فضل الرباط في سبيل الله كبير، ومن مات غازياً، أو ناوياً الغزو، فإن الله يعظم أجره، وقد جعل الله للجهاد فضلاً عظيماً حيث رتب الأجر الكثير على كل عمل يعين على الجهاد أو يتعلق به.
أورد أبو داود رحمه الله باب فضل الرباط، يعني في سبيل الله، والرباط المقصود به المرابطة في الثغور التي فيها المحافظة على بلاد المسلمين من أن يتسلل إليها الأعداء، فالمرابطون يدافعون عن حوزة الإسلام ويقاتلون الكفار الذين يريدون أن يغزوا بلاد المسلمين.
وأصل الرباط أنه كان يربط فرسه من أجل الاستعداد لصد الأعداء عن الدخول أو الهجوم على بلاد المسلمين، وهذا أمر شأنه عظيم عند الله.
يعني: أن ما عمله محدد، ختم عليه لأنه عرف حده وبدايته ونهايته ومقداره.
قوله: [ (إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمو له عمله) ] أي: يزداد، وذلك لكثرة ثوابه وعظم أجره وكونه في بقائه مرابطاً كالمجاهد المستمر في جهاد، لأن المرابط مجاهد ولكنه لا يذهب ويرجع كالمجاهدين الذين يذهبون من بلادهم ثم يرجعون إليها، بل هو مقيم يصد الكفار عن المسلمين، فعمله ينمى له.
قوله: [ (ينمو له عمله) ].
يعني: يتضاعف ويزداد إلى يوم القيامة.
قوله: [ (ويؤمن من فتان القبر) ] أي مما يحصل من الفتنة في القبر، وقيل: إن الفتنة في القبر هي سؤال منكر ونكير، وأنه يحصل بذلك خوف وفتنة، فالمرابط في سبيل الله موعود بأنه يؤمن من الفتنة في القبر وكذلك أيضاً يأمن من عذاب القبر.
أورد أبو داود رحمه الله باب فضل الحرس في سبيل الله، أي: الحراسة في سبيل الله، يعني بها حراسة المسلمين وتنبيههم على مداخل عدوهم وقدومه عليهم أو اتجاهه إليهم حتى يكونوا على استعداد لملاقاته فلا يأتيهم غرة وهم غير مستعدين فيترتب على ذلك الضرر.
والحراسة في سبيل الله شأنها عظيم، ولهذا جاء في هذا الحديث ما ذكر من فضلها.
ثم إن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه يذكر أنه جاء فارس من الفرسان الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إنني رأيت هوازن قد جاءوا على بكرة أبيهم، وهي عبارة تستعمل لمجيء القوم جميعاً لا يتخلف منهم أحد.
قوله: [ (بظعنهم) ] يعني: معهم نساؤهم.
قوله: [ (وشائهم) ] هي الغنم.
قوله: [ (ونعمهم) ] هي الإبل؛ فمعهم النساء والإبل والغنم.
قوله: [ (حتى تكون في أعلاه) ] معناه أن الشعب يكون فيه انحدار وارتفاع، والعدو كما هو معلوم يأتي من هذه الطرق التي تكون بين الجبال، ولا يأتي من فوق الجبال، فإذا كان الناس في أماكن يتوصل إليها عن طريق الشعاب، فإن العدو يأتي من الشعاب، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يذهب إلى هذا الشعب وأن يكون في أعلاه وقال: [ (لا نغرن من قبلك الليلة) ] يعني: لا يحصل العدو منا على غرة ونحن آمنون وأنت قد أهملت؛ إما أنك نمت أو أنك ما قمت بالأمر المطلوب، فتترتب على ذلك مضرة.
أي: لما طلع الصبح وأذن لصلاة الصبح صلى ركعتين وهما ركعتا الفجر، وكان يحافظ عليهما وعلى الوتر في الحضر والسفر.
قوله: [ (هل أحسستم صاحبكم؟) ] يعني هل رأيتموه جاء، لأنه إذا جاء يأتيهم بالخبر وأن الجهة آمنه ونحو ذلك، وإذا كان لم يأت فيخشى أن يكون العدو قد أخذه، وربما يأتي العدو من هذه الطريق.
قوله: [ (فثوب بالصلاة) ] يعني: أقيمت الصلاة، لأن التثويب هو الإقامة، لأنه رجوع إلى النداء الأول الذي هو الأذان، أي: فإذا أقيمت الصلاة فقد رجع المؤذن إلى ذكر الله والنداء للصلاة، إلا أن الأول نداء للحضور إليها وإشعار بأول وقتها، وهذا نداء بالقيام إليها والاستعداد للدخول فيها، وقد سبق أن مر في الحديث (أن الشيطان يأتي يوسوس للإنسان فإذا سمع النداء ولى وله ضراط) ثم يرجع بعد انقضاء الأذان، فإذا ثوب بالإقامة هرب.
قوله: [ (فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ويلتفت إلى الشعب) ] يعني: فكان يصلي ويلتفت، وهذا يدلنا على أن الالتفات في الصلاة إذا كان لحاجة تقتضي ذلك كالخوف فقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الالتفات المحذور ما كان لغير حاجة.
ثم الالتفات إنما يكون بإدارة الرأس وليس بإدارة الجسم، لأنه إذا أدار الجسم أخل باستقبال القبلة.
ثم إنه أخبر بأنه كان على ذلك المرتفع، وأنه لما أصبح نظر من الشعبين فلم ير أحداً، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هل نزلت) أي: من فوق الفرس، (قال: لا، إلا مصلياً أو قاضياً لحاجة).