[وشرط في الزنا أربعة رجال يشهدون به أو أنه أقر به أربعاً.
وفي دعوى فقر ممن عرف بغنى ثلاثة.
وفي قود وإعسار وموجب تعزير، أو حد ونكاح ونحوه مما ليس مالاً، ولا يقصد به المال، ويطلع عليه الرجال غالباً رجلان.
وفي مال وما يقصد به رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين المدعي.
وفي داء ودابة وموضحة ونحوهما قول اثنين، ومع عذر واحد.
وما لا يطلع عليه الرجال غالباً كعيوب نساء تحت ثياب، ورضاع، واستهلال، وجراحة ونحوها في حمام وعرس: امرأة عدل أو رجل عدل.
فصل: وتقبل الشهادة على الشهادة في كل ما يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي.
وشُرِط تعذر شهود أصل بموت، أو مرض، أو غيبة مسافة قصر، أو خوف من سلطان أو غيره، ودوام عدالتهما، واسترعاء أصل لفرع أو لغيره، وهو يسمع فيقول: أشهد أني أشهد أن فلان بن فلان أشهدني على نفسه أو أقر عندي بكذا ونحوه، أو يسمعه يشهد عند حاكم، أو يعزوها إلى سبب كبيع وقرض، وتأدية فرع بصفة تحمله وتعيينه لأصل، وثبوت عدالة الجميع.
وإن رجع شهود مال قبل حكم لم يحكم وبعده لم ينقض وضمنوا.
وإن بان خطأ مفت أو قاض في إتلاف لمخالفة قاطع ضمنا].
يقول العلماء: لابد أن يشهدوا به شهادة واضحة بأن يروا فرجه في فرجها، وقد ذكرنا في كتاب الحدود أن هذا قد يكون متعذراً، يعني: رؤية الفرجين، ولكن إذا تحققوا أنه وقع بها وأنه أولج فيها، ورأوا علامات ظاهرة تدل على الزنا؛ فإنهم يشهدون وتقبل شهادتهم، وإذا شهد أربعة على رجل بأنه زنى قبلت شهادتهم على الصحيح ولو جاءوا متفرقين، وهكذا أيضاً لو شهد اثنان في يوم السبت أنه زنى، ثم شهد يوم الأحد آخران أنه زنى، فاجتمع أربعة عدول ثقات، ففي هذه الحالة تقبل شهادتهم، ويقام عليه الحد، هذا ما يتعلق بما يثبت به حد الزنا.
وكذلك إذا شهدوا أنه أقر عندهم أربع مرات، فهذا أيضاً مما يقام به الحد، يقولون: نشهد أنه اعترف عندنا أربع مرات أنه زنى بفلانة، ففي هذه الحال تقبل شهادتهم، والصحيح أنه إذا أنكر يدان، فإذا قال: إنهم كذبوا علي. وكانوا عدولاً فإنه يدان، ويقام عليه الحد بموجب شهادتهم على اعترافه، ولا يقبل إنكاره ولا يقبل رجوعه ولو قال: رجعت عن الإقرار بعد أن شهد عليه أربعة؛ فالصحيح أنه لا يقبل.
هناك من يقول: إذا رجع يقبل رجوعه ولا يقام عليه الحد، واستدلوا بما وقع في رجم ماعز فإنه لما أذلقته الحجارة هرب، وروي أنهم ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هلا تركتموه) ، ولكن لما لم يعنفهم ولم يضمنهم؛ دل على أنه مستحق للرجم ولو هرب.
وكذلك الإعسار، إذا قالا: نشهد أنه معسر، إذا لم يكن معروفاً بالغنى فيشهد اثنان على إعساره.
وكذلك ما يوجب التعزير أو يوجب الحد، مثال الذي يوجب التعزير: سرقة مال يسير دون نصاب السرقة، وكذلك قذف بغير الزنا، إذا قذفه بغير الزنا ولو بالكفر أو بالبدعة فإنه إذا جاء شاهدان فقالا: نشهد أن هذا كفر فلاناً، أو أنه رماه بأنه يشرب الخمر أو أنه قد سرق فشاهدان يكفيان في عقوبة التعزير، فلو شهد عليه اثنان أنه سرق تحت النصاب عزر، ولو شهدا أنه ضم امرأة أجنبية أو قبلها وهي لا تحل له أو نحو ذلك ففيه التعزير، ويقبل فيه شاهدان.
وكذلك عقد النكاح يكفي فيه شاهدان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل).
وكذلك عقد المبايعة والإجارة ونحو ذلك.
يقول: (ما ليس بمال ولا يقصد به المال، ويطلع عليه الرجال غالباً يقبل فيه رجلان).
فيقبل رجلان في القصاص وفي الحدود وفي العقوبات وما أشبه ذلك مما يطلعون عليه، وكذلك في إثبات النسب إذا قال: إن هذا ابني، فقيل: ائت بشاهدين، فجاء بشاهدين؛ ثبت نسبه.
وكذلك الطلاق، قال تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2] فهذه كلها يقبل فيها رجلان، ولا يقبل فيها النساء، فلا تقبل شهادتهن في إثبات الحدود، وتكون مرجحة فإذا شهد نساء أن هذا دخل بيت فلان وسرق منه، فلا يقام عليه حد القطع، ولكن يعزر، وكذلك لو شهد النساء أن هذا شرب خمراً أو أن هذه شربت خمراً فلا يقام الحد ولكن يقام التعزير.
فالمال وما يقصد به المال تقبل فيه شهادة النساء مع الرجال، والذي يقصد به المال هو ما يستفاد منه مالياً كما لو قالوا: نشهد أنه أسكنه هذه الدار مجاناً، أو منحه هذه البقرة ليشرب من لبنها أو ما أشبه ذلك، فهذه تقبل فيها شهادة رجل وامرأتين.
وإذا لم يكن هناك إلا رجل فتقبل شهادته مع اليمين، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالشاهد واليمين، فإذا جاء المدعي بالشاهد وقال: لا أعرف شاهداً آخر، عند ذلك قال: عليك اليمين، احلف مع شاهدك ونحكم لك، فإذا حلف ومعه شاهد حكم له، هذا في المال أو ما يقصد به المال.
وأما شهادة زنا، أو شهادة سرقة، أو شهادة سكر، أو شهادة قذف، أو شهادة نكاح أو طلاق؛ فلا تقبل فيها النساء، ولا تكفي فيها اليمين.
وكذلك الموضحة - وهي الشجة التي تصل إلى العظم-إذا شهد المقدر أنها وصلت إلى العظم، فتقبل شهادته ولو كان وحده، فإن تيسر اثنان يقولان: نشهد أنها موضحة وصلت إلى العظم فهو أفضل، فإن لم يتيسر قبل واحد مع العذر.
وكذلك الرضاع، فهذا أيضاً لا يطلع عليه الرجال، ودليله: قصة عقبة بن عامر لما تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب ، فجاءت أمة سوداء فقالت: إني قد أرضعت عقبة والذي تزوج بها، فأنكر ذلك عقبة وقال: أنا ما أعرف ذلك، فعند ذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (كيف وقد قيل؟ خلها عنك) ففارقها عقبة وتزوجت غيره، فهذا دليل على أنها تقبل شهادة المرأة الواحدة في الرضاع؛ لأنه لا يعرف إلا من قبلها.
وكذلك الشهادة في الاستهلال، وفسر الاستهلال بالصياح، فإن الولد إذا خرج من بطن أمه واستهل -أي: صاح- يكون حياً وإن لم يصح يكون ميتاً؛ وذلك لأنه إذا خرج حياً واستهل وصرخ دل ذلك على أنه حي فيورث، وإذا ولد ميتاً فلا يورث، فإذا قالت المرأة الواحدة: أشهد أنه استهل، يعني: صاح عندما ولد، قبلت شهادتها وحدها.
وكذلك الجروح الخفية في المرأة، إذا قالت امرأة: اطلعت على جرح في هذه المرأة تحت الثياب، وقد يكون هذا في الحمامات، فهناك حمامات خاصة للنساء في بعض البلاد الباردة، وحمامات أخرى للرجال يغتسلون فيها، والغالب في ذلك الزمان أنها تكون مظلمة، لم يكن هناك كهرباء، ولا يستخدمون فيها السرج؛ وذلك لأنها ليس لها منافذ، فالنساء قد يقع بينهن في الحمام شيء من المشاجرات والمخاصمات والضرب ونحو ذلك، فإذا شهدت امرأة واحدة أنها رأت جرحاً في هذه المرأة تحت الثوب، وأنه بسبب فلانة قبلت شهادتها.
يقول: وكذلك الجراحات التي في العرس، فإذا كان النساء في حفل زواج، فقد يحصل بينهن شيء من الاختلاف ومن المضاربة في ذلك الحفل، فتحصل جراحات وما أشبه ذلك، فإذا شهدت بذلك امرأة واحدة عدل موثوقة قبلت شهادتها، وكذلك بطريق الأولى الرجل.
فتقبل فيما يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي، وقد تقدم أنه يقبل كتاب قاضٍ إلى قاضٍ في كل حق آدمي، وفي كل ما حكم به لينفذه، وكذلك الشهادة على الشهادة في حقوق الآدميين، وأما في حقوق الله فلا، فإذا قال: أشهد أن فلاناً زنى، اشهد على شهادتي، وأشهد أن فلاناً سرق ما بلغ النصاب ووجب عليه قطع يد، أشهد أن فلاناً شرب الخمر، فاشهد على شهادتي، فلا يشهد على الشهادة إلا في حقوق الآدميين؛ لأن حقوق الآدميين مبنية على المشاحاة والمضايقة، وأما حقوق الله تعالى فإنها مبنية على المسامحة.
يشترط لتحميل الشهادة -أولاً- أن يتعذر شهود الأصل، فإذا كان شهود الأصل موجودين فلا حاجة إلى الفرع، فنأتي بالأصل، ونحضرهم عند القاضي فيقولون: نعم، نشهد أن فلاناً باع كذا واشترى كذا، نشهد أنه غرس أو أنه حفر أو أنه بنى هذا المكان، أو أنه باع، أو أنه اشترى، أو أنه صنع كذا، نشهد بذلك.
فإذا تعذر شهود الأصل احتيج إلى شهود الفرع.
متى يتعذر شهود الأصل؟ يتعذر بالموت، الشاهد الأول مات، فنأتي بالفرع ونقول له: أليس فلان أشهدك قبل أن يموت على أن هذا ملك لفلان؟ فيقول: نعم، وحملني شهادته.
وكذلك إذا كان مريضاً، فالمريض إذا كان عنده شهادة ثم قال لك: إني لا أقدر على الذهاب إلى القاضي، ولكن اشهد عني وانقل شهادتي بأني أشهد أن هذا لفلان وأن هذا لفلان، فإنه يقبل.
وكذلك إذا كانت غيبة طويلة، ويمثلون بالغيبة مسافة قصر وهي في ذلك الزمان غيبة طويلة، مثلاً من الرياض إلى الخرج أو إلى قرى سدير، هذه مسافة طويلة في ذلك الوقت، فكانوا يحتاجون للشهادة على الشهادة، فيقول: أنا لا أقدر أن أرسل رسالة إلى القاضي ولكن احمل شهادتي إليه، اشهد أني أشهد أن فلاناً باع كذا أو اشترى كذا أو ما أشبه ذلك، فحينئذ تقبل شهادة الفرع.
وقد ذكرنا أن الزمان قد تغير في مسألة القرب والبعد، ففي هذه الأزمنة صار ذلك البعيد قريباً، كان مسيرة خمسة أيام فأصبح مسيرة ساعتين أو ثلاث ساعات، فلا يكون هناك مشقة، فيقال لصاحب الحق: أحضر شاهدك، إذا كان مثلاً في القصيم أحضره، فالقصيم قريبة، وأربع ساعات أو عشر ساعات لا يضرك أن تذهب وتأتي به.
وفي هذه الأزمنة يكون هنا الاستخلاف، والاستخلاف عند القضاة أن يكتب القاضي إلى القاضي الآخر فيقول: استخلفتك في سماع شهادة فلان، فالمدعي يقول: شهودي بعيدون في مكة أو في نجران، ولا أقدر أن أقدمهم؛ لأن علي تكلفة عندما آتي بهم، أدفع أجرة إركابهم ونحو ذلك، ولكن أيها القاضي أعطني استخلافاً لقاضي نجران أو لقاضي مكة، فيكتب قاضي الرياض إلى قاضي مكة: استخلفتك لتثبت الشهادة التي عند فلان لصالح فلان وترسلها إلينا، فإذا أرسلها فإنه يجعلها في ظرف مختوم، ويختم عليها، ويكتبها في أوراق رسمية؛ فيجزم القاضي الأول أن هذا ختم فلان، وأن هذا إثباته، ففي هذه الحال أصبحت المسافة البعيدة قريبة، فلا حاجة حينئذ إلى التحمل.
فالحاصل أنه إذا مات شهود الأصل أو مرضوا أو اختفوا أو غابوا غيبة طويلة ولا يدرى أين هم، أو خافوا إذا خرجوا من السلطان، أو خافوا من غريم، يقول: أنا إذا ذهبت إلى المحكمة فإن السلطان يطلبني؛ لأن علي له تبعة أو لأن فلاناً سيمسكني لأن عندي له ديناً، فيمسكني ويطلبني وأنا لا أقدر على سداده يختفي، ففي هذه الحال تقبل شهادة الفرع، فيوكل ويقول: اشهد على شهادتي.
ويشترط ثانياً: دوام عدالتهما، يعني: عدالة الأصل والفرع، فيقول الشاهد الأصل: اشهد على شهادتي، ثم نسأل: هل تعرف ياقاضي شاهد الأصل؟ فقال: نعم، أعرفه وأعرف عدالته، وشاهد الفرع هذا هل تعرفه؟ قال: نعم، فإذا قال: لا أعرف الفرع ولا أعرف الأصل، فكيف نفعل؟ يكلف صاحب الحق المدعي أن يزكي شاهدي الأصل والفرع.
ويشترط ثالثاً: الاسترعاء، يعني: التحميل، وهو استرعاء الأصل للفرع أو استرعاؤه لغيره وهو يسمع، كأن يقول: اشهد بأني أشهد أن فلان بن فلان أشهدني على نفسه أو أقر عندي بكذا ونحوه.
وكذلك إذا قال: اشهد على شهادتي فإن عندي شهادة أن فلاناً باع كذا، أو اشترى كذا، أو ابتاع كذا، أو أوقف كذا، أو أجر كذا، أو حفر، أو غرس، أو عمر، أنا أشهد على هذا، وأنا أخشى من الموت، فاشهد على شهادتي، فهذا يسمى استرعاء.
كذلك إذا سمعته يحمل غيرك، فأنت مثلاً اسمك إبراهيم، سمعت صاحب الأصل يقول: يا سعيد ! اشهد على شهادتي، فإني أشهد أن البيت الفلاني وقف، أو أن البئر الفلاني وقف على المسجد أو أن هذه الأرض الفلانية وقف للمقبرة، فيشهد سعيداً، فأنت يا إبراهيم تقول: نعم، أشهد أني سمعته يقول: يا سعيد احمل شهادتي واشهد أني أشهد بكذا وكذا، هذا هو الاسترعاء، تقول: أشهد أني أشهد أن فلان بن فلان أشهدني على نفسه، أو أقر عندي بدين، أو أقر بالقبض، أو أقر بالبيع، أو أقر بوقف أو نحو ذلك.
وهكذا إذا سمعته يشهد عند الحاكم، فيقول: ياحاكم! عندي شهادة، ولكن الحاكم مثلاً تغافل ولم يكتب شهادته، فشهدت أنت بشهادته، وكذلك إذا سمعته يعزوها إلى سبب كبيع وقرض، يقول: نعم، أنا أشهد أن فلاناً استقرض من فلان ألف ريال، ثم مات الشاهد الأول وأنكر المقترض، وأنت سمعت ذلك الشاهد، ففي هذه الحال لك أن تشهد وتقول: إني سمعت فلاناً يشهد بهذا القرض ويعترف به، في هذه الحال لك أن تشهد، فإذا قلت مثلاً: إن فلاناً أشهدني على نفسه، أو أقر عندي بكذا ونحوه، أو سمعته يشهد عند الحاكم، أو سمعته يعزوها إلى سبب، قال مثلاً: عندي دين لفلان ثمن البيت، أو ثمن الأرض، أو ثمن البستان، أو ثمن الطعام، عندي بيت، عندي دين، أقرضني زيد، فإذا سمعته فلك أن تشهد على شهادته.
يقول: (وتأدية فرع بصفة تحمله)، هذا أيضاً من الشروط، كيف تؤدي وأنت الفرع؟ تؤدي بصفة التحمل، أنت تحملت عن إنسان متحمل، وذلك أنه حملك الشهادة، فأد بصفة ما حملك ولا تزد ولا تغير، فتقول مثلاً: أشهدني على البيع ولم يشهدني على قيمة الثمن، ولكن أشهدني أن فلاناً باع هذه الدار على فلان دون أن يشهدني على قدر الثمن، فتشهد بصفة التحمل.
ومن الشروط أيضاً: تعيينه الأصل، أي: أن يسمي أصله، فإذا كان الأصل الشاهد اسمه إبراهيم، والفرع اسمه سعيد، فهو يقول: أنا سعيد، أشهد على شهادة إبراهيم، ويسميه حتى يعرف، وهذا معناه تعيينه لأصل بحيث يتعين، فلا يقول: سمعت رجلاً أو سمعت واحداً من أهل هذه البلد أو أشهدني إنسان لا أعرفه بكذا وكذا، فلابد من تعيين الأصل.
ومن الشروط: ثبوت عدالة الجميع.
فالشروط هي:
الأول: تعذر شهود الأصل، الشرط الثاني: دوام العدالة، فإذا كان عدلاً وقتاً ثم صار غير عدل بطلت.
الشرط الثالث: الاسترعاء والتحميل، أن يقول: اشهد أن أشهد أن عند فلان كذا وكذا.
الشرط الرابع: تأدية الفرع بصفة ما تحمله.
الشرط الخامس: تعيين الأصل، أن يقول: أشهد بشهادة فلان.
الشرط السادس: ثبوت عدالة الجميع عند القاضي، فلابد أن يتثبت.
وأما بعد الحكم فالحكم لا ينقض؛ وذلك لأنه بني على بينة، ولكن هذا الشاهد الذي بني على شهادته يغرم ما حصل بشهادته، كيف يغرم؟ إذا قالوا مثلاً: نشهد أن هذا هو القاتل الذي قتل فلاناً، ثم إن ذلك الشخص قتل ثم ندموا وقالوا: كذبنا ليس هو القاتل، القاتل ولا نعرفه، أو القاتل غيره، فما الحل؟ يقتلون إلا أن يقبل أولياء المقتول الدية؛ لأنهم تسببوا في قتل هذا الإنسان، وإذا شهدوا عليه في قطع يد، وقالوا: نشهد أن هذا هو الذي قطع يد زيد، وقطعت يده قصاصاً، وبعد ذلك تراجعوا وقالوا: ندمنا، نحن لا ندري، أو ليس هو ولكنه غيره، فيضمنون اليد؛ لأنهم السبب في قطعها؛ ولأن تراجعهم وقع بعدما تم الحكم.
وهكذا أيضاً إذا كان المشهود به مالاً، إذا شهد شاهدان أن فلاناً عنده ألف لزيد، وألزمه الحاكم ودفعها، ولما دفعها تراجع الشاهدان وقالا: رجعنا، هل الحاكم ينقض الحكم فيقول: يا فلان ! رد الألف فإنها ليست لك، شهودك كانوا شهود زور وقد تراجعوا؟ ليس له نقضه، وليس له رده؛ ولكن يضمنان، فالشاهدان هما السبب، فيغرمان هذا المال، فالحاكم يبني حكمه على شهادتهما.
كان شريح يقول لبعض من يوصيهم: القضاء جمرة، فإياك أن تمسها إلا بعودين، والعودان هما الشاهدان، يعني: قدر هذه القضية جمرة، فلو مسستها بيدك أحرقتك، ولكن لو قبضتها بعودين ورفعتها ما أحسست بذلك، فالشاهدان هما العودان.
المفتي هو الذي يتحمل الفتوى بشيء من العلم الذي عنده، لكن كان القضاة هم الذين يفتون، وفي هذه الأزمنة نصب المفتي ونصب القاضي، فإذا أخطأ المفتي فإنه يضمن، أخطأ مثلاً وأفتى بحل هذا النكاح وتبين خطؤه، وكان الرجل قد دخل بالمرأة وأزال بكارتها، فالمفتي هو الذي يضمن؛ لأن هذا ليس بنكاح صحيح.
قوله: بإتلاف يعني: إتلاف شيء بسبب فتواه، لمخالفة قاطع: أي: لمخالفة شيء ضروري قطعي الثبوت.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر