شرح حديث الخط بين يدي المصلي
قال رحمه الله تعالى: [ باب الخط إذا لم يجد عصا.
حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا إسماعيل بن أمية حدثني أبو عمرو بن محمد بن حريث أنه سمع جده حريثاً يحدث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخطط خطاً، ثم لا يضره ما مر أمامه) ].
أورد أبو داود -رحمه الله- [باب الخط إذا لم يجد عصا].
فقوله: [باب الخط] يعني: في الأرض إذا لم يجد عصا يغرزها، والمقصود بذلك أنه يخط خطاً في الأرض، فمن يأتي ويرى الخط يعلم أن هذه سترة، وأن المصلي جعل هذا بين يديه سترة حتى يتنبه من يراه فلا يمر بين يديه، وإنما يمر من وراء ذلك الخط.
وأورد أبو داود -رحمه الله- حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً).
يعني بذلك شيئاً ثابتاً كجدار أو عمود، فإن لم يجد فلينصب عصا في الأرض ويغرزها بحيث تكون منتصبة قائمة، فمن يراها يعلم أنها سترة للمصلي، ومعنى هذا أن السترة بالعصا تتخذ حيث لا يوجد شيء ثابت كالجدار وكالعمود يصلي الإنسان إليه، فإن لم يكن هناك شيء ثابت يجعله سترة له فلينصب عصا، فإن لم يجد فليخط خطاً مقوساً كأنه محراب، وهذا أحسن ما قيل في تفسيره، وقيل: إنه يكون خطاً مستطيلاً بحيث يعرف من يراه أنه سترة، ولكن المشهور في تفسيره أنه الخط المقوس الذي يكون أمام المصلي كأنه محراب.
قوله: [(فإن لم يكن معه عصا فليخطط خطا ثم لا يضره ما مر أمامه)].
أي: ثم لا يضره ما مر أمام الخط، يعني وراء الخط، وليس أمامه بينه وبين السترة.
تراجم رجال إسناد حديث الخط بين يدي المصلي
شرح حديث الخط بين يدي المصلي من طريق أخرى
وصف الخط الذي يخط سترة للمصلي
قوله: [ قال
أبو داود : وسمعت
أحمد بن حنبل سئل عن وصف الخط غير مرة فقال: هكذا. عرضاً مثل الهلال].
هذا فيه أن الإمام أحمد يقول بالخط، ولهذا وصفه بأنه يكون عرضاً كالهلال، يعني: كالمحراب بين يدي المصلي.
قوله: [ قال أبو داود : وسمعت مسدداً قال: قال ابن داود : الخط بالطول]
معنى ذلك أنه يخطه أمامه طولاً، فيكون الذي أمام المصلي هو طرف الخط؛ لأنه يكون مستطيلاً إلى جهة الأمام ليس معترضاً كما في التفسير الأول الذي جاء عن الإمام أحمد ، وإنما يكون مستطيلاً وطرفه إلى جهة المصلي، والطرف الآخر في الجهة الأمامية المقابلة.
قوله: [ قال أبو داود : وسمعت أحمد بن حنبل وصف الخط غير مرة فقال: هكذا -يعني بالعرض- حوراً دوراً مثل الهلال ].
أي: عرضاً مثل الهلال. وقوله: (حوراً دوراً) يعني أنه مائل منعطف مستدير كالهلال، فلا فرق بين هذا التفسير والتفسير الأول؛ لأنه أخبر أنه منحنٍ ومنعطف وليس مستقيماً بالطول، وإنما فيه انعطاف كالهلال.
تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لذكر الخط
شرح حديث وضع القلنسوة سترة بين يدي المصلي
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا
عبد الله بن محمد الزهري حدثنا
سفيان بن عيينة قال: رأيت
شريكاً صلى بنا في جنازة العصر فوضع قلنسوته بين يديه. يعني: في فريضة حضرت ].
ذكر عن شريك -وهو ابن عبد الله القاضي النخعي الكوفي - أنه صلى بهم في جنازة العصر -يعني: في فريضة حضرت- فوضع قلنسوته بين يديه، والقلنسوة نوع مما يتخذ فوق الرأس من الألبسة، أي أنه اتخذها سترة، وهذا فيه أن السترة تكون من شيء شاخص ولو كان نازلاً، ومن المعلوم أن الخط أخفض وأنزل من القلنسوة، وكذلك العصا إذا كانت معترضة فهي أخفض من القلنسوة، والقلنسوة أرفع .
تراجم رجال إسناد حديث وضع القلنسوة سترة بين يدي المصلي
شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بعير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصلاة إلى الراحلة.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة ووهب بن بقية وابن أبي خلف وعبد الله بن سعيد قال عثمان : حدثنا أبو خالد قال: حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بعير) ].
أورد أبو داود رحمه الله [باب الصلاة إلى الراحلة]، أي: كون الراحلة باركة ومعقولة أمام المصلي فيصلي إليها ويتخذها سترة، ولا بأس بذلك، وهذا يدلنا على أن الستر تكون من الأشياء الثابتة ومن الأشياء المتنقلة، سواءٌ أكانت من العصيِّ أم كانت من الحيوانات، كل ذلك يجوز أن يتخذ سترة.
وأورد حديث ابن عمر: )أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بعير) يعني أنه بعير بارك يصلي إليه، وهذا لا ينافي ما جاء من النهي عن الصلاة في معاطن الإبل؛ لأن إبل المعاطن غير الراحلة التي تكون مع الإنسان في سفره، وتكون باركة معقولة بعقالها فيصلي إليها ويتخذها سترة، وعلة النهي عن الصلاة في المعاطن قيل: هي لرائحتها أو ما فيها من رائحة البول ورائحة تعطين الإبل فيها، وقيل: لأنها مأوى الشياطين. وقيل: لأنها خلقت من الشياطين. وقيل: لأنها قد تأتي فتزعج الإنسان الذي يصلي إذا كان يصلي في معاطنها. فالصلاة إلى البعير لا تنافي النهي عن الصلاة في معاطن الإبل؛ لأن المقصود هنا كون البعير معقولاً وصلى إليه وجعله سترة، وأما الأماكن التي تبرك فيها وتتمرغ فيها وتأوي إليها بعدما تشرب الماء وتعطن فيها فمنهي عن الصلاة فيها.
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بعير )
شرح حديث (ما رأيت رسول الله يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن ...)
تراجم رجال إسناد حديث (ما رأيت رسول الله يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن ...)
شرح حديث (لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصلاة إلى المتحدثين والنيام.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا عبد الملك بن محمد بن أيمن عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: قلت له -يعني: لـعمر بن عبد العزيز - : حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث) ]
قوله: [ باب الصلاة إلى المتحدثين والنيام ] يعني بيان حكمها. والمقصود أنه لا يصلى إلى المتحدثين ولا النيام؛ لأن المتحدث يشغل المصلي، والنائم قد يحصل منه اضطراب ويحصل منه تحرك، وقد يحصل منه أشياء في نومه لا يعلمها، فيكون في ذلك تشويش على المصلي.
لكن جاء حديث عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي مادة قدميها في قبلته، فإذا أراد أن يسجد غمزها فكفت قدميها) فهذا يدل على أنه لا بأس بالصلاة خلف النائم، أو خلف المضطجع، وأنه يكون أمام المصلي، وأنه لا بأس بذلك، ولكن الأولى عدمه إذا أمكن؛ لأنه -كما هو معلوم- قد يحصل من الإنسان في صلاته في نومه أشياء لا تنبغي، وقد يتحرك ويضطرب، وقد يحصل منه كلام في نومه، وقد يحصل منه خروج ريح لها صوت وما إلى ذلك من الأشياء، أما من حيث الجواز فهو جائز؛ لما جاء في قصة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
فالنائم عرفنا وجه عدم الصلاة وراءه، والمتحدث كذلك، لكن بالنسبة للنائم -كما عرفنا- جاء حديث عائشة أنها كانت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مضطجعة نائمة والبيوت يومئذ ليس لها مصابيح، فإذا سجد غمزها فكفت رجليها، وإذا قام مدتهما.
أما استقبال الرجل في الصلاة، مثل إنسان مستقبل القبلة وجاء شخص في الصف الثاني يصلي وأصبح في الظاهر كأنه مستقبلاً له فما نعلم أن شيئاً يمنع من هذا، إذا لم يكن هناك حديث ولا كلام وإنما هو جالس أمامه مستقبل القبلة أو مستدبرها.
تراجم رجال إسناد حديث (لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث)