إسلام ويب

شرح سنن أبي داود [189]للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أمر الله تعالى المؤمنين بإخراج الزكاة، وبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، فبين أنصبة زكاة الإبل والغنم والبقر، وأنصبة الذهب والفضة، وبين أسنان ما يخرج في زكاة الأنعام، ونهى عن جمع المفترق أو تفريق المجتمع منها من أجل الزكاة، كما بين نصاب الحبوب التي تخرج من الأرض، فعلى من يملك المال أن يتفقه في ذلك حتى يؤدي حق الله كما أمره الله.

    شرح حديث (كتب رسول الله كتاب الصدقة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن الحسين عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه فعمل به أبو بكر رضي الله عنه حتى قبض، ثم عمل به عمر رضي الله عنه حتى قبض، فكان فيه: في خمس من الإبل شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياة، وفي عشرين أربع شياة، وفي خمس وعشرين ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين، فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين ابنة لبون. وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة، فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين، فإن زادت واحدة على المائتين ففيها ثلاث شياة إلى ثلاثمائة، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة شاة، وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة. ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق مخافة الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عيب).

    قال: قال الزهري : إذا جاء المصدق قسمت الشاء أثلاثاً: ثلثاً شراراً، وثلثاً خياراً، وثلثاً وسطاً، فأخذ المصدق من الوسط، ولم يذكر الزهري البقر ].

    سبق حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه كتاب أبي بكر إلى أنس لما استعمله على صدقات البحرين، وهو مطابق لحديث ابن عمر الذي أورده المصنف هنا، فإنه مماثل له في كثير من الأمور التي اشتمل عليها في بيان مقادير زكاة الإبل ومقادير زكاة الغنم، وكون الخلطة في المالين تصير المالين كالمال الواحد، وأنه لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وأنه لا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار، وتقدم الكلام على حديث أنس ، والكلام على حديث ابن عمر كالكلام على حديث أنس فلا نعيده.

    قوله: [ قال الزهري : إذا جاء المصدق قسمت الشاء أثلاثاً ] المصدق هو العامل، فيقسم الغنم ثلاثة أثلاث: ثلثاً خياراً، وثلثاً وسطاً، وثلثاً شراراً، يعني: رديئة، فالزكاة لا تؤخذ من الخيار ولا من الرديئة وإنما تؤخذ من الوسط؛ لأنها لو أخذت من الخيار لكان في ذلك إضرار بأصحاب الأموال، وقد جاء في حديث ابن عباس في قصة بعث معاذ بن جبل إلى اليمن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (وإياك وكرائم أموالهم) أي: خيارها وحسانها، ولا تؤخذ الشرار أو الرديئة؛ لأن هذا فيه إضرار بالفقراء، وإذا أخذ الوسط صار في ذلك مصلحة في حق الجميع.

    وقوله: [ (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه) ] هذا فيه زيادة على ما تقدم، وهو أنه صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقة، ولم يخرجه إلى عماله حتى قبض، وقد مر في حديث أنس رضي الله عنه أن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بين فيه فرائض الزكاة كما أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الحديث: أن هذا الكتاب كان مع سيفه صلى الله عليه وسلم، وأن أبا بكر والصحابة عملوا به من بعده، وقد مر في الحديث السابق أن أبا بكر كتب بهذا إلى أنس لينفذه ويعمل بما فيه.

    تراجم رجال إسناد حديث (كتب رسول الله كتاب الصدقة...)

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ].

    عبد الله بن محمد النفيلي هو ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.

    [ عن عباد بن العوام ]

    عباد بن العوام وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن سفيان بن حسين ].

    سفيان بن حسين وهو ثقة إلا في الزهري أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.

    [ عن الزهري ].

    الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذه رواية سفيان عن الزهري ، وهو ثقة إلا في الزهري ، ففي روايته عن الزهري كلام، ولكن قد تابعه سليمان بن كثير فلم ينفرد بهذا عن الزهري .

    [ عن سالم ].

    سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو تابعي ثقة أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبيه].

    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث (كتب رسول الله كتاب الصدقة ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن يزيد الواسطي أخبرنا سفيان بن حسين بإسناده ومعناه قال: (فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون) ولم يذكر كلام الزهري ].

    أورد المصنف الحديث بإسناد آخر، ولكنه ذكر فيه أن ابن اللبون يؤخذ بدل ابنة المخاض إذا لم توجد ابنة المخاض، وابنة المخاض هي التي أكملت سنة واحدة من عمرها، ودخلت في السنة الثانية، وهي تجب في خمس وعشرين من الإبل إلى خمس وثلاثين، وإذا لم توجد بنت مخاض فإنه يخرج بدلها ابن لبون، وعلى هذا فتكون الزيادة في السن في الذكر مقابل الفضل والحسن الذي يكون في الأنثى؛ لأن الأنثى فيها مصلحة للفقراء.

    ولم يأت في الأحاديث التي بينت مقادير الزكاة أن الذكر الذي يكون سنه أعلى من سن الأنثى يؤخذ بدلها إلا في ابنة المخاض، فإنه يؤخذ بدلها ابن لبون ذكر، ولم يأت فيما يتعلق بابنة اللبون أنه يؤخذ بدلها حق، ولا في الحقة أنه يؤخذ بدلها جذع، وهو الذي أكمل أربع سنين ودخل في السنة الخامسة، وإنما جاء هذا في ابنة المخاض فقط، فإذا لم توجد فإنه يؤخذ مكانها ابن لبون ذكر.

    ولم يذكر الراوي هنا كلام الزهري الذي فيه ذكر الخيار والشرار والوسط.

    وقد ذكرنا في الدرس الماضي أن بنت المخاض سميت بذلك لأن أمها قد حملت، فهي دخلت في السنة الثانية وأمها صارت ذات حمل، وأما بنت اللبون فسميت بذلك لأن أمها قد ولدت فصارت ذات لبن. وهي التي أكملت سنتين ودخلت في السنة الثالثة من عمرها.

    والحقة سميت بذلك لأنها استحقت أن يطرقها الجمل، يعني: صارت أهلاً لأن يطرقها الجمل وأن يرغب فيها الجمل؛ لأنها أكملت ثلاث سنوات ودخلت في السنة الرابعة، ولذلك قال: (حقة طروقة الجمل) أي: استحقت أن يطرقها الجمل.

    والجذعة هي التي أكملت السنة الرابعة ودخلت في الخامسة.

    والثنية هي التي أكملت الخامسة ودخلت في السادسة، والذي يجزئ في الأضحية والهدي هو الثني، وعلى هذا فالأموال الزكوية في الإبل كلها لم تصل إلى الحد الذي يجزئ في الأضحية؛ لأن أسنانها صغيرة؛ لأنه يقصد منها تنميتها وتربيتها وتنشئتها، فهذه الأسنان الأربعة التي هي: بنت المخاض وبنت اللبون والحقة والجذعة كلها لم تصل إلى السن الذي يجزئ في الأضحية؛ لأنه لا يجزئ في الأضحية من الإبل إلا ما كان ثنياً أكمل خمس سنوات ودخل في السنة السادسة.

    تراجم رجال إسناد حديث (كتب رسول الله كتاب الصدقة ...) من طريق ثانية

    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

    عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة .

    [ حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ].

    وهو ثقة أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .

    [ أخبرنا سفيان بن حسين بإسناده ومعناه ].

    يعني: سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه بإسناد الحديث ومعناه، وليس بلفظه، فإذا قيل: (بمعناه) أي: أنه لم يتفق معه في الألفاظ تماماً، وإنما يتفق معه في المعنى.

    شرح حديث الزهري (هذه نسخة كتاب رسول الله الذي كتبه في الصدقة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي كتبه في الصدقة، وهي عند آل عمر بن الخطاب قال ابن شهاب : أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر وسالم بن عبد الله بن عمر فذكر الحديث قال: (فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعاً وعشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها بنتا لبون وحقة حتى تبلغ تسعاً وثلاثين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وبنت لبون حتى تبلغ تسعاً وأربعين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق حتى تبلغ تسعاً وخمسين ومائة، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون حتى تبلغ تسعاً وستين ومائة، فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة حتى تبلغ تسعاً وسبعين ومائة، فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون حتى تبلغ تسعاً وثمانين ومائة، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون حتى تبلغ تسعاً وتسعين ومائة، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون، أي السنين وجدت أخذت وفي سائمة الغنم.. فذكر نحو حديث سفيان بن حسين وفيه: ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار من الغنم ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق) ].

    أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه بيان ما اشتمل عليه ذلك الكتاب، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه تفصيلاً فيما يتعلق بما زاد على العشرين ومائة، فإنه فيما مضى قال: في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، وهذا الحديث فيه تفصيل لما أجمل في الرواية السابقة من قوله: (فإذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة) فإذا كانت مائة وعشرين فليس فيها إلا حقتان، فإذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة.

    ومعنى هذا أنها إذا صارت مائة وثلاثين فتعدها أربعين وأربعين وخمسين، ففيها بنتا لبون وحقة واحدة، فإذا كانت مائة وأربعين، فتعدها خمسين وخمسين وأربعين ففيها حقتان وبنت لبون، وإذا صارت مائة وخمسين فتعدها خمسين وخمسين وخمسين ففيها ثلاث حقاق، وإذا صارت مائة وستين فتعدها أربعين وأربعين وأربعين وأربعين، ففيها أربع بنات لبون، وإذا صارت مائة وسبعين، ففيها ثلاث بنات لبون وحقة واحدة، فتعد أربعين ثلاث مرات ثم بعد ذلك تعد خمسين، فتكون مائة وسبعين, وإذا صارت مائة وثمانين ففيها حقتان وبنتا لبون؛ لأنك تعدها خمسين وخمسين وأربعين وأربعين، وإذا صارت مائة وتسعين ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون؛ لأنك تعدها خمسين وخمسين وخمسين وأربعين، فإذا وصلت مائتين فتعدها أربعين خمس مرات أو تعدها خمسين أربع مرات، يعني: فيخرج أي السنين أحب، فإن كانت عنده خمس بنات لبون أخرجها، وإن كان عنده أربع حقاق أخرجها؛ لأنه تساوى العددان، وهو الذي يسمونه في الحساب (المضاعف المشترك البسيط) وهو أصغر عدد ينقسم على عددين بدون كسر؛ لأن أصغر عدد ينقسم على خمسين وينقسم على أربعين هو المائتان.

    ثم بعد ذلك كلما زادت الإبل عن المائتين فهو على هذا المنوال، في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ولو بلغت ما بلغت، فالحساب يكون على اعتبار الأربعين والخمسين.

    فالحاصل: أن هذه الرواية تفصيل لما أجمل في الرواية السابقة: (فإذا زاد على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة).

    قوله: [ (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار من الغنم ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق) ] يعني: (إلا أن يشاء المصدق) فيما يتعلق بتيس الغنم، وقد تقدم شرح هذا.

    تراجم رجال إسناد حديث (هذه نسخة كتاب رسول الله الذي كتبه في الصدقة)

    قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ].

    محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ أخبرنا ابن المبارك ].

    عبد الله بن المبارك المروزي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن يونس بن يزيد ].

    يونس بن يزيد الأيلي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن ابن شهاب ].

    مر ذكره.

    [ قال: هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه في الصدقة وهو عند آل عمر بن الخطاب، أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر ].

    فيه أنه قرأها على سالم بن عبد الله كما مر في الرواية السابقة أن الزهري يروي عن سالم ، وهنا يقول: أقرأنيها.

    [ وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر وسالم بن عبد الله بن عمر ].

    يعني: أنها عند آل عمر ، وقد انتسخها من هذين الأخوين: عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله .

    تفسير مالك لمعنى (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع)

    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: قال مالك : وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع هو أن يكون لكل رجل أربعون شاة، فإذا أظلهم المصدق جمعوها لئلا يكون فيها إلا شاة ].

    هذا مثال يوضح الجمع بين المفترق خشية الصدقة، وهو أن يكون اثنان لكل واحد منهما أربعون شاة، وليسا خليطين بل متفرقان، فكل واحد منهما عليه شاة، فيجمعان بين الأربعين والأربعين حتى لا يؤخذ منهما إلا شاة واحدة، فعندما يجيء المصدق يجمع هذا غنمه مع غنم هذا ويقولان: نحن خليطان، فيحسبها ثمانين، وليس عليهما فيها إلا شاة واحدة، بل لو كانوا ثلاثة وكل واحد له أربعون شاة، وصاروا خلطاء، فما عليهم إلا شاة واحدة، لكن لو كان كل واحد منهم غنمه على حدة، فكل واحد من الثلاثة عليه شاة.

    (ولا يفرق بين مجتمع) كأن يجيء المصدق ووجد غنم الثلاثة الخلطاء مائة وعشرين، فلا يفرق بينها ويقول: نأخذ من هذا واحدة، ومن هذا واحدة، ومن هذا واحدة، فيكون فيها ثلاث شياة؛ لأنهم خلطة، فلا يجوز الجمع بين المتفرق ولا التفريق بين المجتمع من أجل الصدقة.

    قوله: [ ولا يفرق بين مجتمع، أن الخليطين إذا كان لكل واحد منهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما فيها ثلاث شياة، فإذا أظلهما المصدق فرقا غنمهما، فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة، فهذا الذي سمعت في ذلك ].

    يعني: إذا كان خليطان لكل واحد منهما مائة شاة وشاة، فيكون المجموع مائتين وشاتين، فإذا كانت متفرقة فليس فيها إلا شاتان، فإذا كان مال هذا على حدة، ومال هذا على حدة، فكل واحد عليه شاة؛ لأنه إلى مائة وعشرين ليس فيها إلا شاة واحدة، لكن إذا كانت مختلطة وصارت مائتين وواحدة ففيها ثلاث شياه.

    وضابط الخلطة أن تختلط الإبل أو الغنم في المراح والمرعى والراعي والفحل، فترعى جميعاً، وتكون في المراح جميعاً، والراعي لها واحد، والفحل أو الفحول لها واحدة، فهذه خلطة، وهي تصير المالين كالمال الواحد.

    واختلفوا في المراح، فبعضهم يقول: إذا اختلف المراح فليست خلطة، وبعضهم يقول: اختلاف المراح لا يؤثر في الخلطة.

    وهذا في المواشي، فلا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة، وقد يكون هذا التفريق أو الجمع من جانب المصدق، وقد يكون من جانب المصّدق الذي هو المالك، فالخلطة هي التي تجتمع فيها هذه الأمور.

    تراجم رجال إسناد أثر مالك في تفسير الحديث

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].

    عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

    [ قال مالك ].

    مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث علي بن أبي طالب في الزكاة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة وعن الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه قال زهير : أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهماً درهم، وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم، فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فعلى حساب ذلك. وفي الغنم في أربعين شاة شاة، فإن لم يكن إلا تسع وثلاثون فليس عليك فيها شيء. وساق صدقة الغنم مثل الزهري.

    وقال: وفي البقر في كل ثلاثين تبيع، وفي الأربعين مسنة، وليس على العوامل شيء.

    وفي الإبل: فذكر صدقتها كما ذكر الزهري قال: وفي خمس وعشرين خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الجمل إلى ستين). ثم ساق مثل حديث الزهري قال: فإذا زادت واحدة -يعني: واحدة وتسعين- ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى عشرين ومائة، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق.

    وفي النبات ما سقته الأنهار أو سقت السماء العشر، وما سقى الغرب ففيه نصف العشر.

    وفي حديث عاصم والحارث: الصدقة في كل عام قال زهير : أحسبه قال: (مرة)، وفي حديث عاصم : إذا لم يكن في الإبل ابنة مخاض ولا ابن لبون فعشرة دراهم أو شاتان].

    أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه المتعلق ببيان مقادير الزكاة في المواشي وفي الدراهم وفي الحبوب والثمار، وبدأ فيما يتعلق بزكاة الفضة، وقوله: (من كل أربعين درهماً درهم) المقصود من ذلك بيان نسبة الصدقة إلى أصل المال، وليس المقصود أن الأربعين فيها زكاة؛ لأنه قال بعد ذلك: (وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم) فالمقصود بيان مقدار الزكاة بالنسبة إلى أصل المال، يعني أنها جزء من أربعين جزءاً، وهذا بالنسبة لما بلغ نصاباً فأكثر، وهذا معناه أنه يخرج ربع العشر.

    قوله: [ (وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم) ] يعني: حتى تبلغ النصاب، فالنصاب مائتا درهم، فلو نقص المال عن النصاب ولو درهماً واحداً فإنه لا زكاة فيه، وقد جاء في الحديث الذي سبق: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة) والأوقية أربعون درهماً، والخمس الأواق مائتا درهم، وهي تساوي الآن ستة وخمسين ريالاً بالريال السعودي الفضي، وأما بالنسبة للريالات الورقية فنصابها بحسب قيمة ستة وخمسين ريالاً من الفضة، وقد تزيد القيمة وتنقص.

    قوله: [ (فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم) ]، هذا فيه بيان أقل النصاب وهو المائتان، ومقدار زكاتها خمسة دراهم من مائتين، وهي تعادل واحداً من أربعين.

    قوله: [ (فما زاد فعلى حساب ذلك) ] أي: يخرج من الجميع ربع العشر، من المائتين فما زاد.

    قوله: [ (وفي الغنم في أربعين شاة شاة) ] هذا بيان نصاب الغنم، وهو متفق مع ما تقدم من أن الأربعين شاة فيها شاة واحدة.

    قوله: [ (فإن لم يكن إلا تسع وثلاثون فليس عليك فيها شيء) ] يعني: إذا نقصت عن النصاب واحدة فصارت تسعة وثلاثين فلا زكاة فيها، ولو حال عليها الحول، لكن إذا ولدت له سخلة فصارت أربعين فيبدأ يحسب الحول.

    قوله: [ وساق صدقة الغنم مثل الزهري ] يعني: أحال على حديث الزهري المتقدم الذي فيه: (إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان، إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه..) إلخ.

    زكاة البقر

    قوله: [ (وفي البقر في كل ثلاثين تبيع) ].

    نصاب زكاة البقر ثلاثون، فإذا كانت تسعاً وعشرين فليس فيها زكاة كما أن تسعاً وثلاثين من الغنم ليس فيها زكاة، فإذا بلغت البقر ثلاثين بدأ حساب الحول، فإذا حال عليها الحول فإنه يزكيها فيخرج منها تبيعاً، وهو الذي أكمل سنة من عمره ودخل في السنة الثانية، وهنا ذكر تبيعاً، وجاء في حديث معاذ الذي سيأتي: (تبيع أو تبيعة) فهو مخير بين الذكر والأنثى، إما تبيع وإما تبيعة، وسمي تبيعاً لأنه يتبع أمه.

    قوله: [ (وفي الأربعين مسنة) ] يعني: من ثلاثين إلى تسع وثلاثين ما فيها إما تبيع أو تبيعة كما جاء في حديث معاذ ، فإذا زادت واحدة وصارت أربعين ففيها مسنة، وهي التي أكملت سنتين ودخلت في السنة الثالثة، وهذا السن هو الذي يجزئ من البقر في الأضحية وفي الهدي، وهو ما تم له سنتان.

    ثم إذا بلغت ستين ففيها تبيعان كما سيأتي في حديث معاذ.

    قوله: [ (وليس على العوامل شيء) ] العوامل هي الإبل والبقر التي يعمل الإنسان عليها لإخراج الماء أو للحرث، فهذه لا زكاة فيها، وإنما الزكاة في السائمة التي ترعى الحول وتكون للنماء، أما إذا كانت يحرث عليها أو يخرج الماء بواسطتها بالدلاء والغرب فلا زكاة فيها.

    قوله: [ (وفي الإبل) فذكر صدقتها كما ذكر الزهري ].

    وقد تقدم ذلك.

    شذوذ قوله (وفي خمس وعشرين خمس من الغنم)

    قوله: [ (وفي خمس وعشرين خمس من الغنم) ].

    هذا مخالف لما جاء عن الزهري ، ولما في حديث أنس بن مالك المتقدم أن إخراج الغنم إلى أربع وعشرين، فإذا زادت واحدة فيبدأ يخرج من جنسها، وهي بنت مخاض، وهنا جعل في خمس وعشرين خمس شياة، فيكون المعتبر ما جاء في ذينك الحديثين، وما جاء هنا فهو من قبيل الشاذ.

    قوله: [ (فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض) ] هذا معناه أن بنت المخاض ما تخرج إلا من ست وعشرين، لكن في حديث أنس وحديث ابن عمر أن ابنة المخاض تخرج من خمس وعشرين، وهو المحفوظ.

    قوله: [ (فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الجمل إلى ستين)، ثم ساق مثل حديث الزهري ، قال: (فإذا زادت واحدة -يعني صارت إحدى وتسعين- ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى عشرين ومائة، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة، ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق) ] هذا كله موافق لما تقدم.

    زكاة النبات

    قوله: [ (وفي النبات ما سقته الأنهار أو سقت السماء العشر، وما سقى الغرب ففيه نصف العشر) ] قوله: (وفي النبات) يعني: زكاة الخارج من الأرض، فما سقته الأنهار أو المطر ففيه العشر؛ لأنه نما بدون تعب ومشقة، فحصلت الفائدة الكبيرة والتعب قليل، ففيه العشر.

    وإذا سقي بالغرب ففيه نصف العشر، والغرب هو الدلو الكبير الذي يستنبط به الماء بواسطة الإبل والبقر، ويقال: لها: السواني، ففيه نصف العشر؛ لأنه فيه تعب، فقلت الزكاة، بخلاف الذي ليس فيه تعب فزادت الزكاة، فروعي فيما قل فيه التعب زيادة الزكاة، وفيما كثر فيه التعب نقص الزكاة، فما سقي بكلفة ومشقة فيه نصف العشر، وما سقي بدون كلفة وبدون مشقة ففيه العشر.

    الصدقة في كل عام مرة

    قوله: [ وفي حديث عاصم والحارث : (الصدقة في كل عام) ] يعني: في كل عام مرة، وذلك حتى يحول عليه الحول، فلا زكاة في مال إلا إذا حال عليه الحول، فيزكى مرة واحدة في كل سنة، لكن ما يتعلق بالنبات والخارج من الأرض لا يشترط له الحول؛ لأن حوله حصول الثمرة، وقد تكون مدته أربعة شهور، وقد تكون ثلاثة شهور، وقد تكون أكثر، ولا يقال: لابد أن تمضي عليه سنة كاملة؛ لأن السنة الكاملة إنما تكون في الذي ينمى كزكاة التجارة وزكاة المواشي وزكاة النقدين، وأما زكاة الثمار والحبوب فمرة في السنة، ولو تكرر الزرع في السنة فإنه كلما استوى وحصل استواؤه يزكيه إذا بلغ نصاباً.

    قوله: [ قال زهير : أحسبه قال: (مرة) ].

    يعني: في كل عام مرة.

    ما يدفع جبراً للواجب في زكاة الإبل إن لم يوجد سنه

    قوله: [ وفي حديث عاصم : (إذا لم يكن في الإبل ابنة مخاض ولا ابن لبون فعشرة دراهم أو شاتان)].

    ليس المقصود أنها عوض عن ابن اللبون أو ابنة المخاض، وإنما تؤخذ منه ابنة المخاض ويعطي الفرق إذا كان الواجب عليه ابنة لبون، أو العكس؛ فإذا كان الواجب عليه ابنة مخاض فتؤخذ منه ابنة لبون ويعطى الفرق، ولكن هذا فيه مخالفة لما تقدم في ذكر العشرة الدراهم؛ لأن الحديث المتقدم فيه عشرون درهماً أو شاتان، وهنا قال: (عشرة دراهم أو شاتان) وأما الشاتان فمطابق لما تقدم، وأما عشرة الدراهم فمخالف لما تقدم، فالمعول عليه ما تقدم في الأحاديث السابقة من أن الفرق شاتان أو عشرون درهماً.

    وذكر الشاتين والعشرة الدراهم هنا المقصود به الفرق، وليس المقصود العوض عن بنت المخاض أو ابن اللبون الذكر؛ لأننا عرفنا أن العشرين فيها أربع شياه، فكيف يكون في الخمس وعشرين شاتان أو عشرة دراهم؟!

    إذاً: القضية هي قضية ذكر الفرق، ولكن الحديث فيه اختصار، وفيه مخالفة لما تقدم فيما يتعلق بالعشرة الدراهم، فالمحفوظ أنها عشرون درهماً.

    تراجم رجال إسناد حديث علي بن أبي طالب في الزكاة

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ].

    عبد الله بن محمد النفيلي مر ذكره.

    [ حدثنا زهير ].

    زهير بن معاوية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا أبو إسحاق ].

    أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عاصم بن ضمرة ].

    عاصم بن ضمرة صدوق أخرج له أصحاب السنن.

    [ وعن الحارث الأعور ].

    الحارث الأعور ضعيف أخرج له أصحاب السنن.

    [ عن علي رضي الله عنه ].

    علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث علي بن أبي طالب في الزكاة من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني جرير بن حازم وسمى آخر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببعض أول هذا الحديث قال: (فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك) -قال: فلا أدري أعلي يقول: فبحساب ذلك، أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟- وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول، إلا أن جريراً -قال: ابن وهب - يزيد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) ].

    أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه: [ (فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم) ] وهذا قد تقدم.

    وقوله: [ (وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً) ].

    هذا فيه بيان زكاة الذهب، وأن النصاب عشرون ديناراً أو عشرون مثقالاً، وفيه نصف العشر وهو نصف دينار؛ لأن العشرين ديناراً ربع عشرها نصف دينار.

    إذاً: نصاب الذهب عشرون ديناراً أو عشرون مثقالاً، وهي تساوي اثنين وتسعين غراماً بالاصطلاح المشهور الآن، وزكاة الذهب والفضة والنقدين ربع العشر.

    قوله: [ (فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك) ].

    يعني: مثل ما تقدم بالنسبة للفضة، فيخرج ربع العشر مما زاد على قدر النصاب، فإذا وجد النصاب فمهما زاد فإنه يخرج منه ربع العشر.

    قوله: [ قال: فلا أدري أعلي يقول: فبحساب ذلك أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ ].

    هذا شك في لفظة: (فبحساب ذلك) هل هو من قول علي أو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟

    قوله: [ (وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) ] يعني: لابد من وجود النصاب مع حولان الحول، ويستنثى من ذلك النبات وما تخرجه الأرض فإن حوله استواؤه وحصول الانتفاع منه.

    قوله: [ إلا أن جرير -قال: ابن وهب - يزيد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) ].

    قوله: [ قال ابن وهب ] مقحمة؛ لأن ابن وهب يروي عن جرير كما جاء في الإسناد، وعلى هذا فيكون جريراً هو الذي زاد في الرواية، وجاءت: [ قال ابن وهب ] مقحمة بينهما، فاللفظة فيها شيء من الخفاء بهذه الصيغة؛ لأن كلمة (قال ابن وهب ) جاءت مقحمة بين اسم إنَّ وخبرها لأن جريراً اسمها، و(يزيد) خبر إنَّ، وجاءت (قال ابن وهب ) مقحمة بين اسم إنَّ وخبرها، أي: فالعبارة فيها خلل؛ لأنه قد يفهم منها أن جريراً هو الذي يروي عن الرواة، مع أن العكس هو الصحيح كما جاء في الإسناد، فأصل الكلام: إن جريراً يزيد في الحديث: (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) يعني: أنه وإن وجد النصاب فلابد من حولان الحول.

    تراجم رجال إسناد حديث علي بن أبي طالب في الزكاة من طريق ثانية

    قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ].

    سليمان بن داود المهري المصري ثقة أخرج حديثه أبو داود والنسائي .

    [ أخبرنا ابن وهب ].

    عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ أخبرني جرير بن حازم ].

    جرير بن حازم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ وسمى آخر ].

    لم يذكره الراوي.

    [ عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي رضي الله عنه ].

    قد مر ذكر هؤلاء.

    شرح حديث (قد عفوت عن الخيل والرقيق...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله علية وآله وسلم (قد عفوت عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقه الرقة من كل أربعين درهماً درهماً، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم) ].

    أورد المصنف حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (قد عفوت عن الخيل والرقيق) يعني: لا زكاة في الخيل ولا في الرقيق -وهو المملوك- ولكن إذا كان الرقيق والخيل للتجارة فيزكيهما زكاة التجارة، وأما إذا كانا من غير باب التجارة فليس فيهما زكاة.

    والخيل لا زكاة فيها ولو كانت سائمة ما دامت لم تعد للبيع، والعبيد ليس فيهم زكاة إلا زكاة الفطر؛ لأن زكاة الفطر تجب على الحر والعبد والذكر والأنثى, فهذا هو الذي يجب في الرقيق فقط.

    فليس في الخيل والرقيق زكاة إلا إذا اتخذت للتجارة؛ لأن زكاة التجارة هي أوسع المجالات في الأموال الزكوية.

    قوله: [ (فهاتوا صدقه الرقة من كل أربعين درهماً درهماً). ].

    هذا مثل ما تقدم.

    قوله: [ (وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم) ].

    وهذا كما تقدم أيضاً، وقوله: مائة وتسعين ذكر أعلى عقد دون المائتين، ولا يعني ذلك أن الفرق بين المائة والتسعين وبين المائتين يكون فيه زكاة؛ لأنه قال بعد ذلك: (فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم) فالزكاة لا تكون إلا في المائتين، وسبق أن مر حديث: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة).

    ترجمة رجال إسناد حديث (قد عفوت عن الخيل والرقيق...)

    قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ].

    عمرو بن عون ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ أخبرنا أبو عوانة ].

    هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة ].

    تقدم ذكرهما.

    [ عن علي عليه السلام ].

    كلمة: (عليه السلام) ليست من المؤلفين والمصنفين، وإنما هي من نساخ الكتب كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره لقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، قال رحمه الله: إن كتابة مثل هذه الكلمة وكذلك (كرم الله وجهه) إنما هي من عمل نساخ الكتب، وليست من عمل المؤلفين, ثم قال: والذي ينبغي أن يسوى بين الصحابة، والذي جرت عليه عادة السلف أنهم يترضون على الصحابة، ويترحمون على من بعدهم، فكونه يخص بكلمة: (عليه السلام) وكلمة: (كرم الله وجهه) ليس من عمل المؤلفين، وإنما هو من عمل نساخ الكتب.

    خلاف الرواة في حديث (قد عفوت عن الخيل والرقيق...)

    [ قال أبو داود : روى هذا الحديث الأعمش عن أبي إسحاق كما قال أبو عوانة ، ورواه شيبان أبو معاوية وإبراهيم بن طهمان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي عن النبي صلى الله علية وآله وسلم مثله ].

    يعني أنه جاء مرفوعاً كما في الطريق السابقة، وجاء أيضاً من طريق الأعمش مرفوعاً.

    و الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة, وأبو إسحاق مر ذكره.

    وقوله: (كما قال أبو عوانة ) يعني في الرواية السابقة.

    و شيبان أبو معاوية هو شيبان بن عبد الرحمن التميمي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    و إبراهيم بن طهمان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ قال أبو داود : وروى حديث النفيلي شعبة وسفيان وغيرهما عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ولم يرفعوه، أوقفوه على علي ].

    وهو الذي تقدم في الإسناد السابق.

    و شعبة هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    وسفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه وصف أيضاً بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وسفيان الثوري مشهور بالفقه والحديث، وشعبة مشهور بالحديث، وكلاهما وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وكل منهما أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    قوله: [ عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ولم يرفعوه ].

    يعني أنه موقوف على علي ، والراجح أنه مرفوع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088542123

    عدد مرات الحفظ

    777224881