إسلام ويب

شرح سنن أبي داود [047]للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يجب على الحائض أن تغتسل عند انقطاع حيضها، ولغسل الحائض مستحبات ينبغي لها أن تراعيها، وآداب ينبغي أن تعمل بها.

    شرح حديث أم حبيبة بنت جحش في الاستحاضة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث

    حدثنا زياد بن أيوب حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن عكرمة (أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها استحيضت، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتظر أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلي، فإن رأت شيئاً من ذلك توضأت وصلت) ].

    قد سبق أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وذلك لازم وواجب، وأنه يندب لها أن تغتسل لكل صلاة، وسبقت عدة تراجم فيها ذكر آراء بعض الصحابة والتابعين في بعض المسائل المتعلقة بالاستحاضة، وهذه الترجمة: (باب من لم يذكر الوضوء إلا من الحدث) تعني: أن الذي يكون سبباً للوضوء هو حصول الحدث، الذي هو غير دم الاستحاضة؛ لأن دم الاستحاضة يدوم مع المرأة المستحاضة.

    فهنا يقول: (من لم يذكر الوضوء إلا من الحدث) يعني: إذا وجد منها الحدث الذي هو غير الدم؛ فإنها تتوضأ وتصلي، وأنه إذا نزل منها دم الاستحاضة فقط فإنه لا يلزمها الوضوء، وإنما يجب الوضوء إذا حصل ناقض لوضوئها ولطهارتها، وهو حصول حدث غير الدم، فيكون حكمها في ذلك كالحكم بالنسبة للطاهرات، والطاهرات -كما هو معلوم- لا يجب عليهن الوضوء إلا من الحدث، لكن المستحاضة قد لازمها الحدث، وعليها أن تتوضأ لكل صلاة مثل الذي به سلس البول يتوضأ لكل صلاة.

    وقد مر أن الذي عليه جمهور أهل العلم: أنها تتوضأ لكل صلاة، وأنه لا يتوقف الأمر على حصول الحدث منها، وقيل: إنها تكون مثل الطاهرات تماماً، ووضوءها مثل وضوء الطاهرات، والطاهرات -كما هو معلوم- لا يتوضأن إلا من الحدث، فإذا وجد من الطاهرة أيّ حدث ناقض للوضوء؛ فإنها عند ذلك تتوضأ وتصلي، ومعنى هذا: عدم التفرقة، وأنه يسوى بين الطاهرة وبين المستحاضة، فالطاهرة لا تتوضأ إلا إذا انتقض وضوءها الموجود من قبل بحصول حدث، وكذلك المستحاضة لا يلزمها الوضوء إلا إذا وجد منها حدث، أي: أنه يسوي بينها وبين الطاهرات، لكنه قد جاء في الأحاديث أنها تتوضأ لكل صلاة، وسواء كان حصل لها حدث غير الدم أو لم يحصل لها؛ فإن الدم نفسه حدث، ووجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة.

    أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث عكرمة مولى ابن عباس أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها استحيضت، فأمرها لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تنتظر أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلي؛ فإن رأت شيئاً من ذلك توضأت وصلت.

    وقوله: (فإن رأت شيئاً من ذلك) فُسرت بأن المقصود بها: أنها رأت ناقضاً للوضوء، أو رأت خروج شيء منها أو حصول شيء منها ناقض للوضوء غير الدم الذي هو ملازم لها؛ قالوا: لأن الدم يكون معها دائماً، وقد يحصل لها تقطع في الدم في بعض الأوقات، فيكون عندها دم فساد، لكنه ليس دماً جارياً دائماً وأبداً، وإنما يتقطع: أحياناً يذهب وأحياناً يجيء، وهذا شيء مستمر معها، فيمكن أن يكون المقصود بها: أنها عندما يحصل لها ذلك الدم الذي يطرأ عليها في حال ما بين الحيضتين، فإنها تتوضأ عندما يوجد لها ذلك الدم، وإذا كان الدم لم يحصل في فترة من زمانها بين قرأين فإنه يكون حكمها حكم الطاهرات، وهذا مطابق للترجمة إذا كان أن المقصود أنها رأت شيئاً غير الدم، ولا تتوضأ إلا عند الحدث.

    تراجم رجال إسناد حديث أم حبيبة بنت جحش في الاستحاضة

    قوله: [حدثنا زياد بن أيوب ].

    زياد بن أيوب ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

    [ حدثنا هشيم ].

    هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [أخبرنا أبو بشر ]

    هو جعفر بن أبي وحشية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عكرمة ].

    هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    وهذا مرسل؛ لأن عكرمة لا يروي عن أم حبيبة ، ففيه انقطاع، والانقطاع: هو الإرسال، فإنه إضاف ذلك إلى زمن النبوة، وهو لم يدرك زمن النبوة، فيكون من قبيل المرسل.

    وإذا كان المعنى: أنه إذا حصل لها انقطاع في الدم يكون حكمها حكم الطاهرات؛ فهذا لا إشكال فيه، وإن وجد منها الدم الذي هو دم الفساد، والذي هو استحاضة جزئية بحيث يحصل لها متقطعاً؛ فإنه يتعين عليها أن تتوضأ، وبذلك أتت الأحاديث الأخرى التي فيها أنها تتوضأ لكل صلاة، وكونها لا تتوضأ إلا من الحدث يخالف الروايات الكثيرة الدالة على أنها تتوضأ لكل صلاة.

    شرح أثر ربيعة: (أنه كان لا يرى على المستحاضة وضوءاً عند كل صلاة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب حدثنا عبد الله بن وهب أخبرنا الليث عن ربيعة أنه كان لا يرى على المستحاضة وضوءاً عند كل صلاة إلا أن يصيبها حدث غير الدم فتتوضأ -أو فتوضأ-.

    قال أبو داود : هذا قول مالك -يعني: ابن أنس - ].

    هذا الأثر هو الذي يطابق الترجمة؛ لأنه صريح في أن المستحاضة ليس عليها وضوء عند كل صلاة، وإنما عليها أن تتوضأ إذا حصل لها حدث غير الدم، وهذا الأثر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن هو رأي له، وقد عزاه أيضاً أبو داود رحمه الله إلى مالك بن أنس ، وهو أن المستحاضة ليس عليها وضوء عند كل صلاة، وإنما يلزمها الوضوء إذا رأت حدثاً، أو إذا حصل لها حدث غير دم الاستحاضة.

    تراجم رجال إسناد أثر ربيعة

    قوله: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب ].

    هو عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .

    [ حدثنا عبد الله بن وهب ].

    هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ أخبرنا الليث ].

    هو الليث بن سعد ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن ربيعة ].

    هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وهو المشهور بـربيعة الرأي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب.

    و(مالك ) هو ابن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة.

    [ قال أبو داود : وهو قول مالك ] والذي دون أبي داود هو الذي قال: (يعني: ابن أنس ).

    وكل خارج من السبيلين فهو نجس إلا المني، والدم نجس، لا سيما الدم الذي هو خارج من السبيلين.

    وبالنسبة للذي به سلس البول فحكمه حكم المستحاضة، والبول نجس، ولكن فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088800557

    عدد مرات الحفظ

    779123052