هناك أحاديث نسبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذباً وزوراً، ويعرف بطلانها من خلال اشتمالها على أمر منكر أو مستحيل، وهذا من ضمن المقاييس التي وضعها العلماء في نقد متون السنة، فالناظر إلى مثل هذه الأحاديث يمكنه أن يحكم عليها بالوضع بمجرد النظر إلى متونها دون النظر إلى إسنادها، وعلم نقد متون السنة من الأهمية بمكان، فينبغي الرجوع إليه في تصحيح الأحاديث وتضعيفها.
هناك أحاديث فيها ما يدل على أن الناس لا بد أن تكون كالنعاج، وهذا تأباه المقاصد الكلية وليس اللفظ فقط؛ لأن الشرع يهتم بكيان وكينونة الإنسان، قال تعالى:
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ 
[الإسراء:70]، ولذلك كان
ابن مسعود يقول: لا يكن أحدكم إمعة؛ إذا أحسن الناس أحسن، وإذا أساء الناس أساء. ولكن وطن نفسك على الحق، إن أحسن الناس فأحسن، وإن أساء الناس فأحسن.
يقول ابن الجوزي : والناقد البصير في كل زمن وعصر في ندرة.
يقول هذا مع أن عصره كان حافلاً بالعلماء، ويقول: أعز ما نبحث عنه في هذه الأزمنة الناقد البصير كان الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه يقول: رأيت الآن أن من يقرأ للمعاصرين أنه يضيع وقته، نقول: هذا الكلام ليس على إطلاقه، ولا يقصد الشيخ ذلك، ويقول: ما رأيت أحداً إلا هو ظل لرأي.
يعني: ما هو إلا ناقل وتابع ويقول: قال فلان، ويضع قلمه، فكثير من الناس في هذه الآونات هم على هذه الوتيرة، والناقد البصير منتقد، فتراهم يجهلونه ويقولون: أتى بدين جديد، فهذه دلالة على أن الجهلة كثر، وأجهل من هؤلاء الذين يحسبون أنفسهم على الطلب وهم من التقليد بمكان.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (
كن ذنباً في الحق ولا تكن رأساً في الباطل) فهل النبي صلى الله عليه وسلم الذي يبين للأمة ما ترتقي به، ويرسم لها طريق النجاح والنجاة، وطريق الارتقاء وعلو الهمة يمكن أن يقول لها هذا الكلام؟ أقول: هذا الحديث ممكن أن ينتقد متنه من جميع القواعد؛ لأنه يعارض أصل القرآن، يقول: الله تعالى حاكياً عن إبراهيم صاحب الهمة العالية، ونحن أمرنا بالاقتداء بالأنبياء بل وأمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم:
فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ 
[الأنعام:90]، وقال سبحانه:
فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا 
[آل عمران:95]، وقال:
وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا 
[الفرقان:74]، فقال:

إماماإ

ولم يقل: كن ذنباً.
وأيضاً قول الله تعالى:
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ
[الإسراء:70]، ومن التكريم أن يتقدم الإنسان ولا يتأخر، وأن يقود ولا ينقاد، فهذا من باب التكريم.
ويعارض أيضاً السنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها) أي: يكره أسافل الأمور، ففيه دلالة على أن الدين يحث الإنسان أنه يكون رأساً ولا يكون منقاداً، كما قال تعالى:
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ
[العنكبوت:13] ولذلك لا تستطيع أن تقول: علقها في رقبة عالم وأصبح سالماً؛ لأنك ستكون في ذيله في الدرك الأسفل إن ذهب، والعياذ بالله، والإنسان المستفتي، والمقلد قد رضي أن يكون في مؤخرة القوم، وهذا لن يفوز عند ربه جل في علاه.
ويأباه أيضاً العقل، فمعلوم أن مقاصد الشريعة كلها تحث الأمة على أن تكون أمة سيادة وريادة، ولذلك فالله جل في علاه مكن لهذه الأمة في مدة وجيزة من عمر الزمن، فهذا فيه دلالة عالية جداً على أن الدين يحث هذه الأمة على أن تكون من الرأس بمكان، ولا تكون من المؤخرة.
وكذلك لو عرضنا هذا الحديث على المختص فإنه لا يقبله، فإن عمر رضي الله عنه لما سأل أحد عماله: من وليت على مكة؟ قال ابن أبزى ، فقال من العرب أم من الموالي؟ قال من الموالي، فتضايق عمر لذلك، فقال: يا أمير المؤمنين! إنه أعلمهم بكتاب الله، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين)، إذاً فقد ذهب أهل العلم بشرف الدنيا والآخرة.
وهذا عطاء بن أبي رباح من الموالي وكان عالماً، فأرسل إليه أمير المؤمنين: أن ائتنا، فقال: لا نأت أحداً، إن أردتنا فأت أنت مجلسنا.
فهذا عبد أسود يقول ذلك لأمير المؤمنين!
أيضاً حديث: (
دعوني من السودان؛ إنما الأسود لبطنه وفرجه)، فهل الدين والخير والصلاح منوط باللون؟! كلا.
فقوله: (فإن الأسود لبطنه وفرجه). هذا فيه كناية عن كل الحبشة، فهناك أحاديث كثيرة جاءت بذم الحبشة.
فنقول: هذا الحديث لا يمكن أن يقال به، ولو عرضناه على كل القواعد لما صح.
قوله: (دعوني من السودان؛ إنما الأسود لبطنه وفرجه) يعني: أن الأسود يعيش سبهللاً، فليس عنده إلا شهوة البطن وشهوة الفرج، فهذا الكلام لا يقبل، ويرد عليه من وجهين:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم، وهو أفصح من نطق بالضاد لا يمكن أن يتكلم بهذا الكلام.
الثاني: إذا عرضناه على القواعد التي قعدها أهل العلم، فلا يمكن أن يقبل، فلو عرضناه على القرآن فإن الله تعالى يقول:
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
[الحجرات:13]، فأناط الإكرام بالتقوى.
إذاً: فالبشرة لا يمكن أن تقدم أو تؤخر في صاحبها شيئاً، وكذلك لو عرضناه على السنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا فضل لعربي على عجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى).
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينظر إلى قلوبكم).
وهذا بلال كان أسود من الليل المظلم، ومع ذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بلال ماذا تفعل؟ إني أسمع خشخشة نعليك في الجنة)، فـبلال تقدم كثيراً على الناس.
أيضاً حديث: (
إن الله تعالى ينزل ليلة الجمعة إلى دار الدنيا بستمائة ألف ملك، فيجلس على كرسي من نور وبين يديه لوح من ياقوتة حمراء فيه أسماء من يثبت الرؤيا والكيفية والصورة من أمة محمد، فيباهي بهم الملائكة).
فهذا الحديث فيه إثبات الرؤية والكيفية والصورة لله تعالى، وقد عقب ابن الجوزي على هذا الحديث وقال: لعن الله واضعه، ولا رحم صانعه؛ فإنه كان من أخس المشبهة وأسوأهم اعتقاداً، وما أظنه كان يظهر مثل هذا إلا للطغاة من المشبهة الذين لم يجالسوا عالماً.
أقول: وأنا أشهد الله أني أثبت لصفات الله الكيفية، وأشهد الله أني أثبت الرؤيا، وأشهد الله أني أثبت صفة الصورة لله جل في علاه؛ لأن أهل السنة والجماعة يثبتون الرؤيا لله، يوم القيامة، لكن ابن الجوزي كان عنده اعتزال في العقيدة، ولذلك تنطع بعضهم وقال: لا يؤخذ منه شيء، لكن نحن نأخذ خيره، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر.
إذاً: فنحن نثبت أننا نرى الله في الآخرة، ونثبت لله الصورة، وإثبات الصورة فيه خلاف بين أهل السنة والجماعة، كحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته)، وهذا الحديث مشكل؛ فقد اختلفوا في الهاء هنا هل تعود إلى آدم أو تعود إلى الله؟
وجاء حديث في سنن النسائي وابن خزيمة يضعفه: (خلق الله آدم على صورة الرحمن) ، وأحمد وغيره صححوا هذا الحديث.
فعند من صحح هذا الحديث يزول الإشكال الموجود في الحديث الأول: (خلق آدم على صورته) وذلك لأن الصورة هنا قد أضيفت لله.
وهذه المسألة على قولين بين أهل السنة والجماعة:
القول الأول: قول من ضعف هذا الحديث، فقال: (إن الله خلق آدم على صورته) يعني: على صورة آدم التي قص النبي صلى الله عليه وسلم لكم منها، وبين أن آدم خلق وكان طوله ستين ذراعاً.
القول الثاني: وهذا القول أنا أتبناه، وقد تبناه كثير من أهل العلم، وهو: أن الصورة صفة ثابتة لله جل في علاه؛ لأن الله جل وعلا قال: (خلق آدم على صورة الرحمن)، أي: له عين، وله وجه، وله يد، وله رجل، وصفات الله هذه تليق بجلاله وكماله وبهائه وعظمته وقدرته، وأما يد آدم فتليق بعجزه ونقصه، فلا مشابهة ولا مماثلة.
إذاً: فهذه المسألة فيها اختلاف بين أهل السنة والجماعة، ولذلك إذا قلنا بأن حديث (إن الله ينزل ليلة الجمعة إلى دار الدنيا بستمائة ألف ملك ..) موضوع أو فيه ركاكة في اللفظ لا لكونه فيه إثبات الرؤيا والكيفية والصورة، لا، ولكن الذي جعلنا ننتقد هذا الحديث هو الجزء الأول منه: (أنه ينزل بستمائة ألف ملك إلى دار الدنيا)، وذلك فيه معارضة صريحة لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك قوله: (فيجلس على كرسي من نور) فالجلوس ليس صفة من صفات الله جل في علاه، بل الذي ثبت أنه صفة من صفات الله هو الاستواء، وهناك فرق كبير بين الجلوس وبين الاستواء؛ لأن الذي يجلس يحتاج إلى ما يجلس عليه، والله جل في علاه كل الكون يحتاج إليه، فهو استوى على العرش، والعرش أحوج ما يكون لربه جل في علاه.
أيضاً حديث: (
لو حسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه الله به).
وكثير من هذه الأحاديث احتج بها أهل البدع والضلالة، وهذا الحديث لا يمكن أن يقوله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يفتح الباب على مصراعيه للمشركين الذين يعتقدون في الأصنام، ويعتقدون في الأحجار والأشجار، ويتبركون بالأحجار والأشجار، فهذا الحديث يفتح باب الشرك على مصراعيه، فهو باطل موضوع على الله جل في علاه.
المقياس الثامن هو: اشتمال الحديث على أمور منكرة وأمور مستحيلة، وهذا يجعل الإنسان يقول: لا يمكن أن يكون هذا الحديث من الإسلام.
ومن هذه الأحاديث تدخل تحت مقياس الأمور المستحيلة التي لا يمكن أن تصدق بأن النبي صلى الله عليه وسلم قالها حديث: (قيل: يا رسول الله! مم ربنا؟ قال: لا من الأرض ولا من السماء، خلق خيلاً فأجراها فعرقت، فخلق نفسه من ذلك العرق).
فمن وضع هذا الحديث عليه من الله ما يستحق، وبتر الله لسانه ويده، وعذبه في نار جهنم بما تجرأ به على الله.
والمستحيل في هذا الحديث المفترى هو: كيف يكون الإله خالقاً ومخلوقاً؟! وكيف يكون خالقاً فيخلق بعد ذلك نفسه؟! وهل الله خالق نفسه؟! ولذلك انتقد بعض الأصوليين عندما قالوا: إننا يمكن أن نخصص العموم بالعقل، مثل قول الله تعالى:
اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ
[الرعد:16]، فقالوا: بالعقل يمكن أن نخصص هذا العموم؛ لأن الله لم يخلق نفسه، قلنا: هذا الكلام فيه سوء أدب مع الله، كيف يكون خالقاً ويخلق نفسه؟! هذا مستحيل، ولا يمكن أن يقبله عقل.
والحديث الثاني: (رأيت ربي عز وجل على جمل أحمر عليه إزار، وهو يقول: قد غفرت قد غفرت) والأمر المستحيل في الحديث أنه يركب على الجمل، وكذلك أنه يلبس إزاراً كما يلبس الإنسان، وهذا تشبيه محض لله جل في علاه، فلا يمكن أن أنظر في سند هذا الحديث، بل لو أتاني شخص بهذا الحديث لصفعته على وجهه، وقلت له: جر أذيال الخيبة أمامك؛ لأن هذا لا يمكن أن يقال في حق الله جل في علاه.
والحديث الثالث: (كانت خطيئة داود عليه السلام النظر).
وهذا أيضاً منتقى من اليهود، قالوا: الخطيئة التي وقع فيها داود هي النظر لزوجة رجل وجندي عنده، فقد أعجب بهذه المرأة، فأراد قتل هذا الرجل فأدخله في الصفوف الأولية في القتال؛ حتى يقاتل، فيقتل فيظفر هو بالمرأة!!
فبالله عليكم هل هذا خلق ومروءة رجل صالح من آحاد الناس؟! فكيف يكون خلقاً لنبي من أنبياء الله؟!
فلذلك نقول: بأن هذه الأحاديث لا نحتاج فيها إلى النظر في أسانيدها؛ لأنها تنادي على نفسها بالوضع وبالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إلى هنا ونكون قد انتهينا من القواعد المهمة في نقد متون السنة، وأرجو من الإخوة أن يراجعوا الأحاديث التي تكلمنا عنها، ويطبقوا القواعد عملياً، وكل حديث منها ينظرون في الآيات هل هي معارضة له من كل الوجوه أم لا؟ وينظرون في الحديث هل يمكن الجمع بينه وبين الحديث أم أن هناك معارضة كلية؟ وينظرون في مسألة العقل الذي ضابطه الأثر هل يصح أن يكون هذا الحديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ وأيضاً إلى القواعد الأخيرة التي أخذناها ويطبق الواحد عليها هذا القانون؛ حتى يؤتيه الله الملكة في النظر من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيعرف أن هذا الحديث صحيح، وأن هذا حديث ضعيف.