وخيار لاختلاف المتبايعين، فإذا اختلفا في قدر ثمن أو أجرة ولا بينة لهما حلف بائع: ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا، ثم مشتر: ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا، ولكل الفسخ إن لم يرض بقول الآخر، وبعد تلف يتحالفان، ويغرم مشتر قيمته.
وإن اختلفا في أجل أو شرط ونحوه فقول ناف، أو عين مبيع أو قدره فقول بائع، ويثبت للخلف في الصفة وتغيّر ما تقدمت رؤيته.
فصل:
ومن اشترى مكيلاً ونحوه لزم بالعقد، ولم يصح تصرفه فيه قبل قبضه.
ويحصل قبض ما بيع بكيل ونحوه بذلك مع حضور مشتر أو نائبه، ووعاؤه كيده وصبرة ومنقول بنقل، وما يتناول بتناوله، وغيره بتخلية.
والإقالة فسخ تسن للنادم].
عرفنا في باب الخيار أن الخيار طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الرد؛ وذلك لأن البيع قد يقع صدفة أو بغتة بدون تروٍ، فيندم أحدهما، فيكون له الخيار في رد السلعة أو استرجاع السلعة، تارة يندم البائع فيتأسف على البيع، وتارة يندم المشتري ويتأسف على الشراء؛ فلذلك جعل هذا الخيار لرد البيع أو لتمكنه.
وذكرنا أن من أنواع الخيار: خيار المجلس، وأنه يثبت ما لم يتفرقا، فإن ندم البائع استرد السلعة، وإن ندم المشتري استرد الثمن، وإذا تفرقا أو أسقطاه فإنه يسقط، فلو قال البائع: بعتك ولا خيار لي؛ فالبيع يلزم ولو قبل التفرق، وينعقد البيع، ولو قال المشتري: اشتريت السيارة بعشرين ألفاً ولا خيار لي من الآن، ولو ندمت فلا ترد علي؛ لزم البيع.
وذكرنا خيار الشرط، وهو أن يشترطا في صلب العقد مدة معلومة ولو طويلة، تارة يشترطها كل منهما فيقول البائع: بعتك البيت بمائة ألف، ولي الخيار شهراً، فيقول المشتري: اشتريته بمائة ألف ولي الخيار شهرين. فإذا ندم البائع في هذا الشهر استرد البيت ورد الثمن، وإن ندم المشتري والبائع ما ندم رد البيت، وقال: أعطني القيمة. وقد يكون الخيار لواحد، فيقول البائع -مثلاً-: بعتك بمائة ألف ولا خيار لي. أو يقول المشتري: ولي الخيار شهراً. وتارة يقول المشتري: لا خيار لي. فيقول البائع: لي الخيار شهراً.
صورة ذلك: أن يشتري البيت -مثلاً- بمائة ألف، وقصده أن يسكنه شهراً، فيقول: لي الخيار شهراً. فيسكنه في هذا الشهر، فإذا مضى الشهر وهو قد سكنه، رد البيت وقال: ندمت، فهذه حيلة من المشتري. وكذلك تحرم الحيلة من البائع، فلو قال البائع: بعتك البيت بمائة ألف، ولي الخيار شهراً. فاستلم المائة الألف، وقصده أن ينتفع بها في هذا الشهر، أن يتجر بها ويربح فيها -مثلاً-، ولما مضى الشهر قال: رد علي بيتي وخذ دراهمك، وما قصد بهذا العقد إلا الحيلة، فهذا البيع إذا كان بهذه الحيلة لا يصح.
وإذا كان الخيار للبائع فلا يجوز للمشتري التصرف، ولا يصح، فلو كتب على الكتاب: وقف، وندم البائع، استرده وأبطل الوقفية، وكذلك لو كان المبيع بيتاً أوقفه، وكذلك لو كان المبيع شاة فباعها المشتري، لم يصح البيع؛ لأن علاقة البائع لم تنقطع، فلابد أن يستردها إذا ندم، فلا يصح أن يتصرف فيها المشتري حتى تنقضي مدة الخيار.
وكذلك لا يتصرف البائع في العوض إذا كان معيناً، كأن يقول -مثلاً-: بعتك الشاة بهذا الكيس. فالمبيع هو الشاة، والثمن هو الكيس، فأنت أيها البائع لا تتصرف في الكيس، وأنت أيها المشتري لا تتصرف في الشاة حتى تنقضي مدة خيار شرط، فلا يتصرف كل منهما فيما صار إليه.
أما إذا كان العوض دراهم، فالدراهم يقوم بعضها مقام بعض، فله أن يتصرف فيها، فإذا قال -مثلاً-: اشتريت الشاة بهذه المائة ورقة واحدة. ثم ندم بعد ذلك المشتري وقال: رد علي دراهمي، أعطيتك ورقة فئة مائة. فقال: الورقة صرفتها، أو تصرفت فيها، ولكن خذ عشر ورقات فئة عشرة. فإنه يقبلها، أو خذ ورقتين فئة خمسين. فإنه يقبلها؛ وذلك لأنه لا فرق بين هذه وهذه.
واستثنوا تصرف المشتري في العبد إذا أعتقه المشتري فإنه يعتق على الصحيح؛ وذلك لأن الشرع يتشوف إلى العتق، والقول الثاني: أنه لا ينفذ ولا يعتق؛ لأنه تصرف في شيء ليس مختصاً به، فربما يندم البائع ويقول: رد علي عبدي، فإذا قال: أعتقته، فسيقول: تعتقه وأنا قد اشترطت أن لي الخيار؟ وأنا الآن ندمت ولا أستغني عن عبدي. فيكون العتق في هذه الحال لاغياً.
أما إذا كان الخيار للمشتري، كأن قال: اشتريت العبد بألف، ولي الخيار شهراً، ثم أعتقه، والبائع ليس له خيار، فإنه يعتق.
وكذلك تصرف المشتري إذا كان الخيار له وحده، فإنه يصح، فلو ذبح الشاة سقط خياره، ولا يصح له أن يذبحها والبائع قد اشترط الخيار، أما إذا كان البائع ليس له خيار والخيار للمشتري، كما لو اشترى الشاة بمائة، ثم إنه شرط الخيار خمسة أيام، وذبح الشاة في اليوم الثاني، بطل خياره ولزم البيع.
وذكرنا خيار التدليس، وهو الذي يزيد به الثمن كالتصرية، وهي ألا يحلب الشاة يومين أو ثلاثة، فإذا رآها المشتري ظن أنها ذات لبن كثير فزاد في ثمنها، ثم يتبين له أنها مصراة، وأن هذا اللبن لبن يومين، فيردها وصاعاً من تمر بعد اليوم الثالث.
وخيار الغبن والعيب والتدليس على التراخي، ما لم يوجد دليل الرضا، إلا في التصرية فثلاثة أيام، فإذا وجد التمر مفرقاً، ثم إنه طواه، وقال: هذا لا يصلح، ورده بعد يومين، فيلزم البائع قبوله، فإذا قال: لماذا لم ترده في اليوم الأول؟ فيقول: ما تمكنت، وأشهد أنه فيه عيب.
وكذلك خيار الغبن، إذا اشترى السيارة ثم وجد أنه مغبون بزيادة الناجش أو المسترسل، لما اشتراها ورجع علم أنه غبن نصف الثمن أو ثلث الثمن، أوقفها، وقال: لا حاجة لي فيها. فإذا لم يردها إلا بعد يومين أو ثلاثة أيام، يلزم البائع قبولها، فالخيار على التراخي لا على الفور.
وذكرنا خيار التدليس، والتدليس: هو إظهار السلعة بمظهر لائق، ففي هذه الحال إذا عرف المشتري أنها مدلسة لا يلزمه أن يردها في الحال، لكن إن وجد دليل الرضا بأن استعملها، كأن لبس الثوب، أو طبخ في القدر -مثلاً-، أو استمر في حلب الشاة أكثر من ثلاثة أيام وهي مصراة -مثلاً-، أو ركب السيارة فاستعملها، أو سكن في الدار مع كونه مغبوناً.. أو ما أشبه ذلك، فإن هذا دليل على الرضا، فيسقط خياره، أما المصراة فلا يمسكها أكثر من ثلاثة أيام، وإن أمسكها أكثر فهو دليل الرضا.
وذكرنا خيار العيب، وهو ما تنقص به قيمة المبيع؛ كمرض وفقد عضو وزيادته، وكل عيب ينقص الثمن، مثل الخروق في الثوب أو في القدر، والخراب في السيارة، أو التصدع في الحيطان أو في السقف، ونقص أوراق من المصحف أو من الكتاب، وهكذا كل خلل في السلع، فإذا اشترى شاة ووجدها عوراء أو مريضة أو عرجاء فهذا عيب، فله الخيار، فإذا علم بالعيب فله الخيار بين أمرين: إما أن يردها ويأخذ الثمن، وإما أن يطالب بالأرش، وما هو الأرش؟ هو ما بين قيمة الصحة والعيب، فإذا قال: كم يساوي هذا الكتاب وهو سليم؟ يساوي -مثلاً- عشرة، والآن فيه نقص أو فيه بياض كم يساوي؟ يساوي ثمانية، فيرد عليه الخمس، كم تساوي هذه الشاة وهي سليمة؟ تساوي مائة، وكم تساوي وهي عوراء؟ تساوي ثمانين، فيرد عليه الخمس.. وهكذا، وهذه الزيادة تسمى: الأرش.
وإذا تلف المبيع تعين الأرش، فإذا ذبح الشاة أو ماتت أو احترق الثوب تعين الأرش؛ وذلك لأنه لا يمكن رده. ولو كانت الشاة فيها عور، ثم عند المشتري أصيبت عينها الثانية فأصبحت عمياء، عيب من عند البائع، وعيب من عند المشتري، ففي هذه الحال يخير بين أخذ أرش وبين رد مع دفع أرش، له الخيار: إما أن يأخذ أرش العين التي كانت عند البائع، وإما أن يرد الشاة ويرد معها أرش العين التي صارت عنده أو أرش الكسر الذي حصل عنده، وإن اختلفا عند من حدث العيب، فقال البائع: هذا انكسر عندك. وقال المشتري: بل انكسر قبل أن أشتريها. فإن القول قول المشتري، فيحلف أني اشتريتها وفيها هذا العيب، وهذا إذا لم يكن هناك بينة.
ويمكن أن يصطلحا فيقول: أسقط عنك العشرين التي زدتها، فأنا اشتريته بثمانين فيصير الثمن بتسعين، بدلاً مما كان بمائة وعشرة، فإذا تراضيا على ذلك جاز.
وكذلك إذا لم يخبره بأن الثمن مؤجل، فإذا قال -مثلاً-: بكم اشتريت الغنم؟ قال: اشتريت كل شاة بمائة -أو الأكياس- وهو صادق، ولكنه اشتراها بثمن مؤجل يحل بعد سنة، فأنت اعتقدت أنه اشتراها بثمن النقد، فأعطيته فائدة في كل كيس عشرة، ولما علمت بأن الثمن مؤجل، والمؤجل عادة يزاد فيه، ولو كان نقداً لكان الكيس بثمانين، ولكنه اشتراه بمائة لأجل الأجل، فاشتراها بمائة لمدة سنة، ففي هذه الحال ماذا نفعل؟
الصحيح أن للمشتري الخيار، فيردها ويأخذ دراهمه، وبعض العلماء يقول: إذا كان الثمن مؤجلاً فيؤجل على المشتري. لكن قد يقول: أنا لا أعرفك يا مشتري، فكيف أؤجله عليك؟ أو يقول المشتري: أنا لا حاجة لي في التأجيل، دراهمي موجودة، ولا أحب الدين. ففي هذه الحال له الخيار: إما أن يسقط عنه ويقول: ثمنها حالة ثمانون، وأنت اشتريتها بمائة لأجل الأجل، فأشتريها بالثمانين وأعطيك فائدة، هذا هو خيار التخبير.
وكذلك إذا تبين أنه اشتراها ممن لا تقبل شهادته له، فله الخيار؛ وذلك لأن العادة أنه يزيد في الثمن؛ لأجل مصلحة ولده، إذا قال: بكم اشتريت الغنم أو الأكياس؟ فقال: كل كيس بمائة، فأعطيته في كل كيس أو في كل شاة فائدة عشرة، ثم اتضح أنه اشتراها من ولده أو اشتراها من أبيه، وزاد في الثمن لمصلحة والده أو لمصلحة ولده، وهي لا تساوي إلا ثمانين، ولكن قال: الزيادة عند والدي أو عند ولدي لا تهم. فأخبرك وقال: نعم، اشتريتها بمائة. وهو صادق، ولكنه ما اشتراها من ولده، وزاد فيها لمصلحة الولد أو لمصلحة الوالد أو الأخ أو نحوهم ممن لا تقبل شهادتهم له، أو اشتراها من زوجته وزاد في الثمن، ولم يخبر المشتري، فلك الخيار، فإذا قال: أنا اشتريتها بمائة. وهو صادق، ولكنها لا تساوي إلا ثمانين؛ لأنه زاد في الثمن لأجل مصلحة ولده أو والده أو نحوهما، فيثبت الخيار للمشتري والحال هذه.
وكذلك إذا اشتراها بأكثر من ثمنها حيلة، ويقع هذا حيلة، فمثلاً: إذا قال: إن فلاناً التاجر بحاجة إلى بيتك هذا، فأنا سوف أشتريه منك بخمسمائة ألف، وهو لا يساوي إلا أربعمائة، حتى آتي إلى هذا التاجر وأقول: أبيعك البيت برأس مالي، أو أبيعك البيت بفائدة خمسين ألفاً أو مائة ألف، وأحلف له أني اشتريتها بخمسمائة وأنا صادق، والبيت لا يساوي إلا أربعمائة، ولكن نحتال حتى نربح على هذا التاجر الذي لا يهمه الثمن لكثرة أمواله، فهذه حيلة، فإذا اتضح للمشتري أنها حيلة فإنه يسترد الثمن ويرد المبيع، أو يشتريه بما يساويه، وبذلك يعلم أن كل حيلة لا تنفذ، والحيل مهنة يلجأ إليها كثير من المحتالين، يقول بعضهم:
واحتل على حل العقود وفسخها من أصلها وذاك ذو الإشكال
إلا على المحتال فهو طبيبها يا محنة الأديان بالمحتال
فحل العقد الذي بين اثنين -مثلاً- أو فسخه يصعب، لكن يأتون بحيل من هنا وهناك.
وكذلك لو باع بعضه بقسطه من الثمن، ولم يبين ذلك، فللمشتري الخيار، أحياناً يشتري غنماً، كل شاة -مثلاً- بمائة، وهي تختلف، بعضها يساوي خمسين، وبعضها مائتين، فيبيع بمائتين ومائة وخمسين وبمائة وثمانين، وإذا بقي رديئها، وجئت إليه، حلف لك أنه اشتراها كل شاة بمائة، وهو صادق، ولكن باع خيارها ولم يبق إلا رديئها، ففي هذه الحال لابد أن يخبر، ويقول: أنا اشتريتها كل شاة بمائة، ولكن بعت بعضها بقسطه، وبعتها بما تيسر.
وهكذا يفعل كثير من الذين يبيعون الفواكه أو الخضار ونحوها، يشتري -مثلاً- البطيخ كل حبة بثلاثة، ثم يبيع بعضها بعشرة، وبعضها بثمانية، وبعضها بسبعة، وبعضها بخمسة، فيبيع خيارها، فيأتي إليه آخر وقد بقي عنده رديئها، فيحلف أنه اشترى كل واحدة بثلاثة، وهو صادق، ولكنه ما أخبر بالحقيقة، فيقلده ويصدقه هذا، ويقول: اشتريت منك برأس مالك، أو أعطيك ريالاً فائدة في كل حبة. ففي هذه الحال له الخيار إذا تبين له أنه لم يبين له، ولم يقل: هذا رديء، بعت بعشرة، وبعت بعشرين، وهذا الباقي قد لا تساوي الواحدة إلا ريالاً أو ريالين أو نصف ريال، فالحاصل أن في هذه الأشياء الخيار.
وكذلك في الإجارة، يقول: ما أجرتك بعشرة، وإنما أجرتك بخمسة عشر، وكذلك لو كان الخلاف في عين المبيع، إذا اختلفا فقال المشتري: بعتني نعجة. فقال البائع: بل بعتك الكبش. فيحلف ويقول: ما بعتك النعجة الأنثى وإنما بعتك الذكر -الكبش-. فيشتمل حلفه على نفي وإثبات، فإذا لم يرض المشتري بيمينه حلف المشتري، فيحلف بعد ذلك ويقول: والله ما اشتريته بمائتين، وإنما اشتريته بمائة، والله ما استأجرته بخمسة عشر، وإنما استأجرته بعشرة. فتشتمل يمينه -أيضاً- على نفي وإثبات، ويبدأ بالنفي، أو يقول: والله ما اشتريت الكبش، وإنما اشتريت النعجة، فيشتمل على نفي وإثبات، ويحلف البائع: ما بعتك بكذا، وإنما بعتك بكذا، ثم يحلف المشتري: ما اشتريته بكذا، وإنما اشتريته بكذا.
ولكل الفسخ إن لم يرض بقول الآخر، فإذا لم يوافق البائع على البيع بمائة فله أن يقول: رد علي الكيس، رد علي نعجتي، رد علي بيتي. فإن رضي المشتري، وقال: قبلته بمائة وخمسين، قبلت الكبش بدل النعجة، قبلت الإيجار بخمسة عشر ألفاً. فله ذلك.
فالحاصل أنهما إذا تحالفا -أي: حلف البائع ثم حلف المشتري- فإنهما يفسخان العقد.
وإذا كانت السلعة تالفة، فيتحالفان ويغرم المشتري القيمة، فقد تتلف السلعة عند المشتري، فإذا ذبح الشاة -مثلاً- واختلفا في قيمتها، فالبائع يقول: بمائتين. والمشتري يقول: بمائة. وهذا قد ذبحها وأكلها، ففي هذه الحال تقدر كم قيمة شاة صفتها كذا وكذا؟ يسأل أهل النظر: بكم تقدرونها؟ فيغرمها المشتري بما تساوي، وإذا اختلفا في صفتها فقال البائع: إنها شاة سمينة أو لبون، وقال المشتري: بل هزيلة، وليست حاملاً، وليست لبوناً. فالقول قول الغارم وهو المشتري، وكذلك في سائر ما يختلفان فيه، فإذا قال المشتري: الثوب احترق، وفيه عيوب، وفيه خروق، وثمنه بعشرة، فقال البائع: بل ثمنه بخمسة عشر، وهو سليم، وليس فيه خروق، وليس فيه عيوب. ففي هذه الحال المشتري يقول: بعشرة، والبائع يقول: بخمسة عشر، والثوب قد احترق أو قد تمزق، واختلفا في العيوب التي فيه، واختلفا في صفته، فمن يقدم قوله؟ القول قول المشتري؛ لأنه غارم؛ فيقدر بقيمته التي يقدره بها ويصفه بها المشتري.
وإن اختلفا في أجل أو شرط ونحوه فالقول قول من ينفيه، مثال الأجل: إذا قال: إني اشتريت البيت مؤجلاً أو لمدة سنة. فقال البائع في الحال: ليس هناك أجل، تنقدني الثمن حالاً. فالقول قول البائع؛ لأنه نافٍ، وكذلك لو قال البائع: بعتك البيت بشرط أن أسكنه شهراً. وأنكر ذلك المشتري، وقال: بل البيع ناجز، وليس هناك شرط، ففي هذه الحال القول قول من ينفي الشرط.
وكذلك لو اختلفا في تحديد الأجل، فالبائع يقول: أجل الدين ستة أشهر، والمشتري يقول: اثنا عشر شهراً. فالقول قول البائع أنه ستة أشهر؛ لأنه نافٍ للزيادة، ولأن الأصل حل المبيعات، وعدم تأجيلها.
فالحاصل أنه إذا اختلفا في أجل أو شرط فالقول قول من ينفيه.
وكذلك إذا اختلفا في عين المبيع أو قدره فالقول قول البائع، مثال اختلافهما في عين المبيع: أن يقول البائع: بعتك الذكر. ويقول المشتري: اشتريت الأنثى. أو يقول: بعتك هذا البيت الذي هو دور. فيقول: لا، بل بعتني هذا البيت الذي هو من دورين. ففي هذه الحال القول قول البائع؛ لأنه هو المالك، فيحلف أني ما بعته هذا البيت، وإنما بعته هذا البيت، ما بعته الأنثى، وإنما بعته الذكر. هذا مثال اختلافهما في عين المبيع.
وكذلك إذا اختلفا في قدره، فإذا قال -مثلاً-: بعتني كيسين بمائة. فقال: بل كيساً. ففي هذه الحال القول قول البائع: أو ما بعته كيسين، وإنما بعته كيساً.
وتقدم مثال اختلافهما في قدر الثمن.
وهناك أشياء كان لا يجوز بيعها بالوصف، لكن في هذه الأزمنة يجوز ذلك، مثل المنازل، فقد تشتري البيت وما رأيته، ولكن يضعون له مخططاً، فيقولون: هذا الدور الأرضي فيه كذا وكذا غرفة، وأساسه من كذا، ونوع البلاط كذا، وارتفاع السقف كذا، وسعة كل غرفة كذا وكذا متراً أو كذا وكذا سنتيمتراً، ومرافقه كذا وكذا، وأبوابه من كذا، ومكيفاته من كذا، فيرسمونه، فتتصوره كأنك تراه، لكن إذا دخلته وتغيرت صفاته عما وصف لك، ففي هذه الحال يثبت لك الخيار.
وكذلك لو رأيته رؤية سابقة ثم تغير، كما لو رأيته قبل شهر، رأيت الجمل وهو سمين، ولكن ظننت أنه باق على سمنه، وإذا هو قد هزل، فإن ذلك يثبت لك الخيار.
أو مثلاً: دخلت البيت قبل شهر أو قبل شهرين وهو مهيأ ومحسن، ولما اشتريته بالوصف رأيته بعد شهر وإذا هو قد تكسر بلاطه، أو تكسرت غسالاته -مثلاً-، أو انقلعت أصباغه أو ما أشبه ذلك، ففي هذه الحال يثبت الخيار.
قال رحمه الله: [فصل: ومن اشترى مكيلاً ونحوه لزم بالعقد، ولم يصح تصرفه فيه قبل قبضه].
كلمة (نحوه) يدخل فيها ما يباع بالوزن وبالعد وبالذرع، فالمكيلات مثل الحبوب، وعادة أنها تباع بالكيل، فإذا اشتريت كومة طعام تمر أو بر أو أرز، وقلت: اشتريت جميع هذه الصبرة كل صاع بخمسة. وتفرقتما، والبر لا يزال في مكانه، وأعطيته الثمن أو بعض الثمن، فمتى يصح لك أن تتصرف فيه؟ إذا قبضته، وبأي شيء يحصل القبض؟ بالكيل، وهكذا لا يصح لك أن تبيع منه قبل أن تستوفيه، وقد ورد في الحديث: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) وبأي شيء يحصل الاستيفاء؟ بالكيل، بأن تكتاله، وفي الحديث: (نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع، وصاع المشتري) فمثلاً: إن قلت: اشتريت منك هذه الصبرة، كم هي؟ قال: أنا قد كلتها مائة صاع. فتقول: أنا لا أقبلها إلا بكيل. فتكيلها بنفسك، فإذا كلتها دخلت في ملكك، فإذا جاءك إنسان آخر يشتري، فلا يشتريها بكيلك، بل لابد من كيل آخر، فيحصل قبض ما بيع بالكيل بالكيل.
ولا بأس إذا كان المشتري الثاني يشاهدك وأنت تكتالها من البائع الأول، فأراد أن يعطيك فائدة، ويشتريها منك، ولكن لابد من حيازتها إلى رحلك، وقد ورد في حديث ابن عمر أنه قال: اشتريت زيتاً في السوق، فأتاني رجل وأعطاني فيه فائدة أعجبتني، فأردت أن أضرب على يده، وإذا رجل خلفي يقول: لا يجوز. فالتفت فإذا هو زيد بن ثابت ، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم)؛ فلذلك لابد أن تقبض مرتين، أن يقبضها البائع ثم يقبضها المشتري.
وهكذا -أيضاً- ما يوزن، كما لو اشتريت زبرة حديد أو نحاس أو رصاص.. أو نحو ذلك مما يباع بالوزن، وكومة الحديد تسمى زبرة، قال تعالى: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ [الكهف:96] (زبر) جمع زبرة، وكومة البر أو الشعير أو الذرة أو الدخن أو الأرز تسمى صبرة، فالحديد يباع بالوزن، ومثله الصوف والقطن واللحوم تباع بالوزن، فإذا رأيت -مثلاً- كومة لحم وقلت: أنا أشتري منك الكيلو منها بخمسة، فمتى يدخل في ملكك؟ لا يدخل إلا بالوزن، تأتي بالميزان وتزنه، فإذا وزنته دخل في ملكك، وصح لك التصرف فيه.
وكذلك ما يباع بالعدد، إذا أتيت إنساناً وعنده كومة من قرع -مثلاً- فقلت: اشتريت منك هذا القرع، كل واحدة بريال. ففي هذه الحال لابد من عده، ولا يدخل في ملكك ولو سلمت الثمن إلا بعد العد.
وهكذا -مثلاً- ما يذرع، إذا اشتريت بزاً مطوياً على عود أو نحوه من القماش، كل متر بعشرة، متى يصح لك أن تتصرف فيها؟ إذا ذرعتها، فلابد أن تقبضها بالذرع.
يقول: [يحصل قبض ما بيع بكيل كيلاً، وما بيع بالوزن وزناً، وما بيع بالعد عدداً، وما بيع بالذرع ذرعاً، ولابد من حضور المشتري أو نائبه -يعني: وكيله- ووعاؤه كيده، ولو أرسل لك الأكياس وقال: خذها، واجعلها في هذه الأكياس، كل هذه الصبرة. فوعاؤه كيده، يعني: كأنه قبض ذلك، حيث إنه أرسل الكيس فكلتها -مثلاً-، وأشهدت عليها.
يقول: (وصبرة ومنقول بنقل) الصبرة: كومة الطعام إذا بيعت جزافاً، فلا تباع حتى تنقل من مكانها، يعني: قد يباع الشيء جزافاً كومة، مثلاً: من خضار أو من طماطم أو من بصل، ففي هذه الحال قد يقول: اشترها جملة جزافاً. كيف يتم النقل؟ وكيف يتم القبض؟ بتحويلها من مكانها، وكذلك كل ما ينقل، فقبض الأكياس بنقلها من زاوية إلى زاوية، وكذلك ما يتناول بتناوله، فقبض الكتاب بأن يمده إلى المشتري ويتناوله، فيدخل في ملكه. وما لا ينقل -كالبستان أو البيت- قبضه بتخليته.
(تسن) يعني: تستحب، وقد ورد فيها حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أقال نادماً بيعته أقال الله عثرته)؛ وذلك لأن الإنسان قد يشتري الشيء أو يبيع الشيء ثم يندم، فيأتي إلى الطرف الثاني ويقول: أقلني، فإني قد ندمت. فيسن أن يقبل ذلك، وأن يقيله البيع، فإذا بعت -مثلاً- دارك، ثم تبين أنك لا تستغني عنها، وقد استلمت الثمن، وندمت على ذلك، فجئت إلى المشتري وقلت: إني قد ندمت، وتبين أني خاطئ في هذا البيع، أقلني أقال الله عثرتك. فيستحب أن يقيلك، فيرد عليك بيتك.
وهكذا العكس: لو أن المشتري ندم، اشترى البيت -مثلاً- بخمسمائة ألف، ثم ندم وتبين أنه لا حاجة له إليه، أو أنه مستغن عنه، أو أنه كثير الثمن، فجاء إلى البائع وقال: قد ندمت، فأقلني، خذ بيتك، ورد علي دراهمي. فهل يلزم البائع؟ لا يلزمه، ولكن يستحب له؛ وذلك لأن البيت قد دخل في ملك المشتري، والثمن قد دخل في ملك البائع، وكل منهما صح له تصرفه فيما صار إليه، فقبوله الإقالة يعتبر تسامح منه، وليس بلازم.
واختلف: هل الإقالة بيع أو فسخ؟
والراجح: أنها فسخ؛ لأنها رد للبيع الأول، وليست بيعاً مستأنفاً، وهناك من يقول: إنها تعتبر بيعاً، وكأنه اشترى منك البيت، فهو -مثلاً- باعك البيت بخمسمائة، ثم لما ندمت قبله منك وأعطاك الخمسمائة، فكأنه اشتراه منك بخمسمائة، ويترتب على ذلك مسائل ما ذكرت هنا، والله أعلم.
الجواب: لابد أن تبيعه بعد أن تقبضها، وحيث أنها مما ينقل فقبض المنقول بنقله، فتحركها من موضعها، وتنقلها من مظلة إلى مظلة، ثم بعد ذلك تبيعه بربح أو بخسران.
الجواب: لا بأس بذلك، التقسيط في العقار مثل التقسيط في غيره، كالتقسيط في السيارات، والتقسيط في الثلاجات، وفي الأمتعة وما أشبهها، فالإنسان قد لا يجد الثمن دفعة واحدة، فيأتي إلى الشركة أو يأتي إلى التاجر ويقول: أريد أن تبيعني قطعة أرض أو عمارة، وثمنها أقساط، أعطيك كل شهر قسطاً كألف أو خمسة آلاف، أو كل سنة عشرة آلاف أو مائة ألف، ويسمى هذا البيع بالأجل، والأجل يصح أن يكون آجالاً، فلا مانع، كما لو احتجت -مثلاً- إلى غسالة، واشتريتها بألف، وقلت: أسلم لك كل شهر مائة. فهذا أقساط وهو يجوز.
الجواب: الأكياس تباع بالعدد، وإذا كانت موزونة ومكتوباً عليها وزنها فلا حاجة إلى أن يفتح كل كيس ثم يكال أو يوزن، فأوزانها معروفة، فبيعها ينتقل من كونها مكيلة إلى كونها معدودة، وهكذا أطوال الأقمشة، إذا كان مكتوباً على كل واحد عدد الأمتار، فتباع والحال هذه بالعدد.
ولكن حيث إنها من جملة ما ينقل فقبضها بنقلها، أي: بتحويلها من زاوية إلى زاوية، فإذا اشتريت -مثلاً- عشرة أكياس، كل كيس بمائة، وأنت تريد أن تبيعها على مجتزئ كل كيس بمائة وعشرين، فلا تبعها عليه حتى تحوزها، حتى تنقلها من زاوية إلى زاوية، أو من الدكان إلى الطريق، ثم بعد ذلك تبيعها، ويكون هذا هو القبض.
الجواب: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فإذا كانت هذه الرؤية تسبب فتنة، والمرأة إذا نظرت إلى هؤلاء الرجال المذيعين الذين قد يكونون من الشباب، وقد يكونون في غاية الجمال، فلا شك أن هذا يثير الشهوة، وأنه يدفع إلى الفتنة وإلى الفاحشة ونحو ذلك، والشباب إذا نظروا إلى المرأة ولو بواسطة الشاشات فإنه يكون في ذلك فتنة، ويفتتن بذلك كثير من الشباب، وكذلك تفتتن المرأة إذا نظرت إلى صورة هذا الإنسان، حتى ذكر لنا كثيراً أن بعض النساء إذا رأت رجلاً في الشاشة تقوم وتقبل الشاشة! ولا شك أن هذا من أسباب الفتن، فعليها ألا تطيع زوجها في ذلك.
الجواب: الأفضل من الصفوف تبدأ من الصف، ويمنة الصف أفضل من يسرته، ولكن القرب من الإمام أفضل، إذا كان -مثلاً- عن يمين الإمام عشرون، وعن يساره عشرة، فالأفضل عن يساره للقرب من الإمام.
الجواب: إذا كان لهما الخيار أو لواحد منهما فإنه يرد ما قبضه مما يسمى عربوناً أو مقدمة ثمن، وأما إذا كان البيع لازماً ليس فيه خيار، فإنهما يصطلحان على أن يقول: أقيلك البيع، ولكن الثمن الذي أتاني لي، أو أجرة العقار. فيتفقان، وذلك لأن البيع قد لزم، أما إذا لم يكن لازماً بل فيه خيار فإنه يرد الثمن كله بما فيه العربون.
الجواب: يمكن أن يجوز حيث إنه رضي بالمائة الألف، ولكن الأولى أن يخبره ويقول: المنزل يساوي أكثر من مائة، أنا بعته بمائة وعشرين، وأجرتي إنما هي خمسة آلاف أو ستة آلاف التي هي المعتاد، أو ألفان ونصف، فعند بعضهم ربع العشر أو نصف العشر، والحاصل أنه إذا باعه بأكثر فالأولى أن يخبر المالك ويقول: بعته بمائة وعشرين، فإن سمحت لي بالعشرين وإلا أخذت أجرتي التي هي ربع العشر أو نصف العشر، والبقية لك؛ لأنك أنت صاحب المال.
الجواب: الصحيح أنه يذهب على المشتري إذا كان في مدة خيار الشرط، وأما خيار المجلس فإن العادة أنه لم يتم قبضه، ولم يتفرقا فيذهب على البائع، فإذا كان أحدهما تسبب في إتلافه فإنه يغرمه، وكذلك لو أتلفه أجنبي فإنه يغرمه ذلك المتلف.
الجواب: عليك أن تنصحهم، وأن تحذرهم، وأن تبين لهم شرها، وأما كونك تسرقها فأنا أرى أن في ذلك مفاسد؛ لأنه لابد أن يحصل منهم شيء من الفتنة ومن القتال والشكايات والمرافعات وما أشبه ذلك، وإذا لم يقبلوا النصيحة فنرى أن تعتزل تلك المساكن التي فيها هذه المنكرات.
الجواب: يصح ذلك، ولكن ينبغي ألا يحمله على ذلك، بل يقول: هذا الذي أنا أبيع، والذي يبيع غيري لست بمسئول عنه. هذا يفعله كثير، يقول -مثلاً-: أنت تريد أن تشتري عشرين كيساً، وأنا أبيع بمائة، ولكن اذهب وانظر في الأسواق ثمن هذا وهذا وهذا، فإذا وجدت أن أحداً يبيع بخمسة وتسعين، بعتك أنا بالتسعين.. وهكذا، لعل ذلك جائز.
الجواب: نص على ذلك صاحب الكتاب، يقول: إن البائع يلزمه ما يطلبه المشتري، فإن طلب المشتري الأرش أعطاه الأرش، وإن طلب الرد والفسخ فله ذلك، فالخيار للمشتري، يقول -مثلاً-: وجدت الكتاب ناقصاً فلا أريده ناقصاً، أعطني الثمن. وتارة يقول: سأقبله ولكن أعطني قيمة الخلل. هذا الخلل نقص صفحات -مثلاً- أو بياضها ينقصه الربع، أعطني الربع أو الخمس الذي ينقصه، فالخيار للمشتري.
الجواب: لا شك أن عليك إثماً؛ لأن الناس إذا رأوا هذه الكتابة اعتبروا أنك صادق، وزادوا فيها، فهذا يعتبر تدليساً، فعليك أن تكتب الثمن الحقيقي، وإذا كان هناك تكلفة، كما لو اشتريت الكيس بثمانين، ثم إنك استأجرت من يحمله بخمسة، ثم استأجرت له مخزناً بخمسة، فأصبح عليك بتسعين، فمن العلماء من يقول: عليك أن تخبره، وتقول: ثمنه ثمانون، وأجرته كذا، تخبر بذلك على الحقيقة، ومنهم من يقول: يجوز أن تجمل وتقول: قيمتها تسعون. يعني: مع الذي تكلف به، وهذا هو الذي عليه أكثر الناس.
أحسن الله إليكم، ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر