إسلام ويب

شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد [25]للشيخ : عبد الله بن محمد الغنيمان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حديث سهل بن سعد في بيان (لا إله إلا الله) والدعوة إليها حديث عظيم، جمع من أخلاق التعامل مع الأعداء ومن الفضائل الشيء الكثير، وفيه بيان فضل هداية الناس ودعوتهم، وأن هداية الناس إلى الدين ليست أمراً سهلاً؛ فعلى الإنسان عندما يدعو الناس إلى الله أن يستحضر ما في ذلك من الفضل والأجر العظيم.
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولهما عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه. فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب ؟ فقيل: هو يشتكي عينيه. فأرسلوا إليه، فأتي به فبصق في عينيه ودعا له. فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) يدوكون: أي: يخوضون].

    مضى الكلام على هذا الحديث، وبقي قوله: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) ، والحديث سيق من أجل وجوب الدعوة إلى الإسلام وإلى توحيد الله جل وعلا.

    ولا شك أن الله جل وعلا كلف عباده بعبادته، ومن عبادته جل وعلا الدعوة إليه، بل هذا من أفضل العبادة، كون الإنسان يدعو إلى الله على بصيرة.

    ولا يكون الإنسان له نصيب وحظ من اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأخذ شيئاً مما كان يتحلى به صلوات الله وسلامه عليه من الدعوة إلى الله تعالى ؛ لأن الله جل وعلا يقول: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108]، فأتباعه كذلك يدعون إلى الله على بصيرة، أما الذي يتخلى عن الدعوة نهائياً فليس من أتباعه في الحقيقة، وإن كان من أتباعه في الظاهر؛ لأن أتباعه في الحقيقة هم الذين يناصرونه في دعوته ويترسمون خطاه.

    وقوله هنا: (انفذ على رسلك) مضى أن هذا يدل على أن المسلم يكون عنده الطمأنينة والسكينة وعدم الخوف من الخلق؛ لأنه يكون واثقاً بوعد الله جل وعلا وبنصره، ولأنه متيقن أنه يحصل على إحدى الحسنيين، إما النصر والتأييد في الدنيا والظفر، وإما الشهادة والفوز بها عند الله جل وعلا.

    وكان الصحابة رضوان الله عليهم يستبشرون بأن يفوز أحدهم بالشهادة، فإذا قتل أحدهم قالوا: هنيئاً لك الشهادة، وإذا حصل لأحدهم شيء من هذا القبيل قال: فزت ورب الكعبة. فكانوا يتمنونها ويطلبونها؛ لأنهم واثقون بوعد الله جل وعلا ، فلهذا لا يكون عنده طيش، ولا يكون عنده خوف، وإنما يكون على تؤدة وبأدب وسكينة، ولهذا قال: (امض على رسلك حتى تنزل بساحتهم)، وساحة القوم: هي ما يقرب من أفنية بيوتهم، فناء البيت الذي أمامه قريباً منه، بمعنى أنك تصل إليهم حتى تسمع كلامهم ويسمعون كلامك حينما تدعوهم، فتسمعهم وتسمع جوابهم وما يردون عليك.

    شهادة أن لا إله إلا الله مفتاح الواجبات

    ثم قال: (ثم ادعهم إلى الإسلام)، والدعوة إلى الإسلام هي الدعوة إلى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله كما مضى، ولا يدخل الإنسان في الإسلام إلا بهذا، وإن كان من مثل هؤلاء الذين يزعمون أنهم أهل علم وأهل كتاب، فلا بد أن يدعون إلى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسوله الله، ومضى أن معنى شهادة ألا إله إلا الله: العلم اليقيني الذي يكون في القلب ثم يتلفظ به اللسان؛ لأن الله جل وعلا هو المعبود وحده، وأنه لا يتوجه بعبادته قلباً وقالباً إلا إلى الله وحده -تعالى وتقدس-، ثم يلزم على هذا أن يأتي بكل ما كلفه الله جل وعلا وفرضه عليه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي يقصده صلوات الله وسلامه عليه بقوله: (وأخبرهم، بما يجب عليهم من حق الله فيه)، فهذه الشهادة إذا تشهدوها وقالوها يخبرهم بالواجب الذي يكون عليهم، والواجب الذي يكون عليهم بعد أداء هذه الشهادة والعلم بها والارتباط بها ومحبتها وقبولها والاستسلام لها والانقياد لها أن يقيم الصلاة، ويؤدي الزكاة المفروضة طيبةً بها نفسه، راجياً ثواب الله، خائفاً -لو منعها- أن يعاقبه الله جل وعلا.

    وكذلك الصوم، أن يصوم رمضان، ويحج إلى بيت الله الحرام في عمره مرة، هذا هو الحق الذي يجب على من دخل في الإسلام، أما ما عدا ذلك فليس بواجب، إنما هو تطوع، فإذا جاء به فإنه يكون له الثواب عند الله جل وعلا، الحسنة بعشر أمثالها، وإن لم يأت به لا يطالب ولا يعاقب، بشرط أن يأتي بهذه الأمور الخمسة شاملة غير منقوصة، فإن نقص منها شيء فأمره إلى الله جل وعلا يحاسبه على ذلك، إن شاء عفا عنه وإن شاء أخذه به.

    أما شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فلا بد منها لكل من يدخل الإسلام، ولا بد من العلم بها والعمل بمقتضاها، ولا يجوز أن يجهلها المسلم، فإن جهلها فاللوم عليه، وهو غير معذور؛ لأن الله جل وعلا أرسل رسوله بها صلوات الله وسلامه عليه، وأنزل كتابه شارحاً لها ومبيناً لها، فيجب على المسلم أن يتعرف على ذلك، على أمر الله فيها، ولا يسعه الجهل في ذلك، فالذين يصدون عن مقتضى ذلك ويأتون بما يناقضه من كونهم يعبدون أمواتاً لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ويتوجهون إليهم بالدعاء، والاستغاثة بهم وطلب الحاجات، ويطلبون النصر على الأعداء منهم فإن هذا يناقض شهادة ألا إله إلا الله تمام المناقضة، وإذا زعم أنه وجد الناس على هذا وما وجد من يبين له فالجواب أنه معرض عن دين الله، ولا يلزم الإنسان أن يأتيك ليبين لك، بل أنت يلزمك أن تتعرف على رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كلفك الله به من عبادته، يجب على كل إنسان ذلك.

    ولهذا إذا وضع الإنسان في قبره فكل مقبور يأتيه الاختبار يسأل ثلاثة أسئلة إن أجاب عنها سئل عن البقية وإلا عذب لأنه هالك، يقال له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ والمعنى أنه يقال: من الذي كنت تعبده؟ وبأي شيء كنت تعبد؟ وعمن أخذت هذه العبادة التي تتعبد بها؟

    هذه الأسئلة لابد منها لكل إنسان، وإذا قال: أنا وجدت أهل بلدي. أو وجدت الشيخ الفلاني يقول لي كذا وكذا فهذا ليس جواباً وليس عذراً، فأهل البلد والناس كلهم ليسوا رسلاً، وإنما الإنسان مكلف باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومكلف بمعرفة كتاب الله جل وعلا، ولهذا أخبر جل وعلا أنه أنزل الكتاب عربياً مبيناً، أي: بيناً واضحاً. فمن عرف اللغة لابد أن يعرف المعاني، وإن كان القرآن فيه معانٍ دقيقة ومعانٍ جليلة ومعانٍ كثيرة، ولكن الظاهر من الخطاب كل من عرف اللغة يعرفه، وهذا هو المطلوب من كل أحد، أما ما وراء ذلك من الدقائق والأمور التي تتطلب الفهم فهذه إلى العلماء، وليست لعامة الناس، وإذا كان الإنسان محتاجاً إلى ما يكون من نصيب العلماء فقد أمر الله جل وعلا بسؤالهم فقال: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]

    أما ما يعم الناس فكلهم يستطيع أن يدركه، بشرط أن يعرف اللغة التي نزل بها القرآن، والعلماء يذكرون أن من الواجب المتعين على كل مسلم أن يعرف اللغة العربية؛ لأنه لا يفهم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم إلا إذا عرف اللغة.

    أحكام ما بعد الشهادتين

    ثم إذا أجابوه إلى هذا فالقتال ينتهي ويتوقف، ولا يقاتلهم، بل أصبحوا إخواناً للمسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، فينصرفون عنهم ويتركونهم وبلادهم، أما إذا أبوا فلابد من المقاتلة.

    ثم بعد هذا يقسم صلوات الله وسلامه عليه: (والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) ، وقسم الرسول صلى الله عليه وسلم هنا لتعظيم الأمر وتضخيمه لدى السامع، وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم صادقٌ مصدوق فيما يخبر به، لو أخبر بخبر بدون قسم يجب قبوله وتصديقه، ولكن جاء بالحلف والقسم لتعظيم الأمر حتى يُتنبه له ويرغب فيه.

    فهداية رجل واحد خيرٌ لمن دعا إلى الهدى من حمر النعم، وحمر النعم هي النوق الحمر، وهي أنفس ما لدى العرب من الأموال، والمعنى -كما يقول العلماء- أن هداية رجل واحد خيرٌ لك من أموال الدنيا وما طلعت عليه الشمس، ثم الأمر مثلما يقول النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث، يقول: هذا تمثيل تقريبي للأفهام، وإلا فذرةٌ من الآخرة تساوي ما في الأرض ومثله معه.

    يعني أن الأموال التي في الدنيا لا تساوي هداية الرجل الذي يهتدي على يدي الداعية، بل ولا ما هو أقل من ذلك، بل إنما هذا هو تقريبٌ للأفهام، ومن المعلوم أن الناس يحرصون على أمور الدنيا، ويرغبون فيها، وأكثرهم يزهد في أعمال الآخرة، فيحتاجون إلى تبيين وإيضاح وإلى ضرب الأمثال، من أجل ذلك جاء ضرب المثل؛ لأن أكثر الناس تكون رغبته وتعلقه في أمور الدنيا، ويغفل عن أمور الآخرة.

    فقد جاء أن مكان سوط في الجنة أفضل من الدنيا مائة مرة؛ لأن الدنيا زائلة وذاهبة، ومهما حصل للإنسان من الأموال والأغراض التي يريدها فسوف تنقطع وتذهب كأن لم تكن، بخلاف ما يحصل عليه من أسباب رضا الله جل وعلا، فإنه يوصله إلى السعادة الأبدية التي لا تفنى، ومعلوم أن الإنسان يتنقل من دار لأخرى، وجعل في هذه الدار ليزرع ويعمل ثم يموت، فلابد من الموت، وبعد الموت يكون جزاؤه على قدر عمله في هذه الحياة، إن كان امتثل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأطاع الله جل وعلا فهو السعيد الذي يلقى ما لا عين رأته، ولا أذن سمعت به، ولا خطر على قلب بشر، أما إذا كان أطلق لنفسه العنان وأصبح لا يبالي بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه فإنه أمده قصير ومرجعه إلى الله، وسوف يعذبه العذاب الذي لا يتصور، فعذاب الله ليس كعذاب الخلق ، الخلق مهما أوتوا من البطش والظلم. ومن عدم الرأفة والرحمة فإن عذابهم ينقطع بموت المعذب، فمهما أوجدوا له من أنواع العذاب سوف يموت، ولكن رب العالمين يعذب بغير موت، يعذبه العذاب الذي لا يطاق، ولا يأتيه الموت، بل كما يقول الله جل وعلا في وصف المُعذب: يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ [إبراهيم:17] يعني: أسباب الموت تأتيه متنوعة ولكن لا يموت فيها ولا يحيا، لا حياة ولا موت، عذاب أبدي: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56]، وهذا أبد الآباد ما دامت السماوات والأرض، وينساهم الله جل وعلا في جهنم، نارٌ أوقد فيها حتى صارت لا تطاق: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].

    إذا قال الله جل وعلا: خذوه -أي: المجرم- تبادره من الملائكة من لا عدد لهما -فما يعلم عددهم إلا الله- أيهم يأخذه ويلقيه في جهنم.

    فالمقصود أن الإنسان أعد لأمر عظيم:

    قد هيأوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

    الإنسان خلق لأمر عظيم، خلق للجنة أو للنار، ولهذا الناصح الأمين صلوات الله وسلامه عليه يقول: (لا تنسوا العظيمتين الجنة والنار) لا يجوز للعاقل أن ينساهما؛ لأن مصيره إلى واحدة منهما ولابد، لا يوجد مكان ثالث، إما أن تكون في الجنة أو تكون في النار فقط، ثم بعد هذا إذا استقر الإنسان في واحدة منهما يجاء بالموت في صورة كبش، فيقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة فينظرون ويشرئبون وهم يرجون فضلاً على فضل، فيقال لهم: أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم. هذا الموت. ثم ينادى أهل النار: يا أهل النار فيشرئبون كأنهم يرجون فرجاً، فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم. هذا الموت. فيذبح بين الجنة والنار، ويقال: خلود ولا موت. انتهى الموت، فلو أن أحداً يموت من الحسرة منهم لماتوا عند ذلك؛ لأنهم يطلبون وينادون: يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77]، فمالك خازن النار يدعونه: ليقضِ علينا ربك أي: ليمتنا حتى نرتاح من هذا العذاب. جاء أنهم يدعون سنين طويلة، وبعد آلاف السنين يقال لهم: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108] فالجواب يأتي بعد وقت طويل جداً جواباً شديداً جداً: اخسئوا فيها ولا تكلمون، فعند ذلك لا يبقى إلا الزفير والشهيق، لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [هود:106] خالدين أبداً.

    فكيف يهنأ الإنسان بالنوم والأكل والضحك وهو يعرف أن مصيره إلى هذا؟! إن الأمر مثلما قال أحد السلف لما كان يبكي ويدع النوم فعوتب على البكاء فقال: والله لو توعدني ربي أن يسجنني في حمام لحق لي أن أبكي وأن أقلق، فكيف وقد توعدني إن عصيته أن يسجنني في جهنم،؟! والإنسان ما له عمر آخر، فإذا مات وانقضت حياته لا يعود.

    فإذاً لابد إذا كان له نصيب من السعادة أن يقبل عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بكل ما يستطيع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087501953

    عدد مرات الحفظ

    772704919