إسلام ويب

ماذا في الإجازةللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإجازة وقت فراغ يمكن استغلاله بالخير، ويمكن العبث فيه بالشر، والوقت كالإناء الفارغ يصلح لشرب الخمر كما يصلح لشرب العسل، وقد أصيب الشباب المسلم بمرض الانبهار بمنجزات الغرب، وفي هذا الدرس توجيه طيب وتحذير شديد متعلقان باستغلال الإجازة.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراًً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

    أيها الإخوة، أيها الوجوه الطيبة: نحييكم في بيت من بيوت الله، نتلو فيه كتاب الله، ونتدارسه فيما بيننا، ونستمع إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وكما تعلمون فالناس في هذه البلاد يستقبلون أيام العطلة الصيفية، هذه الأشهر، وهذه الأيام، وهذه الساعات، التي هي من أعمارنا، تحسب علينا وتسجل، ويوم القيامة تنشر الدواوين.

    من الناس من يجعل هذه الأيام من عمره فرصة يعتبرها من حقيقة عمره،فيستغلها في طاعة الله، ويستغلها فيما يقرب إلى الله عز وجل، ومن الناس من يعتبرها من الوقت الضائع، فلا يهتم بها، ولا ينظر إليها، بل يعتبر الوقت وقت رفاهية ونـزهة، والذهاب يمنة ويسرة حتى يمضي العمر سبهللاًً، وتمضي الأيام حتى يقال فلان مات.

    إخوتي الأكارم: أسأل الله تعالى أن يوفقني لأن أتكلم في هذه الجلسة بكلام مفيد، وأن يجعلكم ممن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

    وحقيقة فقد عقد الشيخ لساني عن الكلام بارك الله فيه بهذا الثناء الذي أشهد لله أنني لا أستحق بعضه، فأقول كما قال الصديق رضي الله عنه: [[اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون]].

    ماذا في الإجازة؟

    الناس أيها الإخوة: وخاصة الشباب والطلاب يستقبلون الإجازة الصيفية بعدما ودعوا أيام الامتحانات، بما فيها من سهر وتعب ودراسة وعناء واجتهاد، ولذلك فإن الإجازة هي للشباب ذكوراً وإناثاً أكثر من غيرهم، فإن الفلاح مثلاً طيلة عمره في عمل وجهد، وكذلك التاجر والموظف وغيره، فإن الإجازة هي للشباب أكثر من غيرهم، والجميع يستقبلون الإجازة ويخططون لاستقبالها بالطريقة التي تناسبهم.

    أيها الإخوة: المطلوب أننا طيلة العام نُعد الشباب لأن يكونوا على مستوى استغلال واستثمار هذه الفرص، وهذه الإجازات بالشكل الذي يفيد؛ بحيث نربي أولادنا وبناتنا على تحمل المسئولية، فإن قضية الإجازة مثل بقية العام يتوقف استثمارها على عقلية الشاب، وعلى تربيته، ومستواه.

    فمثلاً: إذا وجد شاب على مستوى من الفهم والعلم والإدراك والشعور بالمسئولية؛ فإنه يستثمر أيام العام الدراسي في غير وجه، ويستثمر الإجازة، ويستثمر شهر رمضان، ويستثمر مناسبة الحج وغيرها من المناسبات بالصورة المناسبة الجيدة التي تتناسب مع مستواه، مع تربيته، وفهمه ومع عقله.

    ولذلك حتى حين يكون مشغولاً؛ يكون مشغولاً فيما يفيد، ويحرص على أن يختلس من وقته ولو شيئاً يسيراً يستفيد منه، وعلى العكس من ذلك الشاب الضائع الذي لم يترب التربية الحسنة، ربما لو كان وقته فارغاً من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، فإنه لا يستثمر الوقت بالطريقة المناسبة، ليس لديه أهداف معينة يسعى إلى تحقيقها.

    تحديد الهدف عامل مهم لحفظ الوقت

    فالمصيبة كل المصيبة -أيها الإخوة- في أن شبابنا يفقدون الهدف الذي يسعون من أجله، تسأل الشاب: لماذا يعمل؟ لماذا يعيش؟ ما هو الهدف الذي يسعى من أجله؟ تجد أهداف بعض الشباب محدودة جداً.

    أما أن يخطط الشاب إلى أهداف ولو أهداف قريبة يسعى إلى تحقيقها والوصول إليها، فهذا غائب لدى كثير من الشباب.

    إذاً: حين يوجد الشاب الذي يحمل الأهداف الصحيحة، ويفكر التفكير الصحيح، حتى لو كان هذا الشاب مريضاً يتقلب على فراش المرض، فإنه يستفيد من وقته، وقد زرت أحد الشباب الذين تعرضوا لأحداث وحوادث، وأصبحوا مُقعَدين فوجدت هذا الشاب يستثمر كل دقيقة من وقته، في حفظ كتاب الله، في قراءته، في دراسة العلم، في مجالسة الصالحين، حتى أنه لا يستقبل الضيوف والزوار إلا في أوقات معلومة، مع أنه أحوج ما يكون إلى أن يرفه عن نفسه ويسلي نفسه باستقبال هؤلاء وتوديع أولئك، وتبادل الحديث معهم، لكنه رأى أن في ذلك مضيعة لوقته، فأصبح وهو على سرير المرض مقعداً لا يتحرك، لا يمشي ولا يقوم يستثمر وقته بصورة صحيحة جيدة.

    وزرت آخرين وهم في السجون ممن من الله عليهم بالهداية في داخل السجون، فوجدت أن هؤلاء الذين لا يتحركون إلا داخل أربعة جدران، وجدتهم يستثمرون أوقاتهم بصورة صحيحة وجيدة، وفي مقابل ذلك أرى وترون أن كثيراً من الناس الذين أعطوا المال، والصحة، والسلامة، والحرية، والوقت، مع ذلك تجد هؤلاء الناس يضيعون أوقاتهم دون حساب.

    لماذا؟ لأنهم لم يوفقوا للتربية السليمة، ولم يحملوا أهدافاً صحيحة يعملون من أجلها، غابت عنهم الأهداف؛ فأصبحت أوقاتهم تضيع سدى.

    تكافل مؤسسات المجتمع للإعداد السليم للفرد

    الأصل -أيها الإخوة- أننا نعمل طيلة العام على إعداد الشاب، لا بد أن يعرف كيف يستثمر أوقاته، أوقات الإجازة وغيرها، والأصل أيضاً أن جميع المؤسسات الموجودة في المجتمع تعمل لهذا الهدف.

    مثلاً: المسجد؛ يعمل على إعداد الشباب من خلال: الصلوات، الجمعة، الجماعة، الدروس، المكتبات، الأشرطة، المحاضرات.

    المدرسة بما فيها من المدرسين، والنشاطات، والمناهج الدراسية وغيرها، تسعى إلى الهدف نفسه.

    البيت يسعى إلى الهدف نفسه من خلال جهود الآباء في تربية الأبناء، من خلال الإصلاح، من خلال القنوات التي يستفيدون منها في تربية أولادهم، حتى الشارع، الأصل أن الشارع يساعد في تربية الولد، وهكذا قل مثل ذلك في أجهزة الإعلام، المفروض والأصل أنها تساعد في بناء الشباب بناءً تربوياً صحيحاً إلى غير ذلك من الوسائل.

    من قصص السلف

    فالأصل أن كل هذه الوسائل يجب أن تصب في بناء وإعداد الشباب والفتيات الذين يحملون أهدافاً صحيحة، ويسعون إلى استثمار أوقاتهم فيما يفيد، ويكون هدفهم الأعلى إعادة سيرة الشباب السابقين من أجدادهم وزعماء هذه الأمة الكبار.

    عبد الله بن عباس:

    يعيدون لنا سيرة عبد الله بن عباس رضي الله عنه -مثلاً- الذي مات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لما يبلغ الاحتلام، في أول سن الاحتلام والبلوغ، ومع ذلك كان من أحبار هذه الأمة، وكان يحمل من علم الرسول صلى الله عليه وسلم الشيء الكثير، حتى أعجب الرسول صلى الله عليه وسلم بسلوكه وسيرته وحسن أدبه فقال {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل}.

    ذات مرة وضع ماء للوضوء يتوضأ به، وصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة مبيته عند خالته ميمونة، وحمل من العلم الشيء الكثير؛ حتى كان هذا الشاب الثقف العالم الجليل يجلس عند باب الرجل من الأنصار بعد صلاة الظهر ليأخذ عنه العلم، فيجد هذا الرجل نائماً، فيتوسد رداءه، فتأتي الريح فتسفي عليه التراب، فإذا قام الأنصاري لصلاة العصر وجد ابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً عند بابه، فيقول ابن عباس! فيقول: نعم، فيقول: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فيقول: نعم، ما الذي جاء بك؟! قال: جئت أسألك عن حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: لو أرسلت إلي فأتيتك، أي: آتي إليك، قال: لا، العلم أحق أن يؤتى إليه.

    وكان ابن عباس يأخذ بركاب زيد بن ثابت، ويخدمه ويسوق به الراحلة، ويقول: هكذا أمرنا أن نصنع بعلمائنا.

    عبد الله بن عمر:

    يجددون لنا سيرة عبد الله بن عمر رضي الله عنه، الذي يقول: عرضت على الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فردني الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لم يبلغ، وعرض عليه في الخندق وهو ابن خمس عشرة فقبله، فلما سمع عمر بن عبد العزيز هذه القصة؛ قال: إن هذا يصلح حداً للفصل بين الكبير والصغير، أن يبلغ خمس عشرة سنة، وهذا فيمن تتوفر له وسائل البلوغ الأخرى.

    المهم أن ابن أربع عشرة سنة كانت طموحاته واهتماماته تتعلق بالقتال والجهاد، حتى قبل أن يبلغ يأتي لعله أن يقبل، فإذا رده الرسول صلى الله عليه وسلم في أحد، عرض نفسه مرة أخرى في الخندق، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وخاض المعركة وعمره خمس عشرة سنة.

    عمير بن أبي وقاص:

    يجددون لنا سيرة عمير بن أبي وقاص، لما أرادوا الخروج إلى المعركة وكان طفلاً صغيراً فرده الرسول عليه السلام، فعبر عن حزنه كما يعبر الصبية الصغار عن حزنهم، ذهب إلى أمه يبكي في حجرها، فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بخبره أجازه وقبله، فجاء أخوه سعد بن أبي وقاص يُعِدّ له سيفه ونصله ورمحه، فكان السيف يخط في الأرض من قصره وصغره، ومع ذلك خاض المعركة وقتل فيها شهيداً. رضي الله عنهم وأرضاهم.

    مصعب بن عمير:

    يعيدون لنا سيرة مصعب بن عمير، الذي كان شاباً من أعطر وأجمل وأترف فتيان مكة، حتى إنه كان إذا مشى في طرف الشارع؛ شمت الفتيات في البيوت رائحة طيبه في طرف الشارع الآخر، كانت كل فتاة تنظر إليه ترجو أن يكون هو فارس أحلامها، وفتاها وشريك حياتها.

    فلما دخل الإسلام، قَلَبه رأساً على عقب، وغير مجرى حياته، حتى إنه أقبل يوماً من الأيام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب لا يكاد يستره من العري والفقر الذي أصابه بسبب إيمانه، فطأطأ الرسول صلى الله عليه وسلم وبكى وقال: والله لقد رأيتك بـمكة وما فيها فتىً أحسن جمة منك، ثم أنت أشعث الرأس في بردة، ولما مات رضي الله عنه لم يجدوا ما يكفنونه به -كما في صحيح البخاري- إلا بردة لا تستره، إذا غطوا بها رأسه بدت رجليه، وإذا غطوا بها رجلاه بدت رأسه.

    فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يغطوا بها رأسه وأن يجعلوا على رجليه من الإذخر، وهو نبت معروف في الحجاز.

    سفيان بن عيينة:

    يجددون لنا سيرة علماء الحديث الذين كان الواحد منهم يحضر مجلس التعليم والفقه وهو ابن عشر سنوات وإحدى عشرة سنة، واثنتي عشرة سنة، حتى إن سفيان بن عيينة يقول: كنت أختلف إلى الزهري وأنا صبي صغير، حتى إن له جعابتين تجدل رأسه كما يفعل الصبيان الصغار.

    قال: فاختلفوا يوماً عند الزهري في حديث، قال بعضهم عن سعيد، وقال بعضهم عن أبي سلمة، قال: فقال الزهري: ما تقول يا صبي فيما اختلف فيه هؤلاء الرجال الكبار، هل الحديث عن سعيد أم عن أبي سلمة؟ قال فقلت له: (عن كُلاهما) بضم الكاف، قال: فضحك مني، عجب من قوة حفظي، وضحك من لحني لأني أخطأت في اللغة العربية لكنه ضبط الحديث.

    وكذلك الرجل الآخر الذي يقول: كنت أغدو على مجلس علماء الحديث ووجهي كالدينار، وطولي سبعة أشبار، وفي أذني أقراط كآذان الفأر، فإذا رأوني وفي يدي المحبرة والكتاب، قالوا: أفسحوا للشيخ الصغير، فكان هؤلاء يتربون في أتون المعارك، أو في مجالس العلم، أو المساجد، أو أماكن العبادة والتقوى حتى إن الواحد منهم كان يتعلم التعبد والخشوع والورع والدين قبل أن يتلقى الحديث وغيره.

    الاستفادة من جميع المؤثرات:

    فنحن بحاجة إلى أن تتوفر جميع الأجهزة الموجودة في المجتمع، أولاً: المسجد، ثم البيت، ثم المدرسة، ثم الشارع، ثم الأجهزة الأخرى المؤثرة، مثل أجهزة الإعلام، والأجهزة التابعة لرعاية الشباب وغيرها، الأصل أن هذه الأشياء كلها تتوفر لبناء الشاب الذي يعرف كيف يستثمر وقته في ما يفيد، والذي يصدق عليه وصف الشاعر الذي يقول:

    غلام من سراة بني لؤي      كلابي الأبوة والجدود

    جدير عن تكامل خمس عشر     بإنجاز المواعد والوعيد

    غلام من سراة بني لؤي منابي الأبوة والجدود، يعني ينتسب فيها بني لؤي إلى بني عبد مناف، تلقى علم الرجولة والشهامة والتقوى والأريحية جدير عند تكامل خمس عشرة سنة بإنجاز المواعد والمواعيد، عمره خمس عشرة سنة، لكن مع ذلك يستطيع أن ينجز ما وعد أصدقاءه، أو ما توعد أعداءه، فإذا توعد أعداءه بشيء أنجز.، وإذا وعد أصدقاءه بشيء أنجز.

    أما نحن اليوم؛ فنحن لا ننجز وعداً ولا وعيداً، نعد الناس بأشياء كثيرة أننا سوف نفعل ونفعل ولا ننجز، ونتوعد أعداءنا بأننا سنلقي بهم في البحر، ونقتلهم قتل عاد، ونفعل بهم، ونشجب ونستنكر، ولكننا لا نفعل شيئاً من ذلك.

    ولذلك حق علينا قول الشاعر:

    زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً     أبشر بطول سلامة يا مربع

    لا يرغب فينا صديق، ولا يرهب منا عدو، هذا كبيرنا فضلاً عن صغيرنا.

    نحن بحاجة إلى من يجدد لنا سيرة محمد بن القاسم الذي يقود الجيوش وعمره خمس عشرة سنة.

    إن الشجاعة والسماحة والندى      لـمحمد بن القاسم بن محمد

    قاد الجيوش لخمس عشرة حجة     يا قرب ذلك سؤدد من مولد

    قاد الجيوش لخمس عشرة حجة     ولهاته عن ذاته أشغال

    زملاؤه يلعبون في الشوارع لا زالوا أطفالاً وصبياناً، وهو يقود الجيوش والمعارك.

    نحن بحاجة إلى من يجدد لنا سيرة ابن تيمية رحمه الله، جلس للتعليم وعمره (19) سنة ولما أكمل (20) سنة كانت حلقته حلقة هائلة لا يدرك مداها، وكان الشيوخ الذين قد شابت لحاهم في الإسلام يحملون الدفاتر والمحابر ويكتبون ما يقوله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089312940

    عدد مرات الحفظ

    783562706