وبعد:
أيها الإخوة في الله! هذا الدرس بعنوان: (لا تقنطوا من رحمة الله) وهذا العنوان جزء من آية كريمة في كتاب الله عز وجل، وقد بين الله عز وجل فيها للناس الذين أسرفوا في الذنوب وأمعنوا في الخطايا، فدعاهم ألا يقنطوا من رحمة الله، ودعاهم أيضاً بأن سماهم عباده فقال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر:53-54] إلى آخر الآيات.
ومنهج الإسلام في التعامل مع النفس البشرية منهج عظيم ينطلق من علم الله عز وجل بحقيقة هذه النفس؛ لأن الله عز وجل هو الذي خلق النفس: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:7-8].. أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] يعلم ضعفها، وحقارتها، وتسلط الأعداء عليها، ولذا فإن الله تبارك وتعالى عاملها عن علم، وفرض عليها ورباها من طليق الفهم بها والعلم بأسرارها، فالنفس تعتمد في الأصل على إدراك الحق، هذا مطلب، وهو: أن يدرك كل إنسان الحق الذي من أجله خلقه الله تعالى أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الرعد:19].
الناس أحد رجلين: رجل يعلم الحق والدين وأدركه، ومعنى الإدراك يعني: بلوغ هذه الحقائق إلى أعماق النفس البشرية. هذا يسمى إدراك، ليس فهماً ولا علماً، لا. إدراك يقيني، هذا رجل وفقه الله فأدرك.
- وآخر لم يدرك ولم يعرف الحق فهو أعمى عن طريق الحق: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً [الإسراء:72].
فالأول: أدرك الحق، وترتب على إدراكه للحق أن سار في طريق الحق؛ فقام بالفرائض والواجبات، وانتهى عن المحارم، وترك المعاصي والمنكرات، وهذا الفعل كفيل بأن يصل به إلى أعلى درجات الكمال إذا قام بأوامر الله وانتهى عما حرم الله، لم يعد إنساناً بشرياً بسيطاً عادياً، بل يرتفع عن مستواه؛ لأن الله تعالى يقول: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:7-9] أي: ارتفع بها، التزكية هي: الارتفاع والعلو بالنفس البشرية وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10] أي: غمسها ولطخها بالذنوب والمعاصي، فإذا فعل الإنسان الطاعات وترك المعاصي ارتفع إلى ذروة الرفعة، فهنا يصبح جديراً بأن يكون من عباد الله، وأن يكون خليفة في الأرض، إلا أن الإنسان بحكم بشريته، وطبيعة خلقه لا يبقى دائماً في سمو، بل ربما تعثر به القدم وتزل، وربما يسقط إما بسبب جهله، أو شهوته، أو ضغط شبهة، أو بتأثير رفقته، كل هذه مؤثرات تحاول أن تجذب الإنسان وهو في طريق السمو والارتقاء، شهوات، شبهات، رفقة، غفلة، جهل .. كل هذه اسمها مثبطات، فيحصل له بهذا انحراف عن السير في الطريق الصحيح.
لأنهم نزلوا من المستوى الإيماني .. عن الرقي الديني إلى المستوى البهيمي، وعاشوا كما تعيش البهائم. هنالك لا تكون لهم قيمة إلا بالعودة إلى الله والتمسك بحبله، يقول الله عز وجل: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ [الزخرف:43-44] ذكرك، شأنك، علوك، منزلتك، كيانك، وجودك كله أين؟
في كتاب الله: وإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ بغير القرآن لا ذكر لك، بغير الدين لا معنى لوجودك، بغير الإيمان لا قيمة لك، من أنت؟ أنت ذرة من ذرات هذا الكون، أنت حشرة من الحشرات التائهة فيه، لكن بالإيمان أنت أكبر وأعظم من فيه.
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر |
قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل |
لكن متى؟ يوم أن تستمسك، ولكن كيف؟ لا بد من الشعور، والإنسان ينزل لا بد أن يستشعر ذلك في نفسه، وأن هناك صارخ وداعية يدعوه يقول: لا تستجب لهذا النزول، ارجع ولا تقنط من رحمة الله؛ لأن الشيطان يقول: انتهى الأمر، أنت لا تعمل، أنت نازل فلا تصعد، ما لك والتعب فلن يغفر الله لك؟
ويضخم الشيطان خطاياك، ويكبر سيئاتك، ويقول: أنت مجرم مسيء، حتى يحول بينك وبين الرقي مرة ثانية وهذا وحي إبليسي.
أما الوحي الإيماني فإنه يهتف بك ويقول لك: أنت إنسان
وما سمي الإنسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب |
(كل ابن آدم) وأنت من بنيه، أتريد أن تبقى ملكاً لا تخطئ ولو مرة واحدة؟
هذا غير ممكن! لا يوجد أحد في الدنيا لا يخطئ، كلكم خطاء، ولكن الخطيئة في حياة المسلم عارضة وفي حياة الفاجر ثابتة .. الخطيئة ملازمة لذاك أما المسلم فلا، تعرض له فقط، ولكن يتوب مباشرة منها (وخير الخطائين التوابون) هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم.
ويقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح مسلم : (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) وبسط اليد من قبل الرب هو عملية استعجال، أنت اليوم أذنبت في النهار والله في هذه الليلة يبسط يده لجميع المسيئين والمذنبين .. ارجعوا بسرعة، ارجع ولا تستمر في المعصية. وبسط اليد يعني: دعوة من الله تعالى لعباده ولذا قال: (يبسط يده بالليل) لمن؟ ليس للصالحين، وإنما للمسيئين: (ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل).
إلى متى؟
والله عز وجل وهو يعلم طبيعة البشر وضعف الإنسان يقول في كتابه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] ويقول وهو يحدث عن أبي البشر آدم عليه السلام: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طـه:121-122] ويقول: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:37].
هذه الكلمات التي قالها آدم هي قول الله عز وجل: قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23] لما قالها تاب الله عز وجل عليه وهدى، ولم يقلها إبليس، مع أن المعصية كانت مشتركة؛ المعصية من إبليس رفضه السجود، والمعصية من آدم أكله من الشجرة، وترتب على هاتين المعصيتين وهي ترك الأمر من قبل إبليس: اسجد. فما فعل الأمر، وفعل النهي من آدم: لا تأكل، فأكل، وهما أساس المعاصي في الدنيا كلها، ليس هناك معصية إلا أن تفعل محذوراً أو تترك مأموراً، وترتب على هاتين المعصيتين أن الله قال لآدم وإبليس: اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طـه:123].
إبليس لم يتب بل طلب الإنظار من أجل الإضلال: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [ص:79] قال الله تعالى له: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ [ص:80] أما آدم قال: قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23] فلما قالها وتلقى هذه الكلمات من الله عز وجل تاب الله عليه، قال تعالى: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طـه:121-122] وقال له وللناس أجمعين في خطابٍ رباني كريم منه عنوان المحاضرة: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا أي: أكثروا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر:53-54].
ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث قدسي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل، والحديث في سنن الترمذي يقول: (يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي) الله أكبر!!
يروي ابن أبي حاتم -والقصة عند ابن كثير - أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سقط حاجباه على عينه من كبر سنه وتقدم عمره، وقال: (يا رسول الله! رجل غدر وفجر، ولم أدع حاجة ولا داجة إلا اقترفتها، ولي ذنوب لو قسمت على أهل الأرض لأهلكتهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ قال: نعم. قال: اذهب فإن الله قد كتب لك بكل سيئة حسنة -فالرجل تعجب! سيئات تتحول إلى حسنات- قال: وغدراتي وفجراتي -يعني الكبار الضخمة التي لا يتصور أنها تغفر- قال: وغدراتك وفجراتك! فولى الرجل وهو يقول: لا إله إلا الله، الحمد لله) ذكر هذا الأثر الصحيح ابن كثير عند تفسير قول الله عز وجل: فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70].
ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) الغرغرة: بلوغ الروح إلى آخر منتهاها، بمعنى: ليس هناك إمكانية، وأصبحت مثل توبة المضطر الذي إذا وصلت الروح وبدأت تغرغر فلا تنفع توبة؛ لأن الإنسان رأى الموت، لكن قبلها يقبل الله التوبة ويعفو عن السيئات.
1- الأمر الماضي يصلحه بالاستغفار: وهذا ليس فيه تعب، هل هناك تعب أن نستغفر الله فيبدل الله سيئاتنا كلها حسنات؟ ليس هناك تعب.
2- والأمر المستقبل تصلحه بالنية الحسنة: أن تنوي ألا تعمل في المستقبل إلا كل خير، وهل في النية تعب؟ بعض الناس لا يريد أن ينوي حتى فعل الخير في النية، تقول له: تعمل فيما بعد؟ قال: لا. لا يريد أن يعمل الخير حتى في النية، ماذا بقي بعد الماضي والمستقبل.
3- بقي الحاضر: ما هو الحاضر؟ الحاضر هو: أي لحظة تمر عليك، قبل لحظة كانت مستقبلاً، وبعد لحظة تصير ماضياً يقول:
ما مضى مضى والمؤمل غيب ولك اللحظة التي أنت فيها |
هذه اللحظة اجتهد فيها، وجاهد نفسك على أن تفعل أمر الله وتترك نهيه، وبالتالي تصبح من التائبين الذين يقبل الله تبارك وتعالى توبتهم وتسعد في الدنيا والآخرة.
فالله عز وجل -وله المثل الأعلى- أفرح بتوبة العبد من فرحة هذا الرجل برجوع ناقته، رغم أن الله عز وجل لا تنفعه طاعة المطيعين ولا تضره معصية العاصين، وإنما هو الضار النافع.
يقول عز وجل في وصف المؤمنين التائبين: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ [آل عمران:135] أي: ذكروا عظمة الله، وما أعد الله عز وجل للعصاة وأهل الفواحش والكبائر: فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] ما هو جزاؤهم وقد فعلوا فاحشة كبيرة لكن استغفروا الله؟ قال الله عز وجل: أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:136] يقول المفسرون: ما أعظم رحمة الله! هؤلاء ماذا عملوا؟ عملوا معاصٍ -فواحش- لكن لما بدلوها بالاستغفار والتوبة أعطاهم الله الجنة وقال: وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:136] حَسَبَ الله سيئاتهم من النعم، يعني: من العمل الذي يرضي الله تبارك وتعالى، لماذا؟ لأنهم ختموها بالتوبة والاستغفار.
ولكن المصيبة -أيها الإخوة- والكارثة والتي ليس معها نجاة هي الإصرار على الإثم، والتمادي في المعصية والاستمرار فيها، وهو مظهر من مظاهر عدم معرفة الله وتوقيره، ومظهر من مظاهر الفراغ الداخلي من الإيمان، والموت القلبي من الدين للذي يرتكب الكبيرة ويصر عليها ويستمر ولا يشعر بأنه على ذنب، ولا يحاول أن يستغفر، ولهذا يقول الله في أهل النار: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ [الواقعة:45-46] يعني: كانوا ملازمين للذنب ومستمرين في المعصية؛ ولهذا جزاؤهم النار والعياذ بالله!
ففي الحديث في صحيح مسلم عن الأغر المزني يقول عليه الصلاة والسلام: (عباد الله! توبوا، فإني أتوب إلى الله في اليوم الواحد مائة مرة) مائة مرة يستغفر وهو سيد العابدين، يستغفر من غير ذنب، فكيف بي وبك -يا أخي- لا نستغفر الله ولا نتوب إليه!!
يقول عز وجل: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء:17] إذا تابوا من قريب بعد ممارسة الذنب وما أجَّلوا، ولا استمروا ولا أصروا على المعصية، فإن الله عز وجل يقول فيهم: فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء:17].
وإذا قارن الإنسان بعمق الإخلاص يعني: عمل وعنده إخلاص، وأيضاً يقين كان هذا مما يستوجب رحمة الله تعالى، يقول عز وجل: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:54].
1- توبة.
2- إيمان.
3- عمل صالح.
4- بعد ذلك استمرارية، ثم الهداية.
ويقول عز وجل وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68-70].
وقد روى ابن مسعود (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أصاب من امرأة قبلة -قبَّل امرأة لا تحل له- فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره، فنزل قول الله عز وجل: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] فقال الرجل: ألي هذا يا رسول الله خاصة؟ قال: بل لجميع أمتي) لكن انظر: الرجل عنده مؤشر حساس، قبلة جعلته يأتي إلى النبي ويقول: يا رسول الله! هلكت، ماذا تريد؟ قال: أقم علي الحد، يظن أن الرسول سيأخذه ويربطه بحبل ويرجمه بالحجارة من أجل قبلة، ما سكت عليها وذهب يمارسها ويكررها، لا. ذهب يتطهر منها بسرعة، شعر بالذنب .. أيقن بالمصيبة؛ فأنزل الله فيه قرآناً: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] فالرجل ظن أنها كرامة له، قال: (ألي يا رسول الله خاصة؟ قال: بل لجميع أمتي كلهم). اللهم صل وسلم على رسول الله، الحديث هذا في الصحيحين.
ويقول عليه الصلاة والسلام: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قام فصلى ركعتين أو أربع ركعات يحسن فيهن الركوع والسجود ثم استغفر الله غفر الله له) رواه الطبراني في المعجم الكبير وقال: حديث حسن، وتسمى هذه الصلاة صلاة التوبة.
يقول عثمان للصحابة وقد توضأ: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ كوضوئي هذا ثم قال: من توضأ مثل هذا الوضوء -وضوءنا الموجود الآن هو وضوء عثمان الذي نقله لنا العلماء- غفر له ما تقدم من ذنبه -كل الذنوب مغفورة وبعد ذلك قال:- وكانت صلاته التي يذهب إليها ومشيه إلى المسجد نافلة) يعني: زيادة فضل من الله تبارك وتعالى!
والحديث الثاني أيضاً في صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت كل خطيئة بطشتها يده مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجليه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب) رواه مسلم .
هذا أول معقم، ولهذا .. أكثر من الوضوء، حاول ألا تصلي صلاةً إلا بوضوء حتى ولو كنت متوضأ؛ يجوز إذا كنت متوضئاً أن تصلي الصلاة التي بعدها بنفس الوضوء، لكن الأفضل أن تتوضأ، ولو صليت جائز، لكن إذا أردت الأفضل فتوضأ، لماذا؟ للحديث الوارد في صحيح مسلم ، يقول عليه الصلاة والسلام: (ألا أنبئكم بما يرفع الله به الدرجات، ويمحو به السيئات؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: إصباغ الوضوء على المكاره) وهذا يحصل في البلاد الباردة مثل الطائف وأبها والباحة، إذا أصبغ الشخص وضوءه يحصل عنده برد، أما في مكة دفء والحمد لله، فلو أصبغت الوضوء يكون لك الأجر، وأنت سالم من البرد، وليس عندك شيء بإذن الله عز وجل (وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط .. فذلكم الرباط .. فذلكم الرباط) هذا أول مطهر من الذنوب.
وإذا صليت في المسجد فهذه تمحو السيئات بإذن الله، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم -والحديث صحيح رواه البخاري-: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يومٍ خمس مرات) في أمام بيتك نهر وكلما خرجت اغتسلت من الماء خمس مرات (هل يبقى من درنه شيء؟ -هل يبقى فيك قذر أو درن أو وسخ؟- قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) فإذا كنت على موعد مع الله في كل يوم خمس مرات: الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، كل يوم وأنت في المسجد هل يبقى معك ذنوب؟
لا تبقى أصلاً، وبعد ذلك لا تعمل ذنباً، ليس عندك فرصة كي تذنب؛ لأنك إنسان مؤمن، كيف تذنب وأنت تعرف بعد ذلك أنك ذاهب للصلاة؟ من الذي يعمل الذنب والمعصية؟
الذي لا يأتي المسجد، أما أهل المساجد فإن الله يحميهم، ويعصمهم ويسددهم ويوفقهم، لكن إذا انقطع المسلم عن المسجد افترسه الشيطان ولعب عليه وأضله -والعياذ بالله- أجل .. هذه الصلاة تعتبر مكفراً من مكفرات الذنوب ومطهراً لها.
والحديث الثاني في هذا الموضوع: هو الصلاة، والحديث في صحيح مسلم يقول عثمان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم تحضره صلاة مكتوبة -يعني: تحضر عليه الصلاة- فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله) هذه كفارة الذنب إلا الكبائر، فالكبائر هذه لا تكفرها إلا التوبة أو النار، إما أن تتوب أو النار، فليس هناك خيار آخر، فالتوبة أسهل ما دام ليس هناك إلا النار؛ لأن النار لا تستطيع لها، فأفضل لك أن تتوب؛ لأن التوبة وإن كان فيها تعب لكنها أسهل بملايين المرات من عذاب النار والعياذ بالله!
والحديث الثالث: وهو في الصحيحين، يقول عليه الصلاة والسلام: (صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في سوقه وفي بيته بخمس وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا كتبت له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في صلاة ما لم يؤذ أو يحدث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. ولا يزال في صلاةٍ ما انتظر الصلاة) هذا المكفر الثاني وهو الصلاة.
بعض أهل العلم يرى أنه واجب لما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم).
ولكن بعض أهل العلم والمحققين منهم يقولون: إنه ليس بواجب، وإنما هو مستحب على سبيل التأكيد.
فأنت مطلوب منك أن تغتسل يوم الجمعة، واسمع إلى الثواب الذي يترتب على غسلك: (لا يغتسل رجلٌ يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر) يعني: يتدلك، ويتنظف، ويتطيب، ويلبس ملابس طيبة، ويزيل كل ما في جسده من قذر، حتى يطلع مثل الشامة، هذا يوم عيدك، يوم الجمعة: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهرٍ، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين -يصلي حيث انتهى به الصف- ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) رواه البخاري.
ذنوب سبعة أيام! من يوم أن تصلي إلى الجمعة القادمة تذهب عنك ذنوب سبعة أيام! هذا فضل كبير -يا إخواني- والله الذي لا إله إلا هو أن الله عز وجل ليتيح لنا فرصاً ويفتح لنا مجالات من مجالات المغفرة والعفو، لكن الكثير منا مقصر، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
لكن هذا شرطها: أن تكون عقب كل صلاة، واجعلها -يا أخي- لازمة من لوازم صلاتك، لا تقم ولو احترقت الدنيا عند الباب، لا تقم بأي حال إلا وقد أتممتها، كم تستغرق هذه؟
أحد إخواننا عدها في الساعة وضبطها بأصابعه، سبحان الله سبحان الله، أو سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، عدها فبلغت دقيقتين فقط، هذه تخسرها، فداوم عليها عقب كل صلاة، والحديث في صحيح مسلم يكون جزاؤك: أن غفرت خطاياك وإن كانت مثل زبد البحر.
وأيضاً يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح البخاري : (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة) فالعمرة والحج مكفر من مكفرات الذنوب.
ولذا يا أخي في الله! يا من أكرمك الله بأن تعيش في مكة ! لا ينبغي لك أن تفوتك حجة واحدة، وأكثر من العمرات، إذا أصبح رأسك أسود مثل الحمة فاخرج إلى أدنى الحل وأحرم وادخل مكة وخذ عمرة؛ فإن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، أما الحج فلا يكلفك شيئاً، يأتون من أقاصي الأرض، وأنت هنا فقط تذهب عرفات وترجع، وبإمكانك أن تجلس كل الأيام في منى في بيتك، وتأتي فقط لتنام ليالي التشريق، وترمي الجمرات، ولو رميت في الليل. يعني: عمل الحج بالنسبة لأهل مكة سهل، وعليهم أن يحجوا ويخرجوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم.
فواق ناقة يعني: الفترة التي بين الحلبتين، إذا حلبت الناقة وانتهى الحليب منها، الفترة من حلبها إلى أن تدر ويأتي حليب ثانٍ وتحلبها اسمها هذه فترة فواق (من قاتل في سبيل الله فواق ناقة -يعني: ساعة أو ساعتين- وجبت له الجنة) اللهم صلَّ وسلم على رسول الله.
ما رأيكم في هذا المراجع يقول: جزاك الله خيراً قضيتها! قضى الله شأنك وحاجتك! والله جهدك هذا ومقابلتك هذه كأنك قضيت حاجتي كلها يوفقك الله. هذه أخلاق، هل خسر هذا شيئاً؟ لا. ما خسر أي شيء، بل كسب الدعاء، وكسب الحب في قلوب الناس.
وآخر، موظف مثله لكنه فقير في الأخلاق، ليس عنده ولا ربع قنطار ولا ربع ملي، ودخل عليه المراجع: السلام عليكم، يريد أن يسلم عليه أول شيء ينظر: إن كان يعرفه رد السلام وإن كان لا يعرفه قال: ماذا هناك؟ بدلاً من أن يقول: وعليكم السلام، قال: توجد معاملة، قال: أين الرقم؟ قال: ليس عندي رقم، قال: ماذا تريد أن أفعله لك؟ إنه لا يوجد لديك رقم، تريدني أن أبحث كل الدفاتر هذه؟! اذهب من هنا.
ماذا يقول المراجع المسكين؟ يذهب ويخرج من هناك وهو يقول: الله أكبر عليه، جعلها الله في وجهه، لا وفقه الله .. وجاء الثاني ودعا عليه، وجاء الثالث .. أتدرون أن هذه الدعوات لا تذهب؟ (أنتم شهداء الله في أرضه).
فلماذا لا تكسب الجميل يا أخي؟! الكرسي هذا ليس ملكك، كرسي دوار لم يأتك إلا وقد كان عند غيرك وسيذهب منك إلى غيرك، اكسب الجميل، خاصة إذا كنت في منصب بشرط: أن يكون هذا الجميل يتفق مع النظام، لا تخرق النظام، لا نقول: تخرق النظام، لكن النظام فيه فرص ومجالات، وإمكانات للمساعدة، فما دمت تجد إمكانية للمساعدة لأي مسلم فهذا من حسن الخلق، فإذا عجزت مرة وما استطعت أن تعمل شيئاً معه فأقل شيء بشاشة الوجه، يقولون: (لاقيني ولا تغديني). يعني: لو لقيت شخصاً عند الباب قل: أهلاً تفضل، والله تدخل إن شاء الله تتغدى معي كأنك غديته، لكن لو لقيته وقلت: تفضل، امش! ثم أدخلته وغديته خروفاً، يقول: الله أكبر عليك مضيف! يضاربني! ما هذا؟! فلا -يا أخي- لا بد من الخلق، ولا بد من بشاشة الوجه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (تبسمك في وجه أخيك صدقة) ماذا تخسر؟ لماذا لا تضحك وتبتسم لأخيك؟ لن تخسر أي شيء في تبسمك، ويقول صلى الله عليه وسلم: (طلاقة الوجه خير من القرى) و(لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقَ أخاك بوجه طلق) لأن الوجه هذا فأل؛ عندما تلقى الشخص ويبتسم لك ويقدم لك خدمة باللسان تنبسط، وتنشرح نفسك، لكن شخص يعبس بوجهك، تتكتم وتتعقد ويضيق قلبك، فلا -يا أخي- كن بهذا الخلق: بشاشة الوجه، وطلاقة المحيا، والصفح عن الإساءة، لا تقعد تحاسب الناس على كل إساءة، اعف، شخص ضايقك في الطريق فيما بعد مر عليك وقال: آسف، قلت: مع السلامة، إذا ما قال: آسف قل: لا تهتم. تفضل، شخص ضايقك وأخطأ عليك تجاوز عنه، لماذا؟ أنت صاحب خلق، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا) هذا الحديث رواه البخاري.
المصافحة هذه درجة ثانية بعد السلام، الدرجات ثلاث: سلام، مصافحة، معانقة، فإذا سلمت هذا الواجب، صافحت عظيم، عانقت فهذه زيادة الحب، خاصة إذا كان بعد وقت طويل، ليس كل وقت كلما لقيته تعانقه، وتكسر رقبته، لا. لكن بعد أسبوع رأيته عانقه؛ لأن هذا من الود، لكن إذا رأيته بعد شهر عندما جاء ترفع أصابعك قليلاً .. هذا من الجفاء، لكن عندما تقوم وتحرك يده وتعانقه، هذا مما يغفر لك الذنب بإذن الله عز وجل.
ويقول عليه الصلاة والسلام والحديث صحيح أيضاً: (تلقت الملائكة روح رجلٍ ممن كان قبلكم فقالوا له: أعملت خيراً؟ قال: كنت أنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسر، قال: فتجاوز الله عنه) رواه البخاري.
هذا ما عمل شيئاً، فقط الذي كان موسراً كان ينظره -يعني: يمهله- والذي كان معسراً ليس عنده شيء يقول: سامحك الله، لا نريد منك شيئاً، قال الله عز وجل: (أنا أحق بهذا منك) تجاوز الله عنه، وغفر الله له!
وغفران الذنب يأتي باستمرار نتيجة وجود الرحمة، ووجود الرفق في قلب الإنسان، يقول عليه الصلاة والسلام: (بينما كلب يطيف بركية -كلب كان يطوف على ركية فيها ماء- وكاد يقتله العطش -كاد يموت من الظمأ، ولا يستطيع أن ينزل الركية، بئر لو سقط فيها لمات- إذ رأته بغي -زانية- من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها -أي: خفها- فاستقت له، فسقته فغفر الله لها به) وهي بغي لكنها سقت الكلب رحمة به فغفر الله لها به! هذه من الأخلاق التي يغفر الله عز وجل بها ذنوب المؤمنين، ما من عمل أعظم عند الله عز وجل في الميزان من حسن الخلق، ويقول عليه الصلاة والسلام: (كاد حسن الخلق أن يذهب بخيري الدنيا والآخرة).. (إن أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبعدكم مني منزلة يوم القيامة كل جعظري جواظ مستكبر) هذا بعيد عن الله وبعيد عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالسخط لا يرفع .. المصيبة نازلة نازلة، لكن يضيع الأجر، والرضا يكسبك الثواب من الله تبارك وتعالى، فكل ما يصيبك من ألم فهو مطهر لذنوبك وسيئاتك، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من مسلمٍ يصيبه من نصبٍ، ولا وصبٍ، ولا هم، ولا حزن، ولا غمٍ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه).
ويقول عليه الصلاة والسلام: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في ولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، فلا يزال البلاء بك حتى تلقى الله وليس عليك خطيئة واحدة.
وفي حديث صحيح في مسند الإمام أحمد : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إن لي ابنة أريد أن تنكحها -تريد تزوجه البنت- وإنها يا رسول الله -وقامت تدعو وتبين أنها وأنها وأنها- حتى كاد النبي صلى الله عليه وسلم أن يوافق عليها، وإنها يا رسول الله لم تشتك قط) يعني: ما مرضت طوال حياتها، شابة متعافية صحيحة ناصحة يعني: ما يحتاج .. مثل اللاتي نريد الآن، أكثر الناس إذا تزوج امرأة قال: هل هي مريضة؟ إن كانت هي مريضة تذهب عند أهلها ليس عندي مستشفى، لا -يا أخي- الله يجري لك الأجر وأنت لا تعلم، ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟
قال: (لا حاجة لي بها) لما قالت أمها: إنها لم تشتك قال: (لا حاجة لي بها، قالت: لم يا رسول الله؟! قال: لو أحبها الله لابتلاها).
فأنت إذا عندك زوجة وعندها بلاء هذه أحبها الله، وأكرمها، وقم بخدمتها، اتخذها طريقاً إلى الجنة، فلا مانع من أن تأخذها إلى المستشفى، لا مانع من أن تتعب، لكن احتسب ذلك عند الله، أما أن تتخلى عنها؛ لأنها مريضة فهذا ليس من أخلاق المؤمنين، بعض الناس تجده طيباً مع الزوجة؛ لأنها متعافية، فإذا مرضت أخذها ووضعها عند أهلها، قال: ابنتكم مريضة عالجوها أنتم، وإذا تعافت جاء يأخذها، ما شاء الله عليك! يعني: لا تريد أن تتعب، هذا ليس من أخلاق أهل الإيمان والرجولة والمروءة.
هذه اسمها كفارة المجلس يعني: ماحية الذنوب التي في المجلس، احفظ هذا الدعاء: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، محت كل الذنوب التي قد قلتها في مجلسك، لكن بشرط: ألا تتعمد أن تقول شيئاً، ولكن شيء كثر فيه اللغط، وتجاوز الحد عليك أن تذكر الله تبارك وتعالى، وهذا من كفارة الذنوب.
وأيضاً هناك سيد الاستغفار، وهو حديث في الصحيحين ، يقول عليه الصلاة والسلام: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها في النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل موقناً بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة) رواه البخاري ومسلم . هذا سيد الاستغفار. قال: (يا
إذا أحسنت الظن في المدير أنه يرقيك فما الذي يلزمك؟ أن تحسن العمل حتى يرقيك، لكن من يسيء العمل ويحضر متأخراً دائماً، وينصرف مبكراً دائماً، ويغيب غالب أيام الأسبوع، وإذا كلَّ عملاً ضيعه، ثم يحسن الظن بالمدير أن يرقيه، هل هذا من حسن الظن؟ بل هذا من سوء الظن بالمدير؛ تسيء الظن به أنه لا يعرف كيف يجازي الموظفين عنده، ولله المثل الأعلى.
يقول الحسن البصري : [إن قوماً غرهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، يقولون: نحسن الظن بالله، كذبوا والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل] فإذا رأيت شخصاً يحسن العمل، ويحسن الظن، هذا هو الصادق، أما الذي على المعاصي والمنكرات، وتارك للطاعات، وإذا نصحته، قال: الله غفور رحيم، وأنا أحسن الظن. نقول: كذاب، أنت ما أحسنت الظن بالله، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء) ويقول عليه الصلاة والسلام: (حسن الظن من حسن العبادة) هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [المدثر:56] فإذا اتقيته وعبدته فأحسن الظن به في أنه لن يضيع عبادتك وعملك.
أما أن تعمل السوء وتحسن الظن به فكأنك تتهم الله عز وجل بأنه لا يعرف كيف يجازي عباده، وطبعاً يأتيك حسن الظن من علمك بسعة رحمة الله، فالله عز وجل رحيم ورحمته وسعت كل شيء.
يروي البخاري ومسلم في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه، يقول: (قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي -يعني: الذين يؤخذون في الحروب من نساء وأطفال- فإذا امرأة من السبي تبحث عن صبيها -فالحرب فرقت بين المرأة وولدها، ولما جمعوا الغنائم جعلت تبحث عن ولدها- فلما وجدته أخذته بشدة، وألصقته ببطنها وأرضعته) ما ظنكم في تلك اللحظة، وكيف حنانها، وفرحتها، ورحمتها بذلك الولد، وقد يئست منه وضاع منها؟ لقيته ومباشرة ضمته وأعطته ثديها وحنت عليه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة لما رآها: (أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ -يقول: هل هذه المرأة التي هذا وضعها مع ولدها الصغير هل ترميه في النار؟- قالوا: لا والله -الصحابة قالوا: والله ما تطرحه وهي تقدر على منعه- قال عليه الصلاة والسلام: لله أرحم بعباده من هذه بولدها) اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة. لله مائة رحمة؛ تسعة وتسعون ليوم القيامة، وواحدة أنزلها إلى الأرض بها تتراحم جميع المخلوقات، جميع الرحمات الموجودة في قلوب الناس كلهم وفي قلوب الحشرات والحيوانات والبهائم كلها هذه جزء من الرحمة التي هي جزء من مائة رحمة من رحمة الله عز وجل، وعند الله يوم القيامة تسعة وتسعون رحمة، نسأل الله أن يدخلنا في رحمته الواسعة.
يقول الحسن البصري : [ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قوماً غرتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا: نحن نحسن الظن بالله. كذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل].
والدعاء الثاني في سورة غافر: يقول الله عز وجل: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ [غافر:7] يعني: الملائكة وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غافر:7] يعني: لكم رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ [غافر:7] الدعاء اغفر لمن؟ ليس للناس كلهم لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ [غافر:7] يعني: مشوا في الطريق وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر:7] هذا كلام الملائكة تقول لكم: رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [غافر:8] ثم تقول الملائكة: وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ [غافر:9] أي: اصرف عنهم المعاصي والذنوب والسيئات، اللهم قنا السيئات يا رب العالمين!
وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [غافر:9] هذه الملائكة تستغفر لك؛ لأنك أهل للاستغفار، ويستغفرون لمن؟ للذين آمنوا، الشروط التي جعلتك تستحق استغفار الملائكة وهي: أن تكون مؤمناً وتائباً ومتبعاً للسبيل، فتستغفر لك الملائكة.
نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يسترنا وإياكم في الدنيا والآخرة، وأن يعفو عنا جميعاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:193-194].
يقول أبو العتاهية:
إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني |
فما لي حيلة إلا رجائي لعفوك إن عفوت وحسن ظني |
وكم من زلة لي في البرايا وأنت علي ذو فضلٍ ومنِّ |
إذا فكرت في ندمي عليها عضضت أناملي وقرعت سني |
أجن بزهرة الدنيا جنوناً وأقطع طول عمري بالتمني |
ولو أني صدقت الزهد فيها قلبت لأهلها ظهر المجن |
يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني |
وهانحن نقول كما قال أبو العتاهية: يظن الناس فينا خيراً وإنا لشر الخلائق إن لم يعف عنا تبارك وتعالى.
نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعفو عنا جميعاً وعن جميع المسلمين، وأن يكرمنا بالقيام من هذا المجلس وقد غفر لنا ذنوبنا، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وسلم.
الجواب: أقول لهم: مرحباً بكم في طريق الإيمان، ورياض الجنة، وحلق الذكر، ومجالس الملائكة، مرحباً بكم وأنتم تضعون أقدامكم في الطريق الصحيح، حياكم الله وحيا الله من دلكم على هذه الجلسة المباركة، وأسأل الله أن يزيدكم هداية وتوفيقاً وثباتاً على هذا الدين، ووصيتي إلى نفسي وإليكم وإلى كل مسلم الثبات عن طريق فعل ستة أشياء هي المثبتات:
1- المداومة على قراءة القرآن ولو صفحة كل يوم مع التدبر.
2- المداومة على قراءة السنة ولو حديثاً في كل يوم.
3- المداومة على فعل الطاعات جميعها.
4- الحذر من جميع الذنوب والمعاصي كبيرها وصغيرها.
5- البعد عن رفقاء السوء.
6- البحث عن الرفقاء الصالحين.
إذا أنت تمسكت بهذه الست فلا ترجع -بإذن الله- أبداً وتستمر على الطريق الصحيح إن شاء الله.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر