إسلام ويب

شرح سنن أبي داود [066]للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يشرع لمن دخل المسجد أن يقول الذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدخول والخروج، وتشرع تحية المسجد لمن أراد الجلوس في المسجد، وهناك فضل عظيم للجلوس في المسجد للعبادة من صلاة وذكر وتسبيح وقراءة قرآن وغير ذلك، ويكره إنشاد الضالة في المساجد.

    شرح حديث: ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم .. )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد.

    حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي حدثنا عبد العزيز -يعني الدراوردي - عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن سويد قال: سمعت أبا حميد أو أبا أسيد الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك) ].

    قوله: [ باب ما يقوله عند دخوله المسجد].

    أي: ما يشرع للإنسان أن يدعو به وأن يذكره عند دخوله أي مسجد من مساجد الأرض، فإن الإسلام يشرع له أن يأتي بذلك الذكر عند دخوله المسجد وعند الخروج منه، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    للمسجد آداب، منها: أن يأتي المسلم بالذكر المشروع عند دخول المسجد وعند الخروج منه، ولا يختص ذلك بمسجد معين، وإنما في المساجد كلها، فعندما يدخل المسجد عليه أن يصلي ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسأل الله أن يفتح له أبواب رحمته، وعند خروجه يفعل مثل ذلك، إلا أنه يسأل الله من فضله.

    وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي حميد أو أبي أسيد رضي الله تعالى عنهما وهو واحد منهما، إما أبو حميد أو أبو أسيد .

    قوله: (إذا دخل أحدكم المسجد).

    أي: إذا أراد الدخول، وليس المقصود من ذلك أنه بعد دخوله يقول ذلك، وإنما عند الدخول وهذا مثل قوله: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:6] يعني: أن الإنسان يتوضأ إذا أراد القيام للصلاة.

    قوله: (فليسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم).

    أي: إذا أراد أحدكم دخول المسجد، فإنه يأتي بهذا الذكر، وهو الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم.

    قوله: (وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك).

    أي: أنه إذا دخل المسجد يريد التقرب إلى الله عز وجل بالعبادات التي شُرعت في المسجد، فهو يسأل الله أن يفتح له أبواب رحمته، وأن يوفقه لكل خير، وأن يرحمه ويرفع درجته عنده.

    وأما إذا أراد الإنسان أن يخرج من المسجد ويذهب إلى بيته أو إلى عمله فإنه يصلي ويسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويسأل الله من فضله، فناسب عند الدخول أن يسأل الله أن يفتح له أبواب رحمته، وعند الخروج أن يسأل الله من فضله، فيقول: (اللهم إني أسألك من فضلك) أي: أنه عندما يخرج يسأل الله الرزق الحلال من فضله، والله عز وجل يقول: فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10] يعني: يسألون الله من رزقه ومن فضله عندما يخرجون من المسجد عند الانتهاء من الصلاة، وقوله: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فالرحمة تأتي ويراد بها أثر الصفة، ومن آثار هذه الصفة: الجنة؛ فإنها من رحمة الله عز وجل، وقد جاء في الحديث القدسي: (أن الله عز وجل قال للجنة: إنك رحمتي أرحم بكِ من أشاء، وقال للنار: إنك عذابي أعذب بك من أشاء).

    وكذلك المائة الرحمة التي خلقها الله هي من آثار الصفة، فهناك صفة قائمة بالله عز وجل وهي الرحمة، وهناك آثار للصفة وهو ما خلقه الله عز وجل، مما يكرم به أولياءه، ومما خلقه الله عز وجل من الرحمة التي يتراحم بها الناس، وكذلك أيضاً الجنة التي هي من آثار رحمة الله كما جاء بذلك الحديث القدسي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم .. )

    قوله: [ حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي ].

    محمد بن عثمان الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة .

    [ حدثنا عبد العزيز -يعني الدراوردي - ].

    عبد العزيز الدراوردي صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ].

    ربيعة بن أبي عبد الرحمن هو المشهور بـربيعة الرأي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عبد الملك بن سعيد بن سويد ].

    عبد الملك بن سعيد بن سويد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.

    [ قال: سمعت أبا حميد أو أبا أسيد ].

    [ أبو حميد هو المنذر بن سعد بن منذر ، وهو صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    وأبو أسيد هو مالك بن ربيعة الساعدي ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    ومن المعلوم أن الجهل بالصحابي لا يؤثر، فسواء كان هذا أو هذا لا يضر، بل إن الاحتمال في الرواة غير الصحابة فيما إذا كانوا ثقات مثل أن يشك الراوي بين ثقتين فإن ذلك لا يؤثر؛ لأنه حيثما دار فهو يقدّر على ثقة، وإنما الاختلال فيما إذا كان الشك بين ضعيف وثقة، فهذا هو الذي يؤثر فيه الشك، وأما بالنسبة للصحابة فالمجهول فيهم في حكم المعلوم، وسواء يكون هذا أو هذا أو لا يعرف اسمه فلا يؤثر هذا، بل يكفي أن يُعرف أنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي أن يقال: عن رجل صَحِبَ النبي صلى الله عليه وسلم، وأما غير الصحابة فلا يكفي أن يقال: عن رجل؛ لأن هذا يصير مبهماً، ولا يُعوّل على الحديث الذي يكون فيه رجل مبهم سوى الصحابة رضي الله عنهم.

    شرح حديث: ( أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم .. )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح قال: لقيت عقبة بن مسلم فقلت له: (بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم قال: أقطّ؟ قلتُ: نعم. قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حُفظ مني سائر اليوم) ].

    قوله: (قال أقط؟).

    يعني: أهذا الذي بلغك فقط؟ لأن الهمزة للاستفهام؛ لأنه يوجد في الحديث زيادة على ذلك.

    قوله: (قلت: نعم).

    يعني: هذا هو الذي بلغني فقط، وهذا هو ما سمعت فقط.

    قوله: (فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم).

    أي: فإذا قال ذلك من يدخل المسجد قال الشيطان: حُفظ مني سائر اليوم؛ لأن من قال ذلك استعاذ بالله متوسلاً بأسمائه وصفاته بأن يعيذه من الشيطان الرجيم، فيقول الشيطان: حفظ مني سائر اليوم، يعني: باقي اليوم أو كل اليوم

    لأن كلمة (سائر) قيل: إن المقصود بها الباقي، أي: أنه يذكر شيئاً ثم يعبّر عن باقيه بكلمة (سائر).

    وقيل: إن المقصود بها جميعاً؛ لأنها ليست مقصورة على الباقي الذي هو بمعنى السؤر، وهو الزائد الذي كان خارجاً عن الشيء الذي قد مضى، أو زائداً عن الشيء الذي مضى، وإنما يقصد به اليوم كله، فمعنى (سائر اليوم) يعني: جميع اليوم، وعلى أحد المعنيين في اللغة: أن سائر يراد بها الباقي، يعني إذا قالها في أي وقت من النهار فإنه يحفظ سائر اليوم، سواء كان في أوله أو في وسطه أو في آخره، فإذا قالها عند المغرب أو قالها عند العشاء أو قالها عند الفجر أو قالها عند الظهر، فمعناه أنه يحفظ سائر اليوم أو الليلة، ومعنى هذا: أن في ذلك حفظاً من الشيطان، وأنه يترتب على هذا الدعاء العظيم منفعة عظيمة، وهي الحفظ من الشيطان.

    قوله: [ (وسلطانه القديم) ].

    السلطان صفة من صفات الله، وهي صفة سلطته وملكوته وعظمته وغلبته؛ لأنه لا يُستعاذ بمخلوق، والحديث جاء فيه الاستعاذة بالله عز وجل وبصفاته، وأما كلمة (القديم) فالمقصود بها الأزلي، يعني: الذي صفاته وقدرته وغلبته وقهره ليس لها بداية، فهو متّصفٌ بذلك أزلاً، ولكن ليس من أسماء الله القديم، ولكن هذا وصفٌ لقهره وغلبته بأنها أزلية.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم )

    قوله: [ حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور ].

    إسماعيل بن بشر بن منصور صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

    [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ].

    هو عبد الرحمن بن مهدي ، وهو البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عبد الله بن المبارك ].

    هو عبد الله بن المبارك المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن حيوة بن شريح ].

    هو حيوة بن شريح المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ لقيت عقبة بن مسلم ].

    هو عقبة بن مسلم المصري وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي والنسائي .

    [ عن عبد الله بن عمرو ].

    هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهُمْ: عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عباس .

    والعبادلة الأربعة فيهم اثنان معروفان بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهما: ابن عباس وابن عمر ، وأما ابن الزبير وابن عمرو فليسا من الذين بلغت أحاديثهم بالكثرة التي توصل إلى حد السبعة الذين عُرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم جميعاً يقال عنهم: العبادلة الأربعة من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم من صغار الصحابة، وسنهم متقارب، مع أنه يوجد في الصحابة كثيرون ممن يقال له: عبد الله، ولكنّ لَقَب العبادلة اشتهر به هؤلاء الأربعة؛ لأنهم متقاربون في السن؛ ولأنهم من صغار الصحابة وقد أدركهم من لم يدرك كبار الصحابة مثل: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الذي توفي سنة (32هـ) فإنه متقدم الوفاة ولم يدركه من أدرك ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وعبد الله بن عمرو الذين هم من صغار الصحابة، وقد عاشوا بعد عبد الله بن مسعود .

    وهناك أيضاً غير عبد الله بن مسعود ممن يقال له: عبد الله كـعبد الله بن قيس الذي هو أبو موسى الأشعري ، وعدد كبير من الصحابة ممن اسمه عبد الله، ولكن الذي اشتهر بلقب العبادلة هم هؤلاء الأربعة من الصحابة، وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088555821

    عدد مرات الحفظ

    777302145