشيت أن تفرض عليكم)، فدل هذا أنها ليست فرضاً، بل هي سنة، وهكذا صلاة الاستسقاء، وصلاة العيدين، وصلاة الكسوف، كلها ليست واجبة بنص هذا الحديث، وأنه لا يجب على المسلم إلا خمس صلوات في اليوم والليلة، فالكسوف، والعيدان والاستسقاء وصلوات التطوع كلها ليست واجبة، وإنما هي سنة إذا فعلها الإنسان أجر عليها، وإن لم يفعلها فليس عليه إثم، غير أنه ينبغي للإنسان أن لا يزهد في الخير، وينبغي عليه أن يرغب فيما عند الله؛ لأن الجنة درجاتها تقتسم بالأعمال الصالحة، ولا ينبغي للإنسان أن يرضى بالدون، وينبغي له أن يكون له نصيب من التطوع، من الذكر، ومن القراءة، ومن الصلاة، ومن الصوم، ومن الحج، وهكذا، هذا أمر.

    الأمر الثاني: أنه جاء في بعض الأحاديث أن الإنسان أول ما يحاسب عليه صلاته، فإن كانت كاملة فقد أفلح، وإن كانت ناقصة فإنه يقال: انظروا هل له من تطوع فتكمل به صلاته.

    إذاً كان الأمر هكذا، فينبغي للإنسان أن يكثر من التطوع، ولا سيما نحن، فلسنا كالصحابة ومن بعدهم من السلف، إذا قام أحدهم إلى الصلاة أصبح كأنه بين يدي الله جل وعلا يشاهده ويخاطبه، أما نحن فتجد الجسم في المسجد في الصفوف، والقلب تجده سارحاً في مكان آخر، يفكر في أمور أخرى، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يكتب للإنسان من صلاته إلا ما عقل منها ) الشيء الذي يعقله، فقد يكتب للإنسان كل صلاته، وقد يكتب له نصفها، وقد يكتب له ثلثها، وقد يكتب ربعها، وقد لا يكتب له إلا عشرها، وقد يخرج من الصلاة ما عقل منها شيئاً فتلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها فتقول: (ضيعك الله كما ضيعتني).

    أما إذا أداها بخشوع وحضور قلب وطمأنينة فإنها تصعد ولها نور، وتقول: (حفظك الله كما حفظتني).

    فنحن في الواقع بحاجة إلى أن نرقع صلاتنا؛ لأنها مخرقة بل ممزقة صلواتنا تكون ممزقة، بكثرة التفكير في أمور الدنيا، وبكثرة كون القلب يسرح في أماكن أخرى، وربما إذا انتهى الإمام لا ندري ماذا قرأ، ولا ندري أي سورة وأي آية، وهذه مشكلة، وربما الإنسان لا يدري صلى ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، فهو سارح، وإذا كان الأمر هكذا فنحن بحاجة إلى أن نكمل صلاتنا.

    وفضل من الله جل وعلا كونه يقبل منا أن تجبر الفريضة بالتطوع، فضل يتفضل به على من يشاء، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيما يروى عنه: (الصلاة خير موضوع، فازدد منها ما شئت)، ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يكثرون من الصلاة، مع ما ذكرنا من حضور قلوبهم في الصلاة وخشوعهم، حتى إن أحدهم يضرب بالرماح وتسيل الدماء منه وهو في صلاته لا يقطعها، ولما عوتب على ذلك قال: كنت في آيات كرهت أن أقطعها. أأقطع المعاني المترتب بعضها على بعض؟ ثم قال: (والله لو لا أني خشيت أن يؤتى المسلمون من قبلي ما أيقظتك)، وهذا في رجلين جعلهما الرسول صلى الله عليه وسلم حارسين وهم في غزوة من الغزوات، فوكل الحراسة إلى رجلين، فقال أحدهما للآخر: كوننا نبقى مستيقظين ليس له فائدة، اختر إن شئت أن تنام أول الليل أو آخر الليل. فقال لصاحبه: أنام الآن وأقوم آخر الليل. فصار صاحبه يصلي وهو ينظر، فجاء أحد الأعداء فرأى شخصه فصوب إليه السهم فضربه فلم يتحرك، ثم صوب إليه السهم الثاني وضربه، فصارت الدماء تسيل، ثم الثالث، عند ذلك خاف أن يموت فأيقظ صاحبه، فلما استيقظ صاحبه قال: سبحان الله! ما الذي حملك على هذا؟ لماذا لم تيقظني من أول الأمر؟ فقال: والله لو لا أني خشيت أن يؤتى المسلمون من قبلي ما أيقظتك؛ لأنني كنت في آيات كرهت أن أقطعها أي: قبل إكمالها.

    فالمقصود أن هذه حالتهم ولهذا: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر- أي: أصابه أمر شديد- فزع إلى الصلاة)، والله جل وعلا يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:153].

    فالصلاة يستعان بها؛ لأنها صلة بين العبد وربه، إذا وقف الإنسان متجهاً إلى ربه ورفع يديه قائلاً: (الله أكبر) يجب أن يعلم ما يقول، وأنه ليس هناك شيء أكبر من الله، لا مال ولا أولاد، ولا مناصب، ولا منافع، ولا أي شيء في الكون، ويحب أن يقبل على الله ويشتغل بالله، ولا يلتفت بقلبه يميناً ولا شمالاً، وقد جاء في الحديث: (أن الله ينصب وجهه في وجه المصلي ما لم يلتفت، فإذا التفت أعرض الله عنه)، فأي مسلم يود أن الله يعرض عنه؟!

    وجاء في حديث آخر أن الإنسان إذا التفت في صلاته أعرض الله عنه، وقال: (أإلى خير مني) يعني: تلتفت إلى خير مني؟! تعالى الله وتقدس.

    والالتفات ينقسم إلى قسمين: التفات أصغر والتفات أكبر، فالالتفات الأصغر هو التفات البدن بالرقبة أو بالبدن، وقد علم من أقوال العلماء أن الالتفات عن القبلة بالجملة بالجسد كله يبطل الصلاة؛ لأن الله أمرنا بالتوجه إلى الكعبة فقال: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144]، وهذا يدل على الوجوب، فنستقبله دائماً في الصلاة، والالتفات هاهنا اختلاس من الشيطان، وكون الإنسان يلتفت برقبته أو ببدنه عن القبلة فهذا نقول: إنه التفات أصغر.

    أما الالتفات الأكبر فهو الالتفات بالقلب، وكون القلب يلتفت إلى غير الله ويسرح ويمرح ويشتغل بالأمور الأخرى.

    إذاً: فالصلاة من أعظم أركان الإسلام، ولهذا بدأ بها بعد الشهادتين، فقال: (فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة).

    صلاة الجماعة

    وقد فرض الله الصلوات جماعة، فمن واجبات الصلاة كونها في الجماعة، وواجب على المسلمين أن يصلوها جماعة، كما قال عبد الله بن مسعود : (إن نبيكم سن سنن الهدى، وإن الجماعة من سنن الهدى، فلو تركتم الجماعة وصليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم)، ويقول في حديث آخر: (لقد رأيت أحدنا يؤتى به يهادى بين اثنين حتى يجلس في الصف) من شدة ما يحافظون على الجماعة، وجاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم بالنار)، وجاء في رواية أنه قال: (لولا ما في البيوت من الذرية والمتاع لحرقتها عليهم)، وهذا لا يكون إلا لترك واجب متعين، فالمقصود أن الصلاة جماعة من سنن الهدى التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوجبها على المسلمين، فعليهم أن يصلوها جماعة في المساجد.

    ثم إذا فاتت الإنسان الجماعة فعليه أن يحرص بأن يؤدي صلاته في جماعة، سواءٌ في المسجد الذي فاتته صلاة الجماعة إذا وجد من لم يصل جماعة، أم في غيره من المساجد إذا كان يستطيع أن يدرك جماعة ولو لم يكن معه من صلى فريضته، فقد جاء أن رجلاً دخل المسجد وقد صُليت الصلاة فأراد أن يصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) (يتصدق عليه) حتى تكون صلاته جماعه، ولمـا كان صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف يصلي وانتهت الصلاة رأى رجلين جالسين فقال: (علي بهما فجيء بهما ترتعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا، ألستما بمسلمين؟ قالا: بلى -يا رسول الله- ولكننا صلينا في رحالنا -أي: صلينا مع جماعتنا في المكان الذين نحن نازلون فيه- فقال: لا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما إلى جماعة فصلوا معهم تكن لكم نافلة)، وهذا نوع من الإعادة.

    والمقصود أنه يجب على المسلمين أن يحافظوا على الصلاة، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لئلا يطالبهم الله جل وعلا لمخالفة خالفوها، ومن طالبه الله أدركه، ومن أدركه أخذه، ولن يفوت أحد من الخلق ربه جل وعلا، ولهذا يقول: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:25-26].

    (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ): أي: رجوعهم. سيكون رجوع الخلق كلهم إلى الله ثم يحاسبهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087500129

    عدد مرات الحفظ

    772694717