شرح حديث زيد بن خالد فيما يجزئ من الغزو
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يجزئ من الغزو:
حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا الحسين حدثني يحيى حدثني أبو سلمة حدثني بسر بن سعيد حدثني زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا) ].
أورد أبو داود [ باب ما يجزئ من الغزو ]، أي: ما يكفي منه بحيث يعد الإنسان غازياً وإن لم يغز؛ وذلك بكونه قام مقام الغازي في رعاية أهله وإصلاح شئونهم وإيصال الخير إليهم ودفع الأذى عنهم.
قوله: [ (من جهز غازياً في سبيل الله) ] أي: من مكنه من الغزو، بمعنى أنه قدم له مركوباً يركبه أو أعطاه نفقة ينفقها في الغزو.
وقوله: [ (فقد غزا) ] لأن هذا الذي غزا في سبيل الله إنما قدر على الغزو بما بذله له، وبدون ذلك لا يستطيع ذلك الغازي أن يغزو إذا لم يكن هناك مركوبات أو زاد، فكونه يتصدق ويحسن فإنه يكون بذلك مأجوراً ومثاباً، فيكون كأنه قد غزا؛ لأنه تسبب في الغزو ومكن الغازي من الغزو.
قوله: [ (ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا) ].
معناه: أنه ساعد على غزوه؛ لكونه أراحه فيما يتعلق بأهله، وبدلاً من أن يكون مشغول البال بأهله الذين خلفهم وراءه فقد وجد من يكون مستعداً لرعايتهم والمحافظة عليهم وإيصال الخير إليهم ودفع الأذى عنهم، فيكون بذلك مشاركاً للمجاهدين في الغزو.
تراجم رجال إسناد حديث زيد بن خالد فيما يجزئ من الغزو
شرح حديث أبي سعيد فيما يجزئ من الغزو
تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد فيما يجزئ من الغزو
الكلام على قوله في الحديث (فله نصف أجر الخارج)
ذكر الحافظ في الفتح أن بعض العلماء قال إن النصف هذه لعلها مقحمة، وإن له مثل الأجر، لكنه قال إن هذه اللفظة قد ثبتت في الصحيح، وهي موجودة في صحيح
مسلم، فلا يصلح أن يقال إنها مقحمة.
ثم ذكر وجهاً لكونه يكون مثله في الأجر؛ وذلك أنه إذا جمع ما لهذا مع ما لهذا ثم قسم كان له النصف. وهذا لا يستقيم؛ لأنه إذا صار لهذا نصف أجر وهذا أجر كامل فإنه إذا قسم يكون للغازي ثلاثة أرباع، فهذا الذي ذكره غير واضح.
وما ذكرناه من أنه يكون كالذي يصلي النافلة قاعداً مع قدرته على القيام فيكون له نصف أجر القائم أوضح، فيكون هذا من جنسه؛ لأنه كان قادراً على أن يسافر، ولكنه جلس وقام بهذه المصلحة وبهذه الفائدة أما إذا حصل له ذلك بعذر لكونه لا يستطيع أن يصلي قائماً فإنه ينال الأجر كاملاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم)، أخرجه البخاري في صحيحه.
شرح حديث ذم الجبن والبخل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجرأة والجبن:
حدثنا عبد الله بن الجراح عن عبد الله بن يزيد عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عبد العزيز بن مروان قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع) ].
أورد أبو داود باباً في الجرأة والجبن، والجرأة هي الشجاعة والنشاط والقوة، والجبن ضدها، وهو الخور والضعف وعدم الإقدام، والشاعر يقول:
لو لا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتال
أي: لو كان السؤدد يحصل بدون مشقة ما بقى أحد إلا نال السيادة، لكن يمنعهم من ذلك خوف الفقر من النفقة، وخوف القتل بسب الإقدام، فتمتنع عنهم السيادة.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة وفيه ذم الجبن والبخل، فالجبن في أن لا يجاهد بنفسه، والبخل في أن لا يجاهد بماله.
قوله: [ (شر ما في رجل شح هالع) ] لأنه يجعل الإنسان يضعف ويتأخر عن البذل خشية الفقر.
والشح قيل: إنه شدة البخل، فالبخل أعم منه، والشح أخص فهو نوع من البخل وهو أشده.
والهلع هو الجزع وعدم الصبر.
قوله: [ (وجبن خالع) ] أي: يخلع القلب من الضعف والخور، ومعناه أنه يستولي على قلبه ويخلعه فيكون ضعيفاً جباناً.
وفي الحديث ذم لمن لا ينفق في سبيل الله، وذم لمن لا يجاهد بنفسه في سبيل الله.
تراجم رجال إسناد حديث ذم الجبن والبخل
شرح حديث سبب نزول آية (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قوله تعالى:
وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ 
[البقرة:195]:
حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب عن حيوة بن شريح وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو فقال الناس: مه مه، لا إله إلا الله، يلقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب رضي الله عنه: إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى:
وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد، قال أبو عمران : فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية ].
أورد أبو داود [ باب قول الله عز وجل:
وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
]، وأورد حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه في بيان سبب نزولها، وهو أنهم كانوا يجاهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أعز الله رسوله وأظهر دينه قالوا: لو أننا بقينا في أموالنا نصلحها ونعنى بها؛ لأننا قد قمنا بالجهاد وظهر الإسلام وانتشر، فنزل قول الله عز وجل:
وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
[البقرة:195] ففسرت التهلكة بكونهم يقعدون عن القتال.
وقيل لقعودهم عن القتال تهلكة لأنه يطمع أعداءهم بهم، حيث يجعلهم يضعفون أمام أعدائهم ويقوي رغبة أعدائهم فيهم، فيكون ذلك سبباً في هلاكهم، وبهذا يتضح أن كونهم يلقون بأيديهم إلى التهلكة بترك الجهاد أن الكفار لا يحسبون لهم حساباً ولا يقيمون لهم وزناً؛ لأنهم أخلدوا إلى الأرض، فيطمع فيهم الكفار كما هو حال المسلمين في هذا الزمان؛ لأنهم رغبوا في الدنيا وأقبلوا عليها وأعرضوا عن الجهاد في سبيل الله، فصار المسلمون في ضعف وخور، يخافون من الكفار والكفار لا يخافون منهم.
فقوله:
وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
هذا هو سبب نزولها، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معلوم؛ فإذا عرف الإنسان أن الغالب الهلاك فلا يقدم على شيء فيه إهلاك نفسه، ولكن إذا كان يعرف من نفسه أنه يعمل نكاية بالعدو دون أن ينالوه فإن هذا لا بأس به، أما كونه يقدم على عمل يؤدي إلى هلاكه فهذا يدخل تحت قوله:
وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ
[النساء:29] ومثل هذا ما يفعله بعض الناس من كونه يُفجَّر نفسه من أجل أن يلحق النكاية بالعدو، فإن هذا لا يسوغ وليس للإنسان أن يفعل مثل هذا الفعل، ومثل هذا الفعل إذا حصل فالعدو لا يقف عند هذا الحد، بل يعاقب ويحصل منه النكاية بالمسلمين، ويزهق من النفوس ويتلف من الأموال أضعاف أضعاف ما حصل بسبب هذا الإقدام الذي حصل من هذا الذي قتل نفسه، وهذا قاتل لنفسه وليس شهيداً ولا مجاهداً، وإنما هذا منتحر قاتل لنفسه، ولا يترتب على ذلك مصلحة للمسلمين، وإنما يترتب على ذلك مضرة للمسلمين؛ لكون الأعداء يقدمون على أن يفتكوا بالمسلمين، بل ويمكن أن يلحقوا الضرر بأبرياء ليس لهم دخل في مثل هذا العمل الذي قد حصل.
وإذاً: فـأبو أيوب رضي الله عنه بين سبب نزول الآية، ومعلوم أن ذلك واضح جلي في أن الإخلاد إلى الدنيا والرغبة فيها والإعراض عن الجهاد في سبيل الله، مما يضعف المسلمين ويقوي أعداءهم ويجعلهم هائبين بعد أن كانوا مهيبين، وهذا هو الواقع المشاهد المعاين في هذا الزمان.
وقوله: [ على الجماعة ] يعني الجيش الذي ذهب من المدينة أميره عبد الرحمن بن خالد بن الوليد .
وقسطنطينية هي مدينة كان فيها ملك الروم، وهي الآن إسطنبول.
قوله: [ والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة ].
معناه أنهم خرجوا من المدينة من مدينة القسطنطينية، وظهروا منها واستعدوا للقتال.
تراجم رجال إسناد حديث سبب نزول آية (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)