وتجب عليه بمعروف لكل من أبويه وإن علوا، وولده وإن سفل، ولو حجبه معسر.
ولكل من يرثه بفرض أو تعصيب لا برحم، سوى عمودي نسبه، مع فقر من تجب عليه وعجزه عن كسب، إذا كانت فاضلة عن قوت نفسه وزوجته ورقيقه يومه وليلته كفطرة، لا من رأس مال وثمن ملك وآلة صنعة].
والأقارب هم الأصول والفروع والحواشي وذوو الأرحام، ولا يدخل فيهم الأقارب من الرضاع.
فأما الذين تلزمه نفقتهم فأصوله وفروعه، سواء كانوا وارثين أو غير وارثين، وذلك إذا افتقروا واستغنى، ومنهم الأبوان، فحق على ولدهما أن ينفق عليهما، وإذا كان لهم عدة أولاد وزعت النفقة على الأولاد، إلا إذا كانوا فقراء استقل بها من كان غنياً.
إذا كان أبواه بحاجة إلى النفقة الضرورية -النفقة بالمعروف- فينفق عليهما، ولا يقول: إن أولادكم كثير؛ لأنهم قد يقولون: أولادنا فقراء مثلنا، فنحن بحاجة، أنفق علينا. لا شك أن هذا من حق الوالدين، والله تعالى أمر بالإحسان إليهما: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:83] فهل من الإحسان أن يتركهما جائعين؟! لا شك أن إنفاقه عليهما يعتبر من الإحسان.
كذلك الأجداد والجدات لهم حق الولادة، فإذا كان جدك موجوداً وأبوك موجوداً، ولكن أبوك فقير وأنت غني، فعليك أن تنفق على جدك كما تنفق على أبيك، وكذلك الجدات سواء من قبل الأب أو من قبل الأم وكذا الجد أبو الأم، ولو كان من ذوي الأرحام، والجدة أم الأم ولو كانت من ذوي الأرحام، فتجب عليك نفقتهم إذا كنت قادراً وكانوا محتاجين.
وإذا كان أولادهم موجودين فالنفقة على الأولاد لا على أولاد الأولاد، إذا كان مثلاً جدك فقيراً، وأبوك غنياً، وكنت أنت غنياً، من الذي ينفق على جدك؟ ينفق عليه ولده لأنه أقرب؛ ولأنه هو الذي يرثه، فينفق عليه ولده، ولا يقول: أنفق علي يا ولد الولد. أنت تقول: هناك من هو مثلي في الغنى، وأقرب لك مني. فينفق عليه ولده، فإن كان ولده فقيراً وأولاده كلهم فقراء طالب ولد الولد.
فالحاصل: أنه تجب عليه النفقة بالمعروف -يعني: بالمعتاد- لا إسراف ولا تقتير، وينفق على أبويه نفقة كفاف، فليس لهما أن يطالباه بالتوسع، فلا يقولان له: أنت في سعة، وأنت في ثروة، وعندك أموال طائلة، فنريد أن توسع علينا، نريد أن تسكننا في مساكن عالية، ونريد أن تفرش المساكن بفرش عالية، ونريد أن ترفهنا بالأمتعة الحسنة، ونريد أن تشتري لنا الكسوة الغالية، وأن تعطينا من أنواع اللحوم والفواكه والخضار.. وما أشبه ذلك، ليس لهما مطالبتك إلا بالنفقة بالمعروف، أي: النفقة المعتادة ليست الزائدة، هذه نفقة أبويه، جده أبو أبيه، وجده أبو أمه، وكذلك أجداده وإن بعدوا، أمه، وجدته أم الأم، أو أم الأب، وجدتها، وجدة أبيه، وإن علت الجدات، كل هؤلاء يسمون أصولاً، يلزمه أن ينفق عليهم إذا لم يكن هناك أقرب منه.
الفروع: هم الأولاد ذكوراً وإناثاً، وأولاد الأولاد، وأولاد أولاد الأولاد ذكوراً وإناثاً، ولو كانوا أجانب، إذا افتقروا ولم يكن لهم من ينفق عليهم فإنه ينفق عليهم، فمثلاً: بنت بنتك قد تكون أجنبية، أبوها الذي هو زوج بنتك فقير، وأمها التي هي بنتك فقيرة، وأنت غني، فعليك أن تعطيها نفقة الفقراء، أي: تعطيها كفافاً تنفق عليها بالمعروف.
كذلك ابن بنتك أجنبي، إذا افتقر وكان أبوه وأمه وأقاربه الذين يرثونه فقراء فعليك نفقته، وبطريق الأولى ابن ابنك وبنت ابنك الذين ينتسبون إليك، ولو كانوا بعيداً، ولو كان ابن ابن ابن ابن، أو كذلك بنت ابن ابن ابن، أو بنت بنت بنت ابن، أو بنت بنت بنت بنت، يعني: الفروع كلهم وإن كثروا يسمون فروعاً لك، بمنزلة فروع الشجرة، فأنت تعرف مثلاً أن ساق الشجرة له فروع، فهؤلاء الفروع هم أولادك ذكوراً وإناثاً، وأولادهم، وأولاد أولادهم، وساق الشجرة لها عروق ممتدة في الأرض، هؤلاء هم أصولك الذين هم آباؤك وأجدادك ذكوراً وإناثاً، فمثل هؤلاء تلزم نفقتهم على من كان غنياً.
قد تقول مثلاً: أنا لا أرث من ابن ابني، إذا مات فإنه يرثه ابني الذي هو أبوه المباشر، وأنا جده، فكيف أنفق عليه وأنا لا أرث منه، وأنا محجوب بمن هو أقرب مني؟
الجواب: إن الذي حجبك فقير، صحيح أنه أقرب إليه، وأنت جده، وأبوه موجود، ولكن أباه فقير وهو فقير.
وكذلك أيضاً الأصول: إذا كان جدُك فقيراً وأبوك أيضاً فقيراً، لو مات جدك لم ترث منه، وميراثه لأبيك، يحجبك أبوك، وإنما أنت الغني، وأبوك فقير وجدك فقير، وابنك فقير، وابن ابنك فقير، فتنفق على جدك مع أنك محجوب، وتنفق على ابن ابنك مع أنك محجوب، حجبك معسر.
هذا بالنسبة إلى الأبوين والفروع، يعني: الأصول والفروع.
لكن بالنسبة إلى النفقة: متى تجب عليك نفقة أقاربك كإخوتك وأخواتك وأعمامك وبنوهم؟
تجب على من ترثه بفرض أو بتعصيب، إذا كنت ترث هذا الإنسان الفقير لو مات، فإنه عليك نفقته إذا افتقر، فإذا كنت لا ترثه فليس عليك نفقته ولو كان فقيراً، ولو كان الذي حجبه فقيراً، وإذا كان لك أخوان من الأب، وهما شقيقان، وهما فقيران، فأنت لا ترث واحداً منهما، إذا مات هذا ورثه أخوه الشقيق، وأنت لا ترث منه، فلا تجب عليك نفقة واحد منهما؛ وذلك لأنه لا يحصل التوارث، فلو مات واحد منهما فإنك ترث الآخر، فعليك نفقته؛ لأنك أصبحت وارثاً، والذي حجبك قد توفي.
الذي ترثه مثلاً بالفرض كالأخ من الأم، إذا افتقر وأنت من جملة الذين يرثونه، فإنك تنفق عليه، فإنه إذا مات لا ترث منه إلا السدس، ولكن أنت من جملة الورثة، فإن كان له أولاد ذكور أو إناث حجبوك، فلا يلزمك أن تنفق عليه؛ لأنك لست بوارث.
وكذلك مثلاً: الأم ترث ولدها، ولا ترث منه إلا السدس إذا كان له أولاد، أو له جمع من الإخوة، فإذا افتقر ولدها أنفقت عليه؛ وذلك لأنها ترثه لأنه من الفروع؛ ولأنها أحد الأبوين.
أما بالنسبة إلى الذين يرثون بفرض فكالأخت، فإنها إذا مات أخوها ترث منه النصف فرضاً، فإذا افتقر أخوها وهي غنية فعليها أن تنفق عليه؛ لأنها من جملة ورثته.
وإذا كانت لا ترث منه إلا شيئاً يسيراً، كأن كان له بنتان ترثان الثلثين، وله زوجة، وله أم، وله أخت شقيقة غنية، هو فقير، وبنتاه كذلك، وأمه فقيرة، وزوجته فقيرة، وأخته غنية، أخته ترث منه بالتعصيب، ولكن إنما ترث واحداً من أربعة وعشرين سهماً، في هذه الحال عليها أن تنفق عليه إذا افتقر، ولو كانت لا ترث منه إلا شيئاً يسيراً.
فالحاصل: أن كل من ترث منه بفرض أو تعصيب إذا افتقر من أقاربك كإخوة وأخوات وعم وأعمام وبني عم وبني أخ وبنات أخ ونحو ذلك، فإنك تنفق عليهم؛ لأنك من جملة الورثة.
أما إذا كنت ترثه بالرحم فالميراث بالرحم فيه خلاف، فلذلك لا يلزمك الإنفاق عليه، كالخال وابن الأخت، فإذا افتقر ابن أختك وأنت خاله لم تلزمك النفقة عليه؛ لأن الميراث ليس متفقاً عليه، وكذلك إذا افتقر خالك أو خالتك أو ابن خالك لا يلزمك النفقة عليهم؛ لأنك لا ترثهم.
أما عمودي النسب الأصول والفروع فإنهم بلا شك يتوارثون، والنفقة تجب عليك ولو كنت غير وارث، كأن كنت محجوباً بمن هو أقرب منك، فيستثنى عمودا النسب.
الشرط: أن يكون ذلك الذي تنفق عليه فقيراً، أي: ليس عنده القوت الضروري.
وشرط آخر: عجزه عن التكسب، فإذا كان ابن عمك الذي ترثه قوياً، وصحيح البدن، وعاقلاً، وفارغاً، تأمره وتقول: تكسب، اشتغل يا ابن عمي، لا تكن عالة علي وعلى الناس، أنت تقدر على أن تشتغل وتتكسب وتحترف، فالحرف كثيرة، فهذا لا تجب النفقة عليه، أما إذا كان عاجزاً لمرض أو عاهة أو إعاقة أو كبر سن، ففي هذه الحال تجب نفقته على أقاربه الذين هم أغنياء وبينهم توارث.
متى تجب عليك نفقتهم؟
إذا فضل عن قوتك ما يقوتهم، أي: إذا كانت نفقتهم فاضلة عن قوت نفسك، وعن قوت زوجتك ورقيقك المملوك يومك وليلتك، قياساً على زكاة الفطر، وقد تقدم في زكاة الفطر أنك تبدأ بنفسك، ثم بعد ذلك بزوجتك، ثم برقيقك، ثم بعد ذلك بأبويك وأولادك، ثم بعد ذلك بأقاربك الذين هم فقراء كإخوة وأخوات وأعمام وعمات ونحوهم، فيكون ترتيبهم في هذا على ترتيب الميراث.
إذا قلت مثلاً: أنا ما عندي إلا قوت إنسان زائد على قوتي وقوت عيالي، فمن أعطيه؟ فالجواب: تعطيه الوالدة، فإن كان عندك قوت اثنين زائداً على قوت نفسك، وعلى قوت من تحت يدك من أولادك ونحوهم أعطيته الأبوين، إذا كان عندك قوت ثلاثة فأعطه أخاك الشقيق أو أختك، وهكذا كالفطرة.
إذا لم يكن عندك شيء زائد إلا رأس مالك الذي تتجر به، كأن تقول: رأس مالي ألف، أشتري به كل يوم بضاعة وأبيعها وأربح فيها ثلاثين ريالاً، أقوت بها نفسي وأولادي، فهل نلزمك أن تعطيه من الألف الذي هو رأس مالك الذي تتجر به؟ لا يلزمك؛ لأنه إذا نزعنا منه كل يوم ثلاثين، بقيت بدون رأس مال، فحينئذ تتضرر، ويتضرر من تحت يدك؛ لأنك تتجر في هذا المقدار من المال، فلا يؤخذ من رأس المال.
إذا لم يكن عندك إلا بيتك فهل يلزمك نفقة أقاربك؛ فيقولون: بع البيت وأنفق علينا، فإننا بحاجة؟ أو عندك سيارتك التي تتنقل عليها، فهل يلزمك الشرع أن تبيع سيارتك وتنفق على أعمامك، وعلى أولاد أعمامك، وعلى أجدادك، وعلى أولاد بناتك؟ لا يلزمونك بذلك؛ لأن في هذا ضرراً عليك.
فإذا لم يكن عندك إلا آلة الصنعة فلا يلزمك أن تبيعها لأنك تعمل بها، فمثلاً: الحداد عنده آلة الحدادة، لا يلزمه أن يبيعها، النجار عنده آلة النجارة، والحلاق عنده آلة الحلاقة، والحجام عنده آلة الحجامة، والبناء عنده آلة البناء.. وأشباه ذلك، فلا يلزمه القاضي أن يبيع آلة صنعته لأجل الإنفاق على أقاربه، بل يكون فقيراً كما أن أولئك الذين معه يعتبرون فقراء.
الجواب: يعطي الزوجات قدر حاجتهن، ويعطي الأولاد قدر حاجتهم، الأولاد نفقتهم نفقة أقارب، والزوجات نفقتهن نفقة معاوضة، فيسوي بين الزوجات في النفقة التي تخصهن، وأما الأولاد فيعطي أم أولاده نفقة أولادها، والتي ليس لها أولاد لا تطالبه ولا تقول: أعطوني مثل فلانة. يقول: ما أعطيتها شيئاً، إنما أعطيت أولادي.
الجواب: شرعاً لا يجوز، الأولاد يتبعون آباءهم، والنفقة على أبيهم لا على أمهم، ولكن إذا طلبت أن تحضن أولادها، وأبرأت الزوج من نفقتهم فلها ذلك.
الجواب: لا شك أن المقياس هو الاستقامة، ليس مجرد الصلاة، فلا بد من الأعمال المفروضة، ولا بد من ترك المحرمات، ولا بد من ترك ما يحذر من الأعمال كالشركيات وما أشبهها.
الجواب: توزع عليهم إذا تشاحوا، وإن تبرع أحدهم وقال: أنا أقوم بنفقة والدتي، فله أجر، وإذا تشاحوا قسمت النفقة على كل واحد منهم قسطه، إن كانوا ثلاثة تقاسموها أثلاثاً، أو كل واحد منهم ينفق عليها شهراً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر