إسلام ويب

شرح سنن أبي داود [593]للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاءت السنة النبوية المطهرة بآداب عظيمة في الخطاب بين الناس، وما يجوز من الألفاظ وما يكره، ومن ذلك ما يجوز من التفدية للغير بالنفس أو بالأبوين، وكيفية إبلاغ السلام والرد عليه والدعاء بالحفظ ونحوه، والإجابة بلبيك وسعديك، وغير ذلك.

    شرح حديث (يا أبا ذر! فقلت لبيك وسعديك يا رسول الله وأنا فداك)

    قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يقول جعلني الله فداك.

    حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ح وحدثنا مسلم حدثنا هشام عن حماد -يعنيان ابن أبي سليمان - عن زيد بن وهب عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا أبا ذر ! فقلت: لبيك وسعديك يا رسول الله! وأنا فداك) ].

    قال أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في الرجل يقول جعلني الله فداك.

    أي: في بيان حكمه وأن ذلك سائغ.

    وقد أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه، وقال له: (يا أبا ذر ! فقلت: لبيك وسعديك يا رسول الله! وأنا فداك).

    يعني: وأنا فداء لك. وهذا جواب حسن من أبي ذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما يناديهم يقول الواحد منهم: (لبيك يا رسول الله وسعديك)، كما جاء في حديث معاذ بن جبل لما كان رديفه على حمار، وبعد ذلك بين له حق الله على العباد وحق العباد على الله عز وجل.

    وكلمة: (لبيك وسعديك) هي من الكلمات التي يجيب بها الإنسان بجواب حسن عندما ينادى ويدعى، وهي من الأدب في القول والأدب في الجواب عند النداء.

    و(لبيك) تعني: إجابة بعد إجابة، وأنه مجيب له ومستمر على ذلك.

    (وسعديك) أيضاً تعني: إسعاداً بعد إسعاد.

    (وأنا فداؤك) تعني: أنا أفديك بنفسي.

    هذا هو معنى هذه الكلمات التي أجاب بها أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الجواب الحسن، وكان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يقولون: (فداك أبي وأمي)، أو (بأبي أنت وأمي)، أي: أنت مفدى بأبي وأمي، وهذا من أدبهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبتهم له عليه الصلاة والسلام.

    وكونهم يفدونه بأرواحهم وأنفسهم ويرخصون كل شيء في محبته؛ وذلك أن النعمة التي ساقها الله عز وجل للمسلمين على يديه هي أعظم وأجل نعمة، وهي أعظم من النعمة التي حصلت من الوالدين وهي الإحسان إلى الإنسان وتنشئته وتربيته؛ لأن نعمة الإسلام لا تماثلها نعمة ولا تعادلها نعمة، وقد جاء الله تعالى بها للمسلمين على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث (يا أبا ذر! فقلت لبيك وسعديك يا رسول الله وأنا فداك)

    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

    موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا حماد ].

    هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

    [ ح وحدثنا مسلم ].

    ح: هي للتحول من إسناد إلى إسناد، ومسلم هو ابن إبراهيم ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا هشام ].

    هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن حماد ].

    حماد بن أبي سليمان صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

    [ يعنيان ابن أبي سليمان ].

    يعني: أن شيخي شيخي أبي داود وهما حماد بن سلمة وهشام الدستوائي لم يزيدا على قولهما: حماد فأتى أبو داود أو من دون أبي داود بكلمة (يعنيان)، وكلمة (يعنيان) الفاعل فيها ألف المثنى التي ترجع إلى شيخي شيخي أبي داود وهما حماد بن سلمة وهشام الدستوائي.

    فكلمة (يعنيان) قائلها أبو داود أو من دون أبي داود ، وفاعلها ضمير متصل يرجع إلى شيخي شيخي أبي داود .

    [ عن زيد بن وهب ].

    زيد بن وهب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبي ذر ].

    هو جندب بن جنادة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    حكم تفدية غير الرسول وإجابته غيره بـ( لبيك وسعديك )

    يمكن أن يفدى غيره عليه الصلاة والسلام إذا كان له منزلة ومكانة، فالتفدية لا بأس بها، لكن التفدية بالأب والأم لا تناسب ولا تصلح إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يفدي الإنسان بأبويه أحداً من الناس؛ لأن الأبوين لهما حق عليه، ولكن حصل ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن النعمة التي حصلت على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من النعمة التي حصلت على يدي الأبوين.

    وتفدية الرسول صلى الله عليه وسلم هي من تعظيمه عليه الصلاة والسلام وسلوك مسلك الأمم السابقة.. الصحابة سلف هذه الأمة، ومعلوم أنهم كانوا يقولون هذه الكلمة وآباؤهم غير موجودين، وإنما هذا كله لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان عظيم منزلته، فالصحابة كانوا يقولونها وآباؤهم وأمهاتهم قد ماتوا.

    أما لفظة: (لبيك وسعديك) فيمكن أن تقال في حق الله وفي حق الرسول صلى الله عليه وسلم وفي حق كل الناس.

    وسعديك تابعة للبيك ولا تأتي وحدها، فهي لفظ تابع للفظ ولا يأتي وحده مستقلاً بل يأتي تابعاً لغيره، فيمكن أن يقال هذا في الجواب الحسن عندما ينادى الإنسان، وأما جعلني الله فداك، فهي لا تصلح لكل أحد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089167757

    عدد مرات الحفظ

    782354581