إسلام ويب

شرح سنن أبي داود [408]للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من حفظ الشريعة الإسلامية للحقوق بأنواعها أن جعلت لها بينات ودلائل، ومن أوضحها الشهادات، فبالشهادة تصان الأموال والأعراض وما إلى ذلك، ولقد بين الشارع فضل الإتيان بالشهادة قبل أن يسألها من له الحق إذا كان لا يعلم بها، بحيث تكون هذه الشهادة سبباً في إرجاع الحقوق إلى أهلها، وبالمقابل حذر الشارع من إعانة المبطل على باطله، وكذلك حذر من شهادة الزور أشد التحذير، وقرنها في الكتاب والسنة بالشرك، ومن أجل حفظ الحقوق أباح الشرع شهادة الذمي عند عدم وجود غيره في السفر.

    شرح حديث (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الشهادات.

    حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني وأحمد بن السرح قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر أن أباه أخبره أن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أخبره أن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أخبره أن زيد بن خالد الجهني أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته أو يخبر بشهادته قبل أن يُسألها)شك عبد الله بن أبي بكر أيتهما قال.

    قال أبو داود : قال مالك : الذي يخبر بشهادته ولا يعلم بها الذي هي له. قال الهمداني : ويرفعها إلى السلطان، قال ابن السرح : أو يأتي بها الإمام، والإخبار في حديث الهمداني قال ابن السرح : ابن أبي عمرة ، ولم يقل: عبد الرحمن ].

    يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في الشهادات ]، والمقصود من ذلك الشهادات التي يبنى عليها الحكم في القضاء؛ لأنه عند وجود المتخاصمين فإن المدعي يطلب منه البينة، والبينة من أوضحها الشهادات، والأحكام فيما يتعلق بالشهادات جاءت الشريعة فيها على تفصيل: فمنها ما لا يكفي فيها إلا أربعة شهود، وذلك فيما يتعلق بالزنا، ومنها ما يكتفى فيها بشاهدين، ومنها ما يكتفى فيها بشاهد ويمين، ومنها ما يكتفى فيها بشاهد واحد.

    وقد ألف ابن القيم رحمه الله فيما يتعلق بذلك كتاباً واسعاً اسمه: (الطرق الحكمية)، وأورد فيه أوجه الحكم التي يحكم بها القاضي، وذكر أصناف الشهود، وما يلزم من شهود في كل شيء، وهو كتاب نفيس وكتاب واسع، ومن أحسن ما كتب فيما يتعلق بطرق الحكم التي يحكم بها القاضي.

    ومعلوم أن المدعي عليه البينة، والبينة من أوضحها الشهادة، والمدعى عليه عليه اليمين، فإذا لم يأت المدعي بشهود فإن المدعى عليه إذا حلف تبرأ ساحته ويخلى سبيله.

    أورد أبو داود رحمه الله حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها) وذلك فيما إذا كان الشاهد عنده شهادة والذي له الحق لا يعلم بهذا الشاهد ولا يعلم أن عنده شهادة، فهو يأتي بشهادته في هذه المسألة، وهذا هو المقصود من كونه وصف بأنه خير الشهداء، أما إذا كان المشهود له يعلم بها، فإن على الذي عنده شهادة أن ينتظر حتى يأتيه صاحب الحق ويطلب منه الإدلاء بشهادته.

    إذاً: الممدوح هو الذي يأتي بالشهادة التي لا يكون صاحب الحق عنده علم بها، حيث أن حقه يضيع لو لم تظهر هذه الشهادة، فيكون هذا الشاهد عنده علم يفصل به في الموضوع، ويثبت به الحق لمن له الحق، وهذا هو الذي مدح وأثني عليه ووصف بأنه خير الشهداء.

    قوله: [ قال: (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها) ].

    يعني: هذا فيه شك من الراوي، هل قال: (يأتي بشهادته) أو قال: (يخبر بشهادته).

    أما قوله صلى الله عليه وسلم: (يأتي أقوام فيحلفون ولا يستحلفون ويشهدون ولا يستشهدون)، فهذا ذم؛ لأنه على غير هذه الطريقة التي جاءت في هذا الحديث، يعني: كون المرء عنده شهادة والمشهود له لا يدري فيأتي ليفصل بين هذا وهذا ويظهر الحق لمن له الحق هذا هو الممدوح، وأما أولئك الذين لا يبالون بالشهادة ويتسرعون فيها، فتجد الواحد منهم تسبق شهادته يمينه ويمينه شهادته، وقد يكون أيضاً في نفسه شيء على من يشهد عليه؛ بسبب عداوة أو ما إلى ذلك، فهذا هو المذموم.

    [ قال أبو داود : قال مالك : الذي يخبر بشهادته ولا يعلم بها الذي هي له ].

    يعني: هذا تفسير أو توضيح لهذا الممدوح، وهو الذي يخبر بشهادته وليس عند الذي له الشهادة علم بها.

    قوله: [ قال الهمداني : ويرفعها إلى السلطان ].

    يعني: يدلي بشهادته عند السلطان -أي: القاضي- ليحكم لصاحب الحق.

    قوله: [ قال ابن السرح : أو يأتي بها الإمام ].

    يعني: مثل الأولى إلا أنها اختلفت العبارة.

    قوله: [ والإخبار في حديث الهمداني ].

    يعني: هذا الإسناد الذي هو موجود وفيه الإخبار، هو لفظ الهمداني الذي هو أحد مشايخ شيخي أبي داود ، وأما الشيخ الثاني فعنده عنعنة.

    قوله: [ قال ابن السرح : ابن أبي عمرة ولم يقل: عبد الرحمن ].

    يعني: أن السياق الذي فيه عبد الرحمن بن أبي عمرة هو سياق الهمداني ، حيث قال: عبد الرحمن بن أبي عمرة وأما ابن السرح فقد قال: ابن أبي عمرة دون أن يقول: عبد الرحمن .

    تراجم رجال إسناد حديث (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ].

    أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود .

    [ وأحمد بن السرح ].

    هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

    [ أخبرنا ابن وهب ].

    هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ أخبرني مالك بن أنس ].

    مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عبد الله بن أبي بكر ].

    هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ أن أباه أخبره ].

    هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ أن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ].

    عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

    [ أن عبد الرحمن بن أبي عمرة ].

    عبد الرحمن بن أبي عمرة يقال: ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن زيد بن خالد الجهني ].

    زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522987

    عدد مرات الحفظ

    777115738