[الثالث: شركة الوجوه، وهي: أن يشتركا في ربح ما يشتريان في ذمتهما بجاهيهما، وكل وكيل الآخر وكفيله بالثمن.
الرابع: شركة الأبدان، وهي: أن يشتركا فيما يتملكان بأبدانهما من مباح كاصطياد ونحوه، أو يتقبلان في ذممهما من عمل كخياطة، فما تقبله أحدهما لزمهما عمله وطولبا به، وإن ترك أحدهما العمل لعذر أو لا فالكسب بينهما، ويلزم من عذر أو لم يعرف العمل أن يقيم مقامه بطلب شريك.
الخامس: شركة المفاوضة، وهي: أن يفوض كل إلى صاحبه كل تصرف مالي، ويشتركا في كل ما يثبت لهما وعليهما، فتصح إن لم يدخلا فيها كسباً نادراً، وكلها جائزة، ولا ضمان فيها إلا بتعد أو تفريط.
فصل:
وتصح المساقاةُ على شجر له ثمر يؤكل، وثمرة موجودة بجزء منها، وشجر يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من الثمرة أو الشجر أو منهما، فإن فسخ مالك قبل ظهور ثمرة فلعامل أجرته، أو عامل فلا شيء له، وتملك الثمرة بظهورها، فعلى عامل تمام عمل إذا فسخت بعده، وعلى عامل كل ما فيه نمو أو صلاح وحصاد ونحوه، وعلى رب أصل حفظه ونحوه، وعليهما بقدر حصتيهما جذاد.
وتصح المزارعة بجزء معلوم مما يخرج من الأرض بشرط علم بذر، وقدره، وكونه من رب الأرض].
ذَكَرَ المؤلف أن الشركة خمسة أضرب، وأشهرها شركة العِنان، وهي التي تحدث كثيراً، وذلك لأن الإنسان بمفرده قد يكون عنده مال قليل، ولا يستطيع أن يعمل فيه عملاً كثيراً، فإذا اشتركَ اثنان أو ثلاثة أو عشرة أو مائة، وكل واحد منهم دفع مالاً، ثم اشتركوا في التصرف كان ذلك سبباً لكثرة الأرباح وكثرة النَاتج من هذه الشركة، يفعلون ذلك في تجارة مثلاً، كأن يجمعوا مائة ألف أو ألف ألف، ثم يتجرون فيها، ويربحون غالباً أرباحاً مناسبة، سواءٌ أكانت تجارتهم في أشياء صغيرة أم كبيرة، ففي هذه الحال يكون الربح على ما شرطوا، وكذلك إذا اشترك اثنان في صناعة، جمعا رأس المال، ثم اشتركا في مصانع تصنع أشياء كبيرة أو صغيرة، والعادة أنها يكون لها إنتاج، وكذلك إذا جعلا المال في زراعة، اشتركا، ثم اشتريا أدوات الزراعة التي ينتج بها المزروعات، من الحبوب والثمار وما أشبه ذلك، ويكونان شركاء في النتاج.
والعادة أن الشركاء يشتغلون بأبدانهم، فيكون من هذا المال والبدن، ومن هذا ماله وبدنه، ومن هذا ماله وبدنه، ويشتركون جميعاً في العمل، ويشتركون في المال، لكن الشركات الكبيرة تأخذ السهام فقط، وتأتي بعمال أجانب يعملون لها في قيادة السيارات، وفي تشغيل الماكنات، وفي تسويق الإنتاج وما أشبه ذلك، فيحتاجون إلى عمال، وذكر بعضهم أن شركة (سابك) تربح في كل سنة نحو ثلاثمائة مليون أو أربعمائة مليون، وأنها تصرف الجميع في إعاشات العمال، وفي الأدوات، وفيما تحتاج إليه الشركة، ويبقى نحو العشر أو نصف العشر من الإنتاج يوزع على المساهمين، مما يدل على أنهم يستغرقون أكثر الإنتاج، فلا يبقى إلا جزء يسير منه هو الذي يوزع على المساهمين، وكذلك أيضاً الشركات الزراعية، يجمعون -مثلاً- رأس مال كثير، ثم يشترون الأدوات، ثم يحفرون الآبار، ويشترون المضخات، ويستجلبون الأدوات، ثم يبدءون في الإنتاج، ثم بعد التصفية لا شك أنهم يربحون، فيوزعون الأرباح على المساهمين، ولا شك أنهم يخسرون أجرة عمال، وكذلك إصلاح الماكنات، ومصاريف الكهرباء، وما أشبه ذلك، فيسددون ذلك من الإنتاج، والبقية توزع على المساهمين، وهكذا بقية أنواع الشركات، والشركات في العمارة تدخل في شركة الأبدان.
وإذا قال: الربح بيننا ففي هذه الحال يكون بينهما نصفين، وإذا قال: لك الربع. أو: لك الثلث. أو: لك الثلثان فيكون الباقي للآخر، وإذا اختلفا لمن الجزء المشروط فالأصل أنه للعامل؛ لأن المالك له ربح ماله، فإذا اتفقا على أن الجزء المشروط ثلث، فقال العامل: الثلث لك يا صاحب المال وقال المالك: الثلث لك يا عامل ولي الباقي فالمشروط للعامل، هذا هو الأصل، ثم قد تكون في غير تجارة، يكون إنسان متفرغاً يحسن الصناعة، فيقول: أعطني مالاً وأنا أشتري مواد صناعية وأنتج، والربح بيننا. فلو أعطاه واشترى مطابع، وقال: الربح بيننا صح ذلك، فهذا يطبع وهذا منه رأس المال، أو اشترى أدوات خياطة، هذا منه الخياطة وهذا منه المال، والربح بينهما، وهكذا بقية الصناعات اليدوية وما أشبهها، والمصانع الآن تقوم على أنها شركات، إما أن تكون مساهمة، وإما أن يكون رأس المال كله من واحد والعمل من الآخر والناتج يكون بينهما، وهكذا أيضاً الزراعة، فلو قال: منك المال ومني الأرض، المال منك نشتري به مكائن، ونشتري به رشاشات، ونشتري به بلورات، ونحفر به، ونستأجر به عمالاً، وأنا علي الاحتراف والاشتغال، وإذا حصل النتاج فهو بيننا نصفان يجوز ذلك أيضاً، ويكون من المباح المعتاد، والربح يكون بينهما على ما شرطاه، فلو قدر أن رأس المال كان عشرين ألفاً، وفي نصف السنة ربح عشرين ألفاً، ثم إنه عزل رأس المال وقال: أجعل رأس المال في فواكه، وأجعل الأرباح في أطعمة -في أرز وفي تمر وفي شاي أو قهوة- ثم قدِّر أن رأس المال الذي جعله في فواكه أو في خضروات كسد وخسر ففي هذه الحال يجبر من الربح، فالربح الآن عشرون ألفاً، وقد خسر في هذه الأطعمة، فيجبر رأس المال من الربح ما لم يقسم.
ويجوز في كل سنة أن يقتسما، فلو أنه في السنة الأولى حسبت الأرباح وإذا هي عشرون ألفاً، فاقتسماها، وكل واحد أخذ حقه، وبقى رأس المال عشرون ألفاً، واستقبلا بها عاماً جديداً، ثم خسرا رأس المال، ذهب عليهما معاً، كأن يكون اشترى بها أغناماً ثم قدر أنها ماتت فإنها تذهب على المالك، وذلك لأن العامل أمين، فهو يقول: ذهب علي تعبي وذهب عليك مالك، فلا أغرم شيئاً. ويُذكر أن بعضهم يشترط ويقول: رأس مالي لا ينقص ولا يضيع منه شيء، ولو خسرت فإنك تغرمه من مالك، وهذا شرط ينافي مقتضى العقد، وذلك لأن المضارِب مؤتمن؛ لأنه في الأصل أخذ ذلك لمصلحة الجميع، لكن إذا اشترطت عليه شروطاً ولم يفِ بها، أو عمل بخلافها فإنه يضمن، وقد ذكرنا أن حكيم بن حزام كان يعطي ماله مضاربة، ويشترط فيقول: لا تجعل مالي في كبد رطبة -أي: لا تجعله في حيوان؛ لأن الحيوانات قد يأتي عليها الموت فيذهب المال- ولا تنزل بمالي في واد -مجرى سيل- مخافةَ أن يأتي سيل فيحمله فيضيع مالي، ولا تركب به في بحر مخافة أن تهيج الأمواج فيلقى مالي في البحر. فإذا اشترطت عليه مثل هذه الشروط، ولكنه ما وفى بها فإنه يضمن إذا تلف المال، أو تلف بعضه، أو خسر، وكذلك لو تلف المال قبل أن يبدأ في التصرف فإنه يذهب عليهما معاً.
يقول المؤلف: [وكل وكيل الآخر وكفيله بالثمن].
فأصحاب الديون يطالبون هذا ويطالبون هذا، وذلك لأنهما اجتمعا في هذا المال، جمعاه في دكان واحد أو في مستودع واحد، فصاحب الخمسين الألف يطالبهما معاً، فيطالب صاحب العشرة فيقول: في شركتكما هذه لي دين، استدنتما مني خمسين ألفاً، أعطني لأنك أحد الشريكين. وكذلك صاحب العشرة يطالب الآخر، ولو أنه ليس هو الذي اقترض منه، فكل منهما وكيل عن الآخر، كما أنهما يتصرفان بالوكالة، فإذا غاب أحدهما ينفذ تصرف الآخر في هذا الملك، فإذا باع -مثلاً- هذا الكيس فبيعه صحيح، نصفه له ملكاً ونصفه لشريكه، وشريكه قد وكله، فينفذ تصرفه فيه كله بحكم الملك في نصيبه وبحكم الوكالة في نصيب شريكه، وإذا أوفى أحدهما ديناً عن الآخر فإنه تبرأ ذمة الموفي ويسلم، وليس له أن يطالب الآخر، ويقول: أنت الذي اقترضت أو استدنت مني.
سميت شركة الأبدان بهذا لأنه ليس معهما رأس مال، وإنما يشتركان في أبدانهما، كما قال ابن مسعود : اشتركت أنا وعمار وسعد بن أبي وقاص فيما نكتسب يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجئ أنا وعمار بشيء. وهذه شركة أبدان تصح في الكسب المباح في الأبدان، وفي الأعمال البدنية، فإذا اشتركا في قطع النبات وهو أخضر أو يابس وبيعه، فهذا معه منجل يحش به وهذا كذلك، ويحملانه -مثلاً- على ظهورهما أو على دابتيهما أو سيارتيهما ويبيعان، أو اشتركا في الحطب، يحتطبان ثم يحملانه ويبيعانه، وكل واحد منهما يجمع ما يقدر عليه من الحطب، أو اشتركا في الصيد المباح كصيد الظباء، أو صيد حمر الوحش، أو الوعول، أو الأرانب نحو ذلك من المباح، أو اشتركا في صيد الجراد ونحوه، وكل منهما يجمع في هذه الأواني التي يجمعان فيها صحت هذه الشركة، وهكذا أيضاً إذا تقبلا في ذمتيهما أعمالاً كخياطة، كأن يشتركا في فتح دكان يخيطان فيه بالأجرة، فيستأجران الدكان، ويشتريان ماكنات الخياطة وما أشبهها، وكذلك لو اشتركا في تغسيل الثياب في مغسلة هذا يغسل من جانب، وهذا يغسل من جانب، أو هذا عليه التغسيل وهذا عليه الكي، أو اشتركا في صنعة مباحة كحجامة، أو حياكة، أو حلاقة، ويشاهد أن الحلاقين يستأجرون دكاناً، ويحلق كل واحد منهم، ويشتركون في الكسب بينهم.
أو يشتركون في البناء للناس بالأجرة، يبنون عمارات أو منازل عادية أو أسواقاً أو مساجد أو مدارس، يشترك جماعة ويأخذونها مقاولةً أو نحو ذلك، ثم يعطون عمالهم ما يستحقونه، والبقية يقتسمونها بينهم، فيصح ذلك.
وكذلك لو اشتركا في حرث، كالعمال الذين يشتركون في سقي نخل ثم يصرمونه ويبيعونه ويعطون صاحبه نصيبه، ويشتركون في الباقي.
وكذلك لو اشتركا في أيَّ معمل، ونشاهد أهل الورش يكونون شركاء، وأهل النقل -سيارات الأجرة، وسيارات النقل، أو ما أشبهها- قد يكونون شركاء.
فالحاصل أن شركة الأبدان شركة يكثر الاحتياج إليها، ويكثر وقوعها في الناس، والناس على ما يتعارفون فيها، ولو أن إنساناً أعطى كيسه ليُطحن عند رجل من هؤلاء الطحانين جاز له أن يطالب الثاني؛ لأنهما مشتركان في هذا الطاحون، أو أعطاه دقيقاً ليخبزه في هذا الفرن جاز أن يطلبه من الثاني، فيقول: أعطيت شريكك كيس دقيق ليخبز لي فأنت مطالب به؛ لأنك وإياه شريكان. أو أعطاه سيارته ليصلحها في هذه الورشة، وغاب صاحبها الذي أعطاه، فإنه يطلب إصلاحها من الآخرين، فيقول: أنجزوها؛ فإنكم سواء في هذا المكان. وإذا أعطى ثوبه واحداً ثم جاء ولم يخطه، فيطالب الآخرين بخياطته، ويقول: أنتم سواء في هذا المكان فعليكم أن تنجزوه. أو أعطاه خشباً لينجره باباً، أو حديداً ليصلحه باباً، فإنه يطالب كل واحد منهم بإنجاز هذا العمل، ولا يقولون: لم نأخذ منك هذا العمل. بل عليهم أن ينجزوا العمل الذي يتقبله واحد منهم؛ لأنهم كلهم معتمدون في هذا المكان، هذا معنى قوله: [فما تقبله أحدهما لزمهما عمله وطولبا به].
مثلاً: تقبل واحد منهم أن يبني هذا الجدار، فأصحاب الجدار يطالبون الثاني، ويطالبون الثالث، فيقولون: أنجزوا الذي التزمتم به. وهكذا لو تقبل أحدهم حفر هذه البئر، فيطالب الجميع أن يحفروها، وأن ينجزوا هذا الحفر، وهكذا لو أعطى الثوب واحداً فله أن يطالب الثاني بإنجاز خياطته، أو بإنجاز غسله أو نحو ذلك، فيُطالبُ كل منهما بما تقبله الآخر.
يقول: [ويلزم من عُذر أو لم يعرف العمل أن يقيم مقامه بطلب شريك].
إذا كان أحدهما مريضاً أو انشغل بعذر، فقال شريكه: المكان يحتاج إلى عمال، فعليك أن تقيم مقامك من يعمل؛ فإن العمل مشروط بيننا نحن جميعاً أن نعمل ويكون الكسب بيننا فيلزمه أن يأتي بعامل على حسابه، ويعطيه أجرته من نصيبه ليقوم مقامه، وهكذا لو لم يكن يحسن الصنعة، فقد لا يحسن بعضهم الحلاقة أو الخياطة، ففي هذه الحال لا مانع من أن يقيم مقامه غيره إذا طالبوه، فإذا قالوا له: أنت لا تحسن هذه الصنعة، لا تحسن التسجيل -مثلاً- إذا كان مسجلاً، ولا تحسن الحياكة، ولا تحسن النجارة، فأنت الآن اشتركت معنا في عمل بدني ولا تشتغل، ونحن الذين نشتغل فيلزمه أن يقيم مقامه في العمل الذي يعجز عنه أو الذي لا يحسنه إذا طالبه بذلك شركاؤه.
وكأن شركة المفاوضة تعم جميع الشركات المتقدمة، وصورتها: أن ينضم كل واحد إلى الآخر، فيقول: نحن شركاء في المال الذي بأيدينا، ونحن شركاء في الكسب الذي نكسبه بأبداننا، ونحن شركاء فيما نتدينه في ذممنا، ونحن شركاء فيما نحصل عليه من الكسب المباح مثل صيد أو ما أشبه ذلك، كل واحد منهما يفوض الآخر، فيقول: فوضتك بما يحصل وبما تجده، ويقول الآخر أيضاً: فوضتك. فيفوض كل منهما إلى صاحبه كل تصرف، ويعم ذلك أيضاً التصرف الذي تدخله النيابة، ولكن لا يجوز أن يفوضه في كل شيء تحت تصرفه، فإنه لو قال ذلك لتسلط عليه، فقد يطلق زوجته، ويقول: إنك فوضتني! ويعتق عبده ويقول: إنك فوضتني! ويهب أمواله ويتصدق بها ويقول: إنك فوضتني! أنا مفوض من فلان. إنما التفويض فيما هو معتاد أن يفوضه أحدهما إلى الآخر، فكأن هذه الشركة تعم جميع أنواع الشركات التي يمكن أن تدخل في اسم شركة.
فيفوض كل منهما إلى صاحبه كل تصرف مالي، ففي هذه الحال ينفذ تصرفه كوكيل، فيبيع من مال من فوضه، ويشتري له، ويضارب بماله، ويتاجر به، ويزارع به، ويَتَّجِرُ فيه بحسب العادة، فيكون شريكاً في كل ما يملك، ويكون مفوضاً في كل ما يملك.
قال: [يشتركا في كل ما يثبت لهما وعليهما].
لو أهديت إلى أحدهما هدية صارا شريكين فيها، أو صاد أحدهما صيداً صارا شريكين فيه، أو ربح أحدهما في تجارة أو في بيع صارا شريكين فيها، وكذلك -أيضاً- إذا لزم أحدهما شيء فإنهما يدفعانه، فلو أتلف أو أحرق أحدهما ثوباً أو أفسده ضمناه جميعاً، وكذلك كل ما يتلفه أحدهما، ولو استدان أحدهما ديناً فإنهما جميعاً يقومان بقضائه، ولصاحب الدين أن يطالب من شاء منهما، لكن لا يدخلان فيها كسباً نادراً، فإذا أدخلا فيها كسباً نادراً فإنها لا تعتبر، والكسب النادر مثل لقطة، أو كنز، أو ميراث، فتفسد ويكون لكل واحد منهما ربح ماله وأجرة عمله، وذلك لأنه إذا وجد أحدهما لقطة وعرفها وصار لها قيمة وملكها فهذا مال زائد، وكذلك لو مات قريب أحدهما فورث منه مائة ألف أو نحوها، فهذا مال وكسب نادر، فلا يكونان شريكين فيه.
يقول: [وكلها جائزة، ولا ضمان فيها إلا بالتعدي أو التفريط].
قد عرفنا الفرق بين العقود الجائزة واللازمة، فاللازمة هي التي يلزم الأخذ فيها ولا يتمكن أحد من الفسخ، أما الجائزة، فهي التي يجوز فسخها.
المساقاة: مشتقة من السقي وذلك لأن أهم ما يعمله المساقي هو إخراج الماء من الآبار، وإصلاح الأنهار والجداول حتى تشرب الأشجار، فمثاله: إذا كان له نخل وعجز عن سقيه، فقال لآخر: اسقه والثمرة بيننا، اسقه وأبَّره ولَقِّحْهُ واصْرِمْهُ. ولك نصف الثمرة، أنا الذي غرسته وعملت فيه حتى نبت وأثمر، ولكنني الآن منشغل وعاجز عن سقيه فيكون من هذا السقي ومن هذا الشجر، ودليل ذلك أنه لما فتحت خيبر وملك المسلمون شجرها وأرضها، والمسلمون منشغلون بالقتال وبالجهاد اتفق النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود الذين هم أهلها على أن يعملوا فيها بنصف الثمرة، يعملون في سقيها، وحرثها وكل تركيب وتلقيح وصرام، ولهم نصف الثمرة، فدل ذلك على جواز المساقاة، وليس خاصاً بالنخل، بل تجوز في غير النخل، كشجر العنب والتوت والرمان والخوخ والمشمش والطماطم والبطيخ بأنواعه، والتفاح بأنواعه، وما أشبه ذلك، فهذه أيضاً يصح أن يساقي عليها.
كذلك لو بدت ثمرة الشجر وعجز صاحبها عن إتمام بقيتها، فقال لعامل: لك ربعها على أن تسقيها حتى تنمو أو حتى تنضج، وعلى أن تجزها أو تلتقط هذه الثمرة الموجودة في شجرة الأترج أو الباذنجان، فيجوز ذلك، وله جزء منها مشاع، كذلك لو قال -مثلاً-: هذه الأرض، وأنا أشتري لك الشجر، وأنت اغرس الشجر، وهذه البئر أخرج منها الماء واسقِ الشجر إلى أن يثمر، وإذا أثمر فإن الثمرة بيننا، لي نصفها ولك نصفها، أنا مني الأرض ومني الشجر ومني الآبار، وأنت منك العمل -عمل يديك- يصح ذلك، ويكون بجزء مشاع، ولا يجوز أن يشرط له ثمرة شجرة معينة، فلا يقول -مثلاً-: لي التمر السكري -مثلاً- ولك تمر الصهري. أو: لي ثمر هذه الشجرات الأربع ولك هذه الأربع. لماذا لا يجوز؟ لأنها قد تثمر هذه ولا تثمر الأخرى، وقد تكون إحداهما أكثر ثمرة من الأخرى، فيحصل في ذلك الضرر والغبن على أحدهما، أما إذا قال: لك الربع أو الثلث أو النصف من جميع الثمرة رفيعها ووضيعها، غاليها ورخيصها صح ذلك، فيكون بجزء من الثمرة كنصفها، أو بجزء من الشجر بأن يقول -مثلاً-: إذا أثمر فلك نصف الشجر. أو منهما فيقول: لك نصف الثمر ولك نصف الشجر، أو شجري الذي لي لك نصف ثمرته وشجرك لك. أو ما أشبه ذلك.
والمساقاة والمزارعة عقدان جائزان، لكل منهما فسخه، فالعامل قد يفسخ والمالك قد يفسخ، فإذا فسخ العامل فقد أسقط حقه، فلو قدر أنه اشتغل وسقى شهراً أو نصف شهر ثم تركه فإنه يكون قد أضر بصاحب الشجر، فلا شيء له؛ لأنه يقول: أنا اتفقت معك حتى يثمر، وأنت الآن قد تركته ولم تسقه، فلا شيء لك، ذهب تعبك وعملك، أما إذا فسخ المالك عندما ظهرت الثمرة أو قبل أن تظهر الثمرة، كأن سقاه العامل نصف سنة، وقبل أن يظهر ثمر النخل طرده المالك لغير سبب فإنه يعطيه أجرة مثله، عن كل شهر كذا وكذا، فأما بعد ظهور الثمرة فإنه يستحق منها؛ لأنها قد ظهرت وأبّرت، فله نصيبه منها حتى ولو منعه المالك.
وقد ذكرنا فيما تقدم أنه إذا باع النخل بعد أن يُؤَبَّرَ فإن الثمرة للبائع، وهاهنا يقول: [تملك الثمرة بظهورها] يعني: يملكها العامل؛ لأنه عمل حتى ظهرت الثمرة، فعلى العامل أن يتمم العمل، وإذا طرده المالك لم يسقط حقه من الثمرة. والعامل يعمل بيده، فكل ما فيه نمو الثمرة أو إصلاحها فإنه يلزمه، فعليه تركيب ، وعليه اللقاح، وعليه الجزاز، وعليه الحصاد، وعليه السقي، وعليه الزبر، وعليه حرث الأرض، وعليه إصلاح مجاري الماء، وعليه إصلاحُ الأدوات التي يمشي معها الماء، ويكون العقد على حسب الاتفاق، فلو اتفقا على أن المالك يدفع قيمة المشتروات كلها فله ذلك، وعلى رب الأرض حفظه، فإذا انهدم الجدار أو انقطع الشباك فعليه إصلاحه، أو انهدمت البئر فعليه حفرها، أو خربت الماكنة فعليه إصلاحها، وإذا كانا شريكين فعليهما بقدر حصتيهما في الجزاز، فإذا ما بقي إلا حصاد الزرع يقول: علي نصف الحصاد وعليك نصفه وإن اتفقا على أن الحصاد على العامل والجزاز عليه لزمه ذلك.
الجواب: قد يضطرون إلى هذا ويقولون: إننا نضطر إلى أن نأخذ منه شيئاً معلوماً وذلك لأن العامل عادة لا يؤتمن كثيراً، فقد يبيع في اليوم بخمسمائة ويجحد منها مائةً أو أكثر أو أقل، فيقولون: من المصلحة أن نجعل المكان كأنه مؤجر لكن قواعد الشرع لا تبيح ذلك، وذلك لأنه يؤجره الدكان، ثم يؤجره البضائع، فقد يكون رأس مال البضائع عشرين ألفاً أو خمسين ألفاً، فيقول: أجرتكها. وقد يكتب عليه أن بيدك كذا وكذا، وقد يرتفع السعر عند عزله -مثلاً- فيتضرر العامل، فإذا كان شراؤك للكيس مثلاً بمائة، ولما أردت أن تعزله قلت: أعطني الدكان بما فيه، وفيه عشرون كيساً، وفيه عشرون ثوباً، وفيه كذا وكذا، فيحتاج إلى أن يشتريها، وقد يرتفع السعر وقد ينخفض، لهذا نرى أنه لا يجوز، وأن الإنسان يجب عليه أن يجلب أناساً مأمونين موثوقين، وإذا لم يأمنهم فعليه أن يباشر الأعمال بنفسه.
الجواب: هذا أخف؛ لأن هذا يعتبر أجرة، فالناس يؤجرون السيارات الآن، فالإنسان إذا لم يجد سيارة فإنه يستأجر سيارة كل يوم بمائة ، أو كل ساعة بكذا وكذا، فلعل هذا يكون من باب الأجرة.
الجواب: أرى أنه لا يجوز، وذلك لأنه بيع دين بدين، فالسهام ما قبضت، والثمن ما قبض.
الجواب: يجوز ذلك، فإذا كان هذا خياطاً، وهذا غسَّالاً فلا بأس بذلك.
الجواب: الأصل أن المساقاة تكون على جزء معلوم النسبة كنصف الثمر أو ربع الثمر، فلا يجوز أن يقول المالك: لي النوع كذا ولك النوع كذا. لأن هذه قد تثمر وهذه قد لا تثمر، وأما إذا اتفقا على النسبة: لك الربع من الشجر كله، أو الثلث فذلك جائز.
الجواب: أرى أنه يتحمله الذي كان يقودها، سواءٌ أكان المالك أم غيره؛ لأنه المتسبب فيها.
الجواب: هذا يعتبر من المال غير المقدور عليه، فكثير من هذه المساهمات كالأراضي تبقى عشر سنين أو عشرين سنة، ولا يقدر أصحابها على أن يتصرفوا فيها، فليست هو تحت أيديهم، فلو أمروا أن يزكوا عن كل سنة لاستغرقت زكاتها أكثر من قيمتها أو أكثر من أرباحها، فأرى أنها تعتبر كالمال المفقود، ويزكى إذا قدروا عليها عن سنة واحدة.
الجواب: لا شك أن كل عمل يكون حلالاً أو حراماً بحسب ذلك العمل، سواءٌ فردياً أو شركة، فإذا اشتركا في فتح دكان لحلق اللحى كان الكسب حراماً؛ لأن العمل حرام، وهكذا إذا اشتركا في فتح دكان لأشرطة الغناء هذا منه الثمن وهذا منه التسويق كان الكسب حراماً، وهكذا أيضاً التصوير الذي ليس بضروري يعتبر أيضاً كسباً حراماً، وأشباه ذلك.
الجواب: لا يجوز الاشتراك فيها، يسمونها تعاونية وليست كذلك، بل هي تجارية، وقد صدرت الفتاوى من اللجنة الدائمة بأنه لا تجوز المساهمة فيها، ولا يجوز أن يُؤمن الرجل على نفسه، ولا على تجارته، ولا على أولاده، ولا على سكنه، ولا على سيارته، ولا عبرة بمن أباح ذلك، وما ذاك إلا أنهم غالباً يقصدون نفع أنفسهم والكسب من وراء المساهمين، وسبب المنع أولاً الغرر، وذلك لأنه يدفع لهم كل سنة ألفاً أو ألفين، وتمضي عليه عشر سنوات وهو لم يحتج إليهم، ولا يردون إليه شيئاً من هذا المال، ولو أنهم قد يقولون: إذا لم تحتج إلينا في السنة الأولى فلا تدفع شيئاً في السنة الثانية. ويريدون بذلك ترغيب الناس أن يستمروا معهم.
والأمر الثاني أنه قد يكلفهم، فقد يدفع ألفاً أو ألفين، ثم يعمل حادثاً فيكلفهم عشرات الألوف، فيأخذ ما لا يستحقه.
الأمر الثالث: أن كثيراً من الذين يؤمنون يخاطرون، فتجد أحدهم يركب الأخطار بالسيارات ونحوها، وإذا قيل له: ترفق قال: أنا قد أمنت، والشركة ستدفع عني. فيتسبب في إزهاق أرواح وفي إتلاف أموال.
الجواب: إذا أعطى والد أولاده عطية فإنه يعدل بينهم؛ لحديث النعمان بن بشير: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، والصحيح أنه يقسم بينهم على قسمة القرآن: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]؛ لأن الصحابة كانوا يقسمون على قسمة القرآن، لكن الأشياء التي يحتاجها أحدهم لا يلزم أن يعطي الآخر مثلها، فإذا احتاجت المرأة -مثلاً- لكسوة بمائتين فلا يقول: نعطي الأولاد أربعمائة، فكسوة الولد -مثلاً- ستون أو سبعون، وكذلك أيضاً إذا احتاجت إلى حلي بخمسة آلاف أو بعشرة، فلا يلزم أن يعطي الأولاد ضعفها؛ لأن هذه حاجات خاصة.
الجواب: هو الصرام، أي: جرد النخل وجده، تصرم القنوان التي فيها الثمر، وذلك بقطعها بالمنجل ونحوه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر