فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
إنني لأشعر بسعادة غامرة وأنا أجلس بين ظهرانيكم في هذا البلد الكريم، الذي طالما تشوقت إلى لقاء أهله، وإلى لقاء إخواني في الله تعالى في هذا البلد، فالحمد لله الذي يسَّر هذا، في هذه الليلة المباركة ليلة الخميس، الثالث عشر من شهر ذي القعدة لعام (1412هـ) وعنوان هذه المحاضرة -أيها الأحبة- هو آية من كتاب الله تعالى: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8].
وإنما رغبت في الحديث عن هذا الموضوع، موضوع أن الدين كله موصوف بأنه يسر، لأن هذه الكلمة أصبحت في نظر كثيرين كلمة مطاطة، فأصبح الواحد منهم من الممكن أن يصنع كل شيء، ويرتكب كل مخالفة، فإذا وجد من يمنعه أو يردعه أو ينكر عليه قال له: يا أخي! ما بك؟ قال: الدين يسر.
فاتخذوا من هذه الكلمة ذريعة إلى ارتكاب حرمات الله تعالى، وتعدي حدوده، بحجة أن الدين يسر.
وفي المقابل نجد أن آخرين -وهذا واقع أيضاً- يقولون فعلاً: الدين يسر، ولكن هذه الكلمة تحولت عندهم إلى مجرد شعار غير قابل للتطبيق، فهو يوافق نظرياً على أن الدين يسر، لكن عندما تأتي إلى سلوكه العملي في حياته الشخصية، وفي معاملته لأهله، وفي عمله وفي دعوته وفي تعليمه وفي فتواه وفي أي عمل من الأعمال أو أمر من الأمور؛ لا تجد هذا اليسر الذي وصف به الدين، فهو يصف الدين باليسر إجمالاً، ولكنه لا يدخل هذا اليسر في التفصيلات، ولذلك ينال الناس من هذا حرجٌ شديد.
فأحببت أن أحاول من خلال النص القرآني والنص النبوي، أن أمسك العصا من الوسط -كما يقال- وأن أجعل القرآن والحديث هادياً لنا في هذا الطريق، حتى نعرف كيف كان الدين يسراً، وما هي مجالات اليسر لهذا الدين.
ويقرأ المسلمون -أيضاً- قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8] واليسرى هي الشريعة الميسرة، التي ليس فيها حرج ولا عنت ولا شدة، واليسرى هي الحياة الهنيئة السعيدة، التي ليس فيها قلق ولا ضيق ولا ضنك.
إنها حياة المؤمنين الأتقياء الذين كتب الله لهم في هذه الدنيا السعادة بطاعته وعبادته، واليسرى هي كلمة التوحيد، بما فيها من وضوح ونقاء وسلامة وملاءمة للفطرة، واليسرى هي الجنة نهاية المؤمنين المتقين، الذين جعل الله لهم السعادة في الدنيا عربوناً للسعادة التي تنتظرهم في دار القرار.
ويقرأ المسلم -أيضاً- قول الله عز وجل: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17] فيفهم من هذا بفطرته السليمة، أن القرآن كتاب ميسر، ليس فيه مشقة ولا حرج ولا عنت، يقرؤه الشيخ الكبير، ويقرؤه الأعجمي والطفل الصغير، حتى إنك تجد -أحياناً- طفلاً صغيراً ربما لم يجاوز السابعة أو الثامنة أو العاشرة من عمره، وهو يحفظ القرآن عن ظهر قلب، وقد رأيت بأم عيني أطفالاً يؤمون الناس في أوزاعٍ في المسجد الحرام يقرأ الواحد منهم القرآن عن ظهر قلب، وربما كان دون العاشرة من عمره، وهذا من تيسير القرآن في لفظه، وتيسيره في معناه، وتيسيره في فهمه، وتيسيره في قراءته، فهو ميسر، وتيسيره -أيضاً- في فهمه والاتعاظ به، ولهذا قال: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:15].
لأنه يعلم أن الأمور كلها بيد الله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن القضاء والقدر نافذٌ لا محالة، ولكنه متعبد بفعل السبب، فيفعل السبب وكله ثقة بالله، فإن أجرى الله هذا الأمر فرح به وسُر، وقال: شكراً لك يا رب. وإن امتنع رضي أيضاً، وقال: شكراً لك يا رب. فربما كان الخير فيما منعه الله تعالى منه قال تعالى: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19] وقال أيضاً: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216]
فإذا أصابه شيء من ذلك لم تضق الدنيا في عينه، ولم تظلم في وجهه، لأنه يتذكر الآية القرآنية التي يقول فيها ربنا عز وجل: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5-6] فيدرك أن هذه الدنيا يصحب العسر فيها للمؤمن خاصة يسر بل يسران {ولن يغلب عسر يسرين} فحيثما اشتد الأمر شعر المسلم بأن هذا مؤذن بقرب الفرج:
اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليلك بالبلج |
فيؤمن بأن هذا العسر يتبعه يسر.
مثلاً: الجهاد شريعة إسلامية، هل فيها حرج؟ لا، لأنه وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78] فيعلم المسلم وهو يجاهد، ويخوض المنايا، ويصارع الموت وينازله في المعارك، ويرى إخوانه وأحبابه تتساقط رؤوسهم أمامه، ويعقر جواده، ويهراق دمه، ويقسم ماله، وتتزوج زوجته من بعده، يرى أن هذا كله ليس فيه حرج بوجه من الوجوه، لأن الله تعالى نفى عنه الحرج، وقال: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].
إذاً القاعدة الأولى: أن كل أمر من الدين لا يمكن أن يكون فيه حرج.
وهكذا جاءت سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم مرادفةً للقرآن، ومؤكدة على هذا المعنى، أن الدين ليس فيه حرج بوجه من الوجوه، فمثلاً في حديث أبي هريرة، الذي رواه البخاري في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا} فوصف الدين بأنه يسر كله، فقوله: { ولن يشاد الدين أحد } أي يأخذه بالشدة والقوة { إلا غلبه} أي: غلبه الدين، ولذلك تجد أن الذين يفرطون في أمور الدين يؤول بهم الأمر إما إلى مشقة شديدة على أنفسهم، وإما إلى إفراط وتضييع والعياذ بالله ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: { فسددوا } أي: احرصوا على أن يكون رميكم صواباً، وأن يكون اتجاهكم سليماً ووسطاً قصداً، بين الإفراط والتفريط، بين الغلو والجفاء.
وإذا أعوزكم التسديد، وحصل عند الإنسان شيء من التقصير فليقارب، أي يحرص على أن يكون قريباً من الصواب وأبشروا، واستعينوا على طريقكم إلى الله -تعالى وطريقكم إلى الجنة { بالغدوة، والروحة } بالسفر أول النهار، حيث النشاط والقوة والروحة وهي: السير بعد الزوال حينما تهدأ الشمس وتبرد، {وبشيء من الدلجة} يعني: مسير الليل أيضاً. {والقصد القصد تبلغوا } يعني اعتدلوا.
فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم، شبه المسلم والعالم وطالب العلم والداعية بإنسان يريد أن يسافر، فلو فرض أن هذا المسافر قال: الطريق طويل، وأمامي مواعيد وارتباطات، ولابد من السرعة، فجار على راحلته -سواءً كانت بعيراً أو غيره، كما كانت وسيلة النقل في الماضي، أو حتى لو كانت سيارة، كما هي وسيلة النقل اليوم- فتجد أنه يجور عليها ولا يتوقف، فيركب هذه السيارة ولا يتوقف لملاحظة عيارات السيارة مثلاً، ولا لغير ذلك، ولا يقف ليبرد الجو، وإنما وضع رجله، وسار مسرعاً يقطع الفيافي والقفار، وينهب المسافات نهباً، وبعد ذلك ربما تعرض للسيارة عطل، وترتب عليه تأخير طويل، وربما أصبحت السيارة غير قابلة للمشي، فتأخر كثيراً أو ترك المسير، فترتب على ذلك أنه ضيع هذه الدابة أو السيارة وأتلفها، وكذلك لم يحصل على ما يريد من السفر.
ولهذا جاء في الحديث الآخر: {إن المُنبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى} فلا هو قطع المسافة ولا هو احتفظ بالظهر أي: (الدابة) التي كان يركبها، ولهذا قال: {القصد القصد تبلغوا} لكن الذي يسير بهدوء واعتدال، ويعطي السيارة حقها، فإنه يصل -بإذن الله تعالى- في وقت مقارب، وهو -أصلاً- إذا كان عَّود نفسه على الاعتدال، فإنه يحتاط لسيره احتياطاً مناسباً، فتجد أنه لا يصيبه من لأواء السفر ووعثائه إلا الشيء اليسير.
بعد فترة وجد أنه لم يجد المجال الذي ينتظره، فذهب إلى ميدان ثالث، فأصبح هذا الإنسان مشتتاً لا يستقر على حال من القلق، لكن لو أنه مشى رويداً، وبدأ يحافظ على الفرائض ويبكر إليها، ويحافظ على وضوئها وركوعها وسجودها، ويقرأ ما تيسر من القرآن كما أمر الله عز وجل، ويصلي من الليل ما كتب له، ويصوم الاثنين والخميس، وأيام البيض، وأيام الست من شوال، وما أشبه ذلك، ويأمر بالمعروف، ويقول كلمة الحق، ومع ذلك فإنه يستمتع بما أحل الله تعالى له من أكل وشرب ونوم وغير ذلك، ويصل رحمه، ويحسن إلى جيرانه، ويقوم بتجارته ودراسته وأعماله وغير ذلك، فإن هذا الإنسان غالباً يستقر على تلك الحال، ولا يكون عرضة للتقلب والتلون.
وعن أعرابي لم يُسم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {خير دينكم أيسره} والحديث رواه أحمد وسنده صحيح، وكذلك قال عروة الفقيمي فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم: {إن دين الله تعالى يسر} وسنده أيضا حسن، وكذلك حديث بريدة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {عليكم هدياً قاصداً} قاصداً: معتدلاً، لا إفراط فيه ولا تفريط، قال صلى الله عليه وسلم: {فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه الدين}.
إذاً اليسر طابع عام للإسلام، وطابع لشخصية النبي صلى الله عليه وسلم، في كل أموره وفي كل أعماله، بل هو صفة للدين، في العقيدة، وفي الشرائع، وفي الأحكام، وفي المعاملات، وفي البيوع، والدعوة، والتعليم، والجهاد، وفي كل شيء.
وإليك نماذج من اليسر في الدين، وما يقابلها من اليسر في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم الذي وصفه أحد كتاب الغرب وأدبائهم، ويقال له برناردشو يقول: لو كان محمد -ونقول: صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: حياً لحل مشاكل العالم ريثما يشرب فنجاناً من القهوة.
إذاً مشاكل العالم كلها، اقتصاديها وسياسيها واجتماعيها وإداريها، يمكن أن تحل، لكن ليس بالتعقيد وليس بالتشديد وإنما باليسر.
فهناك فقدان الثقة في العالم كله، فقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الأب وابنه، وبين الزوج وزوجته، وبين المدير أو الرئيس وبين من تحت يده، وبين المدرس والطالب، وبين الدولة والأخرى، وعموماً فقدان الثقة هو من أهم أسباب تعقيد الأمور، فلو أن أمورنا كلها حُلَّت عن طريق اليسر والتيسير والمسامحة، لربما زال من ذلك شيء كثير.
الأعرابي كان يعرف معنى: (لا إله إلا الله) فكان يناديهم: {يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا} فجعل الهم كله هماً واحداً، ودعاهم إلى كلمة واحدة وقضية واحدة، ولم يشعبهم في الأموركلها، لماذا؟ لأن هذه الكلمة هي المفتاح، فإذا قبلوا هذه الكلمة انتهى كل شيء، وزالت الحرب، وانتهت الخصومة، وأصبح هؤلاء القوم مسلمين، وبدأوا بعد ذلك يتقبلون كل شيء أتاهم عن الله عز وجل.
فهكذا كانت سيرته، وديدنُه صلى الله عليه وسلم، ينـزل في القبائل قبيلة قبيلة، وفي المواسم في الحج، وفي الأسواق وفي نوادي قريش، وفي المسجد الحرام، وكل ما يقوله صلى الله عليه وسلم يثير معركة واحدة فقط، هي معركة الألوهية، معركة التوحيد: {يا أيها الناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا}.
وقد أجَّل صلى الله عليه وسلم كل شيء آخر غير هذه الكلمة وغير هذه الخصومة، لأن هذه الكلمة من شأنها أن تنهي جميع الخصومات التي يمكن أن تقوم. كان الرجل من الناس يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قضى خمسة وعشرين سنة في الجاهلية، وقضى خمسة وثلاثين سنة وهو يسجد للآت والعزى ومناة الثالثة الأخرى، فيجلس إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم عشرة دقائق، أو ربع ساعة على أكثر، فيعلمه الدين والإسلام، ويخرج هذا الرجل -لا أقول مسلماً- بل يخرج مسلماً مؤمناً داعيةً إلى الله عز وجل.
مثل: الطفيل بن عمرو الدوسي، والقصة طويلة لكني أختصرها وأصل قصته في صحيح مسلم: { يأتي إلى قريش فما يزالون به حتى يضع في أذنيه القطن، لئلا يسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما اقترب منه أبى الله إلا أن يسمعه شيئاً، فقال: أنا والله رجل لبيب أعرف الشعر، وأعرف ألوانه وهزجه وقصيده ورجزه ومقبوضه، ومبسوطه، فأسمع من الرسول (صلى الله عليه وسلم) فإن رأيت حقاً قبلته وإن رأيت باطلاً رددته، ولا يمكن أن أجبر بعقل غيري، فيقوم وينـزع القطن، ويسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم، فسمع كلاماً جزلاً فخما قوياً عظيماً، وهو القرآن، فآمن وأسلم. وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: إلامَ تدعو؟ فعلمه الإسلام، فقام هذا الرجل من عند الرسول صلى الله عليه وسلم -لا أقول مسلماً فقط- بل قام مسلماً مؤمناً داعية، وذهب إلى قومه، فتأتيه زوجته لتسلِّم عليه، فقال: إليك عني، فلستُ منكِ ولستِ مني، قالت: ولم فداك أبي وأمي؟ قال: إني قد أسلمت وتبعت محمداً صلى الله عليه وسلم. قالت: ديني دينك. فقال: اذهبي واغتسلي. فذهبت واغتسلت ثم شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله }.
يأتيه أبوه وأمه فيقول لهم نفس الكلام, ويأتيه قومه وقبيلته فيقول لهم كذلك، فيسلمون كلهم عن آخرهم على يد رجل لم يمكث في مدرسة إلا مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، تلَّقى فيها درساً أو محاضرة كانت مدتها خمسة عشر دقيقة أو قريباً من ذلك.
فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاجر إلي المدينة، جاءه عمرو بن عبسة بعد زمان طويل ربما عشر سنوات أو أكثر، فلما لقي النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {أتعرفني؟ قال: نعم، أنت الذي أتيتني بـمكة، قال: نعم} فهذه البساطة - إن صح التعبير - والبعد عن التعقيد في تعليم الدين.
بُعِثَ بالعبودية لله وحده لا شريك له، وأن تهجر الأوثان، لا لات ولا عزى ولا مناة ولا هبل، وأن يُوحَّد الله، وأن تُوصل الأرحام، وتُكرم الضيوف، ويُحسن إلى الفقير والمسكين وابن السبيل، فهذه هي الصورة الواضحة النقية لدعوة التوحيد التي كان يدعو إليها النبي صلى الله عليه وسلم.
إذاً تجاوزوا مرحلة الإسلام، وتجاوزوا مرحلة الإيمان أيضاً، وتعدوه إلى مرحلة الإنذار، إنهم منذرون، أي: صاروا دعاة بمجرد حضورهم صلاة واحدة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنذرون من طراز فريد، يقف الواحد منهم خطيباً أمام قومه، وهو يقول: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الأحقاف:30-32]. فهؤلاء القوم هزوا قلوب الجن بالإنذار والتحذير، وقالوا لهم: بعث نبي جديد من بعد موسى يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم، وفي الآية الأخرى قال تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً [الجن:1-2] كلام طويل يعبر عن لهفتهم وتأثرهم وانفعالهم بهذا الذكر وهذا الوحي، قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17].
ولكن كثيراً من الناس وضعوا أثقالاً وأغلالاً بين الناس وبين الدين، فأصبح الكثيرون يعتقدون أن هناك صعوبة في تدين الإنسان والتزامه واستقامته، لماذا؟ لأننا بمحض إرادتنا واختيارنا -وأحياناً باجتهادنا- نضع عقبات أمام الناس، تحول بينهم وبين الالتزام، وأضرب لذلك مثلاً:
الصوفي -مثلاً- الذي يقول لمن يريد الإسلام: لا يمكن أن تكون مؤمناً حقاً حتى تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ومع ذلك لا بد أن تتبع شيخنا، وتكون مريداً له، وتتابعه فيما يريد، وتصدقه فيما يقول، وتحضر درسه مثلاً، هذا أضاف إلى الدين تعقيداً ليس من أصل الدين حال بين الناس وبين الدين.
كذلك المتعصب لمذهب من المذاهب الفقهية، والذي يقول لأي مسلم جديد: لا يمكن أن تكون مسلماً حقاً إلا إذا آمنت بالله ورسوله، وأيضاً اعتقدت بأن مذهب الشافعي -رحمه الله- هو الحق، واتبعته في الفروع كلها، أو مذهب أبي حنيفة -رحمه الله- أو مالك -رحمه الله- أو غيرهم، فأضفنا شيئاً جديداً ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وما أمر به، ولا ألزم به أحداً من الناس، وكان يمكن أن نقول لأي مسلم جديد: لا نحتاج إلى أحد من الناس، يكفيك أن تكون تابعاً لإمام الأئمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيكفيك القرآن، والحديث، فتقرؤه وتعمل بما فيه، فقد نـزل للفيلسوف في صومعته، ونـزل للعالم في مختبره، ونـزل للذكي شديد الذكاء، والعبقري، كما نـزل للغبي الذي ربما لا يفهم من الأمور إلا القليل، ونـزل للعربي كما نـزل للعجمي.
فالطريق إلى الإسلام مفتوحة، وهذا من التيسير في الدعوة، فمثلاً الأمم السابقة كان يقال لهم: إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:54] فكانت توبتهم أن يقتلوا أنفسهم حتى قتل بعضهم بعضاً، قيل: قتل منهم في ليلة واحدة أكثر من سبعين ألفاً من بني إسرائيل، فهذه كانت توبتهم (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ).
النصارى اليوم، لا يستطيع الواحد منهم أن يتوب هكذا ببساطة، حتى يأتي إلى القسيس، ويقوم بعملية الاعتراف أمامه، فيعترف أمامه بذنوبه، وبناءً على هذا يكون هذا القسيس وسيطاً وشفيعاً بينه وبين الله عز وجل، لكن في الإسلام كل هذه الطقوس لا مكان لها، كل ما في الأمر أن المذنب ولو بلغت ذنوبه عنان السماء، ولو أتى من الجرائم بكل ما يخطر على بال؛ من الزنا والفجور والقتل وسفك الدم الحرام ونهب المال وغير ذلك، كل ما يتطلبه الأمر أن يرفع يده إلى السماء ويقول: أستغفر الله وأتوب إليه. ويواطئ قلبه لسانه على ذلك، فإن كان في ذلك حقوقاً للمخلوقين ردها إليهم، ولا يحتاج إلى شفيع ولا إلى وسيط في هذه الدنيا لقبول توبته، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيح من حديث صفوان بن عسال: {إن للتوبة باب قبل المغرب مسيرة سبعين عاماً لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها}
يأتي ماعز، والغامدية، فيقول: لعلك قبَّلت، لعلك غمزت، لعلك لعلك... حتى يعترف الرجل ويُصرّ على اعترافه، فيقيم عليه الحد. وكذلك الغامدية قال لها: لعلِّكِ لعلَّك... تقول: {تريد أن تردني كما رددت
فأصل الاعتقاد في التجاوز عن الأخطاء؛ أن الإنسان يعتقد أن الله سبحانه وتعالى قد يغفر لكل إنسان إلا الشرك، لقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] فقد يغفر الله تعالى للعبد كل ذنب إلا الشرك، فلا تحكم على أحد بخطأ أن الله تعالى سوف يعذبه أو يعاقبه، فإن الله تعالى بكرمه ينجز الوعد، ولكنه قد يعفو عن الوعيد، وكما قيل:
ولا يرهب ابن العم والجار سطوتي ولا أنثني عن سطوة المتهدد |
وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي |
فكان العباس رضي الله عنه يقول: [[كنا نراه في أسواق المدينة يمشي ودموعه تقاطر على لحيته]] حباً في هذه المرأة التي لم تُرِدْه بعدما أعتقت.
المهم حتى أدق الأمور يأتون بها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان معهم أكثر وقته، ومع ذلك لم يكن ليتكلم على هذا ويوبخ هذا ويعاتب هذا، بل بالهشاشة والبشاشة والبسمة ولين الجانب والسماحة.
فتوقع p=1000174عمرو بن العاص
رضي الله عنه، أنه أحب الناس إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لما يرى من حسن خلقه معه ومعاملته ولطفه وبشاشته في وجهه، فقال كما في صحيح البخاري: {يا رسول الله! من أحب الناس إليك؟ قال:ما لعن أحداً ولا سب ولا شتم، وقلَّ أن يرى الغضب في وجهه إلا إذا انتهكت حرمات الله تعالى، فإنه حينئذٍ لا يقوم لغضبه شيء.
ولكن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، ورسول الله وخاتم النبيين كانت تواعده في أي مكان من سكك المدينة، فيصغي أذنه لها، فتتكلم وتتكلم حتى ينتهي ما عندها، ولا ينتهي الأمر، بل يذهب الرسول صلى الله عليه وسلم ليشفع لها، أو يتدخل عند أوليائها وعند سادتها إلى غير ذلك من الأمور.
كثيرون اليوم يستحي الواحد منهم أن يعبر عن شعوره تجاه زوجته مثلاً، ويستحي الواحد منهم، بل يستعيب أن يذكر أو أن يعرف الناس اسم زوجته، ويعتبر هذا عاراً، وأنه منافٍ للمروءة والرجولة، لكن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم يُسأل: من أحب الناس إليك؟ فيقول: عائشة. فذكر اسم زوجته وأيضاً أنها أحب الناس إليه.
وكان عليه السلام يقف لـعائشة وهي تنظر إلى الحبشة، وهم يلعبون في المسجد حتى تمل، فإذا ملت وسئمت انصرفت وانصرف صلى الله عليه وسلم.
مرة من المرات كسرت عائشة رضي الله عنها الصحفة من الغيرة أيضاً، جاءت زوجة أخرى فقدمت طعاماً، وهو يوم عائشة، فضربت الصحفة فكسرتها وانتثر الطعام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {طعام بطعام وصحفة بصحفة} وأمر أن الصحفة السليمة ترسل إلى تلك المرأة، وأن الصحفة المكسورة ترد إلى عائشة، ويؤكل الطعام بها.
أخطأت عائشة رضي الله عنها يوماً، فوضعت قراماً فيه صور أو تماثيل في سهوة لها، أشبه بالنافذة للغرفة، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم استعظم ذلك، فرأت الغضب في وجهه، فقالت: أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟ فقال: {إن هؤلاء المصورون يعذبون يوم القيامة....الخ}. المهم أمرها أن تهتك هذا الستر، فهتكته وجعلته وسائد.
لكن كثيراً من الرجال تجد أن حياتهم مع زوجاتهم تقوم على أساس الهجر، فهو يغضب من أجل الطعام، ويغضب لأن الثوب غير مكوي اليوم، ويغضب لأن الأطفال ليسوا نظيفين بما فيه الكفاية، ويغضب لأن البيت لم يكنس، ويغضب لأسباب كثيرة جداً، وربما تكون علاقة الزوجين تقوم غالباً على أساس الهجر والترك، وأول وآخر علاج يعالج به زوجته هو أن يهجرها، إما بترك الكلام أو يهجرها في المضجع أو غير ذلك.
دعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة كما في الصحيح، فأجابه وأكل منها صلى الله عليه وآله وسلم.
دعته امرأة بـخيبر -زينب كما هو معروف- هو وجماعة من أصحابه، دعتهم إلى طعام، فأكل صلى الله عليه وسلم وأكلوا، ونهس نهسة وكان فيها سم، فألقاها عليه الصلاة والسلام وقال: {إن هذا الذراع يخبر أنه مسموم} والقصة معروفة وهي في الصحيح.
{جاءه اليهود وقالوا: السام عليك يا رسول الله! فغضبت
وكان في جيرانه غلام يهودي، فكان يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما حضرته الوفاة جاءه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: { يا غلام! قل لا إله إلا الله. فنظر إلى أبيه فقال له أبوه: أطع أبا القاسم. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من عنده وهو يرفع يديه إلى السماء ويقول: الحمد الله الذي أنقذه من النار} وأسلم هذا الغلام ومات على الإسلام، والحديث في صحيح البخاري
المشركون كيف عاملهم؟ عاش في مكة ثلاث عشرة سنة بين أظهر المشركين والوثنيين، فكان يعاملهم ويبيع منهم ويشترى، ويدعوهم ويتحدث معهم، وغير ذلك من ألوان المعاملات التي تجري عادة بين هؤلاء الناس، ومما يقطع به قطعاً لا شك فيه: أن النبي عليه السلام لم يكن يهجرهم أبداًً، بل كان يعاملهم، ويأخذ منهم ويعطيهم، ويبيع منهم ويشتري، ويدعوهم إلى الله عز وجل، ويحضر مجالسهم ويحادثهم، وربما كنى بعضهم إلى غير ذلك.
نموذجان من معاملاته بصفة خاصة لبعض المشركين:
الأول: قصة غورث بن الحارث، وهي في صحيح مسلم: { لما نـزلوا في منـزل، وكانوا يتركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مكان تحت شجرة، فنام تحته صلى الله عليه وسلم، وتفرق أصحابه في الأشجار، فجاءه رجل مشرك فأخذ السيف وسله على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا محمد! من يمنعك مني؟ فقال: الله. فسقط السيف من يده، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: من يمنعك مني؟ فقال: لا أحد، قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. قال: لا } انظر كيف الوضوح عند هذا الرجل وإن كان مشركاً لكن ليس عنده نفاق، ما آمن ولذلك قال: لا، والسيف على رقبته قال: {ولكني أعاهدك ألا أحاربك، ولا أكون مع قوم يحاربونك} فجاء الصحابة فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم خبر هذا الرجل.
القصة الثانية: قصةثمامة بن أثال سيد بني حنيفة، لما أخذه المسلمون وكان يريد أن يعتمر، فقبضوا عليه وأودعوه في المسجد، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: {ما عندك يا
ثم ذهب هذا الرجل إلى قريش فقال لهم: والله لقد أسلمت، ولا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فرض عليهم الحصار الاقتصادي إلا بإذن الرسول عليه الصلاة والسلام.
جاءه أعرابي فسأله عن الإسلام، فذكر له الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، فقال: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق} بل في رواية: {من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا}.
ليس هناك أحد من الصحابة ذكر في سيرته أنه صلى لله في ليلة ألف ركعة، ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان يصلي إحدى عشرة ركعة من الليل، وفي بعض الأحيان ثلاث عشرة ركعة، كان يصلي من الليل وينام كما قال الله: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً [المزمل:2-5]. كيف كان صلى الله عليه وسلم يُعِّلم الناس الصلاة؟
{جاءه رجل فصلَّى ثم سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ارجع فصلّ فإنك لم تصل ثلاث مرات وهو المسيء في صلاته، والحديث في الصحيحين- قال له: يا رسول الله! والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني. قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم اجلس حتى تعتدل جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها}.
هذه هي الصلاة في أوضح وأبسط وأجلى صورها، علمها النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل، بل إنه عليه الصلاة والسلام ذكر أنه من لم يحسن قراءة الفاتحة فليذكر الله تعالى ويقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلابالله. وذلك إذا كان لا يستطيع أن يقرأ الفاتحة ولا يحسنها ولا يتعلمها.
وأذن للإنسان أن يصلي في كل مكان، فقال عليه الصلاة والسلام: {جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة صلى حيث كان} وكان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم متواضعاً، مبنياً بناءً بسيطاً بعيداً عن التكلف، وعن التشييد، وكانت أبوابه مشرعة -مفتوحة- حتى قال ابن عمر كما في صحيح البخاري: [[كانت الكلاب تقبل وتدبر]] وفي رواية: [[وتبول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وما كانوا يرشون شيئاً من ذلك]] لأنه إما أن الشمس تزيل هذا، أو لأنه لا يظهر أثر البول على مكان معين.
وقال صلى الله عليه وسلم بالنسبة للعاجز، كما في حديث عمران بن حصين وهو في الصحيح: {صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب} قال تعالى: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].
كذلك الذكر وقراءة القرآن -مثلاً- من جواز القراءة عن ظهر قلب حتى لغير المتوضئ ما لم يكن جنباً، لكن لا يمس القرآن إلا طاهر، وكذلك يذكر الله تعالى وسبحه ويهلله، ولو كان جنباً، وهذا بالإجماع، لكن لا يقرأ القرآن حتى يغتسل.
هذا سيد البشر صلى الله عليه وسلم، وهذا تيسيره في أمر العبادة، في أمر الطهارة والصلاة والحج والزكاة والصوم وغيرها، وبعده عن ألون التكلف في ذلك.
أو تقارنه بحال الغلاة من المتصوفة وغيرهم، وما يذكر عنهم من طول التعبد فيما يزعمون، وما هي بعبادة، أو ما يذكر عنهم من الأحوال وغيرها.
أو تقارنه بحال الخوارج، الذين هم كما قال عنهم عليه الصلاة والسلام: {يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وقراءته إلى قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية} وقد آل بهم الأمر إلى تكفير المؤمنين، بل تكفير بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن هؤلاء القوم غلوا في العبادة، ولم يفهموا معنى التيسير في الإسلام، فكانت عندهم جرثومة تعظيم ورؤية النفس والاغترار بالعمل.
أما صاحب المعصية -مثلاً- فعلى رغم معصيته هو خير منهم، لأن صاحب المعصية لا يقوم في نفسه دافع الغضب من المعصية والمقت لأهلها، ولا يقتنص النصوص من أجل أن يكفر فلاناً وفلاناً، بل تجده متواضعاً لله عز وجل، ولهذا ربما يكون الإنسان الذي عنده قدر من العبادة خيراً من الإنسان الذي بالغ في التعبد إذا صاحب تعبده اغترار، أو إعجاب، أو رؤية النفس، أو يظن أنه بذلك استحق الجنة، كلا! بل عبادة قاصدة معتدلة، مع تواضع لله عز وجل واعتراف بأن النعمة منه، وأن العبد لو قضى حياته كلها في سجدة واحدة ما أدى شكر نعمة الله عز وجل، بل العبادة من نعمه، والإيمان من نعمه، والشكر من نعمه، وكما قيل:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة علي له في مثلها يجب الشكر |
فكيف أقوم الدهر في بعض حقه وإن طالت الأيام واتصل العمر |
عدم السؤال الافتراضي؛ لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يسمح بأن يفترض الناس أسئلة خيالية، ثم يسألون عنها، وكره النبي صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها كما في صحيح مسلم.
فالأصل في الأشياء الطهارة، في المياه والبقاع والثياب وجميع الأشياء، ولذلك كان يلبس الثياب التي نسجها المشركون، ولا يلزم أن يغسلها، بل أجمع المسلمون عل جواز لبسها دون أن تغسل، وكان أصحابه يلبسون من الثياب الرومية وغيرها، ولا يقال عن شيء إنه نجس إلا بدليلٍ ظاهرٍ قاطع على نجاسته.
ولهذا استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم آنية المشركين، وأكل فيها وشرب منها، كما في الحالات التي دعوه فيها إلى بيوتهم، وكما إذا سيطر المسلمون على أرض، أو غنموا شيئاً من الغنائم من المشركين، كالملابس أو الأواني أو غيرها، كانوا يستعملونها دون غسل، بل توضأ النبي صلى الله عليه وسلم من مزادة مشركة، كما في حديث عمران وأصله في صحيح البخاري، إلى غير ذلك.
عدم السؤال الافتراضي: لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يسمح بأن يفترض الناس أسئلة خيالية، ثم يسألون عنها، وكره النبي صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها كما في صحيح مسلم.
ومثله -أيضاً- ما يتعلق بأسمائهم وملابسهم وعوائدهم التي لا تعارض الشرع، فإن النبي عليه السلام لم يغيرها، ولم يكن يشترط في كل من أسلم أن يغير اسمه ما دام أن الاسم ليس فيه تعبيد لغير الله مثلاً، ولا أن يغير ملابسهم بل كانت الملابس التي يلبسونها هي ملابس العرب التي كانت في الجاهلية، إلا ما كان منها معارضاً للشرع، مثل أن يكون حريراً محرماً أو مسروقاً أو مغصوباً أو مصبوغاً بمحرم أو نجساً، فهذا أمر آخر.
ومثله إذا كان يعاملها ويحتاج إلى أن يعرفها لغرض في أمر البيع، ويمكن أن يلحق بذلك -أيضاً- على سبيل المثال: موضوع التصويرعند من يقول بتحريمه، فإنهم يرون تحريمه تحريم الوسائل، فيكون جائزاً للضرورة وللحاجة وللمصلحة الراجحة أيضاً.
ولهذا كان من قواعد أهل العلم: المشقة تجلب التيسير، ويقول بعض الأصوليين: إذا ضاق الأمر اتسع وما ذلك إلا جانب من تيسير النبي صلى الله عليه وسلم في هديه، ودعوته، وعقيدته، وتعليمه، وأحكامه، وعبادته، ومعاملاته، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورضي الله تعالى عن أصحابه الكرام، الذين تلقوا عنه هذا اللون من العلم ومن الدعوة ونقلوه إلى من بعدهم.
الجواب: هذا التدريس الآن نموذج للتيسير، هذا مدرس يتمثل التيسير في تعليمه، فتجد أنه ميسر في معاملته للطلاب، يعطف عليهم، ويتجاوز عن أخطائهم، ويلطف بهم، إن أراد وضع الأسئلة يسر فيها، ليس بمعنى أنه ضيع المنهج، لكنه يكون معتدلاً، فيضع أسئلة تدل على مستوى الطالب تماماً، ليس فيها مبالغة في التشديد، وليس فيها أيضاً مبالغة في التسهيل وتضييع المنهج. عندما يأتي إلى دور التصحيح مثلاً، تجد أنه يعطي الطالب الدرجة التي يعتقد أنها مناسبة له، فبعض الناس يقف طويلاً عند الدرجة، وينقر فيعطي ربع درجة، وثلث درجة، ونصف درجة، وهناك أشياء من الممكن التسامح فيها، لأنه ليست القضية رياضيات 1 + 1 = 2، وإنما فيها مجال للأخذ والرد.
فتجد معلماً -مثلاً- يتسامح مع طلابه، وييسر في معاملاته، ويعطف عليهم، ومع ذلك يضبط الدرس، ويضبط المادة، وينهي المنهج، وجاد في تدريسه ومحبوب عند الآخرين، فهذا نموذج للتيسير في هذا الموضوع.
الجواب: أولاً: نتساءل لماذا يوجد هذا النصراني؟ خاصة أنه يبدو أنه عربي، وليس هناك أخبث من النصارى العرب، ولا أكثر حقداً منهم على الإسلام والمسلمين، فأقول: يجب أن نبذل النصيحة لمن أحضره إلى هذه البلاد، أن يبعده ويستبدله بحنيف مسلم، خاصة ونحن الآن على حالة حرب مع النصارى في كثير من البلاد، بل في كل الدنيا، حرب بين الإسلام والنصرانية، أو كما يقول بعضهم حرب بين الهلال والصليب، لكن هذا لا نرتضيه شعاراً، بل بين الإسلام وبين النصرانية، حرب قائمة لا يهدأ أوارها ولن يهدأ حتى قيام الساعة، فينبغي أن يكون جزءاً من مقاومتنا لهؤلاء الذين يذبحون إخواننا في يوغسلافيا، ويذبحون إخواننا في بلاد العرب، ويتآمرون على مكتسبات المسلمين في الجزائر، وفي تونس، وفي مصر وفي كل مكان، ويؤيدون كل عدو ضد الإسلام.
ينبغي أن يكون أقل ما نفعله أن نبعدهم عن بلادنا، ولا نتعامل معهم، لا في صيدليات، ولا في ورش، ولا في مصانع، ولا في تعليم، ولا في تدريس، ولا في استشارات، ولا في غير ذلك. ثم ينبغي إذا ظل هذا الرجل قائماً أن نكون يقظين له، ونتتبع كل ما يقوم به من أعمال، وإذا ثبت لدينا أنه يبشر أو ينصر، أو يدعو إلى ديانته، أن يضبط ذلك عنه ويبلغ لمن يستطيع أن يبعده.
الجواب: لا شك أن هذا لا يجوز، لأن البنوك الربوية قامت على أساس محاربة الله ورسوله، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279] فالربا من أكبر الكبائر، ولا يجوز تعاطيه ولا التعامل مع أهله بحال من الأحوال، ولا يجوز تأجيرهم محلات، ولا العمل عندهم في وظائف ولا غيرها، ويجب أن تعلم أن الرزاق هو الله.
حدثني أمس أحد الإخوان يقول: كنت أعرف موظفاً في أحد البنوك، وكان راتبه في البنك عشرة آلاف، فتركه لله، وتوظف بـ (2800) ريال، يقول لي: والله قلت له بالأمس: أريد أن أسألك سؤالاً. فقال: لا تسألني أنا أعرف ما ستسألني. ستقول لي: كيف استطعت أن تتعايش مع الوضع الجديد 2800 فقط؟ فقلت له: نعم. قال: والله إن بقية الراتب لا زالت في جيبي إلى الآن ونحن في نهاية الشهر، وقبل وعندما كان عندي عشرة آلاف لم يكن فيها بركة، كانت تنتهي قبل ذلك وكنت أستدين، أما الآن فيقول: والله أحتفظ ببعض المال وبعض الراتب، ويقول: والله وجدت في نفسي كرماً ما عهدته من قبل.
فالمسألة مسألة بركة، وإذا بارك الله فلا حد لبركته، وإذا محق الله البركة فلا ينفعك أن يكون عندك الملايين من الأموال.
فأنصح الإخوة الذين يتعاملون مع البنوك شراءً للأسهم، أو عملاً فيها أو إيداعاً أو تأجيراً لها، أو تعاملاً بأي لون من الألوان، أن يتوبوا إلى الله تعالى من ذلك، وأن يقاطعوا هذه البؤر التي يُحاربُ فيها الله تعالى ورسوله.
الجواب: أولاً: وسائل الإعلام إذا أثارت الخلاف، فهي تذكر بعض الحقيقة، ولكنها تتعمد تضخيم هذه الحقيقة لحاجة في نفسها، فالصحيفة التي تتمنى أن تقوم حرب أهلية في أفغانستان، تجد أنها تكتب بالخط العريض: الحرب الأهلية تدق طبولها في أفغانستان، لأن هذا ما يتمنون، قال تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118] فالخلاف قائم ولا شك، بل منذ أن قام الجهاد والخلاف قائم وموجود، ولكن الواقع أن الأمور الآن - في اعتقادي تسير نحو صورة قد تكون أفضل مما يتوقع الكثيرون، صحيح أنها ليست الصورة التي نتمناها.
وفي أوضاع الجهاد سلبيات ربما تحدثت عن بعضها فيما مضى، ولا داعي للحديث عنها الآن.
ولكن من آخر الأخبار التي وصلتني هذا اليومك أن الجناحين الذين بينهما اختلاف، الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار، وجناح أحمد شاه مسعود، أن هناك لقاءً بينهما، وأن هناك اتفاقاً على أن تكون هناك قوات محايدة يقودها جلال الدين حقاني، وهو من جناح يونس خالص، تقوم بحراسة كابول وحمايتها، وتحول بين الطرفين، وأن هذا الاتفاق يمكن أن يحظى بالقبول من الطرفين، وربما يكون كل من الطرفين يشعر بالحاجة إلى الوحدة، وإلى عدم نـزف الدماء، وأن وجود خلاف بين المجاهدين قد يكون سبباً في تدخل أطراف خارجية، هذا آخر الأخبار وهو خبر -إن شاء الله- مشجع.
الأمر الذي أحزنني كثيراً، وأحزن المسلمين أيضاً، هو وجود مجددي على رأس وسدة الحكم هناك، ولا أدري كيف تسلل هذا الرجل؟! مع أنه يرأس حزب من أصغر الأحزاب، ومع أنه رجل صوفي، وغير مرضي في مسلكه ولا في اعتقاده، ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون.
ومما يؤسفني أن هذا الرجل وضع شهرين، ولكنه يقول: إن الشعب الأفغاني يحبني وأنا لا يكفيني شهران، بل أحب أن أحكم سنتين أو أطول من ذلك، ولكنني أقول: ينبغي أن يقول المسلمون كلمتهم، وأن يضغطوا على المجاهدين في منع هذا الرجل من مثل هذه الأشياء وإيقافه عند حده.
الجواب: هذا ليس حباً في الله، لأن الحب في الله كلما زاد كان سبباً في التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، ولكن هذا الحب قد يكون حباً طبيعياً أو حب ألفة، أو قد يكون غير ذلك أيضاً، فينبغي أن يعرف أن الحب في الله كلما زاد، كان سبباً في أن يزيد أحدهما لصاحبه دعوة إلى الله ونصيحة له، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، فالحب يعرف بثمراته.
الجواب: يجب أن يأمر الرجل زوجته بالصلاة، قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132] فيأمرها بذلك، بل أن يحملها على الصلاة حملاً، فإذا أصرت على ترك الصلاة، فإنه ينبغي له أن يتركها ولا خير له فيها؛ بعد أن يستفرغ الوسع في دعوتها، وكذلك المرأة ينبغي لها أن تأمر زوجها بالصلاة، وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وتلح عليه في ذلك، وتكثر وتبذل الوسائل والأسباب، وتعطيه الكتب والأشرطة، وتوصي به الجيران، وتوصي به إمام المسجد، وتوصي به من تعرف من الأخيار، فإذا أيست من صلاحه ورأت أنه مصر على ترك الصلاة بالكلية؛ فينبغي لها أن تفارقه ولا خير لها فيه.
الجواب: نقول لهم: هذه كلمة حق عندكم أريد بها باطل، الدين يسر ولكن ليس من اليسر أن تعصي الله تعالى؛ لأن المعصية عسر على العبد، والله تعالى قال: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78] فالدين يسر، وكل ما أمر به الدين فهو يسر، وكل ما نهى عنه الدين فهو عسر.
الجواب: إذا كنتم تقيمون دائماً في هذا المكان، فإنه يمكن أن تستأذنوا في إقامة صلاة الجمعة، لأن الجمعة على الصحيح لا يشترط لها أربعون، بل يمكن أن تقام الجمعة بثلاثة، وليس للجمعة عدد يشترط له، وما ورد في ذلك من الأحاديث ليس بصحيح، إنما إذا كانوا جماعة مقيمين مستقرين، فإنه يمكن أن يقيموا الجمعة فيها، ويستأذنوا في ذلك من جهات الأوقاف، أو من الإفتاء أو من غيرها.
الجواب: اليهود الآن في حالة حرب معنا، خاصة اليهود في إسرائيل، وكذلك النصارى في عدد من البلاد، هم في حالة حرب مع المسلمين، والمحاربون لهم أحكام خاصة في المعاملات، ولكن إذا كان المسلمون في حالة استضعاف، فإنهم يسلكون المعاملة التي سبق، فإذا كانوا في حالة قوة فإنهم يسلكون معاملة أنهم يدعون الناس إلى الإسلام، فإن أبوا استعانوا بالله وقاتلوهم.
الجواب: تحدثنا البارحة في أمسية أو ندوة بعنوان:
بل يجب أن يكون هناك بذل حقيقي وصادق لهؤلاء الإخوة؛ لأنهم الآن يدافعون عن أنفسهم، وقد ترى منهم شاباً شجاعاً جلداً قوياً تنهمر الدموع من عينه، لأنه يقول: لا أملك السلاح الذي أدافع به عن نفسي، وهو شجاع، ولو طلبت منه أن يهد معسكرات فيها (300) ألف إنسان لفعل. ولا يوجد من الحليب الذي يتغذى به أطفالهم إلا نحو خمسين أو أربعين كرتوناً مثلاً. من لهؤلاء المسلمين؟! من للجياع وللأراملة وللأطفال وللنساء؟! من للشباب الشجعان الذين يقولون: نريد السلاح؟!
أنت لهم يا أخي، وهم يستغيثون بالله ثم بك، ولا يجوز لك أن تخذلهم، والله العظيم إن خذلتهم فسيخذلك الله عز وجل في موقف تحب فيه نصرتك، فأدعوكم ثم أدعوكم إلى أن تسارعوا بالبذل لإخوانكم.
ولا نسامح واحداً منكم -يستطيع- أن يخرج من هذا المسجد إلا ويبذل ما يسر الله تعالى له، من لم يجد المال فليتبرع بما يستطيع، حتى لو أن تتخلى عن ساعتك التي في يدك في سبيل الله عز وجل، قال تعالى: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً [المزمل:20] ومن لم يجد اليوم، فمن الممكن أن يأتي في الغد أو بعد الغد بما يستطيع، وندعو النساء، وندعو الإخوة إلى أن يوجهوا هذه الدعوة -أيضاً- إلى كل الناس، وينقلوا لهم هذا الكلام، ويرسلوا إليهم بعض الأشرطة التي تتكلم عن هذا الموضوع، يجب أن تكونوا كلكم رسلاً لدعوة الناس إلى التبرع لإخواننا المسلمين في يوغسلافيا.
الجواب: الجواب هو أن تذكر له النص، من اليسر ألاّ تعقّد له المسألة، بل توضحها له، عندك نص من الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، يقول: {ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما} فخلوة الرجل بامرأة غير محرم لها حرام، هذا من اليسر في التعليم، كذلك أن تبين له أن النبي صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق قال: {إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو -وهو أخو الزوج وقريبه- قال النبي صلى الله عليه وسلم: الحمو الموت} وكلا الحديثين في الصحيح.
الجواب: الحمد لله الخير الآن كثير، والعلماء والمسئولون عن الدعوة والقضاة والأخيار موجودون في هذا البلد وفي غيره، فما عليك إلا أن تبلغ هؤلاء بأي وثيقة تدل على أن هذا المنكر قائم فعلاً، وثق ثقة تامة أن هؤلاء العلماء لا يمكن أن يتخلوا عن دورهم في إنكار هذا المنكر، بزيارة المسئولين عن الشئون الصحية، ومطالبتهم بتغيير هذا المنكر وإزالته، وتطمئن قلوب الناس لذلك.
هذا وأسأل الله عز وجل أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألَّا يجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، وأن يوفقنا وإياكم لصالح القول والعمل، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر