أما بعــد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هموم المرأة: هو الدرس الحادي والأربعون من سلسلة الدروس العلمية العامة، وهذه ليلة الإثنين الرابع عشر من ربيع الآخر، لسنة (1412هـ).
أيها الأحبة: أرى جمعكم في هذا اليوم أقل من المجلس السابق، ولا أدري أهو نوعٌ من الاحتجاج على معالجة قضايا المرأة، أم أنه تنفيذٌ لأوامر صدرت إليكم من جهةٍ مجهولة، وقد قرأت في بعض الطرائف، أنه أقيم معرض في مكانٍ ما، ووضع فيه لوحتان، كتب على أولاهما: الذين تطيعهم زوجاتهم، وكتب على اللوحة الثانية: يقف هنا الذين يطيعون زوجاتهم؛ فوقف أمام لوحة الذين يطيعون زوجاتهم طابورٌ طويل، أما اللوحة التي كتب عليها: الذين تطيعهم زوجاتهم، فلم يقف أمامها إلا رجلٌ واحد، فجاءت اللجنة المنظمة لهذا الاختبار، لتسأل هذا الرجل، إلى أي حدٍ تطيعه زوجته؟
فقالوا له: ما سر وقوفك هنا؟
قال: لأن زوجتي أمرتني بأن أقف هنا..!
أيها الأحبة: المرأة شقيقة الرجل وأخته، ونظيره في أصل الخلقة، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].
فالناس من جهة التمثيل أكفاءُ أبوهمُ آدمٌ والأم حواءُ |
فإن يكن لهمُ من أصلهم نسبٌ يفاخرون به فالطينُ والماءُ |
ويقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] ويقول سبحانه: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189].
فأصل الخلق وأصل البشر آدم عليه السلام، وقد خلقت منه حواء، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: {إن المرأة خلقت من ضِلعٍ} كما في الصحيحين، وجاء عن ابن عباس: [[أنها خلقت من ضلع آدم عليه السلام]] ولهذا يقول الشاعر:
هي الضلع العوجاء لست تقيمها ألا إن تقويم الضلوع انكسارُها |
أتجمع ضعفاً واقتدراً على الفتى أليس غريباً ضعفها واقتدارُها |
فالمرأة خلقت من الرجل، لكنها خلقت بطبيعة خاصة، فهي تحتاج إلى أن تعرفها المرأة ويعرفها الرجل، حتى يتم التعامل معها بصورة صحيحة، وبشكلٍ عام فإن نظرة الإسلام إلى المرأة يلخصها قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي روته عائشة رضي الله عنها كما في المسند، وسنن أبي داود وسنن الترمذي، ورواه أيضاً أنس، كما في مسند البزار، ومسند أبي عوانة، وسنن الدارمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنما النساء شقائق الرجال} وهو حديث حسن، فالمرأة شقيقة الرجل، وهي جزءٌ منه، وهي أخته، وأمه، وزوجه، وقريبته.
والمعاملة في الدنيا الأصل فيها التساوي، إلا ما نص الشرع على تمييز الرجل عن المرأة فيه، أو نص على تمييز المرأة عن الرجل فيه، وكذلك المعاملة في الدار الآخرة، قال الله عز وجل: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195] وقال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124].
ولذلك فإنه من نافلة القول، ومن البدهيات التي لا تحتاج إلى تكرار، وهو أن نقول: إن المرأة جسد، وروح، وعقل، وحين نتحدث في هذا الدرس عن هموم المرأة، فإننا لن نقصر الحديث على الهموم المادية البحتة من مطعم ومشرب وملبس ومنكح؛ لأن هذه الهموم كلها تمثل الجانب الجسدي، في الرجل والمرأة على حدٍ سواء، وحصر الإنسان في هذه الهموم فقط -كما هو واقع في الحضارات المادية الغربية والشرقية اليوم هو نوعٌ من جعل الإنسان حيواناً لا هم له، إلا الأكل والشرب والسفاد، يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12].
وفي هذا المجال يعجبني ما ذكر الإمام الراغب الأصفهاني في كتابه الجيد المفيد: تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، وهو يتكلم عن الإنسان، فماذا يقول عن الإنسان؟ يقول: "لم أعن بالإنسان كل حيوان منتصب القامة، عريض الظهر، أملس البشرة، ضاحك الوجه، ممن ينطقون ولكن عن الهوى، ويتعلمون ولكن ما يضرهم ولا ينفعهم، ويعلمون ولكن ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون، ويكتبون الكتاب بأيديهم، ولكن يقولون: هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، ويجادلون ولكن بالباطل ليدحضوا به الحق، ويؤمنون ولكن بالجبت والطاغوت، ويعبدون ولكن من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم، ويبيتون ولكن ما لا يرضى من القول، ويأتون الصلاة ولكن كسالى ولا يذكرون الله إلا قليلاً، ويصلون ولكنهم من المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراءون ويمنعون الماعون، ويُذَكَّرون ولكن إذا ذكروا لا يذكرون، ويدعون ولكن مع الله آلهة أخرى، وينفقون ولكن لا ينفقون إلا وهم كارهون، ويحكمون ولكن حكم الجاهلية يبغون، ويخلقون ولكن يخلقون إفكاً، ويحلفون ولكن يحفلون بالله وهم كاذبون، فهؤلاء وإن كانوا بالصورة المحسوسة أناساً فهم بالصورة المعقولة لا ناسٌ ولا نسناس.
والنسناس نوع من الحيوان الوهمي، الذي يدعون أنه يشبه الإنسان، مثل العنقاء، أي أنه حيوان وهمي لا وجود له كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: [[يا أشباه الرجال ولا رجال]] بل هم من الإنس المذكور في قوله تعالى: شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام:112].
قال: وما أرى البحتري إذا اعتبر الناس بالخلق لا بالخلق متعدياً، في قوله:
لم يبق من جُل هذا الناس باقية ينالها الوهم إلا هذه الصورُ |
-يقول: ما بقي من الناس إلا صورهم وأشكالهم، أما حقائقهم فاختفت وزالت- ولا من يقول في قصيدةٍ أخرى:
فجلهمُ إذا فكرت فيهم حميرٌ أو ذئابٌ أو كلابُ |
ولا تحسبن هذه الأبيات أقوالاً شعرية وإطلاقاتٍ مجازية، فإن الله تعالى يقول: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44]".
وأقول من عندي: ذكر بعض الذين صنفوا في الحيوان كـالجاحظ، والدميري وغيرهم، أن الضب أيضاً طويل العمر، حتى قال بعضهم: إنه يعيش إلى سبعمائة سنة، ولا أدري من هو الذي عاش سبعمائة سنة، حتى راقب الضب واكتشف أنه عاش هذه المدة الطويلة! المهم هذا مما قيل.
يقول: فليس فضل الإنسان بقوة الجسم؛ فالفيل والبعير أقوى منه أجساماً، ولا بطول العمر في الدنيا؛ فالنسر والفيل أطول منه عمراً، ولا بشدة البطش؛ فالأسد والنمر أشد منه بطشاً، ولا باللباس واللون؛ فالطاوس والدراج أحسن منه لباساً ولوناً، ولا بالقوة على النكاح؛ فالحمار والعصفور أقوى منه نكاحاً، ولا بكثرة الذهب والفضة؛ فالمعادن والجبال أكثر منه ذهباً وفضة.
قال المتنبي:
لولا العقولُ لكان أدنى ضيغم أدنى إلى شرف من الإنسانِ |
ولما تفاضلت النفوس ودبرت أيدي الكماة عوالي المرانِ |
أي لولا العقول التي ميز الله بها الناس، لكان الحيوان أدنى إلى الشرف من الإنسان، ولما تفاضل الناس فيما بينهم، ودبرت أيدي الأبطال الشجعان في المعارك الأسلحة التي يحملونها.
يقول: وليس فضل الإنسان بعنصره الموجود منه، كما زعم إبليس حيث قال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص:76] بل ذلك بما خصه الله تعالى به من المعنى الذي ضمنه فيه، والأمر الذي رشحه له، وقد أشار إليه بقوله تعالى: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر:29] وقوله تعالى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75].
إذاً ميزة الإنسان أن الله تعالى خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، فوقع الملائكة له ساجدين، أعني آدم عليه السلام، ثم كانت سلالته مفضلة على بقية الخلق بالعقل والروح والتكليف، فميزهم الله تعالى وفضلهم على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً.
قد رشحوك لأمرٍ لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ< |
وهم بهذا يقولون لفتيات المجتمع: إن الأهمية هي للجانب الجسدي فحسب، وهي للجمال فقط!! وهذا في الواقع إجحافٌ بحق المرأة ذاتها، قبل أن يكون إهداراً لكرامة الإنسان، وذلك أن الفتيات الجميلات من المجتمع يشكلن في كل المجتمعات نسبة معينة افرض أنها (20%) أو (25%) أفلا يعني ذلك أن هؤلاء يحتقرون ثلاثة أضعاف المجتمع؛ لأنهن لا يتميزن بالجانب الجسدي البارز لديهم؟!
ثم حتى هذه الجميلة، ماذا قدموا لها؟
إنما جعلوها ألعوبة ومطية للوصول إلى أغراضهم، وجعلوها أداة لترويج بضائعهم، ولأخذ الأموال من جيوب الناس وسرقتها من الفقراء؛ حتى يثروا على حساب الآخرين، فهم في الواقع حطموا جنس الإنسان أولاً، وحطموا عنصر المرأة بالذات ثانياً، فأولى طبقات المجتمع بأن تحارب هذه النوعية من الناس هي المرأة، لأنهم يوجهون إلى المرأة تهمة خطيرة، ويحقرون المرأة بما فيه الكفاية.
إن صناعة الإعلام في العالم كله -أيها الأحبة- تقوم عليها اليوم شركات تستخدم من المرأة أداة ترويج لكل شيء، حتى أخص خصائص المرأة تستخدمها شركات الإعلام والإعلان في أغراضٍ لا تمتُّ إلى المرأة بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، وربما وجدت إعلاناً عن بعض المعدات الثقيلة، أو الدركترات أو غيرها، أو السيارات، فوجدت أنهم يعلنون عن ذلك، ويلفتون نظر المشاهد من خلال صورة امرأة جميلة.
ونحن لا ننكر الجانب المادي من المرأة، ولذلك سنتحدث في هذه الحلقة وفي حلقات قادمة -إذ قد لا يتسع الحديث الآن لكل شيء- عن الجوانب المادية من المرأة، فسأتحدث عن الموضة والشعر والزواج والمنـزل وغيرها، ولكننا سنضيف إليه الجانب الأخلاقي والمعنوي من المرأة، فنتحدث -مثلاً- عن العبادة، وعن الدعوة، وعن أحوال القلب، وعن الأسرة، وعن العمل، وعن الدراسة، وعن الأشياء الأخرى التي تحتاج المرأة إلى الحديث عنها.
أيها الإخوة والأخوات، كنا بالأمس نسمع بعض الناس يتحدثون عن غياب المرأة، أو غياب الفتاة عن مجالات الإبداع، والأدب، والشعر، والقصة، والنقد، وضعف مشاركتها في هذا المجال، ليس في هذه البلاد فحسب، بل في بلادٍ أخرى كثيرة، فإذا برزت امرأة وكتبت مقالة، أو قصة أو قصيدة أو أخرجت ديواناً، صفقوا وطبلوا، وحاولوا أن يبرزوا هذا من أجل دعوة الأخريات للمشاركة والمساهمة، أما اليوم فإذا بنا نجد أن الأمر تحول إلى مجالات الشعر الشعبي مثلاً، الذي لا يعني أكثر من مغازلات مكشوفة على صفحات الجرائد؛ التي أصبحت تخشى من الكساد، فتتلاعب بمشاعر المراهقين والمراهقات دون رقيبٍ ولا حسيب، فاليوم نقرأ قصيدة شعبية لفتاة، وغداً قصيدة شعبية لفتى، تدور حول عبارات الحب والغزل والغرام والتغني بالحبيب، والشوق إلى لقائه، وشتم العادات والتقاليد على حد تعبيرهم، التي تحول بينهم وبين ما يشتهون.
وتصور فئة قليلة من المجتمع على أنهم يمثلون طبقة الشباب، أو طبقات الفتيات كلهن، بل تطور الأمر أكثر من ذلك، فأصبحنا نجد بعض الصحف الرياضية تنذر بقدوم الأقلام النسائية على صفحاتها الباهتة، وتستفز مشاعر المجتمع بهذه الطريقة الغريبة، ولما لم تجد هذه الصفحات ومن ورائها، تجاوباً من بنات هذا المجتمع، صارت تكتب بأقلامٍ رمزية وتستعير أسماء وهمية للنساء، لا وجود لها إلا في خيال المرضى الذين صنعوها واختلقوها، فهذه مثلاً فتاة كذا، وهذه بنت بريدة، وهذه فتاة الحفر، وهذه مشجعة هلالية، وهذه فتاة نصراوية، وهذه وهذه...الخ، وبعناوين ملفتة، فلانة ترد على فلان، أو عنوان آخر: بنات يهاجمن فلاناً، إثارة مكشوفة، دعوة البنات إلى المساهمة في مجال الكتابة الرياضية، تمهيداً لبروزهن ومشاركتهن ومطالبتهن بالرياضة، وكأن هذه الجريدة الباهتة، تستجدي بناتنا أن يكتبنَ إليها تجاوباً معها، بعد ما استثارت، أو حاولت أن تستثير مشاعرهن للكتابة.
وأنا بطبيعة الحال لستُ أنكر أنّ في مجتمعنا بعض الفتيات المخدوعات، لكنني أعلم علم اليقين -ويعلم غيري- طرائق بعض غلمان الصحافة، لجر الفتيات إلى ما يريدون، وطرائقهم إيضاً في طرح الموضوعات النسائية بأسلوبهم الخاص.
ونحن نخاطب أولاً الإخوة القائمين على تلك الصحف، أن يتقوا الله تعالى في بنات المسلمين، فلسنا بحاجة إلى مثل هذه الهموم الرياضية الجديدة إن صح التعبير، التي يريدون أن يغرقوا فيها بنات المسلمين، وكفى ما نال شبابنا من الضياع على مدرجات الكرة، وكفى ما نال شبابنا من الضياع على الأرصفة.
ونخاطب ثانياً أولياء أمور البنات والشباب في بيوتهم، أن يراقبوا بيوتهم جيداً، فمن غير المعقولٍ -أيها الأب الكريم- أبداً أن تشتري جهاز التلفاز، وتضعه في البيت، ولا تدري ماذا يحدث بعد ذلك، فأقل ما نستطيع أن نقوله لك: إن هذا الجهاز يعرض المباريات الرياضية، وليس ببعيد، أن يكون من بين اللاعبين -وهم يظهرون بصورةٍ تبرز أكثر أجسامهم- من يلفت نظر الفتيات، فيكون مجالاً للإغراء، ومجالاً للإعجاب، ومجالاً للحديث، ومجالاً للاتصال، وربما اتصلت فتاة تسبق دمعتها كلمتها، تقول: كنتُ أسخر ممن يقولون: أخرجوا التلفاز من البيوت، واليوم عرفتُ لماذا يطالب الصالحون بإخراجه من البيوت، لأنني وقعت ضحيته، ووقعت في هوى من لو جاء يخطبني من الباب ما قبلته، ولكنها بلوى الفؤاد.
كما أننا نخاطب القائمين على رقابة الصحف في كل مكان، ألّا يسمح بنشر مثل هذا الهراء، ومثل هذا الهوس الكروي على صفحات الجرائد والمجلات، حفاظاً على أخلاقيات الأمة، وحفاظاً على المستوى الذي نريده لصحافتنا! أما بعد:
إذاً فترتيب هذه النقاط التي سأتحدث عنها لا يخضع لأهميتها، بل بالعكس، ربما كان الموضوع الأول، ينبغي أن يكون هو آخر الموضوعات، ليس أهمها بل هو في آخرها، أو من آخرها.
وفي المقابل يحرص الغرب على تسمية الإسلام بالرجعية، وكثيراً ما يطلق الآخرون على المتدين بأنه معقد أو طائفي أو متطرف أو أصولي أو ما أشبه ذلك من العبارات التي يقلبون بها الحقائق، من أجل تنفير الناس عن هذا الأمر، أو دعوتهم إلى ضده.
والموضة هي فنٌ مستقل أيضاً، قائم بذاته، له في الغرب والشرق دورٌ كبيرة، ودور العرض أيضاً موجودة مع الأسف حتى في بلاد الإسلام، بل حتى في كثيرٍ من البلاد المحافظة، حيث يضعون صالات العرض -عرض الأزياء- انتظاراً لوجود فرص تتيح لهم أن يقوموا بالعرض، فأماكن العرض مستمرة، والحفلات الساهرة تستنـزف ملايين الريالات، وهناك برامج إذاعية وتلفازية، تهتم بالموضة، وليس بغريبٍ فقد أعلنت الصحف في هذه الأيام عن مركز تلفزيون الشرق الأوسط، وهذا المركز يبث من لندن إلى العالم، وإلى العالم العربي بالذات، ومن ضمن البرامج التي أعلنوا عنها -لدعوة الناس ولفت نظرهم إلى هذا المركز- برنامج دنيا الموضة!! وهو في طليعة البرامج التي يبشرون بها الجماهير!!
وإن مما يلفت النظر بالمناسبة، أنني قد قرأت في الأمس في جريدة الرياض إعلاناً غريباً جداً، وهو إعلان عن إيريال هوائي خفيف صغير الحجم، ثمنه معقول، يباع في محل مجهول لا يُعْرَف مكانه إلا من خلال الهاتف، والخطوط التلفونية الضخمة التي تدل على توقع الإقبال الكبير عليه، وهذا الإيريال يستقبل مركز تلفزيون الشرق الأوسط، الذي يبث من بريطانيا، والمحطة المصرية، ومحطة الهند، ويحتمل إضافة محطات أخرى، وهو خفيف التركيب سهل الأداء، وبطبيعة الحال سيكون سعره معقولاً، وليس مثل الأشياء الغالية الأخرى، الأقراص التي قد تصل إلى عشرات الآلاف من الريالات، أما هذا فسيكون أقل حتى يتسنى للآخرين الاستفادة منه، وربما قالوا: إنه صنع خصيصاً للشرق الأوسط، فلستُ أستبعدُ أبداً أن يكون روعي في صناعته بشكل خاص؛ أنه يمكن وضعه في البيت دون أن يدرك الآخرون ذلك، بحيث لا يدري الناس إن كان هذا البيت يستقبل البث الخارجي أو لا يستقبل، لأن هذا الإيريال صغير ومعقول، ولا يشاهد بصورة واضحة كما تشاهد الأقراص الكبيرة.
وهذا جزء من الغزو الخطير الكبير، ونحن نتذكر في هذه المناسبة قوله تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب:10-11].
إنها حضارة جديدة، وثقافة جديدة، وتعاليم جديدة، بل أقول بكل وضوح: إنه دين جديد يقدم للناس كبديل عن دين الإسلام.
فإذا كان الإسلام ينظم حياة الإنسان من يوم يولد إلى أن يموت، فالإسلام يستلم الإنسان يوم يولد، بل قبل الولادة، حتى وهو في بطن أمه، ويوم يولد، يستلمه الإسلام فيقترح الاسم المناسب، ويذكر الأسماء الممنوعة مثلاً، إلى أن يموت، فيذكر مثلاً طريقة دفن الميت، وما بين ذلك كله دين، ينظم لك من... إلى، فما يعرض من خلال قنوات البث الإعلامية هو دينٌ جديد بديل عن الإسلام، يستلم الإنسان منذُ نعومة أظفاره، ومنذُ طفولته، فيما يسمى بأفلام الكرتون وغيرها، إلى أن يلفظ آخر نفس في حياته، وهو ينظم له برنامج حياته كاملاً.
فهذه قضية يجب أن تكون واضحة للعيان، وأن ندرك حجم الخطر، وكيف نواجه مثل هذه المخاطر التي تهدد المسلمين، المهم أن أقول: إن دنيا الموضة هي من أهم البرامج التي يبشرون بها في هذا المركز.
أما المرأة فإنما يبشرون بدنيا الموضة لها، لكي تطلع على آخر صرعات الموضة ساعة بساعة، بل دقيقة بدقيقة، وأما الرجل فلكي يستمتع بمشاهدة اللحوم الآدمية، التي تتخصص في تهييج الغرائز وإثارتها باسم الفن والعرض والرقص..الخ.
خاصة وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط أيضاً، في عدد الجمعة مقالاً ضافياً واسعاً، بعنوان: لندن تستعيد مكانتها الدولية في عالم الأناقة والموضة.
أيها الأحبة.. وأيها الأخوات! للموضة قانونٌ صارخ، لا يجوز في عرف ودين ملوك الموضة تعديه، ويسهر على حماية هذ القانون جموعٌ من ضعفاء العقول المجندين لخدمة رجال الموضة ودورها وبيوتها، إذا رأى هؤلاء الرجال أو النساء المرأة مثلاً تلبس أزياء السهرة في الصباح، أو أزياء الصباح في الظهيرة، أو أزياء الليل في النهار، أو أزياء النهار في الليل، أو أزياء فصل الربيع في الخريف، أوالعكس، تغامزوا وتضاحكوا وتقهقهوا، كأنهم رأوا إنساناً قد هبط عليهم من عالمٍ آخر، أو من كوكبٍ آخر.
وبذلك يحكمون القبضة، فلا يستطيع إنسان أن يخرج عن رموزهم وعن رسومهم وعن طقوسهم وعن شرائعهم في عالم الموضة، وليس الفرق فيما يتعلق بالموضة في سماكة الثوب، وأن منه للصيف ثوب، ومنه للشتاء ثوب، أو شفافيته، كلا، بل تعدى الأمر إلى الألوان، والخيوط، والخطوط، والتصميمات، والأشكال، والأحجام... إلى غيرها.
ومن الغريب أن الوشم وهو ظاهرة قديمة، يسعى إلى إخراج الدم من الجلد عن طريق الوخز أو غيره، ثم يثبت بذلك ويصبح ألواناً ثابتة في الجسد، هذا الوشم كان موجوداً عند أهل البادية في الزمان القديم، ومرَّ وقت شنت عليه الصحافة والكتب والمحاضرات وغيرها حملة شعواء، وأن هذا تشويه للإنسان، وهذا، وهذا...إلخ.
أما الآن فعاد الوشم من جديد لأنه قانون الموضة الصارم الذي يفرض على الجميع، فعاد الوشم من جديد، ولا تستغرب ولا تستغربي أبداً أن تجدي فتاةً يوماً من الأيام، وقد وشمت في وجهها، أو في يديها، أو في أي موضع من جسمها بلا استثناء، صوراً، أو ألواناً أو زهوراً أو أشياء معينة، لأن هذا قانون الموضة الجديد.
ثم هناك أيضاً من ألوان المكاييج مكياج خاص للون الأسمر، ومكياج خاص للأشقر، وثالث ورابع وخامس، وهناك أدهان منوعة، لحفظ البشرة، وأخرى لترطيبها، وثالثة لتغذيتها، ورابعة لتنظيفها، وخامسة لتثبيت المكياج، وسادسة لإزالته، وسابعة وثامنة وتاسعة..إلخ.
وهذه لا شك أنواعٌ من الأشياء التي أتتنا عن طريق الغرب، وأصبحنا نسير فيها حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلناه، وهناك أنواع بطبيعة الحال من البودرة والعطور، وطلاء الأظافر، ومن التسريحات التي نسمع بها في مجتمعنا: تسريحات الكاريه، والقصة الفرنسية، وآخر ما سمعت من صرعات التسريحات: عاصفة الصحراء!!
ومن الطريف أنه في أكثر من بلد إسلامي -وأقول بين قوسين: إسلامي باعتبار ما كان- يحارون حين يريدون أن يضعوا لوحة على حمامات النساء، وحمامات الرجال، كيف يميزون أن هذه الحمامات للرجال، وهذه الحمامات للنساء؟
وذلك لأن الفوارق عندهم ذابت أو كادت أن تذوب بين الرجل والمرأة، وقد رأيت بعيني أنهم -أحياناً- يضعون على حمامات الرجال صورة إنسان وبفمه ما يسمى بالغليون، لأنه لا يوجد شيء يميزون به الرجل، إلا أنه أكثر تدخيناً من المرأة، فيضعون صورة إنسان، -لا أقول: رجل، لأنه لا يتميز أنه رجل أو امرأة- المهم في فمه الغليون، فتدخين الغليون دليل على أن دورات المياه هذه خاصة بالرجال.
وأحياناً يضعون صورة حذاء بكعبٍ عالي، وكأنه لم يبق من ميزة المرأة إلا الكعب العالي، وأحياناً ثوباً قصيراً ميزة للمرأة، لأن المرأة تلبس ثوباً قصيراً، أما الرجل فثوبه إلى ما تحت الكعبين، وهذا مع الأسف موجود حتى في هذا البلد، في أكثر من مكان، وربما تراه في بعض المطارات أحياناً، وذات مرة، قررت الموضة أن تجعل من رسومها إعفاء اللحية، فسارع المفتونون بالموضة إلى إعفاء اللحية، ثم عادوا إلى حلقها من جديد، حينما تغيرت الموضة واختلفت.
ونحن نجد مع الأسف الشديد، أن من الأجانب، من العظماء عندهم ومن نخبتهم الممتازة، ممن يسمونهم برجال الدين ومن المفكرين، ومن الرسامين، ومن الفلاسفة، ومن أصحاب العقليات الفذة والعباقرة عندهم من يعفون لحاهم، ويفتخرون بها، ويظهرون في صورهم بلحاهم الكثة، وفي كثير من بلاد الإسلام، صار حتى العلماء والفقهاء والوعاظ يتحرجون من إعفاء اللحية، ويحلقونها ليعبروا على الأقل للآخرين عن مرونتهم وتسامحهم، ويتخلصوا من وصمة التطرف والتخلف التي يخشون أن تلصقها بهم جهة من الجهات.
فلقد صارت الموضة، وملاحقة الموضة هماً يعيشُ مع الفتى ومع الفتاة ليلاً ونهاراً، حتى والفتاة على مقاعد الدراسة!
وليسمح لي الجميع أن أذكر لكم نكتة مصنعة محلياً، فهي ليست حقيقة على كل حال، وهذه النكتة تقول: إن المدرسة -وهي مدرسة المواد الشرعية- سألت الطالبة وقالت لها: ما هي أسباب سجود السهو؟
أي: متى يشرع للإنسان أن يسجد سجود السهو؟
فتوقفت الطالبة حائرة، لا تعرف ما هو الجواب، فساعدتها المدرسة في بعض الإجابة، قالت لها: يا ابنتي يشرع سجود السهو إما لزيادة، أو لنقص، أو لشك، أو؟
فقالت الفتاة: أو تطريز!!
وعلى كل حال: أرجو ألا يكون هذا مدعاة إلى شيءٍ آخر، فنحن نتحدث عن عينة فقط، ولا أحد يستطيع أن ينكر وجودها.
والحمد لله في المقابل هناك عينات كثيرة جداً، وهي الغالبية إن شاء الله، في أكثر من مكان، وأكثر من ميدان، من فتياتنا من ترفعنَّ عن هذا المستوى، بل أصبحنَ بحاجة إلى من يحثهنَّ على المحافظة على قدر من العناية بالنفس، كما سأتحدث بعد قليل.
وهناك قصة واقعية، وهي لمعيدة جامعية سمراء اللون وسمراء الشعر، حيث إنها جاءت يوماً من الأيام إلى مدرستها، وقد صبغت شعرها باللون الذهبي، ثم أخذت تتحدث عن سر هذه الصبغة باللون الذهبي، وهو لونٌ لا يتناسب إلا مع اللون الأبيض، فذكرت هذه الفتاة لبعض زميلاتها أن لها أخاً يدرس في أوروبا، وقد تزوج بفتاةٍ أوروبية، فلما أراد أن يزور مسقط رأسه -البلد الذي هو منه- سارعت أخته بصبغ شعرها باللون الذهبي الذي هو لون شعر الأوروبيين، وهو السائد هناك!!
حتى لا تبدو تلك الفتاة العربية أقل جمالاً وجاذبية من زوجة أخيها الأوروبية، وفاتها أن في السمراوات من هي أشد جمالاً وجاذبيةً من غيرهن، لأن الجمال لا تحده الأصباغ والألوان، والذهبي لا يناسب مطلقاً تلك الفتاة، بل يجعل من شعرها أضحوكةً للأخريات، فذهبت تلك الفتاة إلى المطار، تستقبل أخاها وزوجته الأوروبية، وفوجئت بالعروس الأوروبية، وقد ارتدت ثياباً فضفاضةً طويلةً، واحتشمت وغطت رأسها بخمار، فلم يبدُ من شعرها الذهبي الحقيقي خصلة واحدة، وبلغ السيل الزُبى، وغضبت هذه الفتاة أشد الغضب، عندما استضافت أخاها وزوجته الأوروبية في بيتها، فرأتها تسارع إلى الوضوء والصلاة، كلما طرق الأذان مسمعها، وتقول لمن حولها: الصلاةَ الصلاةَ!!
بينما تغطُ تلك المعيدة في نومٍ عميق، أو تتشاغل بأي عمل جانبي؛ لتخفي عار تركها لهذه الفريضة التي هي الفاصل بيننا وبين الكافرين، كما في الحديث: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} فما كان من زوج تلك الفتاة العربية إلا أن استقبح أفعال زوجته، وبدت له وكأنها حيوانٌ لا هم لها إلا الأكل والشرب واللهو فحسب، فكان يعاتبها، مقارناً أفعالها بأفعال تلك الفتاة المسلمة الأوروبية، فما كان منها إلا أن طردت أخاها وزوجته المؤمنة من المنـزل، قائلةً: إنكما ستخربان بيتي، فاختارا مكاناً آخر ليقيما فيه.
كما أن فيه تضييعاً لهذا المال، الذي كان من المفروض أن يصرف في المصارف الشرعية، مثل الإنفاق على الفقراء والمساكين والمحتاجين والأهل والأقارب وسبل الخير، أو على الأقل أن تحفظه المرأة لنفسها، فربما تحتاج يوماً من الدهر، أو لأولادها، فربما يموت زوجها، فتكون محتاجة إلى ذلك، أو مساعدة زوجها على تكاليف الحياة، فضلاً عن أن تقوم المرأة، إضافةً إلى ما تنفق من نفسها، بمطالبة زوجها بمزيدٍ من الرسوم الباهضة والتكاليف.
ولو أن إنساناً خبيراً في الاقتصاد، حسب الأموال الضائعة التي تذهب إلى جيوب اليهود وإلى غير اليهود من رجال الموضة، لوجد أن اقتصاد الأمة في خطر، من جراء هذه الأموال التي تذهب إليهم عن هذا السبيل.
وإذا كان هدف اللباس في الإسلام هو ستر جسد المرأة وحمايته من العيون النهمة والنظرات الجائعة، فإن هدف اللباس الغربي هو التفنن في كشف جسد المرأة، وقد قال الله عز وجل: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا [الأعراف:20].. فهذه من مهمات إبليس وجنوده: لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا [الأعراف:20].. وقال سبحانه: فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ [الأعراف:22] وقال سبحانه: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنـزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا [الأعراف:27].. وقال جل وعلا: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26].
والموضة لعبة -أيها الأخ وأيتها الأخت- وإذا دل اسم الموضة على التجديد والحداثة، وأن الموضة زي جديد، فحقيقة الموضة أنها عودة إلى القديم، وعودة إلى الوراء، فالملابس القصيرة مثلاً وجدت في أيام الفراعنة، وجددتها الموضة، وفتحات الفساتين الموجودة الآن، وجدت في فرنسا قبل عهد نابليون، وأطلق عليها القسس وقد حاربوها حين ذاك: نوافذ الجحيم.
وكثيراً ما تكتب بعض المجلات النسائية تحت زيٍ حديث، وموضة جديدة، تكتب عبارة: ملابس جدتي أصبحت موضة!
إذاً فالتي تريد أن تسبق الموضة، عليها أن تحافظ على القديم الذي هي عليه، وبعد زمانٍ طويل سوف ترجع النساء الأخريات إليها.
وقد رأيت بعيني الموضة في أكثر من بلد غربي، فوجدت كثيراً من الشباب والفتيات يعتبرون أن الموضة هي لبس ما يسمى بالجنـز القديم الممزق، فيشتري الشاب منهم أو الفتاة لباس الجنـز، ويقوم بتمزيقه بنفسه بطريقةٍ معينة، فيشققه هنا وهناك من عند الركبة ومن أمام ومن فوق ومن تحت وهكذا، ويشقق أسفله، ثم يمشي به، فيصبح ثوباً مهماً عندهم، وقد يبيعه بأضعاف ثمنه الذي اشتراه به وهو جديد!!!
فما دامت هذه رسوم الموضة، فإنهم يتبعونها؛ لأنهم في الغرب ليس عندهم إلا هذه القضية، وكل يوم عندهم جديد، لكن العجب من أناس ينتسبون إلى الإسلام، وهم من أهل الإسلام، وعندهم هذا القرآن، وعندهم هذا الدين، وعندهم هذا التميز، ومع ذلك رضوا من أنفسهم ومن عقولهم ومن استقلاليتهم، بأن يكونوا مجرد أتباع لملوك الموضة، بل لزبانية الموضة الذين يصدرونها في دور الغرب والشرق، ثم يتلقفها المسلمون وتتلقفها المسلمات دون وعي ولا بصيرة.
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته أتعبت نفسك فيما فيه خسرانُ |
أقبل على الروح فاستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ |
لكن مع ذلك هذا هو الموضوع الذي بدأت فيه، وأرجو عدم المؤاخذة إذا تناولت بعض القضايا التي يراها بعض الناس قضايا جزئية أو قضايا ثانوية، لأنه لا ينبغي أن تحكم على الموضوع إلا بعد أن يكتمل من كل جوانبه.
كما أن حرص الإنسان ذكراً أو أنثى على الجمال أمرٌ فطري لا يلام عليه، وفي صحيح مسلم: {أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله جميلٌ يحب الجمال}.. إذاً نحن لا ننتقد الفتاة لعنايتها بثوبها، أو عنايتها بشعرها، أو عنايتها بنظافتها، أو ما أشبه ذلك، فهذا أمرٌ لا تثريب عليها فيه، لكن الشيء الذي نستنكره هو كون الفتاة مستعبدة للموضة، تتابعها أولاً بأول، وتستبدل ثوبها كلما تغيرت الموضة، فهذه المتابعة من العبودية للموضة، وانحصار الهم في الجانب المادي، والتبعية لليهود وغيرهم والنصارى، والتشبه بالأعداء في خصائصهم، فإن متابعة الموضة ساعة بساعة، هي من خصائص عارضات الأزياء، ومن خصائص الراقصات، والفنانات من المتاجرات بالأجساد الرخيصة.
إذاً أقول للإخوة والأخوات حتى لا يلتبس عليهم رأيي في هذه المسألة بكلامٍ قلته من قبل: إنني أفرق بين فتاة ترى موديلاً فيعجبها، فتخيط عليه مع مراعاة الضوابط الشرعية، فإن كان قصيراً طولته، وإن كان ضيقاً وسعته، وإن كانت فيه فتحات أزالتها ثم لبسته، فهذا لا أرى فيه حرجاً عليها، وبين فتاةٍ أخرى كل همها مُنصبٌّ على متابعة الموضة، وكل يومٍ ثوبٌ جديد، وكل يوم زي جديد، وكل همها ومالها ووقتها منصرف لهذه القضية، فلا شك أن هذا نوع من العبودية لغير الله عز وجل.. فهذه نقطة.
ونحن -أيها الإخوة وأيتها الأخوات- بقدر ما ننتقد تلك الفتاة التي تحولت إلى تمثال من الشمع سرعان ما يذوب، همها القماش الذي تلبسه، وقيمتها في ثوبها، بقدر ما ننتقد تلك الفتاة، فنحن ندعو الفتاة المسلمة الملتزمة أن تكون على قدرٍ من العناية بجمالها وثيابها ونظافتها وترتيب أمورها، وهي ناحية فطرية غريزية لا ينبغي أن نجور عليها بحالٍ من الأحوال، وكما أن الأولى ظاهرة سلبية موجودة، فالثانية أيضاً ظاهرة سلبية موجودة عند بعض الفتيات.
لذلك استغرب سلمان الفارسي -كما في صحيح البخاري- لما رأى أم الدرداء متبذلة!! وكانا أخوين، فلما رآها سلمان الفارسي قال: {يا
فلماذا استغرب سلمان الفارسي من هيئة أم الدرداء، وكونها متبذلة في ملابسها؟
لأنها امرأة متزوجة، والمفروض أن يكون عندها قدر من العناية بزوجها وبملابسها، وبمظهرها، حتى تلفت نظر زوجها وتعفه عن النظر إلى الأخريات، ولذلك استغرب لما لم يجد هذا.
والحديث الآخر، حديث عائشة رضي الله عنها تقول: {دخلت عليَّ
إذاً قضية الاهتمام بالثياب وبالجمال أمرٌ فطري عند الرجل والمرأة لا يلام عليه، وخاصةً إذا كانت المرأة متزوجة، فكون بعض الفتيات يظهر منها قدرٌ من عدم العناية بشعرها ومشطه وتسريحه ودهنه وتزيينه، أو عدم العناية بمظهرها وثيابها وترتيبها وجمالها، هذا أمرٌ تلام عليه، وربما يكون أحياناً هذا التواضع والتقشف سبباً في إعراض بعض الفتيات عن مجالس الذكر وحلق العلم والوعظ؛ لأن تلك الفتاة ذات العناية بملبسها تظن أن حضورها في المجالس ومشاركة الأخريات فيه، يقتضي إهمال ذلك الجانب الذي تعتني به هي أو إغفاله، أو تظن أنها سوف تصبح في محل النقد والاستغراب من الفتيات الملتزمات، فهو يحول بين الأخريات وبين الالتزام.
وعناية الفتاة الداعية بمظهرها هي البوابة الضرورية للوصول إلى قلوب الأخريات، دون أن تخرج عن حدود اللباس الشرعي، فهي قدوة، ولا ينبغي أن تعمل شيئاً يكون في موضع النقد، أو يقلدها فيه الآخرون.
وهذه المرأة الداعية مع هذا وذاك هي امرأة لها زوج، أو سيكون لها زوج، فيجب أن يرى فيها من الجمال والعناية به ما يغض بصره ويعفه عن النظر الحرام، وهذه من جوانب العظمة في الإسلام، حتى تكلم عنها الغربيون، وأعجبوا بها أيما إعجاب، كما سوف أتحدث في حلقة قادمة إن شاء الله، فإن الإسلام يربط الدنيا بالآخرة كنسيجٍ واحد، فحتى المرأة وهي تتجمل لزوجها، هي بهذا العمل تتقرب إلى الله تعالى، وتقرب من الجنة.
فالإسلام لا يستقذر أو يعيب مثل هذه النظافة، أو مثل ذلك الجمال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم: {وفي بُضع أحدكم صدقة، قالوا يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ}.
(وللنساء طرقٌ خفية شيطانية في لبس حجابهن -هذا لا يغضب أحداً لأنه من كلام النساء- قد يطلع على محظورها، كل وجهٍ إلا وجوه العلماء مع بالغ الأسف الشديد، ولا ريب أن للعالم عذره، إذ أنه رجلٌ وللرجولة عالمها الخاص -هذا من كلام الأخت التي رمزت لنفسها بالرباب وهو كلامٌ دقيق- تقول: إذ أنه رجلٌ وللرجولة عالمها الخاص، الذي من دأبه أن تظل دقائق أمور النساء بعيدةً عن إطاره، بالذات إذا علمن أن أغلب محارم أولئك العلماء والدعاة من الملتزمات، بحيث لا يرى الشيخ منهن الحالة الرديئة التي عليها بعض فتيات الأمة من خلال نسائه المحارم، لذلك كان لا بد أن تتولى الخائفات على مصير الأمة، أمر تنبيه المشايخ، وبالأخص من يخاطبون عامة الناس، ويصلون إليهم، إما من فوق منابر المساجد، أو حتى من خلال ذبذبات الأشرطة.
ولم أجد أنا طريقةً أنبه إليها إلا من خلال هذه الرسالة، وعلى غير عادة، فمعذرةً إن أخطأت السبيل، والمشكلة التي أتيتكم من أجلها، وباختصار هي اليوم في عددٍ من المدن، في السوق، في المدرسة، أمست الواحدة منا تضع عباءتها فوق أكتافها لا على رأسها، ثم تأتي بغطاءٍ طويلٍ جميل، ارتفعت الآن قيمته المادية من بضعة ريالات بالأمس، وكانت لا تتجاوز العشرة، واليوم وصلت حدود المئات، وذلك ولا شك تبع لارتفاع مهمته، ثم تديره الفتاة بفنٍ على حدود رأسها، متصنفة به، وبسرعة ترمي قطعةً أخرى سوداء صغيرة على ملامح وجهها وتمضي، هذا بعد أن كنَّا نستر وندخل الغطاء الطويل مع سائر الأعضاء تحت العباءة، بحيث تبدو الواحدة منا جسماً أسود لا يكاد يرى منه إلا عتمة سواده، أما هذه الطريقة الجديدة المدروسة، فوالله إن العابد لو رمق المرأة وهي بهذه الصورة مرةً واحدة، ما زرعت هذه النظرة في صدره إلا رغبةً جادةً في تكرارها ألف مرة.
والأكثر إيلاماً أن هذه الطريقة بكل ما تحمله من مساوي، لو انتشرت بين فتياتنا -وقد انتشرت فعلاً فستجر خلفها محاذير أكثر خطورة، خذ واحداً منها، ليس من السهل على المرأة أن ينـزع حجابها الأسود الذي اعتادته على وجهها، هكذا دفعةً واحدةً، وشياطين الإنس والجن لا ريب يدركون ذلك، ويفقهون ما هو أبعد منه، فنـزعه ومن ثم سفورها قضيةٌ مدرجة، لا تسير إلا بعجلات هي الخطوات المؤطرة بإطارٍ فنيٍ خفيٍ بديع، فقط هي اليوم تسحب الغطاء الصغير المعروف بالشيلة من أسفل العباءة إلى فوقها، فتظهره منسدلاً على أكتافها بكل ما فيه من علاماتٍ جمالية، يزيدها جمالاً وحسناً شكل أكتافها الذي تكفل الغطاء بتحديدها بدقة، وتبقى ترتدي العباءة بهذه الصورة فترةً هادئةً وقصيرة، فيها يمارس الدعاة إلى الله تعالى تقليب الكتب، وتصفح بطون المراجع بعيداً عن الأصابع المسمومة التي تعمل خلف أستار الظلام، وحتى يعتاد الآباء وتألف الأمهات، وحتى تجرؤ العاقلات من الفتيات على لبس العباءة بهذه الصورة، ترى بعدها بفترةٍ كيف تبدأ الأكتاف الناعمة تظهر مللها من ضيافة هذا الغطاء الذي اعتلى فوقها منذُ فترةٍ أقل من قليلة، فيعلن انسحابه من الأكتاف، كما قد تم إعلان إنسحابه من أسفل العباءة إلى أعلاها.
لذلك أشعرُ ورب الكعبة بالخشية التي تمزق أنيابها صدري، أخشى أن يأتي اليوم الذي نقلبُ فيها أبصارنا، نديرها شمالاً مرة ويميناً تارة، نبحث بين ركامِ فتياتنا عن اللون الأسود الذي اعتدنا رؤيته، فيرتد إلينا البصر خاسئاً وهو حسير....إلخ.
فمثل هذه الصور التي تعبر عن أنماط ووسائل في لبس الفتاة لغطاء الوجه، أو لعباءتها، أو لغير ذلك، هي من الأشياء التي ينبغي أن يتفطن لها، لأن من شروط اللباس الشرعي ألا يكون زينةً في نفسه، وقد أحضر لي مجموعةٌ من الشباب مجموعةً مما يسمى بالكاب، ويباع في الأسوق، فرأيتُ فيه من ألوان الزينة ومظاهر الجمال ما قد يجعل عدم لبس المرأة له أفضل مما لو ظهرت وهي غير لابسة له، فهو زينةً في نفسه، وهو لا يحقق الغرض الشرعي بالستر وغض نظر الرجال عنه، بل ربما دعا الآخرين إلى تأملها، والنظر إليها، وزادها حسناً إلى حسنها، وجمالاً إلى جمالها.
أولاً: ربما أقول بدون مبالغة: إن أكثر محلات الخياطة الموجودة في كل البلاد -خاصةً في هذه البلاد- هي محلات الخياطة النسائية، فهي أكثر من أية محلات أخرى، وهل نستطيع أن نقارن محلات الخياطة بالمكتبات؟! لا مقارنة..! فيمكن أن تجد في البلد عشر مكتبات، لكن لا غرابة أن تجد فيه ألفاً أو ألفاً وخمسمائة محل خياطة، وهذا بلا شك مؤشر خطير، يدل على ضعف الاهتمام بالناحية العقلية، والناحية العلمية، والناحية الفكرية، وناحية إعداد الإنسان في مقابل العناية بالناحية الشكلية والجمال المظهري.
وهذه الظاهرة لا شك تستحق الدراسة، ولو كانت في بلد من بلاد الغرب لوجدت دراسات طويلة عريضة عن هذه الظاهرة، وإيجابياتها، وسلبياتها، وأضرارها الاقتصادية، وأضرارها الاجتماعية، وأضرارها الإنسانية والأخلاقية...إلخ.
وقد يترتب على هذا الوقوف التبسط في الكلام، ورفع الكلفة، وترقيق القول، والتودد إليه، خاصةً إذا احتاجت المرأة إلى إنجاز العمل بسرعة، فتجد أنها تقول للخياط مثلاً: الله يخليك، لو تكرمت، تكفى، وما أشبه ذلك، بل إنه حصل أن بعض الفتيات -وهي العروس نفسها- تحضر بطاقة دعوة للخياط لحضور حفل زواجها!!
وربما تستخدم أحياناً عبارات غير لائقة؛ لأنها حين تتحدث عن الموديل وصفته وطوله وعرضه وخصره، وأين تكون الفتحة، و..، و....إلخ. تتحدث بكلام غير لائق مع رجل أجنبي عنها، ولكنها تتبسط معه مع اعتياد ذلك، ويصبح أمراً عادياً.
وكذلك احسب من ناحية اقتصادية إذا كُنا لا نؤمن بأهمية الوقت من الناحية الشرعية، ونحن بحمد الله مؤمنون بذلك، وندرك أن ساعتين ونصف ساعة قد يعمل الإنسان فيها عملاً جليلاً يدخل به الجنة، لكن حتى من الناحية الاقتصادية، ساعتان ونصف كان يمكن أن يكسب الإنسان فيه شيئاً كثيراً، وعلى مستوى الأمة كلها، احسب كم فرداً يجلسون: ذكراً أو أنثى عند الخياط ساعتين ونصف الساعة؟ ستجد أننا ضيعنا وأهدرنا من وقت الأمة وعمرها وحياتها قدراً كبيراً جداً من الممكن أن الأمة تمشي فيه خطوات إلى الأمام، في مجال التقدم العلمي أو في مجال الصناعة أو في مجال التطور أو في مجال مواجهة عدوها، وفي كل مجالات الحياة التي تحتاج إليها.
هذه رقعه وصلت إليَّ يقول فيها صاحبها: هناك محلات في بعض الأحيان هي محلات خياطة، تبقى مفتوحة إلى ساعات متأخرة من الليل، ومع ذلك قد تتردد عليها النساء، وهذه أيضاً سلبية جديدة من السلبيات -كما ذكرت- وهي التأخر عن البيت، وفي ذلك ما فيه من احتمال وقوع أشياء للأطفال، تحتاج المرأة فيها إلى أن تكون قريبة منهم، أو حتى عدم إمكانية الرقابة على البيت، لا من قبل المرأة، ولا من قبل الرجل الذي أصبح مشغولاً معها، ويزيد الطين بلة إذا عرجت المرأة على محلات أخرى أيضاً لخياطة أو لشراء بعض البضائع والسلع.
وكذلك من السلبيات ظهور أجزاء من جسد المرأة خلال الأخذ والعطاء، والحديث وما أشبه ذلك مع الخياط.
هنا نعرض بعض الحلول المقترحة لتلافي هذه المشكلة:
يا أخي هذا جزء من ثروة الأمة، وجزء من ثروة الآباء، وجزء من حاجة المرأة التي قد تحتاج إليها المرأة في يوم من الأيام، والرجل والمرأة كلاهما على مستوى المسئولية والمفروض أن يدركا أن التصرف بالمادة بهذه الطريقة لا يخدم أبداً إلا الأعداء.
ومن الحلول أيضاً: أن يضع أصحاب محلات الخياطة، لوحات إرشادية في محلاتهم يكون فيها تنبيه للمرأة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وبيان ما يحل ومالا يحل، وذكر الشروط الشرعية في اللباس.
فهذا جانب صغير وقليل مما أردت الحديث عنه فيما يتعلق بهموم المرأة، ولنا وقفة أخرى مع بقية هموم المرأة، سأتحدث عنها بشيء من الاختصار، في الأسبوع القادم، حتى ننتهي من هذا الموضوع.
إذاً: جلسة الأسبوع القادم ستكون إن شاء الله بعنوان:
الجواب: هذه أيضاً سلبية تضاف إلى ما ذكرته، فإنني أذكر الأشياء على سبيل التفصيل، إنما ذكرت ما تيسر منها أو ما ظهر لي.
الجواب: صراحةً أشعر -علم الله- وأنا أقرأ هذا السؤال كأن السائل وجه إلى قلبي خنجراً مسموماً وطعنني به، إذ أنه يعز علينا أن نسمع عن فلذات أكبادنا، وعن بناتنا اللاتي كنا وما زلنا ننتظر منهنَّ أن يكنَّ معلمات ومربيات للأجيال، وأن يكنَّ كما قالت إحداهنَّ -وقد كتب لي مقالاً سوف أذكر طرفاً منه في الأسبوع القادم-: إنَّ على كل فتاةٍ منا أن تسعى في تربية ابنها، وكأنها تربي الخليفة المنتظر، فتيات مجتمعنا وفتيات هذه الأمة، التي كنا ولا زلنا ننتظر أن يكنَّ أبلغ رد على دعاة التغريب والتخريب والعلمانية والفساد.
يا أختي الكريمة: هذا اللاعب الذي تتحدثين عنه تنظر إليه كل الفتيات، وربما تحاول أن تتصل به عبر الهاتف، وربما تتمنى أن تلقاه، فهل يسرك أن يكون زوجك بهذه الصورة، أم أنكِ تريدين أن تكوني عبثاً للغادين والرائحين ليس لك حياةٌ مستقرة، ولا بيت تأوين إليه، ولا زوجٌ تلوذين بالله تعالى ثم به، ويكون أباً لأولادك وراعياً لك، ومشبعاً لعواطفك ورغباتك، أية فتاة ترضى أن تكون بهذه الصورة؟!
لماذا تندفع الفتيات مع مشاعر المراهقة إلى هذا الحد؟!
وهنا أُحَمِّل أولياء الأمور مسئولية كبيرة، وأحمِّل الأخوات المدرسات أيضاً مسئولية كبيرة، وهذا طبعاً حديث جرنا إليه السؤال، وكان المفترض أن يقال في الأسبوع القادم، فلا يجوز للمدرسة أبداً أن تكون مهمتها أن تلقي الدرس ثم تخرج، إنما مهمتها صناعة عقول الفتيات، وتعليم الفتاة ما يضرها وما ينفعها، ودعوة الفتاة إلى الخير، وتحذير الفتاة من المخاطر التي تهددها.
الجواب: هذه مشكلة حقيقة، سببها من الطرفين، فإن كبيرات السن كثيراً من الأحيان لا يستمعن إلى نصائح الفتيات اللاتي هن أصغر منهن سناً، وإنما يعتمدن على موروثهن وما أخذن، ويقلن: نحن أدرى ونحن أعرف، ولا ندري ما هذا الدين الجديد الذي جئتن به! فيكون هذا سبباً في إعراض الفتاة، والفتاة أحياناً تأخذ الأمر بجد، ويكون عندها حماس قوي، فتريد من النساء الأخريات أن يكنَّ منصاعات ومستجيبات أولاً بأول، ومنفذات للأوامر والتعليمات، وهذا أمرٌ صعب، فالفتاة بحاجة إلى قدر من المرونة والتفاهم والتحمل والتدرج فيما تريد أن تعمله مع الآخرين، ولا يمكن أن تغير الأمور وتصلحها كلها دفعة واحدة، خاصة كبيرات السن فهن بحاجة إلى سعة الصدر وسعة البال، وهناك أمور كثيرة جداً لا بد من تمريرها، بمعنى أن تقتنع الفتاة أن هذه الأمور لا حيلة فيها، لأنها كبرت مع المرأة، وصارت جزءاً من شخصيتها، وجزءاً من حياتها، ولا حيلة في تغييرها، لكن يسعى الإنسان ويحاول أن يهذبها أو يصلحها شيئاً فشيئاً.
الجواب: هذا موضوع، إذا أمكن طرح الزي الشرعي بشروطه الشرعية، وبدون صور، وبطريقة تغني المرأة المسلمة عن تلك المجلات المسماة بالبردة، والتي تأتي من الشرق والغرب والشمال والجنوب، وكل بلاد الدنيا، فإذا أمكن ذلك، وصار مضبوطاً بالضوابط الشرعية، فهذا شيء لا بأس به إن شاء الله.
الجواب: إذا كانت البنت كبيرة الجسم، ولو كانت صغيرة السن، وجسمها ملفت للأنظار، فينبغي أن تراعي أمها أن تلبسها ثوباً ساتراً فضفاضاً، خاصةً إذا كانت سوف تظهر أمام الرجال.
الجواب: وهذه مصيبة إذا كان الثوب لا يمكن أن يرى مرة أخرى، فهذا بابٌ طويل، والغريب في الأمر أن هناك مسألة أخرى، وهي أن امرأة تقول: ذهبتُ إلى محل أزياء وأنا محجبة، ومعي امرأة أريد أن أشتري لها ثوباً لزوجها، فنظرت إلى زيٍ جميل، فقلت لها: هذا يصلح لزوجك، تقول: فجاءت المرأة التي كانت تبيع في ذلك المحل، فلمت رأسها، ووضعت يديها على رأسها، وقالت: أعوذ بالله! حرام عليكِ! حرام عليك، قلت: لماذا؟
قالت: هذا الثوب الجميل تلبسه لزوجها!!
هذا ثوب يمكن أن تلبسه في أرقى المحلات وتلفت به أنظار الآخرين، ليس لزوجها فقط! أي كأن الثوب الذي للزوج يجب أن يكون ثوب المطبخ، أما إذا أرادت أن تتزين وتتجمل، فإنما تتزين وتتجمل للآخرين، وهذه كارثة، وكم تحطمت بيوت بسبب ذلك! وإلى متى نظل نحن نركض وراء قانون الموضة ووراء رسومها؟!
ولا بد أن تقوم الأخوات العاقلات والفتيات المتدينات بوضع حد لذلك ووضع حد لذلك، لا يكون بمسك العصا من الطرف الآخر بأن تكون متبذلة في ملابسها، ومتواضعة ليس لديها أدنى قدر متبذل من العناية بالجمال، لا! بل ينبغي أن تحرص الفتاة المتدينة على أن تكون مهتمة بجمالها بصورة معتدلة، وكأنها تقول للأخريات: هأنا مهتمة بمظهري معتنية به، ومع ذلك لم أسلك الطريق الذي سلكتنه في المبالغة بالثياب وتكثيرها، وعدم لبسكن الثوب مرة أخرى إذا لبس سابقاً.
الجواب: هذا أسلوب جيد، لأنه ليس أمامنا إلا أسلوب القدوة الحسنة، وأسلوب القدوة الحسنة من أهم الأساليب، فإذا وجد في كل مدرسة، وكل فصل، وكل مجتمع، وكل نادي، وكل عرسٍ، وكل حفلة، مجموعة من الفتيات متدينات، وواعيات، وعاقلات، وفي أرقى المستويات، ومع ذلك عندهن رفض لأصول الموضة وقوانينها، وتمرد عليها وكفرٌ بها، فإن هذا سوف يكون مدعاة إلى أن تقلدهن الأخريات، فالناس دائماً يقلدون القوي، وتستطيعين أن تكوني بذلك قدوة للأخريات، وسوف يقلدنكِ بكل تأكيد.
الجواب: على كل حال الحديث: {من تشبه بقوم فهو منهم} هو حديثٌ صحيح ورواه ابن عمر، وهو في سنن أبي داود، ومسند الإمام أحمد، وسنده جيد.
وبالنسبة لموضوع التسريح، فقد ذكرت في كلامي قبل قليل: إن كانت هذه الفتاة كل يوم لها تسريحة جديدة، وهي تتابع قانون التسريح أولاً بأول، وكلما خرجت تسريحة جديدة سرحت رأسها بمقتضى هذه التسريحة، فلا شك أن هذا مذموم، لما فيه من ضياع الوقت وضياع العمر، وتقليد الغرب والتشبه بهم، والتبعية المطلقة لهم في الظاهر والباطن، أما كون فتاة أعجبت بشكلٍ معين في تسريح شعرها، وعملته دون أن يكون متابعة الموضة هماً لها، فهذا أمرٌ لا أرى فيه -إن شاء الله- حرجاً، ولا بأس به.
الجواب: لا بأس! إن كان هذا حصل فأستغفر الله تعالى، وأتوب إليه.
الجواب: بالنسبة للشباب الذكور بطبيعة الحال: أولاً: على الشاب أن يتجنب الأماكن التي تتواجد فيه النساء، مثل الأسواق، وقرب مدارس البنات، وأماكن تجمع النساء وغيرها، فعلى الشاب أن يكون بعيداً عن هذه الأشياء لا يقترب منها، وإذا اقترب منها لحاجة، فعليه أن يلتزم بأوامر الشرع، بغض البصر، والبعد عن النظر إلى الحرام؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {اصرف بصرك؛ فإن لك الأولى وليست لك الثانية} كما أن على الفتاة واجباً بحفظ نفسها من نظر الآخرين، وألا تكون مدعاةً لإثارة الفتنة، حتى لا يُفتَتَنْ بها الآخرون، أو تَفتَتِنَ هي بالآخرين، وكما قيل:
كل الحوادث مبداها من النظرِ ومعظمُ النارِ من مستصغر الشررِ |
كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوسٍ ولا وترِ |
يسر مقلته ما ضر مهجته لا مرحباً بسرورٍ جاء بالضررِ |
وقال الآخر:
رأيت الذي لا كله أنت قادرٌ عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ |
ووالله إني لأعلم -يا إخواني- من فتن الرجال والنساء بالنظر ما يشيب من هوله رأس الوليد.
ولكن ربما الإنسان إذا كثر سماعه لمثل هذه الأخبار والقصص، صار عنده نوع من الاعتياد على هذا الأمر، فلم يعد يهز وجدانه ويؤثر في ضميره، فلا حول ولا قوة إلا بالله..!
الجواب: هذا ما قلناه قبل قليل، فهناك مجلات كاسدة، أرادت أن تثري على حساب المساكين، وليس من العدل ولا من العقل أن يثروا على حسابنا، ولو أننا كنا رجالاً بمعنى الكلمة، وكانت النساء نساءً بمعنى الكلمة، لاستطعنا أن نقاطع هذه المجلة، فنقاطع مجلات الأزياء، ونقاطع المجلات التي تتاجر بجمال المرأة، وتستهين بإنسانية المرأة، وتستهين بعقل المرأة، وتستهين بعفة المرأة، وتستهين بأخلاق المرأة، ونقاطع المجلات أو الجرائد الرياضية التي تجر الفتاة جراً إلى المشاركة، ولو فعلنا أو كنا على مستوى المسئولية، لعرفوا بعد أسبوع أو أسبوعين أنه فعلاً عليهم أن يراعوا مشاعر هذا المجتمع، أو تلك المجتمعات المسلمة، أو هذه الأمة المسلمة، وأن يخضعوا وينصاعوا لما نريد نحن المسلمين، لكن مع الأسف الشديد، على حساب من أثرت تلك المجلات؟ وعلى حساب من اشتريت تلك الجرائد؟ إنها لا تباع في إسرائيل أبداً، إنما تباع في بلاد الإسلام!!.
الجواب: الحقيقة أقولها بصراحة، وهي مسألة صعبة، لكنني أقولها والدين النصيحة: بعد ما حصل الذي حصل، وجرى الذي جرى، منذ زمن كان العقلاء والعلماء يحذرون من قضية البث المباشر الذي أصبح في تناول الفرد العادي من الناس اليوم، أقول: لا حل إلا أن يقوم العقلاء بإخراج جهاز التلفاز من بيوتهم، وأن يقوموا بحملة صادقة على ذلك، ويقنعوا أهلهم بذلك.
وقد حدثني عدنان أكبر، وهو بالمناسبة صاحب دار أزياء ضخمة، وقد كان مصمماً عالمياً للأزياء، حدثني بنفسه، ورأيت معه أطفاله الصغار، وهم يحفظون شيئاً من القرآن الكريم، وقال لي: إنني لما هداني الله تعالى قمتُ في ساعةٍ واحدة، فأخرجت جهاز التلفاز من البيت وكسرته، فقال له أهله وأقاربه: على الأقل بالتدريج حتى نرفق بالصغار ونعلمهم، فقال: لا يمكن أن نتدرج في هذا الأمر، هذه قضية لا خيار فيها، والذي يريدني يقبلني بهذه الشروط، وما هي إلا لحظات قليلة حتى اعتاد الكبار والصغار وألفوا هذا الأمر، ورأيت معه أطفاله وهم يحفظون أجزاء من القرآن، وعليهم سمات الخير والصلاح، نسأل الله لنا وله ولهم الهداية والثبات.
فهممُ الرجال تزيل الجبال، ولا أعتقد أن الإنسان عاجز عن أن يقوم بمثل هذه المهمة، فما قيمة الجهود التي تبذل لإصلاح الإعلام الداخلي إذا كُنَّا قد غُزينا من فوقنا؟ وجاءونا من فوقنا! فهذه قضية لا بد من استيعابها.
إذا وجد الجهاز في البيت فهذه والله مأساة، لأنه لا أعتقد أنك سوف تبقى بواباً على التلفاز، تفتح وتغلق متى جاء أمرٌ تحبه أولا تحبه، فأنت تخرج إلى العمل، وتخرج للصلاة، وتخرج للوظيفة، وتخرج للدراسة، وتخرج لشئونك الخاصة والعامة، وربما في بعض البيوت يوجد في كل غرفة جهاز تلفاز.
فالخطر -أيها الأحبة- شديد، ونحن بحاجة إلى أن ندرك حجم الخطر وحجم الغزو، وأن ندرك أن الغربيين يريدون منَّا الشيء الكثير، وأهم خطوة يريدونها الآن هي التغيير الاجتماعي.
الجواب: لا بد من إقناع الوالد بإخراج التلفاز، ومن الوسائل في إقناعه أن تعمل الأخت ما يسمى بالرأي العام المعارض لوجود التلفاز، وهذا قد عملته عدد من الأخوات والإخوة ونجح، مثل أن تقوم الأخت بإقناع أخواتها الصغيرات بأن التلفاز ضار ومفسد، وأنَّ من أضراره كذا وكذا، ثم تقنع إخوانها الصغار بذلك، ثم تبدأ بأمها، ثم بأخوانها الكبار، حتى يصبح في البيت رأي عام واتجاه بضرورة إخراج الجهاز من المنـزل.
الجواب: أما إن كان لبسها للأشياء الخاصة بحضرة زوجها فياحبذا ذلك، فإن المرأة مطالبة بأن تتبعل لزوجها، وسأتحدث عن هذه النقطة في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى، أما إن كان لبسها لذلك عند الأجانب، فما قيمة الرجل إذا لم يكن قواماً على أهله؟! قال الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34].
الجواب: هذا أحد الهموم التي سوف أتحدث عنها في الجلسة القادمة، وهو لدعوة.
الجواب: هذا نوع من الهزيمة النفسية، أي أننا أصبحنا مستعبدين للغرب الكافر في كل شيء، نفكر بعقليته، ونقتني صناعاته، ونتلقى أفكاره وفلسفاته، ونأخذ بنمط حياته في كثير من أمورنا، وأخيراً أصبحنا نتلقى حتى المواد الإعلامية من الغرب، والغرب إذا استطاع فهو يحب أن يجعل بلاد العالم كلها -وبالذات بلاد المسلمين بالدرجة الأولى لأنها أخطر شيء يواجه الغرب- مسرحاً واسعاً للغرب، تروج فيها بضائعه، ويسرح ويمرح فيه جنوده وأعوانه وعملاؤه وأنصاره كيف شاءوا، وتنتشر فيها أفكاره وأساليبه وطرائقه، وتنفذ فيها سياساته.. كما قال تعالى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89] وقال تعالى: وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة:2] وقال تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9] وقال جل وعلا: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120].
الجواب: ما يصيب الإنسان في هذه الدنيا من هموم أو مصائب دنيوية، فهو قد يكون بسبب ذنبٍ فعله، فيكون تكفيراً لذنوبه، وقد يكون رفعة لدرجاته، ولو لم يفعل ذنباً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، الأمثل فالأمثل} فالنبي عليه الصلاة والسلام هو أفضل الناس، ومع ذلك هو أشدهم بلاءً، فليس كل ما يصيب الإنسان دليلاً على أنه مذنب أو عاصٍ، اللهم إلا المصائب العامة التي تنـزل بالأمة، مثل الفقر العام والجدب والقحط والهزائم والفيضانات والزلازل، وغيرها من المصائب العامة التي تجتاح الأمة بأكملها، هذه هي التي لا تكون إلا بسبب ذنوب الأمة ومعاصيها.
الجواب: إذا كان المبلغ فاحشاً، ولا يتناسب مع مستواك المادي، ومع مستوى زوجتك المادي أيضاً، فأنصحك بالكف عنه، أما إذا كان المبلغ معقولاً يتناسب مع مستواك فلا بأس؛ لأن بعض الناس يقول: ما حدود الإسراف؟
فأقول: حدود الإسراف وكونه باهضاً أو فاحشاً أو غير ذلك يختلف من إنسان إلى آخر، فالإنسان الفقير حين يكون قيمة الثوب بمئات الريالات، مثلاً خمسمائة أو ستمائة، يكون هذا المبلغ مرتفعاً، لكن هذا المبلغ بالنسبة لأسرة ثرية يعتبر مبلغاً معقولاً، وهكذا يختلف من أسرة إلى أخرى، وهذا يحدده العرف.
وعلى كل حال -إن شاء الله- لنا لقاء في الأسبوع القادم، بعنوان: هموم أخرى للمرأة، وسوف أحاول أن أنفض في كل ما تبقى -إن استطعت- مما يتعلق بموضوع المرأة وهمومها الأخرى، وأنا في انتظار ما يصلني من مشاركة الإخوة والأخوات، فإنني اعتمدت في جل ما قدمتُ لكم في هذه الجلسة على رسائل وملاحظات وكتابات من بعض الأخوات الفاضلات، ولهنَّ مني الدعاء بأن الله يسعدهن في دنياهن وأخراهن، ويثبتنا وإياهنَّ بقوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويكثر في مجتمعات المسلمين من أمثالهن.
وأسأل الله لنا ولكم جميعاً أن يجعلنا وإياكم هداةً مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أعمارنا أواخرها، وآخر كلامنا من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن يتوفانا وهو راضٍ عنا، ونسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، أن يحيينا حياة السعداء، وأن يميتنا ممات الشهداء، وأن يرزقنا الذرية الصالحة، التي تحمل راية الإسلام وتدافع عنه، وتموت في سبيله، وتنصره نصراً مؤزراً عزيزاً، إنه على كل شيءٍ قدير.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر