يوجد قولان في المذهب في حكم الموالاة:
القول الأول في القديم وهو قول الحنابلة: أن الموالاة شرط في صحة الوضوء، فإذا توضأ فغسل وجهه ومكث مدة طويلة حتى جف العضو ثم غسل يديه ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثم صلى فصلاته باطلة؛ لأنه اختل شرط من شروط الوضوء وهو الموالاة.
القول الثاني في المذهب وهو القول الجديد: أن الموالاة سنة، فإذا فعل ذلك فقد خالف الأولى، وصلاته صحيحة.
وهذان قولان للشافعي ، فالقديم هو ما قبل دخوله مصر، والجديد هو بعد دخوله مصر.
والوجه في المذهب غير القول، فهو قول لصاحب من الأصحاب يخرج هذا الوجه على تأصيل الإمام الشافعي. دليل المذهب القديم من الأثر: قول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ
[المائدة:6]، (فاغسلوا) أمر، وظاهر الأمر الوجوب، وهو يقتضي الفورية، والفورية معناها: التعجيل، يعني لا نفصل بينهما بوقت طويل، واستدلوا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الله بن زيد وحديث عثمان بن عفان وحديث علي وحديث ابن عمر رضي الله عنهم (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ووالى بين أعضائه)، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم بيان للواجب، والقاعدة عند العلماء: أن الواجب واجب.
وفي حديث خالد بن معدان أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي رجله قدر اللمعة -كالدرهم- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (توضأ وأعد الصلاة)، وهذا الحديث فيه كلام، إذ الحديث أرسله خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والمرسل عند علماء الحديث ضعيف.
وأيضاً في سند الحديث بقية بن الوليد، وهو يدلس شر التدليس: تدليس التسوية، وقد قيل فيه: أحاديث بقية ليست نقية، فكن منها على تقية. ووجه الدلالة من هذا الحديث: أنه توضأ وجفت الأعضاء وصلى، فلما وجد قدر اللمعة أمره بإعادة الوضوء، ولو كانت الموالاة ليست بشرط لغسل القدم فقط، لكنه أمره بإعادة الوضوء، فهذه دلالة على أنه اعتبر الموالاة شرطاً للوضوء.
واستدلوا من حيث النظر: فقاسوا الوضوء على الصلاة، فقالوا: كما أن الموالاة شرط لصحة الصلاة وهي عبادة، والوضوء شرط لهذه العبادة، فتكون الموالاة شرطاً فيها.
ووجه الشبه بين الوضوء وبين الصلاة: أن الوضوء يفسده الحدث والصلاة أيضاً، فمن أحدث وهو يصلي توضأ واستأنف صلاته، ولا يبني على ما سبق، هذا الراجح الصحيح، ولو توضأ الرجل فمضمض واستنشق وغسل وجهه وغسل يديه ومسح برأسه ثم قبل أن يغسل رجليه أخرج ريحاً فسد وضوءه واستأنفه من جديد.
والموالاة شرط في الصلاة، فلو رفع من الركوع فلا بد أن ينزل بعدما يقول الدعاء والذكر، ولو أطال طولاً يعرف منه الناظر أنه ليس من الصلاة بطلت صلاته. قالوا: فإذا كانت الموالاة بين أركان الصلاة واجبة وهي عبادة، فالوضوء عبادة كالصلاة، فتكون الموالاة فيه واجبة أيضاً.
ودليل القول الثاني -وهو الجديد- على أن الموالاة ليست شرطاً في الوضوء قول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
المائدة:6]، والآية لم تصرح بشرطية الموالاة، فهذه دلالة على أن الموالاة ليست بشرط.
واستدلوا من السنة بأثر ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه: أنه توضأ في السوق ولم يمسح على الخفين حتى ذهب إلى المسجد، رواه البيهقي بسند صحيح، وفيه: حتى جف العضو، وفيه أنه دخل المسجد فوجد جنازة يريدون الصلاة عليها، فأراد ابن عمر أن يصلي فقال: ائتوني بماء فأتوه بماء فمسح على الخفين بعدما جف العضو من الوضوء، وهذا أثر صحيح عن ابن عمر فهو يرى أن الموالاة ليست شرطاً، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.
والصحيح الراجح عند المحققين من الشافعية: القول الجديد، لكن عندما نأخذ بالقاعدة التي قعدها الإمام الشافعي : إذا صح الحديث فهو مذهبي، فإننا نقول: الصحيح الراجح هو القول القديم، لا سيما مع تصحيح حديث خالد بن معدان ؛ لأن بقية صرح بالتحديث في بعض الروايات، وكونه أرسله عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا يضعف الحديث؛ لأن كل الصحابة عدول لا سيما المؤمنات الفضليات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فالصحيح الراجح: أن الموالاة تعتبر شرطاً وليست سنة، لأن الدليل واضح جداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (توضأ وأعد الصلاة).
السواك
من سنن الوضوء التسوك قبل الوضوء أو عند الوضوء، والدلالة على ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (
لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء).
وإن لم تجد سواكاً وعندك منديل فمن الممكن أن تستخدمه، وهو يقوم ببعض ما يقوم به السواك من تنظيف الأسنان، ومن الممكن كذلك أن تدلك أسنانك بإصبعك، وإن كان الحديث الوارد فيه ضعيفاً.
التسمية عند الوضوء
ومن سنن الوضوء: التسمية عند غسل اليدين، والأدلة على ذلك كثيرة، منها حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما فقدوا الماء فطلب إناء فيه القليل من الماء فوضع يده في الماء فخرج الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (
توضئوا باسم الله)، وكذلك الحديث الذي ضعفه الشيخ
الألباني وصححه بعض المحدثين: (
كل أمر ذي بال لم يذكر فيه اسم الله فهو أقطع)، وأيضاً حديث صريح جداً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا ضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)، وهذا الحديث مختلف فيه، وقد صححه الشيخ
الألباني وغيره.
وقوله: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) أي: لا وضوء كامل، ولا يمكن أن ينصب النفي على الوجود؛ لأن الرجل غسل الأعضاء، ولا ينصب على الصحة؛ لأن الله جل في علاه قال:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
[المائدة:6]، ولم يذكر التسمية، والنبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن قال للأعرابي: (توضأ كما أمرك الله)، ولم يقل: سم الله جل في علاه. وإذا توضأ الرجل فنسي التسمية بعدما غسل وجهه ويديه، فنقول له: افعل كما تفعل في الطعام، فإذا نسيت التسمية فقل: باسم الله أوله وآخره.
أما إذا انتهيت من غسل الرجلين فلا تسم بخلاف الطعام؛ لأن التسمية بعد انتهاء الطعام تجعل الشيطان يتقيأ، أما هنا فلا توجد هذه العلة.
وقد ذكر الغزالي رحمه الله وكثير من الشافعية دعاء لغسل كل عضو من أعضاء الوضوء، ولا دليل عليه، والأصل في العبادات التوقيف.
غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء
من السنة قبل الوضوء: أن يغسل يديه إلى الكوعين لحديث
عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه أنه صب الماء على يمينه ثم غسل يديه ثلاثاً ثم مضمض واستنشق ثلاثاً، وحديث
عبد الله بن زيد وحديث
علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفيه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل يديه قبل الوضوء، أما من قام من النوم فيكره أن يضع يده في الإناء حتى يغسلهما ثلاثاً، أما إذا استيقن من وجود النجاسة فيحرم عليه أن يضع يده في الماء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (
إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يضع يده في الإناء حتى يغسلهما ثلاثاً)، وصرف النهي من التحريم إلى الكراهة: العلة، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (
فإنه لا يدري أين باتت يده)، فالعلة: أنه يخشى أن يكون علق بيديه شيء من النجاسة؛ ولذا قلنا بالكراهة إن لم يتأكد من وجود النجاسة، أما إذا استيقن منها فلا يجوز أن يضع يديه في الإناء حتى يغسلهما ثلاثاً؛ لأنه لو وضع يده في الإناء نجس الماء، فإذا نجس الماء يحرم عليه أن يتوضأ به، لا سيما إن كان في صحراء ولم يكن عنده سوى هذا الماء.
المضمضة والاستنشاق
من سنن الوضوء: المضمضة والاستنشاق، والدليل على السنية قول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ 
[المائدة:6] ولم يقل: تمضمضوا واستنشقوا، ويوجد حديث خاص فاصل في النزاع وهو في مقام التبيين، والقاعدة عند العلماء: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (
توضأ كما أمرك الله فاغسل وجهك)، ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، وكان الرجل لا يعرف كيف يصلي ولا كيف يتوضأ، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يصلي وعلمه كيف يتوضأ فقال له: (
توضأ كما أمرك الله فاغسل وجهك ويديك إلى المرفقين، وامسح برأسك واغسل رجليك)، ولم يذكر المضمضة ولا الاستنشاق، ففيه دلالة واضحة جداً على أنهما سنة، أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (
مضمض واستنشق)، فالراجح أنه صحيح، لكن الأمر هنا للاستحباب جمعاً بين الأدلة، وقول المخالف: الأنف والفم من الوجه فلا بد من المضمضة والاستنشاق فالجواب عليه: والعين من الرأس، ولها ظاهر ولها باطن، ونحن نقول بوجوب غسل ظاهر الأنف لا غسل الباطن، وإلا لكان يجب أن يفتح الإنسان عينيه ويدخل الماء في عينيه؛ لأنها من الوجه ولا بد أن تغسل، لكن نحن متفقون أنه لا يغسل باطنها بل ظاهرها، وكذلك الأنف.
وللمضمضة والاستنشاق صورتان:
الصورة الأولى: أن تكون المضمضة منفصلة عن الاستنشاق، فيدخل الماء في فمه، ويكرر هذا ثلاث مرات بثلاث غرفات، ثم يغسل الأنف بعد الفم ثلاث مرات، وهذه الكيفية وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ضعفها النووي، لكن الحافظ ابن حجر صححها، ونحن نأخذ بتصحيح الحافظ ابن حجر ، فحديث فصل المضمضة عن الاستنشاق صحيح، لكن الأولى والأفضل: أن تجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة ثلاث مرات كما في حديث عثمان وحديث عبد الله بن زيد في وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الصورة الثانية، وهي غالب أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، فيأخذ غرفة ثم يدخل بعض الماء في فمه ويدخل البعض الآخر في أنفه، ويفعل هذا ثلاث مرات.
المذهب أنه يكفي في الوضوء مسح ثلاث شعرات أو مسح جزء من الرأس، وهذا مخالف للأثر، والصحيح: أنه لا بد أن يستوعب مسح كل الرأس.
ومن السنة مسح الأذنين، وهذه السنة دلت عليها الأدلة الكثيرة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح أذنيه، وقال: (الأذنان من الرأس) ومن السنة أن يأخذ ماء جديداً لهما، وفي الحديث الصحيح في السنن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح ظاهر الأذنين وباطن الأذنين)، وكيفية المسح أن يدخل الإصبعين في صماخي الأذنين، وهي الفتحة التي توصل إلى داخل الأذن، ثم النبي صلى الله عليه وسلم ما مسح أذنيه إلا مرة واحدة.
فإن قيل: هل الأذن من الرأس أم من الوجه؟
فالجواب: قال الزهري: الأذن من الوجه، واستدل بحديث: (سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره) وأما الجماهير فقالوا: الأذن من الرأس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأذنان من الرأس)، وهذا الحديث ضعيف، وقد صححه الشيخ الألباني، وحتى لو قلنا بتصحيح هذا الحديث فإنه يحمل على الاستحباب، وليس للوجوب، كما أن التحلل من الإحرام يكون بحلق الشعر أو تقصيره، وليس بأخذ شيء من الأذن، ولا يقول بذلك أحد، فالصحيح أن معنى: (الأذنان من الرأس) يعني حكمهما حكم الرأس، فإذا كان حكم الرأس هو الغسل فحكم الأذن الغسل مثل الرأس، وإذا كان حكمه المسح فيمسحان كما يمسح الرأس، فالراجح الصحيح أن من السنن مسح الأذنين.
تخليل الأصابع في الوضوء
من سنن الوضوء تخليل أصابع اليدين والرجلين، لحديث
لقيط بن صبرة قال له النبي صلى الله عليه وسلم (
وخلل الأصابع)، وهذا أمر، وظاهر الأمر الوجوب، لكن يحمل على الاستحباب بدليل الآية والأحاديث الأخرى، فالراجح الصحيح أن تخليل الأصابع ليس بواجب بل هو من السنة، والأكمل أن يخللها ثلاثاً حتى يبالغ في الإسباغ، وأول مراتب التخليل أن يخلل الأصابع مرة واحدة.
ويجب تخليل الأصابع في حالة واحدة وهي إذا كانت الأصابع ملتصقة وغلب على ظنه عدم وصول الماء للبشرة، فيجب عليه حينئذ أن يخلل الأصابع حتى يتأكد من وصول الماء، أو إذا كانت الأظافر طويلة وفيها وسخ يمنع وصول الماء فإن عليه التخليل حتى يصل الماء إلى العضو.
السؤال: رجل توضأ وفعل جميع الواجبات والسنن، وبعد أن فرغ من الوضوء وجفت الأعضاء، شك هل مسح رأسه أم لا، فماذا عليه؟
الجواب: القاعدة عند العلماء: أن كل شك جاء بعد العبادة فلا عبرة به، فهذا وضوءه صحيح، ولا يلتفت إلى هذه الوسوسة، والأصل: أن وضوءه كامل، والأصل بقاء ما كان على ما كان إلا بدليل ينقل عن الأصل، والمشكوك كالمعدوم حتى يتبين بالقرائن صدق هذا الشك.