الإيمان بالمعاد مما دل عليه الكتاب والسنة والعقل والفطرة السليمة، فأخبر الله سبحانه عنه في كتابه العزيز، وأقام الدليل عليه، ورد على منكريه في غالب سور القرآن.
وذلك أن الأنبياء عليهم السلام كلهم متفقون على الإيمان بالآخرة، فإن الإقرار بالرب عام في بني آدم، وهو فطري، كلهم يقر بالرب إلا من عاند كفرعون، بخلاف الإيمان باليوم الآخر، فإن منكريه كثيرون، ومحمد صلى الله عليه وسلم لما كان خاتم الأنبياء، وكان قد بعث هو والساعة كهاتين، وكان هو الحاشر المقفي؛ بيّن تفصيل الآخرة بياناً لا يوجد في شيء من كتب الأنبياء؛ ولهذا ظن طائفة من المتفلسفة ونحوهم أنه لم يفصح بمعاد الأبدان إلا محمد صلى الله عليه وسلم، وجعلوا هذه حجة لهم في أنه من باب التخييل والخطاب الجمهوري.
والقرآن بين معاد النفس عند الموت، ومعاد البدن عند القيامة الكبرى في غير موضع، وهؤلاء ينكرون القيامة الكبرى، وينكرون معاد الأبدان، ويقول من يقول منهم: إنه لم يخبر به إلا محمد صلى الله عليه وسلم على طريق التخييل، وهذا كذب، فإن القيامة الكبرى هي معروفة عند الأنبياء من آدم إلى نوح إلى إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم عليهم السلام.
وقد أخبر الله بها من حين أن أهبط آدم، فقال تعالى: قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ [الأعراف:24-25]، ولما قال إبليس اللعين: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [الحجر:36-38].
وأما نوح عليه السلام فقال: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً [نوح:17-18].
وقال إبراهيم عليه السلام: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:82] إلى آخر القصة، وقال: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم:41]، وقال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى [البقرة:260].
وأما موسى عليه السلام فقال الله تعالى لما ناجاه: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه:15-16] بل مؤمن آل فرعون كان يعلم المعاد، وإنما آمن بموسى قال تعالى حكاية عنه: وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [غافر:32-33] إلى قوله تعالى: يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39] إلى قوله: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46].
وقال موسى: وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف:156]، وقد أخبر الله في قصة البقرة: فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة:73]].
هذا الكلام وما بعده يتعلق بالبعث بعد الموت، الذي هو بعث الأجساد وحشرها، ونشرها، وإعادة الأرواح إلى الأجساد، وجمع الأجساد بعد أن بليت وبعد أن صارت تراباً، وبعد أن تمزقت وتفرقت، فيبعثها الله، ويعيد إليها الحياة، وتتصل بها أرواحها اتصالاً أبدياً محكماً ليس بعده انفصال، ليس كاتصالها بها في الدنيا الذي يعتريه شيء من الانفصالات، هذا هو البعث بعد الموت، فمتى يكون؟
يكون يوم القيامة عندما ينفخ في الصور، وقيل: إن الصور هو قرن واسع كبير، فيه ثقوب بعدد أرواح بني آدم، ينفخ فيه إسرافيل فتخرج كل روح من ثقب وتصل إلى جسدها، وقبل النفخ في الصور ينزل الله مطراً فتنبت منه أجسادهم، والله قادر على أن ينبتها بدون مطر وغيره، كما في هذه الآية: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ [نوح:17] (أنبتكم) يعني: أخرجكم إلى هذا الوجود.
لم يذكر مع الإيمان بالله إلا الإيمان باليوم الآخر؛ وذلك لأن اليوم الآخر وقع فيه الخلاف بين الرسل وأممهم، وأنكره المشركون وبالغوا في إنكاره، واعتقدوا أن الأجساد بعد موتها تضمحل ولا تعود، وأنه ليس هناك حياة، وأن هذه الدنيا باقية وليس لها فناء؛ ولهذا حكى الله عنهم أنهم يقولون: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ [الجاثية:24] أي: الزمان، ومعنى قولهم: نموت ونحيا أي: يموت قوم ويحيا آخرون، وهو معنى قولهم: أرحام تدفع، وأرض تبلع، هذه عقيدة أولئك المشركين، وهي أيضاً عقيدة الدهريين.
فالإيمان بالله واليوم الآخر آكد أركان الإيمان، فهو آكد من الإيمان بالكتب، ومن الإيمان بالرسل، ومن الإيمان بالملائكة.. ونحو ذلك؛ لأن الخلاف في الإيمان بها قليل بخلاف الإيمان باليوم الآخر فإن المنكرين له كثير، ولما كان الأمر كذلك، جاءت الأدلة الكثيرة عليه، فلا تحصى الآيات التي تؤكد البعث بعد الموت، وستأتينا آيات مشروحة موضحة لما حكى الله، ولما رد الله به على المشركين الذين أنكروا البعث بعد الموت، وكيف أنه احتج عليهم بحجج عظيمة، فإذا آمن العباد باليوم الآخر وبما بعده فإنهم يستعدون لذلك اليوم بالأعمال الصالحة التي يكونون بها سعداء، وإذا لم يؤمنوا به فإنهم لا يهتمون إلا بهذه الحياة، حيث إنهم ليس في نظرهم حياة أخرى بعد هذه الحياة.
فعرفنا بذلك أن الإيمان باليوم الآخر من آكد أركان الإيمان، وهو يعم -كما تقدم- البرزخ والحشر، ولكن أكثر ما يركز على الحشر الذي هو حياة الأجساد وحشرها وحسابها وجمع الناس في الدار الآخرة.. وما أشبه ذلك وما بعده، وهكذا إلى أن يحصل الجزاء على الأعمال، وإدخال أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.
هذا هو الذي اتفقت عليه دعوة الرسل، وهذه الآيات التي سمعنا لا شك أنها تدل على أن الرسل مجمعون على أن اليوم الآخر لابد منه وأنه سيأتي، كما في قول نوح عليه السلام: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً [نوح:17-18]، ينبههم على أنهم سيخرجون منها، مثل قوله تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55].
وكذلك بقية الرسل ذكروا البعث لأتباعهم، وكانوا يحثونهم على الإيمان بالله وعلى الإيمان بالبعث بعد الموت وعلى الاستعداد له، وكذلك غير الأنبياء كما سمعنا من مؤمن آل فرعون الذي قال: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ [غافر:32]، وهو يوم القيامة، وقوله: مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ [غافر:40] ، فكل ذلك دليلٌ على أن أتباع الأنبياء أيضاً صرحوا بأنهم يؤمنون باليوم الآخر.
من الإيمان بالله الإيمان باليوم الآخر؛ لأنه خبر الله، فالله هو الذي أخبر باليوم الآخر، وبما يكون في اليوم الآخر، فمن آمن بالله آمن بأخبار الله.
واليوم الآخر يشمل البعث وما بعده، بل يشمل الموت وما بعده، ولكن أكثر ما يذكرون البعث بعد الموت، وما بعده من الجزاء والحساب والثواب والحوض والميزان وجزاء الأعمال ومحاسبة الله تعالى للعباد، وما يكون في عرصات القيامة من طول الوقوف ومن طلب الشفاعة، ومن الأهوال وطول ذلك اليوم الذي يجعل الولدان شيباً، فيؤمن أهل السنة بذلك على التفصيل الذي ذكره الله تعالى، ومن آثار إيمانهم الاستعداد ليوم المعاد، فإن الذي يؤمن بالشيء ويصدق به تظهر عليه آثاره، فيستعد له، ويتهيأ لذلك اليوم، ويعرف أنه لا نجاة له إلا بالأعمال الصالحة التي كلف بها.
ولما كان هذا تكذيبهم؛ فإن الله -سبحانه- ضرب لهم الأمثلة، وذكر الأدلة، وبين لهم كمال القدرة؛ ولأجل ذلك يقول العلماء: إنه لم يشتمل كتاب من الكتب السابقة على تقرير البعث وذكر أدلته مثلما اشتمل كتاب الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ففيه التصريح به تصريحاً بليغاً لا يحتمل أو يتطرق إليه تأويل أو حمل على محمل بعيد، لكثرة الأدلة وقوتها وصراحتها، وكثرة ضرب الأمثلة عليها.
ومع هذا فإن كثيراً من الذين تسموا مسلمين ينكرون هذا البعث -البعث الجثماني أو البعث الجسماني- ويقال لهؤلاء: الفلاسفة الإلهيون، وهم الذين ينكرون أولاً بدأ الخلق، ويقولون: إن هذا الإنسان لم يزل قديماً، وليس له أول، فينكرون أن يكون أبو البشر آدم، وينكرون أن يكون بدء خلقه من طين، وينكرون أن يكون هناك وقت للإنسان لم يكن فيه شيئاً مذكوراً.
ثانياً: ينكرون نهاية الدنيا، ويقولون: الدنيا ليس لها آخر، وهذه الحياة تستمر أبداً إلى غير نهاية، ويعبرون عن هذا بقولهم: أرحام تدفع، وأرض تبلع، وينكرون عودة الأجساد وجمعها بعد تفرقها، ويجعلون الجزاء على الأرواح، ويدعون أن هذه الأرواح هي التي أهبطت من السماء واتصلت بالجسد، ثم بعد ذلك خرجت منه إلى حيث كانت، ويقول رئيسهم ابن سينا -وهو من أكابر الفلاسفة- في مطلع قصيدته العينية:
هبطت إليك من المحل الأرفعِ ورقاءُ ذات تقلب وتفجع
وصلت على كرهٍ فلما واصلت ألفت مرافقة الخراب البلقعِ
يصف الروح بأنها هبطت إليك من المكان الأرفع، ثم اتصلت بجسدك، ثم ألفته، إلى أن صارت كجزء منه، ثم بعد ذلك تنفصل وتعود كما كانت، فهؤلاء ما آمنوا بالله حق الإيمان؛ لأن الإيمان بالله يستدعي الإيمان بخبره، ومن خبره حشر الأجساد وبعثها وجمعها بعدما تتفرق، وهذا لم يؤمن به هؤلاء.
[وقد أخبر الله أنه أرسل الرسل مبشرين ومنذرين في آيات من القرآن، وأخبر عن أهل النار أنهم إذا قال لهم خزنتها: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [الزمر:71]، وهذا اعتراف من أصناف الكفار الداخلين جهنم أن الرسل أنذرتهم لقاء يومهم هذا، فجميع الرسل أنذروا بما أنذر به خاتمهم من عقوبات المذنبين في الدنيا والآخرة، فعامة سور القرآن التي فيها ذكر الوعد والوعيد يذكر فيها الدنيا والآخرة.
وأمر نبيه أن يقسم به على المعاد، فقال: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ [سبأ:3] ، وقال تعالى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [يونس:53] ، وقال تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7].
وأخبر عن اقترابها فقال: اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] ، وقال: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:1] ، سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ [المعارج:1-2]، إلى أن قال: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً [المعارج:6-7].
وذم المكذبين بالمعاد فقال: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [يونس:45] ، أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ [الشورى:18] ، بَلْ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمِونَ [النمل:66] ، وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً [النحل:38] ، إلى أن قال: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ [النحل:39] ، وقال تعالى: إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ [غافر:59] ، وقال تعالى: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً [الإسراء:97-99] ، وقال تعالى: وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلْ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً * يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء:49-52].
فتأمل ما أجيبوا به عن كل سؤال سؤال على التفصيل، فإنهم قالوا: أولاً: أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً [الإسراء:49]، فيقال لهم في جواب هذا السؤال: إن كنتم تزعمون أنه لا خالق لكم ولا رب، فهلا كنتم خلقاً لا يفنيه الموت كالحجارة والحديد، وما هو أكبر في صدوركم من ذلك، فإن قلتم: كنا خلقاً على هذه الصفة التي لا تقبل البقاء، فما الذي يحول بين خالقكم ومنشئكم، وبين إعادتكم خلقاً جديداً؟
وللحجة تقدير آخر: وهو لو كنتم من حجارة أو حديد أو خلق أكبر منهما فإنه قادر على أن يفنيكم، ويحيل ذواتكم وينقلها من حال إلى حال، ومن يقدر على التصرف في هذه الأجسام مع شدتها وصلابتها بالإفناء والإحالة، فما الذي يعجزه فيما دونها؟
ثم أخبر أنهم يسألون سؤالاً بقولهم: من يعيدنا إذا استحالت جسومنا وفنيت؟ فأجابهم بقوله: قُلْ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الإسراء:51] ، فلما أخذتهم الحجة، ولزمهم حكمها، انتقلوا إلى سؤال آخر يتعللون به تعلل المنقطع، وهو قولهم: متى هو؟ فأجيبوا بقوله: عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً [الإسراء:51]].
قد ذكرنا أن القرآن اشتمل على الأدلة الكثيرة في تقرير البعث والنشور، وفيه ذكر عظم قدرة القادر، وأنه لا يعجزه شيء، وأن الرسل أولهم وآخرهم كلهم بلغوا هذا البيان، الذي هو الخبر عن اليوم الآخر والبعث والجزاء في الدار الآخرة، وذكروا ما يكون بعد الموت، فقد اتفقت دعوة الرسل كلهم على ذلك.
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها
النفس ترغب في الدنيا وقد علمت أن السعادة فيها ترك ما فيها
فاغرس أصول الهدى ما دمت مجتهداً واعلم بأنك بعد الموت لاقيها
فإذا آمن العبد بأنه مأمور بأن يعمل للآخرة أكثر من العمل للدنيا أفلح، والآخرة هي دار الجزاء، والمؤمنون يعملون لآخرتهم، بمعنى أنهم يقدمون ما تعمر به مساكنهم في الجنة، روي في بعض الآثار: (أن الملائكة يبنون قصوراً لبني آدم، فإذا توقف الإنسان عن العمل توقفوا عن البناء وقالوا: نتوقف حتى تأتينا النفقة).
معلوم: أن الذي يبني في الدنيا يتوقف العمال عن البناء حتى يعطيهم أجرتهم ونفقتهم، فكذلك في الآخرة لا تبنى المباني الأخروية من الغرف التي فوقها غرف إلا بالأعمال الصالحة.
وسمعنا الآية التي في سورة الزمر، وهي قوله تعالى: وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [الزمر:71]، وكذلك في سورة الأنعام أن الرسل تقول لهم: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا [الأنعام:130]، يقول الله لهم هذه المقالة، فيقولون: بلى، يعترفون بأنهم قد جاءهم الرسل الذين أنذروهم لقاء يومهم هذا، ومع ذلك لم يتقبلوا، بل كذبوا الرسل، واستبعدوا أن يكون هناك بعث بعد الموت، واعتقدوا أن ليس هناك إلا هذه الدنيا، وأنهم إنما خلقوا ليأكلوا ويشربوا ويمتعوا أجسامهم، وبعد أن يخرجوا من الدنيا لا يعودون مرة أخرى، هذه عقيدة أوبقتهم وأهلكتهم وأنستهم ما خلقوا له.
ومن الأدلة على البعث أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه على اليوم الآخر في قوله تعالى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ [يونس:53] الضمير (هو) يعود إلى البعث وما بعد الموت من الجزاء على الأعمال، (أحق هو؟) أي: أحق صحيح وثابت ما أخبرتنا به من البعث والجزاء، (قل: إي وربي) أمره أن يحلف بالله ربه الذي هو رب المخلوقات وخالقها ومدبرها.
وكذلك قوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي [سبأ:3] ، (بلى وربي) هذا حلف أيضاً، (لتأتينكم): أي: لابد أن تأتيكم الساعة.
وكذلك قوله: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي [التغابن:7] ، هذا أيضاً قسم ثالث: ( ..بلى وربي لتبعثن) أي: لابد من البعث.
وكذلك قوله تعالى: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [الذاريات:23] .. ونحو ذلك من الآيات الكثيرة التي يقسم فيها بأنه لابد أن يبعثوا.
أما المشركون: فإنهم ينكرون هذا، بل يحلفون عليه، يقول الله تعالى في سورة النحل: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ [النحل:38]، والله تعالى يقيم عليهم الحجج بعد جزمهم هذا، فيخبرهم أنه هو الذي بدأ خلقهم فلابد أن يعيده، وهو الذي خلق هذه المخلوقات التي هذه عظمتها، فلابد أن يعيد الإنسان الذي هو أحقر وأصغر وأذل من هذه المخلوقات العظيمة، يقول الله تعالى: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [غافر:57] ، السماوات والأرض بما فيها الله تعالى هو الذي خلقها، والإنسان بلا شك أنه من أفضل من خلقه الله، كما قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70] فالله خلق الإنسان، وأعطاه السمع والبصر والفؤاد، وخصه بالعقل والمعرفة، وعند ذلك كلفه، وأمره بأن يتعبد لربه ويطيع، وأمره بأن يستعد للقاء الله، وأخبره أنه لابد من لقاء ربه، وأن اللقاء حتم لابد منه، فمن حقق ذلك الإيمان وذلك الرجاء استعد له، قال تعالى : فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً [الكهف:110] (لقاء ربه) يعني: مقابلة ربه، أي: من كان موقناً بأنه لابد أن يلقى الله تعالى فليستعد بالعمل الصالح الخالي من الشرك.
لا شك أنه ييبس ويصير حطاماً وتذروه الرياح، فهكذا هذه الدنيا تثمر لأهلها وتخضر وتقبل عليهم، ثم بعد ذلك تدبر عنهم ولا تقبل، ويذوقون الضر كما ذاقوا الخير، وتنزع عنهم أو ينزعون عنها، ولسان حالها يقول كما أنشد بعضهم:
هي الدنيا تقول بملئ فيها حذار حذار من بطشي وفتكي
فلا يغرركم طول ابتسامي فقولي مضحك والفعل مبكي
فهذه حالة هذه الدنيا، إذا فكر العباد بما عليها علموا أنها متاع فقنعوا منها باليسير، وشمروا للدار الآخرة، ونصبوا الأقدام، وهجروا التواني والتكاسل الذي يعوقهم عن السير في الآخرة، وهجروا الفتور الذي يبطل هممهم، وأنصبوا أبدانهم وأجسامهم في طاعة الله تعالى، وعلموا أن الدنيا فانية وقنعوا منها باليسير، وجعلوا رغبتهم في الآخرة، ووثقوا بقول الله تعالى: لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:30]، هذه حالة المصدقين.
وأما حال المكذبين فقد سمعنا ما ذكر الله تعالى عنهم في الآيات التي في سورة الإسراء، وهي قول الله تعالى: إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً * انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً [الإسراء:47-48]، ثم يقول تعالى: وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلْ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الإسراء:49-51] ، فهذه حجة عليهم: أن الذي يعيدكم هو الذي فطركم أول مرة، فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ أي: متى هذا البعث؟ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً [الإسراء:51] ، يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء:52].
إذا دعاهم وأخرجهم تذكروا هيئتهم الأولى، وقالوا: كم لبثتم؟ يظنون أنهم ما لبثوا في الدنيا إلا أياماً قليلة، يوماً أو بعض يوم، كما في آية أخرى، يقول تعالى عنهم: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً [طه:103] ، وأمثلهم وأعقلهم يقول: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً [طه:104]، يتقالُّون الزمن الذي لبثوه ومكثوه في الدنيا، وما ذاك إلا أنهم لما كانوا في سرور، مضت عليهم الأيام قصيرة، وبلا شك أنهم سيلقون بعد ذلك السرور جزاء ينسيهم ما كانوا فيه من قبل، فإنهم يعذبون في الآخرة أو يثابون في الآخرة، ورد في بعض الأحاديث: (يجاء بأشد الناس عذاباً في الدنيا من أهل الجنة فيغمس في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم! هل رأيت سوءاً قط؟ هل مرت بك شدة قط؟ فيقول: لا يا رب! ما رأيت سوءاً قط، وما مرت بي شدة قط، ويجاء بأنعم الناس في الدنيا من أهل النار فيغمس في النار غمسة، فيقال له: يا ابن آدم! هل رأيت خيراً قط؟ هل مرت بك نعمة قط؟ فيقول: لا يا رب! ما رأيت خيراً وما مرت بي نعمة)، نسي النعمة التي كانت في الدنيا؛ وذلك لأن لحظة واحدة في النار تنسيه ما كان فيه من النعيم في الدنيا، ويضرب بعضهم مثل هذا فيقول:
مسرة أحقاب تلقيت بعدها مساءة يوم إنها شبه أنصابِ
فكيف بأن تلقى مسرة ساعة وراء تقضيها مساءة أحقابِ
لو أن إنساناً نُعِّمَ في الدنيا عشرات السنين، في ألذ وأنعم ما يكون من الحياة والبهجة، ثم بعد ذلك ناله عذاب ساعة واحدة؛ نسي ذلك النعيم، ونسي تلك البهجة، ونسي ذلك السرور، فكيف ونعيم الدنيا بأسرها قليل! ونعيمك الذي تناله أنت في عمرك أقل من القليل؟ كيف إذا تعقب هذا النعيم العذاب المستمر الذي لا انقضاء له ولا انقطاع وهو عذاب الآخرة، عذاب النار وبئس القرار، فإنه هو الذي لا انقضاء له أبداً، فهذا يبين لك أن الدنيا قليل متاعها، وأن حظ الإنسان منها أقل من القليل.
يقول الله: يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا [النازعات:42-44]، يعني: علمها، إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:45-46]، وفي آية أخرى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ [الأحقاف:35] ، لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار، فالآيات التي ذكر الله فيها أنها قريبة: اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ [القمر:1] ، اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ [الأنبياء:1] ، أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل:1] ، تدل على أنها قريبة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنها قريبة وأن الناس عليهم أن ينتظروها، بقوله: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) ، (إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة) ، فإذا رأينا أماراتها وأشراطها، فإننا ننتظر أن تأتي الساعة بغتة ليأتي أمر الله.
وأولها: أن ينفخ في الصور نفخة الفزع ونفخة الصعق: وهي نفخة واحدة، ثم بعدها تموت الأجساد وتفنى، ثم ينفخ فيه نفخة أخرى هي نفخة البعث والقيام من القبور، فيبعث الناس ويجتمعون في دار الجزاء، وليس دون ذلك إلا أيام قليلة.
فالمسلم يكون متأهباً لذلك، حتى إذا جاءه أمر الله يكون على أهبة، وقد أعد للساعة عدتها، وقد عمل عملاً صالحاً يكون سبباً في نجاته، كما كان كثير من السلف -رحمهم الله- يهتمون بالآخرة، حتى لو قيل لأحدهم: إنك تموت هذا اليوم، لم يستطع أن يزيد في عمله، يعني: قد بلغ أقصى ما يمكنه من العمل ومن الاجتهاد في الأعمال الصالحة، بحيث إنه يترقب الموت في كل حالة، ويمتثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) ، وقول ابن عمر رضي الله عنه: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء) يعني: ترقب الموت بينك وبين الصباح أو بينك وبين المساء، مخافة أن يأتيك أمر الله، ومن مات فقد قامت قيامته.
ثم أكد الأمر بحجة قاهرة وبرهان ظاهر يتضمن جواباً عن سؤال آخر يقول: العظام صارت رميماً، وعادت طبيعتها باردة يابسة، والحياة لابد أن تكون مادتها وحاملها طبيعته حارة رطبة، بما يدل على أمر البعث، ففيه الدليل والجواب معاً فقال: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ [يس:80] ، فأخبر سبحانه بإخراج هذا العنصر الذي هو في غاية الحرارة واليبوسة من الشجر الأخضر الممتلئ بالرطوبة والبرودة، الذي يخرج الشيء من ضده وتنقاد له مواد المخلوقات وعناصرها، ولا تستعصي عليه، هو الذي يفعل ما أنكره الملحد ودفعه من إحياء العظام وهي رميم.
ثم أكد هذا بأخذ الدلالة من الشيء الأجل الأعظم على الأيسر الأصغر، فإن كل عاقل يعلم أن من قدر على العظيم الجليل فهو على ما دونه بكثير أقدر وأقدر، فمن قدر على حمل قنطار فهو على حمل أوقية أشد اقتداراً، فقال: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ [يس:81] ، فأخبر أن الذي أبدع السماوات والأرض على جلالتها وعظم شأنها وكبر أجسامها، وسعتها وعظيم خلقها أقدر على أن يحيي عظاماً قد صارت رميماً، فيردها إلى حالتها الأولى، كما قال في موضع آخر: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [غافر:57] ، وقال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [الأحقاف:33].
ثم أكد سبحانه ذلك وبينه ببيان آخر: وهو أنه ليس فعله بمنزلة غيره الذي يفعل بالآلات والكلفة والتعب والمشقة ولا يمكنه الاستقلال بالفعل، بل لابد معه من آلة ومعين، بل يكفي في خلقه لما يريد أن يخلقه ويكونه نفس إرادته، وقوله للمكون: كن؛ فإذا هو كائن، كما شاء وأراده، ثم ختم هذه الحجة بإخباره أن ملكوت كل شيء بيده فيتصرف فيه بفعل وقوله (وإليه ترجعون) ومن هذا قوله سبحانه: أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:36-40]، فاحتج سبحانه على أنه لا يتركه مهملاً عن الأمر والنهي والثواب والعقاب، وأن حكمته وقدرته تأبى ذلك أشد الإباء، كما قال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115]، إلى آخر السورة.
فإن من نقله من النطفة إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم شق سمعه وبصره، وركب فيه الحواس والقوى والعظام والمنافع والأعصاب والرباطات التي هي أسره، وأحكمه، وأحكم خلقه غاية الإحكام، وأخرجه على هذا الشكل والصورة التي هي أتم الصور وأحسن الأشكال، كيف يعجز عن إعادته وإنشائه مرة ثانية؟ أم كيف تقتضي حكمته وعنايته به أن يتركه سدى؟ فلا يليق ذلك بحكمته، ولا تعجز عنه قدرته، فانظر إلى هذا الاحتجاج العجيب من قول وجيز، الذي لا يكون أوجز منه.].
هذه الآيات في آخر سورة يس احتج الله بها على بعض المشركين، روي أن الوليد بن المغيرة أو العاص بن وائل جاء ومعه عظم ميت قد بلي، وجعل يفته، وقال: أتزعم -يا محمد- أن ربك قادر على أن يعيد هذا حياً بعد أن صار فتاتاً وتراباً؟ فقال: (نعم، يميتك الله، ثم يحييك، ثم يحشرك إلى جهنم، ونزل فيه هذه الآيات، وهي قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [يس:77]) ، فهذه هي الحجة الأولى، يذكره الله بأنه خلق من نطفة، والنطفة: ماء قذر لو ترك لحظة لفسد، فالله هو الذي أوجد الإنسان وخلقه من هذه النطفة، ثم طوره إلى أن أخرجه إنساناً سوياً، وجعله بشراً متكامل الخلق، فإذا هو يخاصم ربه ويجادله.
ثم قال تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس:78] ، وهذا المثل كونه أتى بالعظم يفته، ونسي مبدأ خلقه، نسي أن الله هو الذي أوجده من تلك النطفة إلى أن صار رجلاً، ونسي قول الله تعالى له ولغيره: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المرسلات:20-21]، نسي مبدأ خلقه فقال: مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ، والآيات التي بعدها في تقرير البعث وفي الرد عليه:
الحجة الأولى: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس:79] ، فإن الذي ابتدأ الخلق قادر على أن يعيده، وليس بدأ الخلق أهون من إعادته، هذه حجة قاطعة لكل خصومة؛ وذلك لأن الله هو الذي ابتدأ خلق الإنسان وأحياه في هذه الدنيا، وكذلك سائر المخلوقات، فقدر الله أنها تتوالد، وأنها تنشأ، وأنها توجد على هذه الحياة شيئاً فشيئاً، فالذي أوجده وخلقه وكونه وقدر ما يقدر عليه لا شك أنه قادر على أن يعيده كما كان، فيقول تعالى: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس:79].
الحجة الثانية: قوله: وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:79] ، يعني: أنه عالم بكل شيء فلا يخفى عليه شيء، فهو عالم بعدد المخلوقات، وعدد الرمل والتراب، وأبصر كل شيء فلم يحجب بصره حجاب، وسمع جهر القول وخفي الخطاب، لا يخفى عليه شيء من أمور عباده، علم عددهم قبل أن يخلقهم، وعلم آجالهم، وعلم أعمارهم، وعلم أعمالهم، وعلم أوقاتهم التي يولدون فيها، فهو بكل خلق عليم، فإذا كان عليماً فلا يليق به أن يهمل خلقه.
الحجة الثالثة: قول الله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً [يس:80] ، يقولون: هناك شجر اسمه المرخ، وشجر اسمه العفار، يعرفه أهل البوادي، إذا أرادوا أن يقدحوا ناراً قطعوا عودين أخضرين، وحزوا في أحدهما حزاً، ثم إنهم يحركونه تحريكاً جيداً فتنقدح منه النار، ثم يجعلون تلك الشررات التي تنقدح منه في خرقة، ثم بعد ذلك ينفخونها، ثم يوقدونها ناراً، وكان يغني عن الكبريت الذي نستعمله وغيره، وهو معروف عند العرب قديماً وعند البوادي إلى حد قريب، يقولون: في كل شجر نار، والله تعالى هو الذي يخرج النار من هذا العود الأخضر، النار طبيعتها حارة، وطبيعة هذا العود أنه رطب، وأنه مائي أخضر، ومع ذلك تنقدح منه هذه النار التي فيها هذه الحرارة، أليس ذلك دليلاً على أن الذي أوجد هذه الحرارة في هذا قادر على أن يعيد إلى الإنسان حياته، ولو كان تراباً؟ يعيده ويجمع أشلاءه ولو كانت متفرقة، ولو كانت رماداً أو تراباً، لا يستعصي عليه أن يعيد إليه حرارته الغريزية وحياته وطبيعته، كما لم يستعصِ عليه أن يخرج النار من ذلك الشجر الأخضر الذي توقدون منه.
الحجة الرابعة: قول الله تعالى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ [يس:81] ؛ وذلك لأن خلق هذه السماوات مع ارتفاعها وما فيها من الأفلاك وما فيها من النجوم السائرة والثابتة، وما فيها من الشمس والقمر وهذه الأجرام العلوية، وكذلك هذه الأرض وما فيها من الشعاب والجبال والمهاد؛ أعظم من خلق الإنسان، فإن المخلوق العظيم يدل على عظمة خالقه.
إذاً: القادر على أن يخلق مثل هذه الأشياء قادر على أن يعيد الإنسان -مع صغره ومع حقارته- كما كان.
يقول الشارح كما سمعنا: من قدر على أن يحمل قنطاراً، لم يصعب عليه أن يحمل أوقية، القنطار: هو ملء مسك الثور من الذهب أو نحوه -ملء جلد الثور-، والأوقية ملء اليد، فالذي يقدر على أن يخلق هذه المخلوقات العلوية الكبيرة لا يستعص عليه أن يوجد الإنسان.
الحجة الخامس: قوله: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] فالله ليس كالذي يحتاج إلى حرفة وإلى صنعة وإلى عمل وإلى مواد يجمعها، الصانع إذا أراد أن يصنع مثل هذه الطاولة، لابد أن يأتي بأعواد ولابد أن يأتي بمنشار، ولابد أن يقيس، ولابد أن يسويها بآلة إلى أن تستوي، وكذلك من يصنع مثل هذا الزجاج لابد أن يأتي بالمواد التي يصنع منها، إلى أن يكون منها ما يصنع، أما الرب تعالى فإنه لا حاجة به إلى مواد ولا أعوان ولا إلى آلات ولا أجهزة، وإنما يأمر مجرد أمر، ويريد مجرد إرادة، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] ، فأمره بين الكاف والنون.
فهذه أدلة واضحة على أن الله تعالى قادر على إعادة الإنسان كما كان، فإذا عرف الإنسان ذلك استعد لما بعد الموت.
وكذلك هناك حساب عسير أو حساب يسير كما أخبر الله.
وهناك وقوف في الموقف الذي هو موقف الناس: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] ، وتضمنت الشريعة إثبات البعث الذي هو بعث الأجساد وإعادتها بعد أن كانت تراباً ورميماً، وذلك يسير على الله تعالى.
1- بإحياء الأرض بعد موتها، يقول الله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [الروم:19] ، لما ذكر أنه يحيي الأرض بعد موتها أخبر بأنهم كذلك يخرجون من الأرض، ويقول تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ يعني: أرضاً ميتة كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى [الأعراف:57] يعني: كما تحيا هذه الأرض الهامدة اليابسة التي ليس فيها عود أخضر، وليس فيها ورقة خضراء، ينزل عليها المطر فيغمرها، فتصبح بعد ذلك خضراء تهتز، فيها من أنواع النباتات المختلفة الطعوم والألوان والروائح والطبائع والأضراب، ولا شك أن ذلك آية ومعجزة بينة على إخراج الموتى وإعادتهم بعد أن يكونوا تراباً.
2- ويحتج أيضاً: ببدء الخلق، فيقول تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم:27] ، أي: أنه كما بدأ خلق الإنسان وأحياه بعد أن كان عدماً، فكذلك يعيده بعد أن يكون تراباً، فالذي أخرج الإنسان بعد أن كان ماءً مهيناً، وبعد أن كان نطفة قذرة؛ أخرجه بشراً سوياً حياً متحركاً عاقلاً متكلماً فاهماً، له حركاته وله حواسه؛ لا شك أنه قادر على أن يعيده بعد أن يكون تراباً، ولو تفرقت أشلاؤه، ولو أكلته الدود أو أكله التراب أو رمي في البحر أو صار رماداً؛ لا يعجز الله أن يعيده كما كان، فهذا من حجة الله على خلقه.
3- كذلك يحتج تعالى بمخلوقاته العلوية والسفلية التي هي أعظم من خلقه، فيقول تعالى: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [غافر:57] ، ويقول تعالى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ [يس:81] ، ويقول تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [الأحقاف:33] ، ونحو ذلك من الأدلة.
4- ويخبر سبحانه بأنه لا يحتاج في خلقه ولا في تصرفه إلى حركة ولا إلى عمل ولا إلى معين ومساعد، وإنما يأمر أمراً لا يرد: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] ، فالذي تذل له المخلوقات وتطيعه كلها ولا تستعصي عليه، وإذا أمرها انقادت لأمره؛ لا يستعصي عليه أن يعيد خلق الإنسان كما كان.
فهذه من الأدلة التي سمعنا إيضاحها ودلالتها على إعادة الخلق، ولا شك أن الإنسان العاقل الذي يسمع هذه الأدلة يقنع غاية القناعة، ويصدق بذلك غاية التصديق، ويستسلم لذلك، ولا يبقى في قلبه شك ولا ريب، ولكن لا يكتفي بأن يقول: أنا مؤمن وأنا مصدق وأنا موقن بذلك كله، وأنا لا أشك ولا أتردد، ولكن يطلب منه العمل الذي يلقاه ذلك اليوم، فإن ذلك اليوم لابد أن يكون له عمل، لابد أن يعمل العمل الذي ينجو به في ذلك اليوم، فإذا علم الإنسان أن ذلك اليوم يوم عسير، ويوم طويل كألف سنة مما تعدون، أو كخمسين ألف سنة، وأنه لا يخف إلا على أهل الإيمان، وعلم أن فيه حساباً، وأن الحساب يكون عسيراً إلا على أهل الإيمان وأهل الأعمال الصالحة إذ إن الله يحاسبهم حساباً يسيراً، وعلم أن فيه وزناً للأعمال، وأنها تخف وتثقل، وأن الذي تثقل موازينه هم أهل السعادة وهم أهل الأعمال الصالحة، وأن الله تعالى سريع الحساب، يحاسبهم في طرفة عين، ولا يشغله شأن عن شأن، وعلم أيضاً: أن فيه تتطاير الصحف، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره؛ لا شك أنه يستعد لمثل هذه الأشياء، فيعلم أنها لا تحصل إلا بعمل، فيسأل عن العمل، ويتقرب بذلك العمل.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر