السنة محثوث عليها مرغوب فيها، والبدعة مذمومة ديناً وشرعاً وعقلاً وفطرة، فهي من عمل المغضوب عليهم والضالين، ومن آوى المبتدع أو رضي ببدعته استحق اللعنة، ناهيك عن المبتدع نفسه، فقد حجب الله عنه التوبة، والبدعة لها أقسامها المعروفة.
تعريف السنة والبدعة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شرك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
والبدعة لغة: الشيء المخترع، أو المستحدث، قال الله تعالى: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ[البقرة:117] أي: الذي خلقهن على غير مثال سابق.
فالبدعة: هي الشيء المستحدث الذي ليس له مثل سابق.
وفي الاصطلاح: هي: ما أحدث في الدين على خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عقيدةً وعملاً.
لكن قد قال الشاطبي : في تعريف البدعة كلاماً بديعاً موجزاً قال: هي طريقة في الدين مخترعة تضاهى بها الشرعية -أي: تشاكل بها الشرعية- كأن يأتي بصلاة مثل الصلاة يضاهي بها الصلاة الشرعية، يقصد منها المثول، وهو الامتثال هو التعبد لله، أو الاجتهاد لله في العبادة، إذاً عرفها الشاطبي بقوله: هي طريقة في الدين مخترعة يضاهى بها الشرعية يقصد من المثول عليها الاجتهاد في عبادة الله جل في علاه.
الترغيب في السنة
والسنة محثوث عليها والبدعة مذمومة ديناً وشرعاً وعقلاً وفطرةً، قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ[الأحزاب:21] فمن كان يرجو الله واليوم الآخر فلا بد أن يثبت حسن طريقته بالسير على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم، وما أبدع وما أحسن ما قال الحسن: زعم أناس حب رسول الله -وأنا أكرر هذا على النساء؛ لأن فيهن عوجاً فإذا قيل لهن: قال رسول الله، قلن: قال فلان وقال علان، وهذا عوج ليس بعده عوج، ولولا أن الجهل متقدم على القائل لقلنا بكفره، فليس لأحد أن يرد قول الله جل في علاه أو قول رسول الله لقول أحد كائناً من كان، وقد قال مالك رحمه الله: إن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، وكان أبو حنيفة -الذي قال فيه الشافعي : الفقهاء عيال على أبي حنيفة- يقول: إن وجدتم قولي عارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط وخذوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم.
فالصحيح أن نقول: إن سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن لأحد أن يعارضها، وأنا أؤكد هذا على النساء حتى لا يعارضن قول رسول الله بقول أحد كائناً من كان.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من آوى محدثاً) يحذر من البدع، فأين وجه الذم في هذا الحديث؟
الجواب: وجه الذم أن المبتدع محدث في الدين، فاستحق اللعنة من آواه أو رضي ببدعته، ويؤخذ من هذا الحديث أنه يجب على كل صاحب سنة أن يظهر المبتدع بين الناس ويحذر من بدعته، وانظر كيف استحق اللعن لأنه أوى المحدث، فكيف بالذي أحدث البدعة!
وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في السنن بسند صحيح وهو الصاعقة على كل مبتدع -قال: (حجب الله التوبة، أو قال: أبى الله أن يتوب على كل مبتدع) فحجب الله التوبة على المبتدع لأنه أخو الشيطان، ويقول الثوري أمير المؤمنين في الحديث: البدعة أحب إلى الشيطان من المعصية؛ لأن المعصية يتوب منها صاحبها، أما البدعة فإن صاحبها ينافح عنها، ويدافع عنها، ويقاتل من أجلها، كما سار كثير من المبتدعة إلى الفضائيات وأخذوا يناضلون من أجل هذه البدعة.
وقد جلست مع كبير لهم فبكى أمامي، وتهرب من المناظرة، وخشي على نفسه من الضلال والجهل الذي ظهر ووضح على وجهه، فلم يرض أن يكمل معي الجلسة، وهو الآن يظهر في الفضائيات كما أعلمت بذلك على أنه رجل من أهل العلم، فيظهر في مجالس العلم يدعو إلى هذه البدعة المقيتة!!
فالذي يبتدع، والذي يأوي المبتدع، والذي ينافح عن البدعة أحب إلى الشيطان من العاصي؛ لأن العاصي قد يرجع ويئوب ويتوب، أما المبتدع فلا يرجع عن بدعته، بل يدافع عنها؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من آوى محدثاً) .. و(أبى أن يتوب الله على مبتدع).
والبدعة بدعتان: بدعة أصلية، وبدعة فرعية إضافية، والبدعة الإضافية لها أقسام كثيرة: بدعة زمانية، وبدعة مكانية، وبدعة في الهيئات، ولست بصدد التفصيل في هذه المسائل؛ لأني أريد أن أدخل في صلب الكتاب، ولأنني لو فصلت في هذا المقام لن أنتهي.