وبعد:
اللهم لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا من قديم أو حديثٍ، أو شاهدٍ أو غائبٍ، أو حي أو ميت، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، لك الحمد في كل حال، ولك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بعد أن زالت الغمة، وماتت الفتنة، وهدأت العاصفة التي اقتلعت جذور العدوان، وألقته إلى غير رجعة في مزبلة التاريخ، وخسر البعث الكافر، وخسر صدام الطاغية، والغربان الناعقة، والشعارات الفارغة، والطبول المجوفة، وأم المهازل، والشجعان وأصحاب المنازلات .. بعد هذا الخسران، ماذا عساه أن يكون؟!
إن خسران الدنيا هين؛ لأنه ينتهي وله أمد، ولكن هناك خسران عظيم مبين واضح يشمل هؤلاء الخاسرين؛ لأنهم بغوا، وعلى الباغي تدور الدوائر: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ [يونس:23] ويشملهم لأنهم معتدون، والله عز وجل يصب كيده على المعتدي، ويشملهم لأنهم خونة، والله لا يهدي كيد الخائنين، ولكن يشمل معهم كل من لم يسر على منهجه، وكل من لم يسر على كتابه، ويتبع هدي رسوله، هذا خاسر ولو ظن أنه رابح؛ لأن مقاييس الربح والخسارة ليست مقاييس الدنيا، ما الدنيا بالنسبة للآخرة إلا كقطرة من بحر يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [الروم:55] يوم القيامة طوله خمسين ألف سنة من أيام الآخرة، واليوم من أيام الآخرة كألف سنة مما نعد، اضرب (1000× 50.000) هذا يوم القيامة وبعده ماذا؟ لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً [النبأ:23].. خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [هود:107].
أبني إن من الرجال بهيمة |
يعني: بقرة، في صورة الرجل السميع المبصر، عيون ورأس آدمي لكن عقليته ونفسيته وأفكاره أفكار البهائم.
أبني إن من الرجال بهيمة في صورة الرجل السميع المبصر |
فطن لكل مصيبة في ماله وإذا أصيب بدينه لم يشعر |
ولذا الناس لما هدأت الأمور أمنوا، فلما أمنوا عادوا إلى ما كانوا عليه من المعاصي والذنوب رغم أنهم في مصيبة من قبل ومن بعد، فالذي لا يصلي في المسجد هذا في مصيبة وينتظره عذاب الله الأكيد، ومن يسمع الحرام ويتكلم بالحرام وينظر بعينه إلى الحرام ويأكل الربا والحرام ويقع في الزنا واللواط ويمد يده إلى الحرام ويسير بقدمه إلى الحرام ... هؤلاء كلهم أصحاب مصائب لكن لا يشعرون بها، يشعرون بمصيبة البطون إذا جاعت كما تشعر البهائم بمصيبتها إذا جاعت، ويشعرون بمصيبة البيوت والأمن إذا اختل، لكن لا يشعرون بمصيبة الدين إذا اختل.
صحيح ربحنا الحق؛ لأننا على الحق؛ ولأننا أصحاب قضية عادلة، نناصر المعتدى عليه، ونناصر المظلوم، ونقف مع المغلوب، لكن يجب علينا أيضاً مع هذا أن نراجع أنفسنا، كيف نحن مع الله؟ هل نحن رابحون معه أم خاسرون؟
اسمعوا ماذا يقول الله عز وجل: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:15] هذا هو الخاسر، ليس الخاسر الذي ضاعت عمارته أو انقلبت سيارته، بل الخاسر الذي إذا مات خسر نفسه وأهله ودخل النار قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر:15-16] هذه الخسارة يوم يكون الظلال ناراً، ومن تحتك نار، وأنت بين ناري السماء والأرض لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41] هذه الخسارة الحقيقية.
أما الدنيا فأعظم ما في الدنيا أنك تموت، وإذا مت تخلصت نفسك من هذه المصائب كلها، لكن النار ليس فيها موت، فالموت أعظم أمنية عند أهل النار، ينادون وهم في شعابها بكياً من ترادف عذابها، ينادون: يا مالك! قد نضجت منا الجلود، يا مالك! قد تقطعت منا الكبود، يا مالك! قد أثقلنا الحديد، يا مالك! أخرجنا منها فإنا لا نعود، فلا يجيبهم، بعد ذلك يدعون مالكاً في الهلاك يقولون: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف:77] يعني: أمتنا قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [الزخرف:77-78] فالله يقول: إن الخاسرين الحقيقيين هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين، ما هو الخسران؟ قال: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ [الزمر:16] أي: اتقوا عذابي، هذا كلام الله، أخوفكم يا عبادي! من عذابي فاتقوا عذابي، اتقوا عذابي بماذا؟ بفعل طاعة الله وترك معصيته، هذه هي التقوى، اجعل بينك وبين عذاب الله عز وجل وقاية، يعني: حاجزاً ساتراً، وما هذا الواقي لك؟
فعل طاعة الله وترك معصية الله، إذا فعلت الأمر، وتركت النهي، وخضعت للشريعة، وأسلمت نفسك لله، وجعلت بينك وبين عذاب الله وقاية، فلست من أهل هذا الوعيد، ليس لك ظلل، بل أنت في غرف من فوقها غرف مبينة تجري من تحتك الأنهار في جنات النعيم، لماذا؟ لأنك رابح .. ربحت الدنيا وربحت الآخرة، حتى ولو أنك في الدنيا كنت تمشي حافي القدم، عاري البدن، خاوي البطن، تنام على الرصيف وليس عندك رصيد ولا راتب ولا بيت ولا زوجة، ولكن معك الإيمان والدين والعقيدة والصلة بالله والخوف من الله، أنت رابح.
لكن إذا كان العبد يفقد ويفتقد هذه الأشياء والله لو ملك الدنيا بأسرها، هل سيملك أحد مثل ملك فرعون؟ كان فرعون ملك مصر، وكان يدعي أنه الرب، وكان يقول: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] وكان يقول لبني إسرائيل: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ [الزخرف:51-52] يعني: موسى وَلا يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف:52] أين فرعون الآن؟ في خسران، يقول الله فيه: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ * وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ [غافر:46-48] الكبير والصغير في جهنم.
فمهما كان ملك الإنسان وليس معه إيمان ولا عقيدة فهو خاسر، ومهما كان مال الإنسان وليس معه إيمان، ولا عقيدة، ولا دين فهو خاسر، هل سيجمع أحد أموالاً مثل قارون؟
قارون الذي كانت له مخازن الذهب الأحمر والفضة البيضاء ومفاتيحها لا تحملها العصبة من الرجال، ويقول الله فيه: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً [القصص:78] أين هو الآن؟ أين أمواله؟ هل حجزته أمواله من عذاب الله؟ إنه الآن يتجلجل في بطن الأرض إلى يوم القيامة، قال الله: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ [القصص:81] ابتلعته الأرض، أوحى الله إلى الأرض أن تفتح فتحة بمقدار قصوره وأمواله ومخازنه وأولاده وحشمه وخدمه وما عنده، فانفتحت ثم انطبقت فهو الآن في بطنها إلى يوم القيامة: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:81-83] اللهم اجعلنا من هؤلاء المتقين الذين اتقوك يا رب! وجعلوا مخافتك بين أعينهم فلم يقدموا على معصيتك ولم يتأخروا عن طاعتك، هؤلاء لهم العلو ولهم السيادة، والفوز والنجاح يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، هنالك يعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:52] هؤلاء خاسرون لماذا؟ لأنهم ضيعوا دين الله، قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:15].
بين الله تبارك وتعالى في القرآن أن الكاذبين يحلفون يوم القيامة مثل ما كانوا يحلفون في الدنيا، كانوا في الدنيا يحلفون بالكذب ويدعون الدعاوى ويريدون أن يدخلوا الجنة بالكذب وباليمين، قال الله عز وجل: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:18-19] لأنهم يريدون الجنة بالكذب وبالأيمان الكاذبة.
فهذا الذي يكذب بلقاء الله تظهر آثار التكذيب في تصرفاته، والذي لا يصلي جماعة في المسجد هذا لا يعد صادقاً في إيمانه، هذا منافق؛ لأنه لو كان يعرف حقيقة قيمة الصلاة، وأهمية الصلاة في المسجد، وأن الذي لا يأتي إلى الفجر والعشاء منافق، لأتى المسجد، ولو يعلم أن في المسجد أموالاً تقسم على كل صلاة عشرة ريالات يعني خمس صلوات يومياً بخمسين ريالاً، لكن الفجر عليها عشرين من أجل أنها في وقت نوم، هل سيدع أحد الصلاة في المسجد؟ والله لن تتسع لهم مساجد جدة، ويأتي الرجال والشيوخ والبنات والنساء والأولاد وتمتلئ الشوارع، ويصفون من نصف الليل في الصف الأول، من أجل أن يستلم ويمشي، لماذا؟ من أجل عشرة ريال، لكن لما يقال له: إن صلاتك في المسجد تفضل صلاتك في بيتك بسبع وعشرين درجة، يقول: أريد درجة واحدة، وليس له درجة، الحديث في الصحيحين : (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبعٍ وعشرين درجة) لكن مع العذر، يعني: أنت معذور نمت أو مرضت أو غلبت أو نسيت وما تعمدت، وفاتتك الجماعة، وتقطع قلبك عليها، وتندمت كأنك خسرت شيئاً كبيراً، ورجعت إلى بيتك تصلي فلك درجة، أما أن تسمع المؤذن وتقول: لا. سأصلي هنا، فمالك إلا الوعيد من لعنة وغضب، لماذا؟ لأن العلماء يقولون: لا مفاضلة بين ما هو واجب -وهي صلاة الجماعة- وبين ما هو محرم -وهو ترك الصلاة في المسجد- ليس هناك مفاضلة بين الواجب والمحرم، المفاضلة في الحكم الواحد، فهي واجبة، أما محرم تفاضل بينه وبين واجب!! لا.
ولهذا عَدَّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الاختيارات الفقهية حضور الجماعة شرطاً في صحة الصلاة، ولا تقبل الصلاة إلا بالجماعة إلا بعذر، لحديث: (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلاها) ولحديث في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنقلب معي رجالٌ معهم حزمٌ من حطب، فأحرق على قومٍ بيوتهم لا يشهدون الصلاة، لولا ما فيها من النساء والذراري) لماذا يحرق عليهم؟ أعلى ترك سنة أم على ترك واجب وارتكاب محرم فهذا الذي لا يصلي في الجماعة، ولا في المسجد ليس مصدقاً بكلام الله، بل عنده تشكيك، ووالله لو كان مصدقاً وجازماً بلقاء الله لما ترك صلاة الجماعة الآن الذين عندهم تصديق في قلوبهم لا يمكن أن يصلوا إلا في بيوت الله .. قلبه مربوط بالمسجد، في مكتبه وقلبه في المسجد، في فراشه يتقلب طوال الليل وعينه في الساعة متى يأتي الأذان؟ بل قبل الأذان وهو في بيعه وشرائه وسوقه وعينه على وقت الصلاة متى يأتي لماذا؟ لأنه مصدق بلقاء الله، أما ذاك لا، بل حتى لو ذكرته فإنه لا يريد، لماذا؟ ليس عنده يقين، لم يحصل عنده الإيمان والتصديق الكامل بلقاء الله عز وجل.
يقول ابن القيم:
حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبدٍ ليس يجتمعان |
لا يجتمع الضدان ولا يلتقي النقيضان، ما تجمع النار والبارود، ولا تجمع الطيب والعذرة، والقلب إناء تضع فيه قليلاً من كلام الله وقليلاً من كلام الشياطين فيصعد كلام الله، أو كما يقول بعض الجهلة: (ساعة لربك وساعة لقلبك)، ليس في هذا شرك، الساعات كلها لله، الله يقول: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163] لا يوجد ساعة لقلبي وساعة لربي، ساعة أصلي وساعة أرقص وأغني، لا. ساعتي لله، ليلي ونهاري، وسري وجهاري وحياتي وموتي، في بيتي ومكتبي، وسوقي ومع أهلي، كل حياتي مع الله في كل حين، مع الله في كل وقت وآن، لماذا؟
لأنك عبد لله تبارك وتعالى، هذا معنى الإسلام؛ ولأن الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] يعني: بالكلية، لا يوجد دخول جزئي، أدخل قليلاً وأخرج قليلاً، مثل القطة كل حين وهي في طريق، لا. دين دين، الزم نفسك، وليس معنى هذا أنك لا تعصي الله، لا. قد تعصيه، لكن تعصي ويندم قلبك، وترجع وتتوب إلى الله، فيغفر الله ذنبك، ويقبل الله توبتك، ويبيض وجهك، وتشعر بلذة؛ لأن الله عز وجل غفور رحيم للمذنبين أمثالي وأمثالكم، فنحن نذنب ونلم، ولكن لا نصر ولا نداوم وإنما عرض، لهذا سماه الله: لمم، قال الله عز وجل: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32] يعني: الذي يتعرض للذنب فقط، ليس دائماً في الشارع وينظر إلى النساء .. ينظر إليها من رأسها إلى قدميها، هذا ليس لمماً، لكن من يغض بصره ثم في لحظة من اللحظات نظر دون قصد وإذا به تقع عينه على امرأة فغض بصره، هذه معصية لكنه ما تعمدها ثم استغفر الله، فهذه ربي يغفرها له، أما أن يظل ينظر إليها ويقول: هذه بسيطة، هذه أحرقت قلبه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كثير من البشر الآن محكومين بمنهج الشيطان؛ لأنه إما ولي لله أو ولي للشيطان، وقد جاء هذا في القرآن الكريم، يقول عز وجل: وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً [النساء:119-120] لا يوجد في الدنيا إلا منهج الله أو منهج الشيطان .. حزب الله أو حزب الشيطان .. أولياء الله أو أولياء الشيطان، أين أنت؟ ومع أي حزب؟
المعركة قائمة بين جند الله وجند الشيطان، بين حزب الله وحزب الشيطان، بين أولياء الله وأولياء الشيطان، والحبل ممدود وكل واحد يمسك من طرف، أين أنت ومع من تسحب؟
اسأل نفسك هي مع من؟ إن كانت مع النساء والنظر إليهن وإلى الأفلام والمسلسلات والخلاعات؛ فأنت تسحب مع الشيطان، تجر نفسك بعينك إلى النار، إن كانت أذنك تسمع الأغاني؛ فأنت تسحب نفسك بأذنك إلى النار، ولهذا يوم القيامة يقولون لآذانهم ولأبصارهم ولجلودهم: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا [فصلت:21]؟! أي: لماذا فضحتمونا في هذا اليوم الذي نريد فيه النجاح؟ قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت:21] الذي أنطق هذه اللحمة -اللسان- ينطق الجلد لماذا تستغرب أن الله أنطق هذه؟! وقل للسانك: لماذا تكلمت؟ كيف تكلم لسانك، من الذي أنطق لسانك؟ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10] الذي أنطق هذه اللحمة يجعل تلك اللحمة تنطق يوم القيامة، بل أنطق الله الآن الحديد، ترفع السماعة فتتلكم بها، حديد يتكلم معك! أسلاك من أرض وفي أرض، مسجل يسمع الصوت فيسجله وبعد عشر سنوات تفتحه وإذا به هو، كيف؟ سألت مهندساً قلت: كيف تسجلون هذا الصوت؟ قال: هذه ذبذبات تلتقطها هذه الأجهزة، ثم ترصدها في ذلك الشريط، ثم بعد ذلك تعاد مرة ثانية، قلت: ما هي الذبذبات علمني؟ قال: لا أعلم، الله عز وجل أنطق هذه الآلات. آية سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53] فالذين يصدقون بلقاء الله عز وجل يحكمهم منهج الله.
ثانياً: كل بيمينك تخصيص؛ لأن الأجهزة يمين وشمال وكل واحد له وظيفة، يمينك غير شمالك، شمالك لها وظيفة في التنظيف والاستنجاء وإزالة القذر منك، يمينك لها وظيفة في مدها إلى الرجال، وأكل الطعام، والتصدق بها في كل عمل طيب، اليمين هذه تستخدم في أكل الطعام، لكن غير هذا النهج كان يمينك مع شمالك، وشمالك مع يمينك، مرة تأكل بالشمال ومرة باليمين، ومرة تضع يمينك في عورتك، ومرة تضعها في فمك، من يعلمك أن هذه حلال وأن هذه حرام؟ كثير من الكفار الآن يغسل عورته بيمينه، وإذا جاء يأكل يأكل بيمينه وقد غسلها، صحيح ليس فيها قذارات، لكن تستقذر معنوياً أن تضع شيئاً في عورتك وبعدها في فمك، ولو عقمته وغسلته لكنه مستقذر، فالإسلام جاء لينظم حياتك في كل جزئية من جزئياتك حتى في هذه الحالة.
ثالثاً: وكل مما يليك، أدب إسلامي، لا تكن شرهاً فتقتحم على الآخرين طعامهم، تنظر في اللحمة التي عند ذاك، وتنظر في الشيء الذي من هناك، وتمد يدك إليها، هذه قسمة من ربي، اجلس عند أي صحن، واجلس على أي لحمة؛ لأن بعضهم منذ أن يدخل على السفرة ينظر أين اللحم الجيد، ويقعد بعضهم هنا، يقال له: تعال هنا، قال: أريد هنا، هذا (جيولوجي) يعرف مكان اللحم الجيد والأرز الجيد، لا يصلح يا أخي! اجلس في أي مكان، وبعد ذلك هب أنك أكلت لحمة جيدة، وذاك هناك ما رأى إلا شحمة أو عظمة أو رأساً أو كرشة وشبعت ماذا سوف يطلع لك أنت بعد ذلك، هل اللحمة تكون في ظهرك سنام؟ أو هل ستصبح سميناً؟ والله الذي يأكل لحمة والذي يأكل الفول كلهم سواء، وبعد ذلك الذي يخرج منك مثل الذي يخرج من ذاك، ما تكون أنت ذهب أصلي وذاك ليس بأصلي.
اعلم أن هذه الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، فالإسلام يقول: وكل مما يليك، كل مما قسم الله لك، وارض بما قسم الله لك، إن كان طيباً فحظك، وإن كان قليلاً فحظك، وهذا أدب من آداب الإسلام.
أي تكريم أيها الإخوة أعظم من هذا التكريم، أن يتولى الله تبارك وتعالى بنفسه عز وجل توجيهك في مثل هذه الأمور، حتى كيف تدخل الخلاء وكيف تقضي حاجتك؟ جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنك تدخل بالشمال، وتستعيذ بالله من الشيطان، ومن الرجس النجس ومن الخبث والخبائث، وتسمي الله ثم تدخل، وحين تنتهي تخرج وقد أخرج الله منك الأذى، فلو بقي الأذى فيك، فمن يخارجك منه؟ احمد الله أن الله أذهب عنك أذاك وأبقى لك ما ينفعك، وخلصك من هذه القذارات التي تحملها -أيها الإنسان- وتستغفر الله لأنك جلست فترة من الوقت لم تذكر الله داخل الحمام، فتخرج وتقول: غفرانك، ورد في الحديث أنه إذا خرج يقدم رجله اليمنى ويقول: (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، غفرانك) غفرانك يا رب من اللحظات التي قضيتها في الحمام ولم أذكرك فيها؛ لأنه ممنوع أن تذكر الله في الحمام.
ما ظنكم فيمن حياته كلها مثل الحمام، لا يذكر الله من الصباح إلى الليل، إذا كنت تستغفر من جلوسك في الحمام دقيقتين أو ثلاثاً؛ لأنك لم تذكر الله، فكيف بمن يقضي يومه وليله وشهره وسنته لا يذكر الله، ولا يعرف الله عز وجل، هذا مسكين، عبد وولي الشيطان، اتخذه ولياً من دون الله؛ فالشيطان إذا وجد ولياً من أوليائه يشغله، يعدهم المواعيد ويمنيهم الأماني ولكن: وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً [النساء:120] يركب على ظهورهم، ويتنقل على رقابهم، ويقضي حاجته عليهم، ويؤزهم أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً [مريم:83] ترجه رجاً فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً [مريم:84] هي أيام وليالي ثم يجدون جزاء أعمالهم عند الله تبارك وتعالى.
يقول الله: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ [الأنعام:31] من المكذب بلقاء الله؟ الذي لا يعمل الواجبات ولا ينتهي عن المحرمات، ويرتكب المحرمات ويترك المأمورات هذا مكذب بلقاء الله، ولو قال إنه مصدق فلا نصدقه؛ لأن الله عز وجل قد كذبه، الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم قال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:8-9] وقال: بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً * إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً [الفرقان:8-14].. قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ [الأنعام:31] الساعة المقصودة هنا ساعة الموت، يعني: لكل واحد منا ساعة معلومة عند الله مجهولة عندنا، إلزامية إجبارية، وإذا جاءتهم الساعة أتتكم بغتة، لا بموعد.
فكل البشر لا يعرف أحد منهم متى يموت، يقول الله عز وجل: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34] بالعلم .. بالمال .. بالجاه .. أريد أن أعرف .. أريد أن أطمئن! أنا الآن قلق لا أدري متى أموت، وأريد أن أدري متى أموت؛ من أجل أن أنام وأرتاح وقبلها بأسبوع أو بأسبوعين أتجهز وأصلي، لكن لا يدري أحد، حتى الأنبياء! حتى الأولياء والصالحون! ليس هناك شخص يَسلم، من أجل أن تبقى دائماً مستعداً محزماً فراشك على ظهرك من حين يدعوك الداعي وإذا بك إلى الجنة، أما أن تنام وما تدري متى يدعوك الداعي تقول: آه.. اصبروا، دعوني أصلي وأصوم، لعلي أعمل، قالوا: لا. فات الأوان ما صليت ستين سنة وأنت قاعد وتريد أن تصلي الآن، ماذا غرك من قبل؟ وما الذي ضيعك عن دينك من قبل؟ قال الله عز وجل: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99] لماذا؟ قال: لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100] قال الله: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100].
حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً [الأنعام:31] الله أكبر! ماذا يحصل للإنسان من اليقين عند الموت؟ تنكشف الحجب، وتزول الحواجز، ويرى الأمر رأي العين كما أراكم الآن وتروني، يقول عليه الصلاة والسلام: (والذي نفس محمد ٍ بيده إن أحدكم ليرى منزله من الجنة أو النار وهو في بيت أهله) لا يزال على السرير فينظر الجنة أو هناك أمامه، فيحصل عنده يقين لو قسم على الدنيا لكفى، لكن لا ينفع.
والتفريط هو: تضييع الشيء لغير حساب، يعني: معك مسبحة ثم انقطعت وتطايرت حباتها وضاعت، ماذا تقول؟ تقول: انفرطت علي، تقطع واحدة وتذهب منك عشر، هذا المفرط فرط في دينه، فضاع عليه إيمانه وعقيدته، وإخلاصه، وعبادته، فهو مفرط في كل شيء، تحاول أن تجمع له من هنا وهنا فلا تجد شيئاً، لماذا؟ لأنه منفرط عليه أمره وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28] قال عز وجل إنهم يقولون: يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا [الأنعام:31].
ثم ليتهم جاءوا وليس عليهم شيء، بل أتوا بالمعاصي فوق ظهورهم، قال عز وجل: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ [الأنعام:31] طول حياته بارك للمعاصي مثل (صبيح) المعاصي؛ تعرفون (الصبيح) عند أهل البادية الصبيح يعني: الثور، يقولون في المثل: (ما غبر صبيح فعلى قرنه)، يأتي الثور ويركز قرنه في الطين وبعد ذلك يرفعه إلى أعلى يظن أنه يرش التراب وهو يرش قرنه على رقبته، ثم يردها بعد ذلك ويخرج وهو ممتلئ غباراً، من أين؟ من قرنه، كذلك صبيح المعاصي الذي غبر على نفسه، ويحمل على ظهرك، تنظر إلى الحرام معصية سجلت عليك، سمعت أغاني، تكلمت بالزور، كل شيء عليك، بالعكس غضيت بصرك، صنت سمعك، تكلمت بالخير، أديت الفريضة لك، إما لك وإما عليك قال عز وجل يوم القيامة: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31] ساءت حياتهم، ومصيرهم، وأوزارهم، وأحمالهم، بماذا أتيت؟ ماذا غنمت من هذه الحياة؟ قال: عندي عشرة ملايين، قالوا: أين هي؟ قال: وراء يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [النبأ:40] قالوا: ابحث عنها، الذي وراء لا نريده، عندك شيء هنا؟ عندي عمارات، قالوا: أين هي؟ قال: وراء، قالوا: ابعث لها وراء، ماذا عندك الآن؟ عندي منصب، جاه، أولاد، قالوا: هذه كلها هناك نفعتك، يوم كنت حياً نفعك المال ونفعك الأولاد ونفعك المنصب، لكن يوم مت ما أحد دخل معك في القبر، ولا وضعوا معك رصيداً، أو كرسيك أو الدجلة أو الثوب في القبر، من وضعوا معك في القبر؟ وضعوا معك أوزارك وعملك وما اقترفت من المعاصي، فتحملها فوق ظهرك أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31].
هل عندك صلاة؟ أو صيام أو حج أو عمرة أو تلاوة أو أمر بالمعروف أو نهي عن منكر أو حب في الله أو بغض لله أو طلب علم؟ هذا ما ينفعك يوم القيامة، هل عندك ترك للحرام؟ هذا ينفعك، لكن ما عندك من هذا شيء، ما عندك إلا الذنوب قال عز وجل: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُون [الأنعام:31] نعوذ بالله وإياكم من هذا النداء، (ألا) هنا أداة استهلال وتنبيه أنه ساء حملهم وساءت معاصيهم عند الله يوم خرجوا من الدنيا متوجين بغضب الله ولعنته والعياذ بالله.
أيها الإخوة: لا يقول شخص: والله ما أعلم أنا محق أو مبطل، لا. الباطل واضح والحق واضح، والذي على الحق يعرف، والذي على الباطل يعرف، ممثل فيك كل تصرف من تصرفاتك، من نظرك، وسمعك، ولسانك، ويدك، ورجلك، وفرجك، وبيتك، وتعاملك مع زوجتك، وتربيتك لأولادك، ومشاهداتك، وأفلامك، وشريطك، وكتابك، وزملائك، وأسلوب حياتك تعرف أنك على باطل أو على حق، فالذي على حق يكون مصبوغاً بصبغة الإيمان، والذي على باطل يكون على باطل، والذي عمله مخلوط، فهذا لا يصلح، أنت الآن عندما تقدم لك زوجتك طعاماً مخلوطاً من رز، وإدام. ومحلبية وتفاح وبرتقال وخضرة، ثم ذهبت إلى المطبخ وخلطتها كلها (عباس على دباس) وأعطتك إياها في السفرة هل تستطيع أن تأكل؟ تقول: (الله أكبر عليك) لماذا جعلتِها هكذا؟ لماذا لم تجعلي كل شيء لوحده؟ قالت: لأنه يختلط في البطن وأنا أخلطه أمامك، تقول: لا. أريد، أخلطه أنا بنفسي في بطني بعدما أمضغه في فمي، وكذلك: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة:102].
لماذا تقعد تحت عسى؟! يمكن أن يأخذك الله ثم لا تصبر على جمرة في النار؛ لأن بعض الناس يقول: أنا والحمد لله أحتفظ بالإيمان، وبالعقيدة وبالتوحيد وأقيم أركان الإسلام، وإذا كنت مقصراً فالمعاصي هذه لا تضر، وهي تحت رحمة الله في الدار الآخرة إن شاء عذب بها وإن شاء غفرها، وهذا صحيح، ولكن لماذا تجعل نفسك تحت المشيئة؟ لماذا تقعد تحت الخطر؟ لم لا تمشي في الأمان؟
الأمان أنك تمشي صح (100%)، وإذا زلّت بك القدم تتوب إلى الله عز وجل، أما أن تقعد في المعاصي تحت خطر المشيئة هذا خطر، افرض أنك أتيت يوم القيامة والله لم يغفر لك، أخذك بالحساب وحاسبك على النظرة: (من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من نار جهنم) (من استمع إلى مغنّ أو مغنية صب الله في أذنيه الرصاص المذاب) إذا عامل بالربا: (الربا بضعٌ وسبعون باباً أدناه ذنباً كأن ينكح الرجل أمه) (درهم تأخذه من الربا أعظم من ست وثلاثين زنية في الإسلام) (شاهد الزور لا تزول قدمه من مجلس الحكم حتى تجب له النار) اليمين الغموس تحلف بالله كاذباً لازم غمسة في جهنم، اسمها غموس؛ لأنها تغمسك في النار، الغيبة في مجالسنا، وهي تحويل حسناتك إلى الآخرين، وتحويل سيئاتهم على ظهرك، أنت تصلي لهم وهم يعصون لك، الآن الذين تغتابهم هم يعصون الله لكن في ظهرك؛ لأنك تغتابهم وتأخذ سيئاتهم، وأنت تصلي وتصوم لكن لهم؛ لأنك تغتابهم وتحول حسناتك لهم، فلماذا تعطي الناس حسناتك وتأخذ سيئاتهم؟ اجعل سيئاتهم لهم وحسناتك لك، واشتغل بعيوب نفسك، عيوبك أكثر من عيوب الناس، وإذا بدأت تطلع على عيوب الناس، فاعلم أن عيوبك أكثر وأنت أعمى لا تراها:
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن |
وعينك إن أبدت إليك معايباً فصنها وقل: يا عين للناس أعين |
لا تتصور أن الناس ما ينظرون الذي عندك؛ لأن اشتغالك بعيب غيرك ينسيك عيب نفسك، أما اشتغالك بعيب نفسك يجعلك تصلحها باستمرار، ولكن إذا نسيت نفسك، وبدأت تشتغل بالآخرين ضيعت نفسك في الدنيا والآخرة -والعياذ بالله- فالمبطل مبطل والمحق محق وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ [الجاثية:27].
العلم.
العمل به.
الدعوة إليه.
الصبر على الأذى فيه.
أخذ هذه الأربع من الآية نفسها، العلم من الإيمان، والعمل من العمل الصالح، والدعوة من تواصوا بالحق، والصبر من و(تواصوا بالصبر)، هذا الذي آمن وأيقن ثم ترجم هذا الإيمان في عمل وصدق لا إيمان وعمل باطل، إيمان والدخان في الجيب، واللحية محلوقة، والأغاني عند رأسه، ويقول: مؤمن، مؤمن بالباطل! ما آمنت بالحق، مؤمن ولا يصلي في المسجد، وزوجته متبرجة، وينظر إلى الحرام، ويأكل الحرام: (إلا الذين آمنوا) ثم ماذا؟ (وعملوا الصالحات) هناك تلازم -أيها الإخوة- بين الإيمان والعمل، ليس هناك انفصال، والذي يدعي أنه مؤمن بغير عمل كذاب، لا بد من أن تصدق إيمانك؛ لأن الإيمان كلام، والكلام سهل، ولهذا قال الله عز وجل: مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة:41] لأن الإيمان إذا كان من اللسان لا يتجاوز إلى العمل، ولهذا بعض الشباب الذين يلتزمون وكانوا من قبل مؤمنين لكن منذ أن حصلت القناعة في قلبه قال: التزمت ما معنى التزمت؟ يعني: دخل اليقين في قلبي وأقنعني أنه ما في الدنيا طريق إلا طريق الدين، هذا أنا أمسك فيه التزمت وتمسكت، ولما التزمت كان المغني يغني وحين أسمعه قال: لا أريد، لماذا؟ قال: حرام، رغم أنه شاب وعنده دافع، وشهوة، ومثل ما عند ذاك الذي يغني ويقطع قلبه الأغاني، لكن حب الله أعظم من الأغاني، كان ينظر إلى الحرام وعندما التزم حين يرى امرأة مباشرة يغض بصره، كان يأكل الربا والآن لو يموت جوعاً ما يعمل بالربا، أو يعمل في مكان فيه ربا، أو يأكل ربا، كان يعتدي على لحيته وكان يخجل من أن يطيل لحيته، وإذا به يتركها قال: أقعد بلحيتي بين الناس يقولون لي: خبث، الآن يربي لحيته وإذا أحد قال له شيئاً قال: هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم أفخر بها، إذا فخر الناس باتباع الشياطين، فأنا أفخر باتباع أفضل الخلق أجمعين عليه صلوات الله وسلامه، القضية ما هي قضية شعر -أيها الإخوة- قضية انتماء، وحب، وفخر واعتزاز بهذا النبي الذي أمرنا بهذه السنة، فنحن نبقيها بوجوهنا لا (ديكوراً) ولا شكلاً ولا جمالاً، وإنما اتباعاً لهدي النبي صلوات الله وسلامه عليه، هذا الملتزم الذي التزم بدين الله حصل عنده القناعة، هذا معنى العمل إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ [العصر:3] خرجوا من نطاق النفس إلى دائرة المجتمع القريب وهم الأهل، والبعيد وهو المجتمع كله، وبدأ يتواصى بالحق وينصح، يلقى هذا فينصحه ويجلس مع هذا فينصحه، ويجلس مع ذاك فيقول له: لماذا؟ يريد أن ينجح ويخرج من هذه الخسارة.
وتواصوا بعدها بالصبر؛ الصبر على ماذا؟ أول شيء الصبر على المدعو، لا تتصور أن تدعوه وأنه مباشرة سيجيبك، لا. قد يرفض هنا برئت ذمتك فاصبر، يقول الله: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ [الأحقاف:35] الهداية بيد الله، تدعو الإنسان مرة ومرتين وعشراً وعشرين ومائة ولا يهديه الله؛ لأن الهادي هو الله ليست أنت، ولكن إذا أذن الله بالهداية كنت أنت السبب فيه، أما أنك تريد أن تدعو وهو يستجيب على الفور فهذا لا يكون.
إن الله عز وجل له حكمته وهو أعلم بمن يهدي، يقول الله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] ويقول: إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [النحل:37] الهداية ليست بيدك، عليك الدلالة والإرشاد، ولهذا تحتاج إلى صبر، ومن الناس من ليس عنده صبر، عنده زميل في المكتب وما عنده صبر عليه، ولهذا دعاه أول يوم وثاني يوم وثالث يوم وبعد ذلك ما صبر عليه، بعد ذلك ضاقت نفسه منه وقطعه وهجره وحوله إلى عدو له، هذه ليست دعوة، يا أخي! متى تحوله إلى عدو؟ إذا هو عاداك، أما إذا نصحته وقال: طيب جزاك الله خيراً، برئت ذمتك، واصبر مدة وذكره وأعطه موضوعاً آخر، لكن متى تهجره؟ إذا قلت له:يا أخي! هذا أمر، قال: اسكت لا أمر ولا نهي ولا تكلمني في هذا الموضوع، وأمر الدين هذا لا تناقش فيه، هذا عدو لله مباشرة تقطع علاقتك معه؛ لأن الله عز وجل يقول عن إبراهيم: إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4] أما ما دام يستجيب منك ويأخذ كلامك ويقول: جزاك الله خيراً، ووفقنا الله وإياك، وهدانا الله كما هداكم، استمر واصبر، وما هو شرط في هذه السنة الهداية، بعض الناس ما اهتدى إلا بعد سنوات طويلة، وبعد ذلك أنت تضرب، وهذا الضرب في هذا المكان له أثر، ولكن متى يكون المؤثر به؟ بعد ذلك بعلم الله تبارك وتعالى، فلا بد من الصبر ولذا الداعية الذي لا يصبر لا ينجح، شج وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وضرب وأدميت عقبيه الشريفة، وكسرت رباعيته، وذهب إلى أهل الطائف فطردوه، ورجع وفي الطريق قال له ملك الجبال: (إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين) لو كان مستعجلاً لقال: نعم. دمرهم، لكن قال: (إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده) نظرة بعيدة، أمل عريض في دين الله، يقول: إذا هؤلاء قد قسيت رءوسهم فإن أملي في الله أن يبقوا أحياء؛ حتى يخرج من أصلابهم من يعبد الله، وهذا الآن حاصل ، كثير من كبار السن الذين تربوا قديماً في أيام الجفوة يخرج الآن من أصلابهم شباب الصحوة، من البيوت الجاهلية الآن هناك شباب مسلمون طيبون، والآن كانت المعارك في الماضي تدور بين الأولاد والآباء الأب يريد الدين والابن لا يريد الدين، الآن المعارك بين الآباء والأولاد، الولد يريد الدين والوالد لا يريده، بعض الآباء لا يريد الدين بالمرة، وبعضهم يريد بعض الدين، يقول: لا. مرة هب لنا على كيفنا، يعني: فصل لنا دين على قدرنا، نصلي لكن نغني، حجاب على البعيدين لكن أما الأقارب أخوك وولد عمك لا تغير علينا يا ولدي، سفرة هنا وسفرة هنا وكلما دخلت أقعد هنا وأقعد هنا، يعني: تغيير هذا!
دين الله تغيير، شريعة الله تضييق عليك، الله أكبر! كيف تضيق نفسك من أمر الله، والله إذا ضاقت نفسك من أمر الله ما آمنت، يقول الله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65] هل حكمت شريعة الله في الحجاب؟ صعب عليك أنك تضع صحن أرز للنساء وصحن أرز للرجال، صعب هذا على أمر الله!! لكن يريدون ديناً مفصلاً مهذباً على هواهم، هذا ما يصلح لا بد من أخذ الدين جملة واحدة، ولا بد من الصبر، وهذه الأربع يسميها بعض العلماء: إطارات عربة النجاة، النجاة لا تكون إلا على عربة لها أربع إطارات:
الإطار الأول: (إلا الذين آمنوا).
الإطار الثاني: (وعملوا الصالحات).
الإطار الثالث: (وتواصوا بالحق).
الإطار الرابع: (وتواصوا بالصبر).
الذي يمشي هكذا هو الرابح، لكن إذا أنقص إطاراً لا يستقيم، عنده إيمان لكن ما عنده عمل صالح، عنده إيمان وعمل صالح لكن ما يدعو إلى الله، ولا يحب في الله، ولا يصبر على طاعة الله، يمشي بنصف عربة النجاة لكن يمشي على فلان ما ينفع لا بد أن تمشي بعربتك الإيمانية على أربعة إطارات من الإيمان، والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، والصبر على الأذى في الله؛ لأن لقمان يقول لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17] تغيير عادات ومألوفات الناس لا يقابل باستحسانٍ منك، شيء ألفه الناس ما يقابلونه باستحسان، لا بد يغيرون عليك ويرفضونه ويعيبون كلامك، ويقفون في وجهك، منهم زوجتك وحليلتك لما تأتي وتقول لها: تحجبي وهي طول حياتها ما عرفت الحجاب ما تقول: شكراً، بل تقول: لماذا هذا؟ يعني: ما تثق فيَّ، القضية ما هي قضية ثقة، لو أني ما أثق فيك ما كنت زوجة لي، أثق فيك لكن هذا أمر ربي، الآن شخص نقول له: صلِّ، قال: ماذا يعني: ما تثقون أني مؤمن، أنا مؤمن ولو ما صليت.
جاء رمضان ودخل رمضان وجاء شخص في الظهر وفعل (الكبسة) ويأكل منها، ماذا فيك؟ قال: أنا صائم! كيف صائم؟ قال: صائم بقلبي، الصوم في القلوب ليس في البطون، أنا آكل أرزاً ولحماً لكن والله صائم بقلبي، ما رأيكم في هذا؟ كذاب، والله دجال هذا، صائم بقلبك وأنت تأكل، وبعض النساء تقول: أنا حجابي في قلبي، ولو كشفت عن وجهي، الحجاب في القلب ليس في الوجه، نقول: الكذب والنفاق في الوجه، والله لو الحجاب في القلب لطلع على الوجه؛ لأن الله يقول: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] فالقلب الطاهر يظهر على الحجاب، ولا عبرة بمن تتحجب وقلبها نجس، فإن حجابها هذا لا ينفعها بين يدي الله، لا بد من توافق الأمرين: القلب الطاهر، والحجاب الساتر، أما القلب الطاهر وعدم الحجاب هذا نقص، أو الحجاب وعدم القلب الطاهر هذا نقص، ولا بد من وجود الأمرين، فهنا لا بد من هذا حتى لا تخسر يوم القيامة؛ لأن الله أخبر أن الخسارة حاصلة قال: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
ومن مظاهر الخسران العظيم وأختم به المجلس هو: الشرك بالله؛ خسارة ليس بعدها ربح، كل خسارة في المعاصي تتعوض بالتوبة أو بالمغفرة أو بالتهذيب أو بالتنقية في النار، أما الشرك فلا يغفره الله إلا إذا تاب الإنسان منه قبل الموت؛ وإذا مات مشركاً فإن الله قد حكم على أهله بالخسارة، قال عز وجل: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] سبحان الله! أوحي إلى الرسول وإلى الذين من قبله من الرسل شريعة عامة من أول الرسل إلى آخرهم محمد، أوحي إليهم فبلغوا ونبهوا وأكد عليهم وكرر عليهم أن الشرك عظيم، وأنه إذا أشرك الرجل ولو كان نبياً لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].
بغير الدين تكون خسارة الدنيا؛ قلق واضطراب وحيرة وضيق وهم وأمراض خذ ما شئت في الدنيا، وعند الموت يخرج خاسراً لا يستطيع أن يقول: لا إله إلا الله، نعم إذا خرج من الدنيا ما يقدر يقول: لا إله إلا الله. هذا خسران؛ لأن علامات حسن الخاتمة أن يقول الشخص: لا إله إلا الله، وعلامات سوء الخاتمة ألا يقول: لا إله إلا الله، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه في الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) وهذه لا أحد يستطيع أن يقولها إلا الذين عاشوا عليها، من صبغ حياته بلا إله إلا الله، وعجن نفسه حتى صارت لا إله إلا الله تسير في عروقه وتتردد مع أنفاسه، وعينه محكومة بلا إله إلا الله، وأذنه ويده محكومة بلا إله إلا الله، ولا إله إلا الله تهيمن عليه، عند الموت يقول: لا إله إلا الله، ما يحتاج من يذكره، لماذا؟ أصبحت لا إله إلا الله متكاملة فيه، لكن من عاش على غير لا إله إلا الله فإنه لا يستطيع أن يقولها عند الموت، وإذا خرج بغير لا إله إلا الله هذه علامة سوء الخاتمة والعياذ بالله.
كثير من الناس يموتون ويلهمون لا إله إلا الله، وقد أخبرني رجل من إخواننا في الله عن رجلٍ صالح مات وهو مؤذن كان يشتغل مؤذناً وحصلت له وعكة، وأصيب بغيبوبة وفقد شعوره أسبوعاً كاملاً، لا يعرف ليلاً ولا نهاراً ولا صلاة ولا شيئاً، يقول ولده: وكنت عند رأسه أشرف على تمريضه، وبعد منتصف الليل وأنا نائم عنده وهو في الغيبوبة، ولا يأكل ولا يشرب حتى أذاه لا يعرف ما يخرج منه، يقول: وإذا به يوقظني وجلس واستقبل القبلة وقال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم وضع جنبه على الأرض ومات، ختم له بخير، من الذي علمه؟ من الذي ثبته؟ من الذي لقنه؟ هذا عمله ثبته هنا ليخرج متوجاً بلا إله إلا الله، يخرج يحمل بطاقة ورخصة مرور إلى الجنة اسمها لا إله إلا الله، جواز سفر يقدمه لرضوان ويدخل الجنة، هذا الجواز الذي ينفع.
وناس ما قالوا لا إله إلا الله، شخص يخبرني عن رجل كان يبيع ويشتري في العقارات، ولكن بغير الطريق الشرعي، وإلا فالبيع والشراء في العقار ليس فيه شيء إذا راعى الإنسان أوامر الشرع وخاف الله، صدق وبين ولا دلس على أحد ولا كذب، أما إذا خان فقد غدر والله لا يهدي كيد الخائنين، كان هذا الرجل -والعياذ بالله- سيئ في معاملاته، ولم يكن يراعي أمر الله، كان يضيع صلاته ودينه من أجل العقار، ولما جاءه الموت قالوا له: قل لا إله إلا الله! قال: على شارعين، ما يعرف لا إله إلا الله، يعرف أرضية على شارعين، قالوا: قل لا إله إلا الله قال: رخصة بلدية، ومات على شارعين جهة على جهنم وجهة على لظى، لماذا؟ لأنه عاش عليها، ومن عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه.
رجل كان يعمل في حراج السيارات، وطوال الليل وهو يصيح على الميكرفون، ولما جاءه الموت قالوا: قل لا إله إلا الله قال: (خربان تربان)، قل لا إله إلا الله قال: (سكر في موية كومة حديد)، ومات.
وشخص كان يغني ومات وهو في السيارة، وعصر (الدركسون) بطنه ومات وكان يغني مع المغنية، وأتوا عليه ميتاً ومنتكساً وفي آخر لفظ من حياته والمسجل شغال على الأغنية وهو يردد بعدها ويقول: (هل رأى الحب سكارى مثلنا)، يغنى مع (أم كل شوم) (هل رأى الحب سكارى مثلنا)، لا والله ما رأى أفشل منك، نعم الآن كمل السكرة هناك لا حول ولا قوة إلا بالله.
من الآيات التي تلوتها في المحاضرة في سورة المجادلة قوله عز وجل: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:18-19].
ومن سورة الفرقان يقول عز وجل: إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً [الفرقان:12] الله أكبر! تشهق وفي الحديث: (والذي نفس محمدٍ بيده! إن النار لتشهق على صاحبها كما تشهق البغلة على الشعير) تغيظاً وزفيراً عليه وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً * إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ [الفرقان:11-13] نار وضيق، نعوذ بالله من النار والضيق، ومقرنين يقرنون في الأصفاد كما تقرن البقرة في الأضماد في يديها مع رجليها ورقبتها وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً [الفرقان:13-14].
خسارة عند الخروج من الدنيا حين يخرج ولا يقول: لا إله إلا الله، والله عيب أن تعيش -يا أخي- ستين أو سبعين سنة وتخرج من الدنيا وليس معك من الدنيا حتى لا إله إلا الله، أين تضعها؟ تسجلها في ورقة من أجل أن يلقنونك إياها عند الموت؟ تضعها في مسجل؟ ليس لك إلا أن تثبت عليها من الآن، تثبت عليها يثبتك الله عليها؛ لأن الله يقول: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [إبراهيم:27] يعني الآن وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم:27] يعني في القبر، حينما تسأل في قبرك من ربك؟ ومن دينك؟ وما نبيك؟ فتقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. تثبيت، من يثبت الله؟ الذين آمنوا وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ [إبراهيم:27] يضله الله عن لا إله إلا الله ما يقولها؛ حتى أن شخصاً مدخناً قالوا له: قل لا إله إلا الله، قال: أعطوني دخاناً! يريد أن يكيف حتى في القبر، لا يوجد دخان لا يوجد إلا عذاب الآن، قل لا إله إلا الله، قال: والله ما أقولها أنا بريء منها، ثقلت على لسانه وما استطاع أن يقول لا إله إلا الله، مصيبة وخسارة وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27] وفي القبر يضله الله فلا يقول ربي الله، يقول: هاه.. لا أعلم.
وفي القبر ربح لأهل الإيمان، يكون قبرك روضة من رياض الجنة، يُفتح لك باب من عند رأسك إلى الجنة وأرجلك إلى الجنة، وعن يمينك ويسارك إلى الجنة، ويأتيك من روحها وطيبها ونعيمها، ويأتيك عملك على أحسن هيئة ويقول: أبشر بالذي يسرك، قال: من أنت فوجهك الذي يأتي بالخير، قال: أنا عملك الصالح حفظتني فحفظك الله، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.
وبعد ذلك يوم القيامة تبعث من قبرك لا خوف عليك؛ لأنك ناجح ورابح، يقول الله عز وجل: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].
ويظلك الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وتشرب من حوض النبي شربة لا تظمأ بعدها أبداً، ينقطع الظمأ عند تلك الشربة وتأخذ كتابك بيمينك، ثم توزن فيرجح ميزانك ثم يقال لك: ادخل الجنة ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:70-71] هذا فوز عظيم في كل مراحل الحياة في الدنيا، والموت، والقبر، وعرصات القيامة، والجنة دار السعداء -نسأل الله من فضله- التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، أما بغير الإيمان وبغير الدين خسارة في الدنيا ولو معك مال فهي خسارة، وخسارة في الدنيا ولو معك منصب وعندك دنيا وكل شيء لكن لا يوجد الدين خسارة، تخسر الأمن، والراحة القلبية، وتعيش في قلق وفي حيرة واضطراب، ثم عند الموت تخرج وقد خسرت لا إله إلا الله، وفي القبر خسر البعيد من ربه وما دينه ومن نبيه، ويوم القيامة يخسر خسارة ما بعدها خسارة، يطرد عن الحوض طرداً، يأتي يريد أن يشرب فتذوده الملائكة بسياط من نار، اذهب لا تشرب من هنا، من زمهرير، من الغسلين، اشرب من الحميم والغساق، لماذا؟ لأنك كنت تشرب من المعاصي في الدنيا، ما كنت تشرب من السنة والقرآن والدين، كان مشربك معكراً خطأ من أوله إلى آخره، هناك وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ [الحاقة:36-37].
ويوزن فيخف ميزانه؛ لأنه تافه رخيص لا وزن له لا قيمة له، ماذا عند العاصي إلا المعاصي، لكن الطائع عنده وزن وعنده إيمان.
وأيضاً يأخذ كتابه بشماله؛ لأنه كان يمشي خطأ، كان يمشي على الشمال، ما كان يمشي مع الله، ما كان يمشي بالاتجاه الصحيح، كان اتجاهه دائماً خطأ في خطأ، ولهذا يأخذ كتابه بشماله ويقول: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ [الحاقة:25-27] ثم بعد ذلك لا يظله الله في ظل عرشه، ويسحب على وجهه في النار -أعوذ بالله من النار- يسحب على وجهه يقول الله: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر:48].
هذا -أيها الإخوة- هو الخسران المبين، فلنراجع حساباتنا مع الله، ولنصحح أوضاعنا، ومن كان مذنباً فليستغفر.
في الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (رغم أنف من أدرك رمضان ولم يغفر له) إذا لم يغفر لك في رمضان متى إذن يغفر لك؟!! الحسنة بعشر أمثالها إلى مائة إلى ألف حسنة، متى إذن يغفر لك؟ تغل فيه الشياطين ولا يوجد فيه شيطان، لا يوجد إلا شياطين الإنس، ولهذا الذي لا يهتدي في رمضان ليس معه قرين من الجن يضله هو نفسه شيطان؛ لأنه إضلال في غير رمضان عن طريق الوسواس، ولكن في رمضان الوسواس حقك مربوط هناك، ولكنك شيطان البعيد حتى في رمضان، ولذا ترون المؤمنين الذين حبست شياطينهم طيبين، فإذا جاء ليلة العيد فك الله الشياطين فجاء اليوم الثاني فلم يصل في المسجد، ركبه إبليس ورده ينام مع زوجته، فلا يصلي في المسجد، لماذا؟ ركب عليه كما كان يركبه في شعبان، لكن لما انحبس في رمضان جاء يصلي وجاء يقرأ القرآن، بدأ يذكر الله، وبدأ عنده خير، هذا خير لعل الله أن ينفعه به ويتوب عليه إذا واظب والتزم وواصل واستمر في عبادة الله عز وجل بعد رمضان كما كان في رمضان.
سبحان الله!! الله شرع الصوم لنجوع أو لنأكل؟ شرعه لنجوع ولنحس بألم الجوع، ونعرف أن هناك من الفقراء من يعيشون جائعين صائمين طوال الزمان، فالله أمرنا أن نجوع شهراً من أجل أن تحرقنا بطوننا فنشعر بألم الجوع لمن يجوع طوال العام ونعطيه، ولهذا نقول: رمضان كريم، ما معنى كريم؟ يعني: أن نصير نحن كرماء، ليس كريم من أجل أن نأكل، تجده يجمع الأكل ماذا فيك؟ قال: يا هذا رمضان كريم دعنا نكون كرماء، وليس معنى هذا أنك ما تعطي أهلك، أعطهم ليس هناك بأس لكن بمقدار، ويأكلون أما أن تقضي على عشرة أشكال أو خمسة عشر شكلاً أو عشرين شكلاً ثم تأكل من كل شكل قليلاً والباقي يسكب في الزبالة هذا حرام يا عباد الله.
كثير الآن يفتح الحبة البرتقال ويأكل جزءاً منها، ويفتح الموزة ويأكل رأسها، ويأكل تفاحة يأخذ منها حبة أو جزءاً منها، و(المحلبية) يأخذ له ملعقتين أو ثلاثاً والباقي يرميه، والعيش يكسره ويأخذ كسرة منه والباقي يرميه، والأرز يأكلون من طرفه والباقي يرمى به، كل شيء يرمونه لماذا؟! هذا هو الإسراف، إن الله غيور على النعمة -أيها الإخوان- إذا لم نرعها ونحاول أن نقلل ونقتصد في الطبخ والزايد نرسله لمن يجوع الآن من إخواننا المجاهدين في الأفغان وهذه رسالة من الشيخ المشرف على جمع التبرعات الشيخ/ محمود محمد باحاذق في جدة يطلب أن يحث الناس على هذا الإنفاق -أيها الإخوان- هناك من الأسر الفقيرة من إخوانكم الأفغان من يموتون جوعاً، بعض المجاهدين يبيع سلاحه من أجل أن يشتري لأولاده عيشاً، العيش الذي يأكلونه ليس مثل عيشكم، أنت لما تأتي إلى الفرن وتجد القرص موجوداً تقول: لا أريد هذا، لماذا؟ قال: أريد حاراً، هو حار وما تأكله إلا وقد برد، لكن من زيادة البطر، هذا لا أريده؛ لأنك أخرجته من قبل دقيقتين أريد واحداً حاراً، وبعد ذلك يبرد وآكله، حسناً.. هذا بارد كله من الآن قال: لا. هل تدرون ما هو طعام الإخوان هناك؟ أكياس من العيش الناشف له عدة شهور تأتي عندهم فيطحنونه على الماء ثم يأكلونه.
تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلاب |
نرمي لحم الضأن للكلاب عندنا والأسود يموتون جوعاً، فإنا الله وإنا إليه راجعون!
أيضاً فهم الناس من شهر رمضان أنه شهر السهر وشهر اللعب، فبمجرد دخول الشهر يبدءون في تنظيم (البشكات)، وتسجيل وإقامة الحلقات، حلقات (البلوت) والسهر على الأرصفة، والمقاهي، والكرنيش، من أجل أن يسهر يقول: نريد أن نسهر في رمضان، فيسهر على غير طاعة الله وعلى غير ذكر الله عز وجل، بينما كان المفروض عليه أن يسهر في قيام وذكر، وعبادة، وبقية النهار يشتغل في أمور حياته، لا تقل الليل سهر والنهار نوم فمتى نحس بالصوم؟ وهذه مصيبة لا حول ولا قوة إلا بالله.
هذه -أيها الإخوان- مسئوليتنا تجاه هؤلاء، وليس بالضرورة أن يهتدي كلهم على يديك لو الجلسة فيها خمسة أشخاص وواحد استمع منك طيب، وإذا لم يستمع إليك أحد فقد برئت ذمتك وأعذرت إلى الله عز وجل.
رمضان كريم يعني أخلاقك كريمة، مراجع غضبان من مراجعته، ودخل عليك وأنت جالس في المكتب وقال: أنت مقصر وأنا كل يوم آتي ما ألقاك والله أشتكيك، وأنت صائم ماذا تقول له؟ تقول له: جزاك الله خيراً، صدقت أنا مقصر، وأنا فعلاً عندي ظروف، وأنا صائم الآن لا أستطيع أن أرد عليك، أين معاملتك يا أخي؟ معاملتي عندك يا شيخ! أنت الذي أخرتها، أنجزها الآن أين هي؟ وأذهب لمتابعتها حتى أنجزها له، لماذا؟ لأني صائم ما أنتقم منه، لكن عندما أكون شكلاً آخر أين معاملتك؟ عندي. طيب تعال غداً وذهب يبحث لها ومزقها، وذهب لصاحب الوارد قال المعاملة رقم كذا أتتني كذا استلمتها أنا، قال: نعم استلمتها توقيعك عليها، قال: لا ليس توقيعي هذا، هذا مقلد عليه، ما رأيتها وهو قد مزقها، فإذا جاء المراجع من غده قال له: المعاملة عندك.
قال: ليست عندي.
قال: موقع عليها، قال: ذهبت أمس أبحث عنها أو انظر توقيعي فإذا هو ليس بتوقيعي، شخص ضيعها وزور التوقيع، لماذا؟ وهو يقول: إنه صائم هذا الكذاب، يمزق معاملات المسلمين ويعمل غشاً على الناس ويكذب على الله، لماذا؟ لأنه ما عرف الصيام حقيقة.
فنريد -أيها الإخوة- أن نفهم من الصيام أنه تهذيب للأخلاق ورفعة للنفس وإعطاء وبذل، وفي الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فلهو أجود بالخير من الريح المرسلة).
هذه -أيها الإخوة- بعض المعاني عن رمضان الكريم.
- وفي الختام -أيها الإخوة- هذا كتاب جاءنا من فضيلة الشيخ شيخنا وحبيبنا الشيخ/ سعيد بن عبد الله الدعجاني حفظه الله، ومتعنا بحياته، وبارك في عمره، وهو مشرف الآن على مشاريع خيرية في هذا البلد، ومن ضمنها المشروع الخيري لإعانة الشباب المتزوجين، وهذا المشروع -أيها الإخوة- سبق أن تكلمت معكم فيه وقلت: إنه من أهم المشاريع الخيرية التي ينبغي أن نساهم فيها، وأن يكون لنا دور في دعمه، وأن يكون لنا ولو لبنة واحدة في بناء أسرة مسلمة؛ لأن الشاب الذي يريد أن يعف نفسه ويكمل دينه وليس له مال، ثم يأتي الصندوق فيمده بقرض، أو يعطيه إعانة ولك منها عشرة ريالات، أو خمسة، أو خمسون، هذه لبنة في بناء أسرة إسلامية قامت على دين الله لك ثوابها إلى يوم القيامة، فنرجو منكم المساهمة وهناك صناديق ستكون عند الأبواب للمجاهدين الأفغان ولهذا المشروع.
وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر