إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [62]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أساس بناء المجتمع يبدأ من الأسرة المكونة من الزوج والزوجة، ولأجل أن يكون البناء صحيحاً متيناً فقد بين الشرع أحكام العشرة بين الزوجين، فبين حقوق الزوج على زوجته، وبين حقوق الزوجة على زوجها، فإذا أدى كل منهما ما عليه من الحقوق فستكون أسرة سعيدة، وسيكون بناؤها قوياً متيناً.

    1.   

    أحكام العِشْرة بين الزوجين

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: ويلزم كلاً من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف، وألا يمطله بما يلزمه، ولا يتكره لبذله.

    ‏ويجب بعقد تسليم حرة يوطأ مثلها في بيت زوج إن طلبها ولم تكن شرطت دارها.

    ومن ‏استُمهل أمهل اليومين والثلاثة لا لعمل جهاز، ‏وتسليم أمة ليلاً فقط.

    ‏ولزوج استمتاع بزوجة كل وقت ما لم يضرها، أو يشغلها عن فرض, والسفر بحرة ما لم تكن ‏شرطت بلدها.

    وله إجبارها على غسل حيض وجنابة ونجاسة، وأخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره.

    ويلزمه الوطء في كل أربعة أشهر مرة إن قدر، ومبيت بطلب عند حرة ليلة من كل أربع، وأمة ‏من كل سبع].‏

    هذا الفصل يتعلق بعشرة النساء، يذكر فيه الفقهاء باب عشرة النساء، والعشرة والمعاشرة هي: الصحبة التي تكون بين اثنين، وسُميت القبيلة عشيرة لوجود الصحبة بينهم، قال تعالى: وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22] فعشيرة الرجل هم أقاربه؛ لأنه يصحبهم، فبين الزوجين صحبة هي غالباً أتم من غيرها، وأطول مدة في الغالب، فلذلك لابد من حُسن العشرة، وأمر الله تعالى بذلك فقال تعالى: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] أي: اصحبوهن صحبة حسنة بالمعروف، أي: بما هو معروف حُسنُه، ومعروف ملاءمتُه، فيلزم زوجين معاشرة كل منهما الآخر بالمعروف، وأن يتخلق بالأخلاق الفاضلة، وهي كذلك، فيلين جانبه، ويصفح عن الأخطاء والزلات، وكذلك يتخلق بالأخلاق الشريفة، ويبتعد عن الأخلاق السيئة، فيبتعد عما يثير الأحقاد والغضب، وما يسبب الغضب أو النفرة أو ما أشبه ذلك، وهكذا أيضاً يبتعد عن الأخلاق السيئة: عن الكذب، وخُلف الوعد، والمماطلة، والتقصير، وكذلك أيضاً عن أسباب الأذى التي تتأذى منها، فإذا كان كذلك فالأصل أنها تدوم الصحبة.

    أما إذا اشتمل المجتمع الزوجي على شيء من الأذى فغالباً أن الصحبة لا تدوم، وإذا كان أحد الزوجين سيء الخلق، أو شرساً، أو كثير الظنون، أو حقوداً، أو غضوباً، أو شديد التأثر بأدنى شيء، فإن على الطرف الثاني أن يكون لين الجانب، ويكون سهل الكلام، بحيث إنه يتحمل ما يسمعه، فإذا غضب الزوج لشيء وسب فإن كانت الزوجة ذات خلق فإنها تعترف بالخطأ وتعتذر، وتطلب منه العفو والصفح عما حصل منها، وإن كان شيئاً طفيفاً، وكذلك أيضاً إذا أساء إليها بغيبة أو بتأخير في شيء طلبته أو ما أشبه ذلك، فعليها أن تعفو وتصفح، وهو إذا رأى منها حقداً أو شدة تأثر اعتذر عذراً لطيفاً، وتودد إليها، ووعدها وعد خير، فيكون ذلك سبباً في الصفح وفي الرضا وفي دوام الصحبة.

    وكثيراً ما تحصل الفرقة بسبب سوء خلق أحدهما إذا كان الآخر لا يعتذر ولا يقبل الاعتذار، بل مجرد أدنى زلة أو خطأً أو ما أشبه ذلك يسب ويشتم، ثم يقابله الآخر بالسباب وبالعتاب الشديد الذي يثير الغضب. أو هي كذلك تسيء الظن به وتتهمه بتهم كثيرة فتقول: أنت تذهب إلى كذا وتتركني، وأنت تجلس إلى فلان أو أنت وأنت، وهو يقول: أنت تكلمين كذا، ويتهمها بأنها تعاكس أو تغازل فيكون ذلك من الأسباب التي تُثير الأحقاد، والواجب هو حسن الظن، فيجب أن يحسن كل منهما الظن بالآخر، وأن يعفو ويتجاوز عما يقع من الخطأ، فهذا من العمل بقوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19].

    من العشرة بالمعروف عدم المماطلة

    من العشرة بالمعروف ترك المماطلة التي هي التأخير بما يلزمه، فإذا طلبت منه شيئاً من حاجتها كنفقة أو كسوة ضرورية فأخذ يماطلها ويتأخر بما طلبت من شيء واجب فإن ذلك يُسبب حقدها؛ فلا يجوز له المماطلة، كذلك إذا طلبت صداقها الحال فلا يجوز له التأخير بغير عذر، فإن كان يقدر سلّم ما طلبت منه، وإن كان لا يقدر فإنه يعتذر عذراً يُقبل منه.

    وكثيراً ما يحصل الضجر من هذا الفعل الذي هو المماطلة بالحقوق وبالمواعيد، فإذا وعدها زيارة وماطلها فإن ذلك مما يسبب نفرتها أو إساءة الظن به، وإذا وعدها أن يشتري لها حاجة مما تحتاج إليها ثم تأخر كان ذلك من أسباب إساءة الظن به، وكذلك إذا وعدته شيئاً كأن تصلح له حاجةً وأن تخيط له ثوباً أو تغسله أو تصلح له طعاماً يطلبه أو طعاماً لضيفه ولكنها تأخرت أو ماطلت كان ذلك من أسباب النفرة.

    من العشرة بالمعروف عدم التكره

    قال المصنف رحمه الله: (ولا يتكره لبذله).

    يعني: يتكره لما يبذله فيمنُّ به عليها ويقول: أتعبتني وأقلقت راحتي بكثرة الطلبات، وبكثرة الأشغال والأعمال، وهذا مما يكلفني.

    وكذلك المرأة إذا طلبها شيئاً أخذت تتكره إليه وتتثاقل، فإذا طلبها -مثلاً- لفراشه لا تجيبه إلا بعد تعب، وبعد طول انتظار، وإذا طلب منها حاجة لا تبذلها إلا بتكره، فهذا مما يسبب النفرة.

    وجوب تسليم الزوجة للزوج بعد العقد إذا طلبها زوجها

    قال المصنف رحمه الله: (ويجب بالعقد تسليم الحرة التي يوطأ مثلها في بيت زوجها إن طلبها، ولم تكن شرطت داراً).

    أي: متى حصل العقد، وطلب من أهلها تسليمها إلى منزله، وكانت يوطأ مثلها، يعني: قد كبرت، وهي التي زادت على العشر وأمكن أن توطأ ويستمتع بمثلها، فإذا طلبها إلى بيته وجب على أهلها تسليمها إلا إذا اشترطت دارها، فإذا اشترطت ألا يخرجها من بيتها أو من بيت أهلها فلها شرطها، وأما إذا لم تشترط فإن على أهلها أن يسلموها لزوجها.

    كذلك أيضاً إذا اشترطوا ألا يستلمها إلا بعدما يدفع المهر كاملاً فامتنعت وقالت: لا أسلم نفسي إلا إذا سلمت الدفع الذي اشترط عليك فلها ذلك، فإذا طلب زوجته فعليهم أن يدفعوها له إذا لم يكن هناك عذر، فإذا طلبوا الإمهال وقالوا: أمهلنا حتى نجهزها، فله أن يمهلهم يومين أو ثلاثة، حتى يهيئوها ويشتروا لها حاجاتها وما أشبه ذلك، ثم يسلموها لزوجها.

    قوله: (من استمهل أمهل اليومين والثلاثة، لا لعمل جهاز).

    يعني: إذا كانوا يشترون لها حاجاتها، ويكملون لها طلباتها؛ أمهلهم، أما التجهيز فإنه هو الذي يجهزها، فإذا أعطوه امرأته فإنه يجهزها بما طلبت، يعني: بكسوتها وبأوانيها وبأدواتها التي تحتاج إليها إذا كانت هذه الأشياء معتادة: وإذا تزوج الرجل أمة مملوكة فالعادة أنها تخدم سيدها في النهار، ففي الليل تبيت مع زوجها، فيُسلمها سيدها لزوجها ليلاً.

    وجوب إجابة المرأة زوجها إلى الفراش إذا دعاها

    الاستمتاع الذي هو الوطء يملكه الزوج، فهو حق للزوج، وأيضاً هو حق للزوجة، ولكن الأصل أن الزوج هو الذي يطلب امرأته إلى فراشه، وقد تطلبه هي أن يستمتع بها، فالأصل أنه للزوج، فلذلك يملك أن يستمتع بها كل وقت ليلاً أو نهاراً ما لم يضرها، أما إذا أضرها بكثرة الوطء فإن الضرر يزال، أو يشغلها عن فرض من الفروض كصلاة من الصلوات فلا يجوز ذلك، فالأصل أن الاستمتاع يكون متى طلبها ليلاً أو نهاراً، وعليها أن تجيبه متى طلبها، كما في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعا الرجل امرأته فلتجبه ولو كانت على التنور) وذكر العلماء أنه يستمتع بها وتجيبه ولو كانت على التنور، أو كانت راكبة قتب، وهو: الذي يجعل على ظهر الدابة التي يُحمل عليها، أي: ولو كانت راكبة تجيبه لقضاء حاجته؛ لأنه هو الذي يملك الاستمتاع بها ما لم يضرها أو يشغلها عن فرض، وإذا دعاها فعليها الإجابة، ويحرم عليها التكره والتبرم والتثاقل، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح)، وفي رواية: (إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها) ويكون هذا حسب شهوته ورغبته.

    وإذا كان الأمر من قبلها فكذلك أيضاً، فبعض النساء هي التي تطلب زوجها، كلما دخل أو كلما رأته اجتذبته إلى الفراش، فإن كان قادراً فإن عليه أن يجيبها؛ لأن لها شهوة كما للرجل.

    المرأة تابعة لزوجها حضراً وسفراً

    قوله: (وله السفر بحرة ما لم تشترط بلدها).

    تقدم في الشروط أنها إذا لم تشترط فإن له أن يسافر بها حيث يرغب، فإذا كان -مثلاً- في الرياض وتزوج وأراد السفر -مثلاً- إلى الحجاز أو إلى القصيم فالمرأة تابعة له إلا إذا اشترط عليه أهلها أنها لا تسافر، أو شرطت هي عند العقد.

    إجبار الرجل زوجته على التطهر والتنظف

    قوله: (وله إجبارها على غسل حيض وجنابة)؛ وذلك لأنه نجاسة معنوية، فيلزمها أن تغتسل حتى تحل له لقوله تعالى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ [البقرة:222]، فالتطهر يكون بالاغتسال الذي ورد في السنة، وكذلك إذا حصلت جنابة يلزمها أن تغتسل ولا تصلي إلا بعد الاغتسال لقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، ولقوله: وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43].

    ويلزمها أيضاً على غسل النجاسة على بدنها أو ثوبها أو مكانها، فإذا كان هناك نجاسة عينية كبول أو غائط أو دم أو قيء أو شيء مستقذر فعليها أن تغسل ذلك؛ لأنه مما يحصل به التقذر، وعليها أخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره، يعني: إذا كان هناك شيء تعافه النفس كشعر الإبط أو شعر العانة فعليها إزالة ذلك، ونحوه كالأظفار إذا طالت، وكالوسخ في الأسنان الذي يحتاج إلى استعمال السواك والنظافة، وكالوسخ في البدن، فيلزمها أخذ وإزالة كل ما تعافه النفس.

    لزوم الوطء كل أربعة أشهر

    ذكر المصنف حكم الوطء فقال: (يلزمه الوطء في كل أربعة أشهر مرة، إذا قدر).

    أي: في كل ثلث سنة؛ وذلك لأن هذا هو القدر الذي تقدر المرأة على التحمل والصبر فيه، ولأجل ذلك جعلت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام لقوله تعالى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة:234]، وزيادة العشر للاحتياط في وجود حمل أو نحوه، مثال ذلك: عليه أن يطأها في كل أربعة أشهر إن قدر، فإن كان عاجزاً لكبر أو نحوه فبقدر ما يستطيع.

    ويلزمه المبيت بطلب عند الحرة ليلة من كل أربع، والأمة ليلة من كل سبع، واشتهرت في هذا قصة كعب بن سور، وهي أن امرأة جاءت إلى عمر فقالت له: (إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، فظن أنها تمدحه) فقال: (جزاه الله خيراً)، فاستحيت المرأة وانصرفت، فقال كعب : إنها تشتكيه وتدعي أنه لا يتفرغ للاستمتاع بها، فردّها وأرسل إلى زوجها وقال لـ كعب بن سور : (اقض بينهما كما فهمت قصتها)، فقال له كعب : أيها الرجل! إن الله أباح لك أربع نساء، نصيب كل واحدة منهن ليلة، وحيث إنه ليس معك إلا واحدة فلك أن تتعبد ثلاث ليال وتبيت مع زوجتك ليلة من كل أربع، فعجب عمر من فطانته، وأرسله قاضياً على الكوفة، فمن هذا أخذوا أن يلزمه أن يبيت معها، ولا يلزم من المبيت الوطء، وإنما يبيت معها للمؤانسة، فله أن يبيت ثلاث ليال حيث شاء، والليلة الرابعة يبيت عندها، وإذا لم يكن هناك مانع فالأصل أنه يبيت عندها كل الليالي.

    أما الأمة فإنه قد يجمع معها ثلاث حرائر، والحرة لها مثل الأمة مرتين، فكأنه إذا كان عنده ثلاث حرائر وأمة بات عند هذه ليلتين وعند الأخرى ليلتين وعند الأخرى ليلتين والسابعة عند الأمة؛ فنصيب الأمة ليلة من كل سبع، فإذا لم يكن معه إلا زوجة مملوكة فإنه يبيت عندها ليلة من كل أسبوع.

    عدم جواز غيبة الرجل عن زوجته أكثر من نصف سنة إلا برضاها

    إن سافر الزوج أكثر من نصف سنة، وطلبت زوجته قدومه؛ راسله الحاكم، ذكروا أن عمر رضي الله عنه سأل ابنته حفصة : (كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: نصف سنة) فعند ذلك كان يرسل إلى أمراء الأجناد أن كل من تم نصف سنة فإن عليه أن يرجع، ويرسل بديله من المجاهدين، ففي كل نصف سنة يرجع ليقيم عند زوجته شهراً أو نحوه ثم يرجع، أما إذا تركته وسمحت ولم تطلبه ولم تتكلم فله أن يبقى إلى الوقت الذي يحتاج إليه. والآن كثير من العمال قد يبقى سنتين وربما ثلاث سنين أو أربعاً ولا يذهب إلى زوجته، وعذره عدم التفرغ، أو أن كفيله لا يسمح له، أو أنه لم يجمع شيئاً يستغني به إذا رجع إلى بلده، وزوجته قد سمحت له لأنها تعرف حاجته، فإذا طلبت قدومه أرسل إليه الحاكم، فإذا راسله الحاكم فامتنع وليس له عذر فرق الحاكم بينهما بطلبها، فيفسخ النكاح.

    أما إذا لم يُعلم خبره فلا فسخ لذلك بحال، فإذا لم يعلم هل هو في الشمال أو في الجنوب أو هو مفقود، ففي هذه الحال تبقى، لكن الصحيح: أنها إذا تضررت، ولم تجد من ينفق عليها، فإن للحاكم فسخ النكاح، فإن رجع الزوج قبل أن تتزوج فهو أحق بها، وإن تزوجت قبل أن يرجع فإنه يعطى مهره.

    تحريم جمع الزوجات في مسكن واحد إلا برضاهن

    قال المصنف رحمه الله: (من العشرة ألا يجمع الزوجتين بمسكن واحد إلا برضاهما).

    وذلك لأن العادة وجود غيرة بينهما، وكل منهما تبغض الأخرى، وتحقد عليها، وتحسدها، وتلتمس عثراتها، فمن الصعب أن ترضى إحداهما بالأخرى وهي معها في منزل واحد، تقابلها كل يوم؛ فلذلك يجعل كل واحدة في مسكن إلا إذا شرط على الأولى أن الثانية تسكن معك، وشرط على الثانية أن أسكنك معها، ورضيتا بذلك، ففي هذه الحال يجوز أن يجمعهما إذا رضيتا بذلك، وكذا الثلاث أو الأربع.

    جواز منع الرجل زوجته من الخروج من داره إلا للضرورة

    قوله: (وله منعها من الخروج من داره).

    لأنه إذا عقد عليها وذهبت معه إلى منزله فهو أملك بها؛ فليس لها أن تخرج إلا بإذنه، وله منعها إلا للأشياء الضرورية، كما إذا مرضت وذهبت إلى الطبيب، أو إذا احتاجت حاجة ضرورية وذهبت إلى البقال وما أشبه ذلك، ففي هذه الحال ليس له منعها لشدة الضرورة، وكذلك أيضاً إذا مرض أحد أبويها فليس له منعها من زيارتهم وما أشبه ذلك. هذا ما يتعلق بالعشرة، وبعد ذلك يتكلمون على القسم بين الزوجات.

    1.   

    القسمة بين الزوجات ووجوب العدل

    قال المصنف رحمه الله: (وعلى غير طفل التسوية بين زوجات في القسم).

    إذا كان له زوجتان فأكثر وهو بالغ عاقل رشيد، وجب عليه التسوية بينهما؛ وذلك لأن كلاً منهما لها حق عليه، فيلزمه أن يسوي بينهما، ولا يفضل إحداهما على الأخرى، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط) يعني: كالمفلوج، يجيء وهو مشلول أحد الجانبين علامة على ميله.

    والتسوية بينهما هي: التسوية في القسم، وفي النفقة، وفي المبيت، وفي قضاء الحاجات، ونحوها.

    لكن إذا رضيت أحداهما فلها إسقاط حقها، والأصل أنه يسوي بينهما بقدر ما يستطيعه، فيسوي بينهما في شراء الحاجات وما أشبهها، وكذلك أيضاً يُسوي بينهما في الأكل، يعني: يأكل عند هذه يوماً وعند هذه يوماً حتى لا تتبرم إحداهما، وقد يقول بعضهم: إذا استضاف الزوج أضيافاً فقد لا تتحمل إحداهما أن تقوم بخدمة الأضياف! فنقول: له أن يجعلهم عند التي تتحمل، كما إذا كان بيت هذه واسعاً والأخرى ضيقاً، وكل ذلك حسب الحاجة.

    عدم وجوب التسوية في الوطء والكسوة والمودة

    لا يلزم الزوج التسوية في الوطء، وذلك لأن الوطء يخضع للشهوة، فقد توجد شهوته عند إحداهما دون الأخرى، ولكن عليه ألا يمنعها من حقها من الاستمتاع ولو في الشهر مرة أو في الشهرين أو في الثلاثة أو ما أشبه ذلك بقدر الاستطاعة، فإذا كانت تحتد شهوته إذا جاء عند إحداهما دون الأخرى فلا يلزمه التسوية بينهما.

    وكذلك في الكسوة، فالكسوة تكون على قدر الحاجة، فقد تحتاج إحداهما إلى كسوة كل شهرين والأخرى بخلافها؛ بكثرة زيارات هذه دون هذه، فلا يلزمه التسوية بالكسوة.

    كذلك التسوية في الأطعمة يشتري لكلٍ حاجتها، فقد يكون هذه عندها أولاد بحاجة إلى فاكهة وبحاجة إلى لحم وتلك إذا اشترى لها حاجة وليس عندها أولاد بقيت عندها مدة.

    كذلك أيضاً لا تجب التسوية في مودة القلب، لما جاء في حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه، فيعدل ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) يعني: القلب، فإن القلوب بيد علام الغيوب، فإذا كان قلبه يحب إحداهما أكثر فهو لا يقدر على التسوية في ذلك، ولكن آثار ذلك لابد أن يحرص على التسوية فيها، فإذا قام بالواجب لهما، ولكن الأخرى أحب إليه؛ فلا حرج عليه.

    والقسم عماده الليل؛ لأن الناس في النهار يتقلبون في حاجاتهم وفي أعمالهم، فيقسم لهذه ليلة، ولهذه ليلة، لكن إذا كان حارساً فإنه يقسم في النهار، وكذلك الذي عمله ليلاً كأهل المرابطة وأهل الخفارات وأهل الحراسة للأشياء المخوفة وكل من لا يحرس إلا ليلاً، ففي هذه الحال يقسم في النهار؛ لأنه في الليل منشغل بالحراسة.

    القسم للملوكة على النصف من الحرة

    ذكر المصنف أن الزوجة المملوكة على النصف من الحرة في القسم، فإذا كان عنده زوجتان حرة وأمة فللحرة ليلتان وللأمة ليلة، والمبعضة في الحساب التي نصفها حر في هذه الحال يقال: لهذه التي نصفها حر مثلاً ليلة ونصف ليلة، وتلك الأخرى الحرة لها ليلتان، ويكون ذلك بالجبر، كأن يقول: لهذه أربع ليال ولهذه ثلاث، بالحساب.

    متى يسقط حق الزوجة؟

    إذا أبت الزوجة المبيت معه أو السفر سقطت نفقتها، إلا إذا كانت قد اشترطت دارها أو بلدها وامتنعت من السفر، وأما إذا طلبها للمبيت على فراشه فامتنعت سقطت نفقتها، وسقط حظها من القسم، وله أن يُعطي نصيبها للضرة الثانية.

    وإذا سافرت لحاجتها حتى للحج أو للعمرة سقطت نفقتها مدة السفر سواء كان طويلاً أو قصيراً؛ وذلك لأن النفقة مقابل الاستمتاع، وهي الآن قد فوتته على نفسها.

    يقيم عند البكر سبعاً وعند الثيب ثلاثاً

    إذا تزوج الرجل بكراً وعنده قبلها امرأة أو امرأتان أقام عند البكر الجديدة سبعة أيام ثم قسم، أما إذا تزوج ثيباً وعنده قبلها نساء أقام عند هذه الجديدة ثلاثة أيام ثم دار على نسائه، كما ذكرت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها وهي ثيب أقام عندها ثلاثة أيام متتابعة ثم قال: (إنه ليس بك هوان على أهلك، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي) يعني: أتممت لك سبعة أيام، فرضيت أن يبيت عندها ثلاث ليال، فالجديدة البكر يبيت عندها سبعة أيام متوالية لتأنيسها لكونها جديدة، والثيب يبيت عندها ثلاثة أيام متوالية، إلى هنا انتهى ما يتعلق بالقسم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765794272