إسلام ويب

شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد [24]للشيخ : عبد الله بن محمد الغنيمان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أثنى الله جل وعلا على الصحابة في كتابه ثناء كثيراً، وشهد لهم بأنهم مؤمنون متقون سابقون، وأخبر أنه رضي عنهم وأنهم رضوا عنه، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من المناسبات التحذير من بغض أصحابه وسبهم وتنقصهم، وبين أن الذين يبغضون الصحابة هم في الأصل يبغضونه صلى الله عليه وسلم ويبغضون ما جاء به من عند الله تعالى.
    قال المصنف رحمه الله: [ولهما عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها. فقال صلى الله عليه وسلم: أين علي بن أبي طالب ؟ فقيل: هو يشتكي عينيه. فأرسلوا إليه، فأتي به فبصق في عينيه ودعا له، فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) ( يدوكون ) أي: يخوضون ].

    هذا الحديث كسابقه في الصحيحين.

    قوله: (لهما) أي: للبخاري ومسلم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل واحد منهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يشتكي عينيه -أي أرمد- فأرسل إليه فأتي به يقاد، فبصق في عينيه فبرأ، ثم دفع إليه الراية وقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، وفسر المؤلف (يدوكون) بـ(يخوضون).

    غزوة خيبر وقعت في أول السنة السابعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب لعمرة الحديبية في السنة السادسة في ذي القعدة ورجع في ذي الحجة، فحال المشركون بينه وبين دخول مكة أنفة وحمية، وقد ساق الرسول صلى الله عليه وسلم إبلاً كثيرة يريد أن ينحرها عند البيت هدياً، فأبوا أن يدخل مكة، فحصل صلح بينه وبينهم بأن توضع الحرب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش عشر سنوات، فحصلت مهادنة وكتبوا الصلح، وفي هذا الكتاب: من أراد أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده دخل -أي: من قبائل العرب- ومن أراد أن يدخل في عقد قريش وعهدها دخل. فدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض القبائل القريبة من مكة، وهم خزاعة، وبعضها دخل مع قريش وهم بنو بكر، ثم بعد انقضاء كتابة الصلح ورجوعه إلى المدينة أنزل الله عليه: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]... إلخ السورة، وفيها وعد الله جل وعلا للمسلمين بغنائم يأخذونها، وأنه عجل لهم هذه -لغنائم أشار إليها- فأخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن هذه الغنائم هي غنائم خيبر، وأنها قريبة، وأمره الله جل وعلا ألا يخرج معه إلا من حضر الحديبية، ولهذا لما خرج من المدينة أبى على الأعراب الذين جاؤوا يستأذنونه للخروج معه لأمر الله جل وعلا، يقول ابن إسحاق : فبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة بقية ذي الحجة عشرين يوماً وأول المحرم، ثم خرج إلى خيبر، وكانت حالتهم ضعيفة، حتى إن بعض اليهود الموجودين في المدينة لما علموا بذلك صاروا يتعلقون بكل من لهم عليه دين حتى لا يخرج، وحصلت أشياء من هذا القبيل ذكرت في الأحاديث والسير، وكل ذلك ليمنعوا من يستطيعون خروجه إلى أصحابهم.

    وكان اليهود بالعكس عندهم قوة واستعداد، وقد كانوا يتدربون لما سمعوا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم سيغزوهم، فصاروا كل يوم يخرجون ألفاً منهم يتدربون على القتال والسلاح الذي معهم، وكانوا يرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يستطيع لهم لكثرتهم؛ لأنهم يبلغون أضعاف أهل المدينة، وهم أقوياء، ولهم أيضاً حلفاء وهم غطفان.

    فوصل الرسول صلى الله عليه وسلم قرب خيبر بعد العصر، فأمر بالأزواد أن يؤتى بها فلم يوجد إلا السويق، فجئ بالسويق فعجن بالماء فأكل من أكل، وكان عندهم عوز شديد، ثم قال للأدلاء: من الذي يذهب بنا فنأتي خيبر من جهة الشام حتى نحول بينهم وبين حلفائهم. وذكر القصة، وأنه قاتل أول يوم وثاني يوم وثالث يوم.

    قصة فتح خيبر

    كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه أرمد، وقد تخلف في المدينة، ثم بعد ذلك لام نفسه وقال: كيف أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فخرج وهو أرمد راكباً، وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع قال: ما كنا نرجو أن يأتي علي ، فلما كانت تلك الليلة إذا هو قد جاء وعيناه لا يرى بهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد مضي بعض الأيام في القتال: (لأعطين الراية غداً ..)، وهذا يدلنا على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم راية، وقد جاء أن الراية اتخذت في تلك الغزوة، وأنها سوداء، وأنها من ثوب لـعائشة رضي الله عنها، وأنه مكتوب فيها: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، وجاء أن له لواء أيضاً، وأن لواءه أبيض، وقد تعددت الرايات في تلك الغزوة، حتى صار للأنصار راية ولغيرهم راية، فعندما قال هذه المقالة وهي بشرى، والمسلمون بحاجة إلى الفتح حاجة شديدة؛ لأنهم بأمس الحاجة إلى الطعام، ثم قد أصيبوا بالحمى الشديدة؛ لأن خيبر كانت موبوءة، وهم نزلوا في أرض رطبة بين أشجار نخيل، فأكلوا من بعض الثمار الرطبة الطرية فأصيبوا بالحمى، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن يبردوا الماء بالقرب، فإذا كانوا بين صلاة المغرب وصلاة العشاء أفاضوه على أنفسهم، فشفوا بسبب ما وصف لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وكان هذا الخبر مفرحاً جداً؛ لأنه قال: (يفتح الله على يديه)، فالفتح يفرحهم، ولكنهم نسوه اشتغلوا عنه بما هو أهم عندهم منه، واشتغلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في وصف هذا الرجل: (يحبه الله ورسوله)، أما كونه يحب الله ورسوله فهذا وصف للمسلمين كلهم، فالمؤمنون يحبون الله ورسوله، فلا فرق بين واحد وآخر في ذلك إلا تفاوت المحبة على حسب تفاوت الإيمان وقوته، وإنما الشأن عندهم في قوله صلى الله عليه وسلم: (يحبه الله ورسوله)، ومعلوم عند الصحابة أن الله يحب المؤمنين ويحب المتقين، وكذلك رسوله، فقد أخبر الله جل وعلا عن ذلك في آيات كثيرة في القرآن، ولكن سبب حرصهم على هذا أن الرجل عين بعينه، وكل يحب أن يعينه الرسول صلى الله عليه وسلم بالشهادة له بمحبة الله أو الشهادة له بالجنة؛ لأن الإنسان لا يثق بعمله مهما كان اجتهاده، ومهما كانت قوة إيمانه، فإنه يجوز على الإنسان أن يخالف بعض المخالفات فيبطل عمله، أو أن الله جل وعلا يرد عمله ولا يقبله، قال عبد الله بن عمر : لو أعلم أن الله تقبل مني حسنة لتمنيت الموت؛ لأن الله جل وعلا يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27].

    فإذا شهد للإنسان بالتقوى وتيقن ذلك أحب أن يلقى الله على هذه الصفة، فلما سمعوا هذا الكلام فمن شدة حرصهم على الخير ورغبتهم فيما عند الله صار كل يتطلع إلى أن تدفع إليه الراية، وجاء في صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ما أحببت الإمارة إلا ذلك اليوم. وقال: لقد رأيتني أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم أتطاول لعله يراني فيدفع إلي الراية. ما هو لأجل أن يكون قائداً، أو يكون أميراً، بل لأجل هذا الخبر، أنه (يحبه الله ورسوله)، وكلهم أراد هذا، وهذا دليل واضح على مسابقة الصحابة رضوان الله عليهم إلى ما يحبه الله ورسوله، وإلى ما وعد الله جل وعلا به في الآخرة، وعدم رغبتهم في الدنيا، هذه صفتهم رضوان الله عليهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087501843

    عدد مرات الحفظ

    772704361