فرض الله سبحانه وتعالى الصيام على العباد، وكلفهم به على قدر استطاعتهم، ولذا عذر المريض حتى يبرأ، والمسافر حتى يقيم، وأمر الكبير أن يطعم عن كل يوم مداً، وحث الشارع على صيام بعض الأيام الفاضلة كيوم عرفة وعاشوراء، والإثنين والخميس، ونهى عن صيام بعض الأيام لحكمة، كإفراد يوم الجمعة أو السبت، عيد الفطر والأضحى، وصيام الدهر.
متى يفطر المسافر إذا خرج؟
شرح حديث (أترغب عن سنة رسول الله؟...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب متى يفطر المسافر إذا خرج.
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب متى يفطر المسافر إذا خرج.
يعني: إذا كان صائماً ثم خرج فمتى يفطر؟ هل يكمل صومه ذلك اليوم الذي بدأ به، أو أنه يمكن أن يفطر في أثناء ذلك اليوم الذي خرج في أوله أو في أثنائه؟ هذا هو مراد الترجمة، والحكم في هذا هو كالحكم في القصر، والإتيان برخص السفر، وأن الإنسان إذا غادر البلد وفارق البيوت والعمران -وإن كان يراها- فإنه يأخذ برخص السفر من فطر وقصر للصلاة، فيبدأ بالترخص من حين ما يغادر البلد، والنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع خرج من المدينة وقد صلى بها الظهر، ونزل في الميقات الذي هو ذي الحليفة وقصر فيه، فصلى العصر قصراً، وهي قريبة من المدينة، فإذاً: إذا خرج الإنسان من البلد وإن كان يرى البيوت فإنه يبدأ بالإتيان برخص السفر التي هي الفطر والقصر، هذا هو الحكم، ويدل له ما أورده أبو داود من حديث أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه.
قيل: فرفع، يعني: فرفع هو ومن معه بمعنى: أنهم دفعوا وتحركوا، وفي بعض الروايات: فدفع، وفي بعضها: فدفعنا، يعني: أنهم تحركوا وانطلقوا في السفينة، وأن السفينة تحركت في البحر.
والحديث دال على ما ترجم له، وهو أن المسافر له أن يترخص من حين يغادر العمران، ولكن -كما أسلفت- فيما يتعلق بالصوم في السفر الأولى أنه ينظر في ذلك إلى حال الإنسان، فإن كان عليه مشقة فالأولى له أن يفطر، وإن لم يكن عليه مشقة فالأولى له أن يصوم حتى لا يحمل نفسه ديناً قد يثقل عليه أداؤه والقيام به.
تراجم رجال إسناد حديث (أترغب عن سنة رسول الله؟...)
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [ باب قدر مسيرة ما يفطر فيه ].
يعني: المسافة التي سيقطعها والتي هو متجه إليها والتي هي غايته وسينتقل إليها من البلد الذي هو فيه، يعني: هل تكون طويلة أو قصيرة؟! هذا هو المقصود من الترجمة؛ معناه: سيمشي من مكان كذا إلى مكان كذا فهل يفطر أو لا يفطر؟ ومعلوم أن الحكم إنما هو مناط بالسفر، وأن أحكام السفر متعلقة باسم السفر، فما يقال له سفر هو الذي تتعلق به الأحكام، وما لا يقال له سفر فإنه لا تتعلق به الأحكام، والمسافة القليلة التي لا يعتبر فيها الإنسان مسافراً حكمه فيها حكم المقيم وليس المسافر، وأما المسافة التي يطلق عليها اسم السفر هي التي يترخص فيها المسافر، يعني: إذا بدأ بذلك السفر متجهاً إلى تلك الجهة التي يعتبر الذهاب إليها سفراً، أما إذا كان المكان قريباً ولا يعتبر سفراً فإن هذا حكمه حكم الإقامة، وحكمه حكم البلد، ولا يعتبر الإنسان مسافراً.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديثاً ضعيفاً عن دحية بن خليفة الكلبي رضي الله تعالى عنه أنه خرج من قرية على مقدار ما بين الفسطاط وقرية عقبة، والمسافة قصيرة تبلغ ثلاثة أميال، فأفطر وأفطر معه بعض الناس، وبعض الناس توقفوا وامتنعوا ورأوا أن يصوموا، ثم إنه بعد ذلك أبدى تأثره وتألمه من هذا الصنيع، وقال: إنهم رغبوا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم اقبضني إليك، والحديث ضعيف ليس بثابت، ولا يصح، وكونه قال: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو غير ثابت، وإذا قيل: (سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) فحكمه حكم الرفع، لكن الشاهد في ثبوته، فهو غير ثابت ولا يحتج به، ويكون الأمر على هذا إنما هو متعلق بالسفر، فما يقال له سفر يحصل فيه الترخص سواءً كان في الفطر أو القصر أو الجمع أو غير ذلك، وما لم يكن كذلك فإنه لا يترخص فيه.
تراجم رجال إسناد حديث (إن قوماً رغبوا عن هدي رسول الله وأصحابه...)
فيكون الإسناد كله مصريون إلا دحية فإنه كان في الشام في قرية يقال لها: قرية المزة، وهي التي منها أبو الحجاج المزي ، وهي في طرف دمشق.
وما بين جدة إلى مكة بعض أهل العلم يعده سفراً، ولكن أمور السفر ينبغي أن يحتاط فيها، فإذا تردد الإنسان فعليه العمل بحديث: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
شرح أثر (أن ابن عمر كان يخرج إلى الغابة فلا يفطر ولا يقصر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا المعتمر عن عبيد الله عن نافع أن ابن عمر كان يخرج إلى الغابة، فلا يفطر ولا يقصر ].
أورد هذا الأثر عن ابن عمر أنه كان يذهب إلى الغابة، وهي قريبة من المدينة في الشمال منها، وكان يذهب إليها فلا يقصر ولا يفطر، يعني لا يترخص؛ لأن هذا لا يعتبر سفراً.
تراجم رجال إسناد أثر (أن ابن عمر كان يخرج إلى الغابة فلا يفطر ولا يقصر)
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
من يقول صمت رمضان كله
شرح حديث (لا يقولن أحدكم إني صمت رمضان كله..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من يقول: صمت رمضان كله ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب من يقول: صمت رمضان كله ].
يعني: هل ذلك يصلح أو لا يصلح؟ هل ينبغي ذلك أو لا ينبغي؟ والمقصود من ذلك أنه إذا كان الإخبار إخباراً بالواقع، وأنه وفق لصيام رمضان كله، فهذا لا بأس به، وأما إذا كان المقصود به التزكية فهذا هو الذي كرهه من كرهه، والحديث الذي أورده أبو داود هنا ضعيف لا يحتج به، وليس بثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه إذا كان الإنسان أخبر عن كونه صام رمضان، وأنه وفق لصيامه ولإكماله، وأن ذلك قد حصل منه، فهذا لا بأس به، وأما إذا كان لغاية تزكية النفس والتبجح وما إلى ذلك فهذا الأولى تركه، ولكن الحديث الذي ورد غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يعني: قاله أحد الرواة، ولا يدري أكره كونه يزكي نفسه بهذا الكلام.
قوله: [ أو قال: لا بد من نومة أو رقدة ].
أو أنه كلام غير مطابق للواقع؛ لأنه يكون فيه شيء من النقص، بمعنى: أنه إذا قال: قمته كله فليس معناه: أنه قام الليل كله من أوله إلى آخره، إذ لا بد من رقدة ولو شيئاً قليلاً، فيكون فيه عدم مطابقة للواقع، يعني: فيه احتمال تزكية واحتمال أن فيه عدم مطابقة للواقع، فهو يقول: قمته كله، وهو ما قامه كله، بل حصل له رقاد وارتياح.
تراجم رجال إسناد حديث (لا يقولن أحدكم إني صمت رمضان كله...)