إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [85]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأمور المهمة في الفقه القسمة بين الشركاء، والأشياء المشتركة بين الشركاء تختلف، فمنها ما تضره القسمة ومنها ما لا تضره القسمة، ولكل منهما أحكام وضوابط.

    1.   

    القسمة

    قال رحمه الله تعالى: [فصل: والقسمة نوعان: قسمة تراض وهي فيما لا ينقسم إلا بضرر أو رد عوض كحمام ودور صغار، وشرط لها رضا كل الشركاء، وحكمها كبيع، ومن دعا شريكه فيها وفي شركه نحو عبد وسيف وفرس إلى بيع أو إجارة أجبر، فإن أبى بيع أو أجر عليهما وقسم ثمن أو أجرة.

    الثاني: قسمة إجبار وهي ما لا ضرر فيها ولا رد عوض، كمكيل وموزون من جنس واحد ودور كبار، فيجبر شريك أو وليه عليها، ويقسم حاكم على غائب بطلب شريك أو وليه، وهذه إفراز، وشرط كون قاسم مسلماً عدلاً عارفاً بالقسمة ما لم يرضوا بغيره، ويكفي واحد ومع تقويم الاثنان، وتعدل السهام بالأجزاء إن تساوت وإلا بالقيمة أو الرد إن اقتضت، ثم يقرع، وتلزم القسمة بها، وإن خير أحدهما الآخر صحت ولزمت برضاهما وتفرقهما].

    القسمة: هي إفراز نصيب الشريك عن نصيب شريكه، فالقاضي قد يحكم بقسمة المال المشترك بين اثنين؛ لأن الشريكين قد يكون بينهما خصومات ومنازعات كما قال الله تعالى: وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [ص:24] ، وقوله تعالى: رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ [الزمر:29] أي: يكثر بينهم المشاكسة والمجادلة ونحو ذلك، فيطلبون القسمة فيترافعون إلى القاضي ليحكم بينهم فعند ذلك يقول: اقتسموا.

    أنواع القسمة

    القسمة نوعان: قسمة التراضي وقسمة الإجبار، فقسمة التراضي تكون في الشيء الذي لا ينقسم إلا بضرر أو برد عوض كحمام ودور صغار، فهذه تقسم قسمة التراضي، فإذا كان بينهما دار صغيرة مساحتها مثلاً ثمانية أمتار طولاً وسبعة أمتار عرضاً، وهي مشتركة بين اثنين، وقالا: نريد أن نقتسمها، فيقول القاضي: إذا اقتسمتم يكون لك يا هذا أربعة في سبعة ماذا تنتفع بها؟ تكون ضيقة ولا تنتفع بها، وإذا قال: أنا راض اقسموا لي، هل ترضى أنت أيها الآخر أن يكون هذا قسمك؟ إذا أردت أن تبيع، هل أحد يشتري منك هذه الدار التي عرضها ثلاثة أذرع؟ إذا أردت أن تؤجر هل أحد يستأجرها وهي بهذه المسافة؟ فقسمها يفسدها ويتضرر أهلها، لكن لو رضي كل من الطرفين، فإن القاضي يقسمه، فيأتي بواحد يقسم بينهما فيبني حاجزاً بينهما فيقول: لك يا هذا كذا، ولك يا هذا كذا، هل رضيتما؟ قالا: رضينا.

    وقوله: (الحمام) هو المكان الذي يغتسل فيه تحت الأرض قديماً، كانوا في البلاد الباردة كالشام ومصر والعراق وبعض البلاد يحفرون حماماً نحو خمسة أمتار في الأرض، ويجعلون دورين، الدور الأسفل يكون فيه الماء، وينزل فيه الذي يريد الاستحمام يعني: الاغتسال والنظافة، وقد يكون الحمام صغيراً عرضه مثلاً أربعة أذرع وطوله خمسة أذرع، وإذا قسم فإنه يختل، ولا ينتفع بنصفه، فلا يقسم إلا إذا تراضوا، وقد يكون هذا الحمام، أو هذه الدور، أو هذا الدكان بين ثلاثة أو أربعة، فالدكان الذي عرضه متران، وطوله أربعة أمتار، وهو مشترك بين اثنين يطلبان القسمة، فلا يقسمه إلا إذا تراضيا، فيشترط رضا كل الشركاء، فإنه كبيع ومعناه: أن لكل منهما الخيار كأنه يقول: بعتك نصيبي في هذا القسم، والثاني يقول: بعتك نصيبي في هذا القسم، فإذا رجع أحدهما في مجلس الخيار فله ذلك؛ لأن حكمها كالبيع.

    1.   

    دعوة الشريك للبيع أو الإجارة

    يقول: (ومن دعا شريكه فيها، أو في شركة نحو عبد وسيف وفرس إلى بيع أو إجارة أجبر):

    إذا قال: أنا شريك لك في هذا الدكان الذي عرضه متران، ولكن أنا أريد البيع، إما أن تبيعني أو أبيعك وإلا بعنا نصيبنا جميعاً، فإنه يجبر، إذا قال: أنا شريك في هذا الدكان، أنا شريك في هذا العبد، أو في هذه الفرس، أو في هذا السيف، فالعبد لا يمكن قسمه، والسيف لا يمكن قسمه، والفرس لا يمكن قسمها، وإنما هذه الأشياء تباع، فإذا طلب أحدهما البيع فإن له ذلك، والقاضي أو الأمير يجبر من امتنع؛ لأن الآخر متضرر بالشركة حيث يقول: إنه ينتفع بها وأنا لا أنتفع، أو إنها معطلة، أو إنها مؤجرة بأجرة زهيدة أو نحو ذلك، فأنا أريد بيع نصيبي، أو أريد تأجير نصيبي بأجرة أكثر من ذلك.

    فالحاكم يجبر بقية الشركاء على بيع أو إجارة، وإذا أبى أحدهما وقال: أنا لا أبيع نصيبي في هذا العبد، ولا في هذا الجمل، ولا في هذا الدكان، أجبره الحاكم أو القاضي أن يبيعه أو يؤجره، ويقسم الثمن أو يقسم الأجرة بينهما، يقول له: إما أن تبيع نصيبك مع نصيب صاحبك، أو تشتري نصيب صاحبك فإذا لم توافق فإننا سنبيعه، فإذا قال: بع نصف شريكي، قد يقول: نصف شريكك إذا كان متراً فلن نجد أحداً يشتريه، وكذلك إذا كان نصيبه نصف هذا السيف، فمن الذي يشتري نصف السيف؟ ماذا يريد بنصف السيف أو نصف الفرس؟ فيجبره على أن يبيع أو يجبره على أن يؤجر، أو يبيعه الحاكم ويقسم الثمن عليهما، ويلزمهما بذلك، أو يؤجره ويقسم الأجرة بينهما، هذا ما يتعلق بقسمة التراضي.

    النوع الثاني: قسمة الإجبار: وهي ما لا ضرر فيه ولا رد عوض كمكيل وموزون من جنس واحد ودور كبار، فيجبر على القسمة، فإذا قال: اشتريت وفلان كيساً من البر، والآن أريد نصيبي، والأول يقول: أنا لا أقسمه، ولكني سوف أبيعه، فإنه يجبر من امتنع فيقسم الكيس بالصاع أو بالكيلو ويعطى كل واحد منهما نصيبه ليتصرف فيه، وكذلك لو كان كيس تمر مثلاً، أو شيئاً يوزن كحديد، أو قطن، أو صوف، ففي هذه الأحوال كلها يجبر من امتنع؛ لأنه ليس ببيع وإنما يسمى إفرازاً.

    وهكذا لو كان بينهما أرض واسعة مساحتها مثلاً مائة متر في مائة وطلب أحدهما القسمة فيجبر من امتنع منها، ولو كانوا ثلاثة وقال أحدهم: إنا إذا قسمناها نقصت قيمتها، فالجواب: أصحابك طلبوا قسمتهم، يريدون أن يعمروا، وأنت إذا أخذت نصيبك، فإن شئت فبع، وإن شئت فأجر، وإن شئت فاعمر، فيجبره الحاكم، ويقسمها بينهم، ويعطي كل واحد نصيبه، هذا إذا كان ليس فيها ضرر ولا رد عوض.

    فإن كان فيها رد عوض فلا بد من التراضي كما تقدم في قسمة التراضي، وصورة ذلك: إذا كان بيت طوله عشرون متراً وعرضه عشرون متراً -أي: أنه نحو أربعمائة متر- وهو بين اثنين، ولكن يختلف القسم الجنوبي عن القسم الشمالي، فالقسم الشمالي على طريق واسع، وعلى مكان معروف، وقريب من المرافق ومن الخدمات، وأما القسم الجنوبي فليس على مرفق، وليس حوله ولا أمامه إلا طريق ضيق، ففي هذه الحال إذا قسمناه نصفين فكل واحد منهما يقول: أنا أريد القسم الشمالي، ففي هذه الحال نقول: من كان له القسم الشمالي يدفع للآخر عشرة آلاف ريال، هذا فيه رد عوض، فهل هذه قسمة إجبار أو قسمة تراض؟ قسمة تراض؛ لأن فيها رد عوض، فليس كل منهم يرضى بهذه القسمة فيقول: قنعت.

    أما إذا كانت الأرض في صحراء، وليس حولها بناء، وهي أرض واسعة قدرها مائتا متر في مائتين، وهذه عندها مرافق وخدمات وهذه كذلك، وهي بين أربعة مثلاً، ففي هذه الحال إذا طلبوا القسمة جاز ذلك، وأجبروا على ذلك، وليس فيها رد عوض، فإذا قسمناها على أربعة فكل واحد له مائة في مائة، فهذه قسمة إجبار لا ضرر فيها ولا رد عوض.

    والشيء الذي يكال كالأكياس أو يوزن كالحديد والقطن، ويكون من جنس واحد ليس بينه تفاوت يعني: هذا بر كله، وهذا رز كله، والدور الكبار، والأراضي الواسعة، فالقسمة فيها قسمة إجبار، يجبر الشريك أو يجبر وليه إذا كانت الشراكة لولي يتيم، أو لولي مجنون، على القسمة ويقسم الحاكم على غائب، فإذا كان أحدهم غائباً وطلب الشركاء الحاضرون أو طلب أولياؤهم القسمة، يقسم الحاكم عليهم.

    وهذه القسمة تسمى إفرازاً وليست كالأولى، فالأولى بيع وهذه إفراز، وليس فيها خيار، ولكن إذا اتفقت الرغبات فإنهم يقرعون بينهم، وكل يأخذ ما يصيبه بالقرعة.

    1.   

    شروط القاسم

    القاسم الذي يتولى القسم يشترط فيه شروط:

    أن يكون مسلماً: فلا يتولى القسم من كان كافراً، وأهل الشراكة مسلمون.

    وأن يكون عدلاً: فلا يكون فاسقاً؛ لأنه قد يظلم أحدهما، ويعطيه أكثر أو يعطيه أقل.

    وأن يكون عارفاً بالقسمة، أي: قد جرب وعرف أنه من أهل المعرفة وأهل الفطنة، ما لم يتراضوا بغيره، فلو قالوا: نرضى بك يا فلان! قسمت بينهم وإن كنت لست من أهل التجربة، ولكن قد رضوا بك فقسمت بينهم وتراضوا، فتنفذ القسمة.

    وهل يشترط العدد؟ يكفي قاسم واحد، لكن إذا كان هناك تقدير فلا بد من اثنين أي: إذا كان هناك رد عوض، فمثلاً: إذا قسمنا الدار وكانت تختلف، وقلنا: لا بد أن نزيد صاحب هذا القسم الشرقي عن هذا الغربي؛ لأن الغربي أرغب، فنأتي باثنين، ويقال: قدرا: فيقولان: نقدر هذا القسم الغربي بثلاثمائة ألف، ونقدر الشرقي بمائتين، فيكون هذا ثلاثة أخماس، والآخر خمسان، فالذي يأخذ الغربي يلتزم بدفع نصف الخمس للآخر خمسمائة مثلاً، أو خمسين ألفاً أو نحو ذلك يعني: نصف الخمس حتى تتساوى، والتقدير لا بد فيه من اثنين لأنه فرق بين تقدير هذا وهذا، فيقولان: هذا خمسان وهذا ثلاثة، الفرق بينهما كذا، فالذي يأخذ الثلاثة أخماس يدفع نصف الخمس.

    1.   

    قسمة التعديل

    يقول: (وتعدل السهام بالأجزاء إن تساوت):

    تعدل بالأجزاء أي: بالأمتار، فإذا كانت الأرض واسعة، بحيث قسناها وإذا هي أربعمائة متر، أو أربعة آلاف متر، أو أربعون ألف متر، فهذه تقسم بالأجزاء، فيقال: لك يا هذا مائة متر، وأنت يا هذا مائة، وأنت يا هذا مائة، وأنت يا هذا مائة، أو لك يا هذا مائتان، ولك يا هذا مائتان؛ لأنها مستوية، ولا فرق بين أجزائها، والربوة في هذه مثل الربوة في هذه.

    فتقدر السهام بالأجزاء، والأجزاء هي السهام يعني: هذا مائتان وهذا مائتان إذا تساوت، فأما إذا لم تتساو فإنها تقدر بالقيمة، فإذا قسمنا البيت نصفين شرقياً وغربياً، وكان بينهما تفاوت فنقدره بالقيمة: كم يساوي الشرقي؟ فإذا قالوا: الشرقي يساوي أربعمائة ألف قلنا: وكم يساوي الغربي؟ يقولون: يساوي ستمائة ألف فهذا يسمى التقدير بالقيمة، فتقدر القيمة، ويأخذ كل منهما ما يناسبه، قد يكون لأحدهما مثلاً الثلثان، فإذا قدرنا أن هذا بستمائة وهذا بمائتين فالذي له الثلث يأخذ الذي بستمائة، ويرد على الآخر؛ لأن المجموع مثلاً ثمانمائة، فإذا قدرنا هذا بأربعمائة وهذا بستمائة، فيرد أيضاً الزائد، صاحب الثلثين يأخذ نصيبه، ويرد الزائد على صاحب الثلث.

    وكذلك إذا قدرت بالرد، فإذا وزعوها أقرع بينهم، فمن أصابته قرعة كذا فإنه يرضى بما أصاب، وتلزم القسمة بالقرعة، أما إذا لم يقترعوا وتراضوا فيما بينهم وقالوا: نحن نقسم الأرض، نحن إخوان والأرض بيننا، فنقسمها ولك الخيار يا أخي، فإذا خير أحدهما صاحبه فلا يحتاج إلى قرعة، وحينئذ إذا رضيا وتفرقا فإنها تلزم، ولو طلبا بعد ذلك أن يعيدا القسمة لم يلزم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765794705