إسلام ويب

شرح سنن أبي داود [402]للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها بخير منها، وهذا الأمر له أثره العظيم في نفس المهدي، فقبول الهدية فيه تطييب لقلب ونفس المهدي، فهو نوع من الكرم وباب من حسن الخلق يتألف به القلوب، وتدخل الهبة في الهدية، ولكن الهبة يحرم الرجوع فيها، أما الهدية لشخص من أجل قضاء حاجة فقبولها يعتبر من أبواب الربا، أما الهبة والعطية للأولاد فيشترط فيها العدل بين الأولاد، فكما أن الآباء يحبون من أولادهم أن يبروهم، فعليهم أن يعدلوا بينهم في العطية، فإن المفاضلة بين الأولاد بلا سبب مدعاة للعقوق، ومدعاة للشحناء والقطيعة بين الأولاد.

    شرح حديث: (أن النبي كان يقبل الهدية ويثيب عليها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قبول الهدايا.

    حدثنا علي بن بحر وعبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي قالا: حدثنا عيسى -وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها) ].

    قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في قبول الهدايا، أي: في حكم ذلك وأنه سائغ لا بأس به، ذلك في حق من يسوغ له أن يقبل الهدية ككونه ليس عاملاً ولا موظفاً، فإن كان من الموظفين الذين يهدى لهم من أجل محاباتهم ومن أجل تحصيل شيء بسبب ولايتهم ورئاستهم وما إلى ذلك، فإن هذا لا يجوز.

    وأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها) يعني: كان يقبلها ويثيب عليها بمثلها وأحسن منها، وهذا شأن وطريقة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ودل هذا على أن قبول الهدية حيث يكون المهدى إليه لا يترتب على الإهداء إليه دفع مضرة أو جلب مصلحة، أو أنه من أجل ولايته أو رئاسته أو ما إلى ذلك فإن مثل ذلك لا يسوغ، وبالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم فهو إمام المسلمين وسيد الخلق أجمعين، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهو معصوم بخلاف غيره فإنه غير معصوم، ولهذا فمن كان والياً أو موظفاً فلا يجوز له قبول الهدية؛ لأنه يحدث بسبب قبولها وبسبب الإهداء إليه أمور لا تصلح ولا تنبغي، ومن أجلها جاء النهي عن ذلك في أحاديث أخرى كما جاء في قصة ابن اللتبية الذي ذهب لجباية الزكاة فكان يهدى إليه، فلما جاء قال: (هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقال عليه الصلاة والسلام: ألا جلس في بيت أمه حتى ينظر هل تأتي إليه هديته؟)، يعني: أن الهدية لم تأت من أجل شخصه، وإنما جاءت من أجل مهمته وولايته، فدل هذا على أن الهدايا للعمال لا تجوز وأنها غير سائغة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها، والإثابة هي إعطاء شيء في مقابلها مثلها أو أحسن منها.

    ومعلوم أن الهدايا تختلف، فقد تكون مثلاً هدية من كبير إلى صغير، أو من غني إلى فقير، وهذه ليس فيها مقابلة ولا إثابة إلا الدعاء، ولو أن إنساناً فقيراً أعطى لشخص كبير شيئاً وهو يرغب من ورائه بأن يحصل شيئاً أكثر فهذا هو الذي يثاب عليه، وهذا هو الذي يعطى في مقابل الهدية مثلها أو أكثر منها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يقبل الهدية ويثيب عليها)

    قوله: [ حدثنا علي بن بحر ].

    علي بن بحر ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي .

    [ وعبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي ].

    عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

    [ حدثنا عيسى ].

    هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن هشام بن عروة ].

    هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبيه ].

    أبوه هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عائشة ].

    أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (وايم الله لا أقبل بعد يومي هذا من أحد هدية إلا أن يكون...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا سلمة -يعني: ابن الفضل - حدثني محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وايم الله! لا أقبل بعد يومي هذا من أحد هدية إلا أن يكون مهاجراً قرشياً، أو أنصارياً، أو دوسياً، أو ثقفياً) ].

    أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال: (وايم الله! لا أقبل بعد يومي هذا من أحد هدية إلا أن يكون مهاجراً قرشياً، أو أنصارياً، أو دوسياً، أو ثقفياً).

    ولعل ذلك أن هؤلاء قد عرفوا عزة النفس، وعدم الإلحاح والتطلع إلى شيء كثير جداً، وقد جاء في بعض الروايات ذكر السبب، وهو أن أعرابياً جاء فأعطاه حتى أعطاه أضعافاً مضاعفة، ومع ذلك ظل ساخطاً بعد ذلك، فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقالة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (وايم الله لا أقبل بعد يومي هذا من أحد هدية إلا أن يكون...)

    قوله: [ حدثنا محمد بن عمرو الرازي ].

    محمد بن عمرو الرازي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة .

    [ حدثنا سلمة - يعني: ابن الفضل - ].

    سلمة بن الفضل صدوق كثير الخطأ، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة في التفسير.

    [ حدثني محمد بن إسحاق ].

    محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

    [ عن سعيد بن أبي سعيد ].

    هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبيه ].

    وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبي هريرة ].

    هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

    وهذا الإسناد فيه من هو متكلم فيهم، وقد صححهالألباني.

    الفرق بين الهدية والعطية والهبة والصدقة

    والفرق: بين الهدية والعطية والهبة والصدقة أن الصدقة تكون من الغني إلى الفقير، وأما الهدية فتكون من المثيل إلى المثيل، ومن الأدنى إلى الأعلى، والعطية بمعنى الهبة، والهدية -كما هو معلوم- قد يطلب بها المقابل، وأما الهبة والعطية فلا تكون كذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088791526

    عدد مرات الحفظ

    779068748