للغسل فروض لابد منها لصحته، وله سنن وآداب ينبغي مراعاتها ليحصل كمال الطهارة، والغسل يجب لأمور، ويستحب لأمور، وقد بين الفقهاء ذلك بالتفصيل.
هل يجزئ للإنسان الذي أحدث حدثاً أصغر مع الحدث الأكبر الغسل فقط أم يلزمه الوضوء؟ بمعنى: أن رجلاً قضى حاجته ثم جامع أهله فصار جنباً، فتلبس بالحدث الأصغر ثم تلبس بالحدث الأكبر، فهل يكفيه الغسل فقط لو عمم جسده بالماء؟ هذه صورة.
الصورة الثانية: رجل أحدث وهو يغتسل فهل يصح غسله؟
الصورة الثالثة: أن يشك في الحدث الأصغر هل كان قبل الاغتسال أم بعد الاغتسال؟
أما الصورة الأولى فيكفيه تعميم الجسد بالماء، وهذا هو نص ما قاله الشافعي في الأم، فإنه قال: الأدنى يندرج تحت الأعلى، فمن أحدث حدثاً أصغر ثم تلبس بالحدث الأكبر فاغتسل فإن الحدث الأصغر يندرج تحت الحدث الأكبر، فإذا عمم جسده بالماء دون الوضوء ودون الدلك فله أن يصلي وتصح صلاته، وهذا الراجح الصحيح في المذهب.
أما الصورة الثانية: وهي من أحدث وقت الاغتسال، كأن أخرج ريحاً أو أفضى بكفه إلى فرجه، فالصحيح الراجح: أنه يصح الاغتسال، لكن يلزمه الوضوء؛ لأنه حال رفع الحدث الأكبر تلبس بالحدث الأصغر فيلزمه الوضوء.
أما الصورة الثالثة: وهي إذا شك هل أحدث قبل الاغتسال أم أحدث بعده؟ فنقول: الأصل عدم الحدث، فيصح له أن يعمم الجسد بالماء ويصلي ولا يلزم بالوضوء.
هناك قاعدة مهمة جداً في الاغتسال، وهي: كل وقت يجتمع فيه الناس يستحب فيه الاغتسال، والدلالة على ذلك حديث: (
كان أهل عوالي المدينة يأتون المسجد في الجمعة ويشم منهم ريح العرق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو اغتسلتم في هذا اليوم)، والحكمة من الاغتسال هنا: إزالة الرائحة؛ لأنه يتأذى الناس بهذه الرائحة، بل وتتأذى الملائكة بهذه الرائحة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (
إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم)، فإذاً: كل اجتماع يستحب له الاغتسال، فغسل الجمعة مستحب، وغسل صلاة العيدين مستحب، وغسل صلاة الكسوف مستحب، والوقوف في عرفة يستحب له الاغتسال، ودخول مكة فيه دليل خاص، وطواف الإفاضة يستحب له الاغتسال وهكذا.
غسل الجمعة حكمه ووقته
حكم غسل الجمعة الخلاف فيه قوي، قيل: يستحب، وقيل: يجب، والصحيح أنه مستحب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (
إذا توضأ أحدكم ثم ذهب إلى الجمعة ماشياً فاستمع إلى الإمام وأنصت غفر له إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام) ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا توضأ) ولم يذكر الاغتسال، هذا الدليل الأول.
الدليل الثاني: حديث صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)، والأفضلية تدل على وجود الفضل في الاثنين، بل جاء التصريح بقوله: (فبها ونعمت).
الدليل الثالث: أثر عثمان عندما توضأ ودخل المسجد وعمر يخطب.
واستدل من قال بوجوب غسل الجمعة: بحديث: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)، والجواب عن هذا: أن الواجب هنا بمعنى المتأكد، قالوا لنا: لم تقولون: المتأكد وهو يقول: (واجب) وهذا خلاف الظاهر، والأخذ بالظاهر هو اللازم؟!
قلنا: الأدلة الأخرى هي التي جعلتنا نؤول الظاهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فبها ونعمت)؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم يوم الجمعة) ، وعمر بن الخطاب لا يرضى بمنكر وقد رأى عثمان رضي الله عنه وأرضاه دخل يوم الجمعة بعد الأذان وقال له: ما بال أقوام يأتون بعد الأذان؟! فقال: والله ما زدت على الوضوء، فقال: والوضوء أيضاً، ولو كان واجباً لقال له: اذهب فاغتسل، وقد قيل: لو اغتسل فستضيع عليه الصلاة، وهذا الكلام فيه نظر، وعلى كل فعندنا حديث صحيح صريح جداً في المسألة وهو قوله: (إذا توضأ أحدكم يوم الجمعة)، وقد قال بعض العلماء بوجوب الاغتسال يوم الجمعة لمن تظهر منه رائحة، وهذا القول هو أرجح الأقوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من وجد منهم الريح وقال: (لو اغتسلتم في هذا اليوم)، وهذا الذي تميل إليه عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فمن قال بهذا القول فما أبعد، لكن نحن الآن نتكلم على المذهب وأنه مستحب وهذا قول جماهير أهل العلم.
وهكذا غسل العيدين مستحب، والحكمة من ذلك: إزالة الرائحة في اجتماع الناس.
والاغتسال للجمعة يبدأ من بعد طلوع الفجر إلى آخر ساعة رواح إلى الجمعة، والأولى والمستحب والمتأكد: أن يغتسل قبل الذهاب إلى الجمعة حتى تحصل الحكمة من الغسل، وهي عدم وجود الرائحة.
الغسل لمن أراد دخول مكة وللإحرام
الغسل من غسل الميت