إسلام ويب

مسائل خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية - التبرك [2]للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ينقسم التبرك إلى قسمين: تبرك مشروع، وتبرك ممنوع، فالتبرك المشروع مثل: التبرك بآثار الأنبياء وذواتهم حال حياتهم، أو بآثارهم بعد مماتهم إن ثبت وجودها. وأما التبرك بآثار غيرهم من الصالحين والأولياء فيجوز التبرك بأفعالهم ودعائهم، وأما التبرك بغير ذلك فلا يجوز؛ وذلك لأن الصحابة والتابعين لم يتبركوا بذوات كبار الصحابة ولا بآثارهم، فلما لم يفعلوا ذلك مع وجود المقتضي وانتفاء المانع، دل ذلك على أنه غير مشروع.

    معنى التبرك

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله, وأحسن الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.

    بينا في الدرس الماضي معنى التبرك وأصل التبرك، وأن التبرك عبادة, وجماع التبرك هو طلب البركة، وإذا قلنا بأن جماع التبرك هو طلب البركة أو زيادة الخير, فالطلب إذاً لا يكون إلا ممن يملك هذه البركة، ولا أحد يملك هذه البركة إلا الله جل في علاه.

    وطلب البركة يتعلق بها أمران:

    الأول: ألا يكون الطلب إلا من الله, فمن طلب من غير الله جل في علاه فقد وقع في الشرك؛ لأن الطلب دعاء والدعاء عبادة, ومن صرف العبادة لغير لله فقد وقع في الشرك, فمن صلى لغير الله فقد أشرك, وأيضاً من دعا غير الله لجلب منفعة أو دفع مضرة فقد أشرك.

    الأمر الثاني: من اعتقد بأن البركة بيد أحد غير الله فقد اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله، ومن اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله فقد وقع في الشرك.

    فهناك قاعدة تقول: من عبد الله واعتقد في الله حق الاعتقاد ثم اتخذ سبباً لم يشرعه الله جل في علاه فقد وقع في الشرك الأصغر؛ لقول الله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، وقوله تعالى: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27].

    في هذا الدرس سنبين التبرك الممنوع، وقد ابتدأنا به من باب قول الشاعر:

    عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لم يعرف الخير من الشر يقع فيه

    فنحن نبين للناس الشركيات التي لا بد أن يتجنبوها وحتى يسلم توحيد المرء.

    حكم التبرك بالأمكنة والأشجار

    من التبرك الممنوع: التبرك بالكعبة, والتبرك بمقام إبراهيم, والتبرك بجدران بيت المقدس، أو بجدران المسجد النبوي, فكل ذلك لا يجوز, وأيضاً التبرك بالأشجار كما بينا في حديث: (اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، قال: الله أكبر إنها السنن، فقد قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138])، ورجحنا أن هذه المسألة من الشرك الأصغر وليست شركاً أكبر، وهو من باب التغليظ والزجر الشديد؛ حتى يسلم أهل التوحيد من الشرك الأصغر فضلاً عن الشرك الأكبر.

    حكم التبرك بالأزمنة

    أيضاً من التبرك الممنوع: التبرك بالأزمنة, وقد قلنا: إذا اعتقدنا اعتقاداً جازماً صحيحاً بأن البركة من الله جل في علاه, فإن هذه البركة لها أسباب، وهذه الأسباب من اتخذها جعل الله له البركة، فقد شرعها سبحانه لحصول البركة, ومن اخترع أو ابتدع أو شرع أسباباً لم يشرعها الله جل في علاه فقد أشرك.

    فإذا قال امرؤ: أن البركة نزلت في أزمنة معينة، فإن لم يأت عليها بدليل من كتاب الله ولا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد افترى على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله جل في علاه علام الغيوب, وهو الذي يملك البركة وهو الذي أنزل البركة, فهو يعلم أين تكون البركة, وما السبب الذي إذا أخذ به المرء حصلت له البركة، فإن قال الله لنا: إن زمان كذا ومكان كذا فيها البركة في أعمالكم وفي أرزاقكم، أخذنا بهذه الأسباب، وإن لم يذكر الله جل في علاه فليس لأحد أن يتقدم بين يدي الله ورسوله ويقول: هذا زمان تتنزل فيه البركات, وتكثر فيه الرحمات, وترفع فيه الدرجات, وتغفر فيه السيئات.

    نماذج من التبرك الممنوع ببعض الأزمنة

    من قال: بأن الاحتفال بالمولد النبوي مثلاً فيه بركات, وهذا زمن مبارك لا بد أن نتبرك بالاجتماع فيه، وإظهار السرور، وتوزيع الطعام، والاحتفال فيه؛ لأنه زمن مبارك على الله وعلى رسوله.

    أو يقول مثلاً: ليلة النصف من شعبان ليلة مباركة، فنفعل فيها كذا وكذا, أو الأعياد المخترعة: كعيد الحب، وعيد الشجرة, فكل هذا لا يصح؛ لأن الله جل في علاه لم يذكر في كتابه أن هذه الأيام أيام مباركات, فيتبرك بها المرء.

    إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك طائراً يقلب جناحيه في السماء إلا وأخبرنا خبره، ولم يقصر في البلاغ؛ والله جل في علاه يقول: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67] فلو كانت هذه الأزمنة من المولد النبوي أو ليلة الإسراء والمعراج أو ليلة بدر أو غيرها أزمنة مباركة تتنزل فيها البركات لبينها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأزمنة من الأزمنة المباركات, لزم من يقول ببركتها الآتي:

    أولاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر في البيان, وحاشاه صلى الله عليه وسلم، فقد شهد الله أنه بلغ وأتم البلاغ.

    ثانياً: أنكم مفترون ومتقدمون بين يدي الله ورسوله، فلا نقبل قولكم.

    إذاً: فهؤلاء قد افتروا على الله وعلى رسوله بأن ابتدعوا أزمنةً وقالوا: إن هذه الأزمنة تتنزل فيها البركات، وهذا من باب الشرك الأصغر لا الشرك الأكبر؛ لأنهم لم يعتقدوا في غير الله ولم يطلبوا البركة من غير الله جل في علاه, لكنهم اتخذوا سبباً لم يشرعه الله جل في علاه للبركة, وقد بينا أن البركة عبادة, والأصل في العبادات التوقيف.

    وختاماً نقول: ليس معنى كلامنا أننا نغلق على الناس هذا الباب ونقول لهم: لا بركة في أي شيء، لا، فإن ديننا السمح وشريعتنا الغراء إذا أغلقت باباً فتحت أبواباً للناس، ففتحت أبواب الرجاء والخير للناس, فهناك التبرك المشروع, فإنا نرجو من الله جل في علاه أن يبارك لنا فيما رزقنا، وأن البركة أفضل بكثير من الكثرة.

    شروط البركة المشروعة وأنواعها

    هذه البركة لها شروط:

    الأول: الاعتقاد الصحيح بأن البركة بيد الله جل في علاه.

    الثاني: لا تطلب البركة من غير الله.

    الثالث: اتخاذ الأسباب الصحيحة التي بها نحصل على البركة.

    وهذه البركة أنواع: فهي أقوال وأفعال وهيئات وأمكنة وأزمنة.

    البركة في الأقوال

    هناك أقوال فيها بركة, ومن هذه الأقوال: تلاوة القرآن, فإن الله جل في علاه قد وصف كتابه بأنه كتاب مبارك, والبركة في القرآن هي بتلاوته وتدبره وبتطبيق حدوده وأحكامه, فقال الله تعالى مبيناً لنا كيف تكون البركة في هذا الكتاب كما في سورة المزمل: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20] ولذلك ترجم النبي صلى الله عليه وسلم هذه البركة فقال: (اقرءوا القرآن فإن لكم بكل حرف حسنة, والحسنة بعشرة أمثالها، لا أقول: (آلم) حرف، ولكن (ألف) حرف و(لام) حرف و(ميم) حرف) فبهذه الآيات المباركات تتحصل البركات بمضاعفة الحسنات، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة, فهذه من بركة هذا الكتاب.

    وقد رد في الأثر: (أنه لا يعبد الله بخير مما خرج منه) وهو القرآن، ويقول عثمان بن عفان كما في (الشُّعَب) بسند صحيح: لو طهرت قلوبنا لما شبعنا من كتاب الله.

    فالبركة الحسية: هي مضاعفة الحسنات، وأما البركة المعنوية: فهي حلاوة الإيمان, والتلذذ بكلام الله جل في علاه, فترى الشخص يهجر كل كلام، ولا يريد أن يتكلم بشيء إلا بكتاب الله, فهو مع كتاب الله نائماً ومستيقظاً, جالساً وقاعداً, قائماً وماشياً, ويدور في خلده وعلى لسانه كلام الله جل في علاه, فهذه هي البركة التي تشع نوراً في قلب العبد, فيحلو بها الإيمان، ويتلذذ المرء بتلاوة كلام الله جل في علاه, ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ناصحاً للرجل الكبير الشيخ الهرم: (لا يزال لسانك رطباً بذكر الله جل في علاه) وأدنى من ذلك منزلة ذكر الله, فالذكر أيضاً يأتي للمرء بالبركات، فإن المرء إذا قال: لا إله إلا الله مائة مرة صباحاً ومائة مرة مساءً فإن البركة تأتيه من كل حدب وصوب, وهذه بركة معنوية.

    وأما الحسية: فإن الله جل في علاه يحفظه من الشيطان, والله جل في علاه يكتب له أجر عتق عشر رقاب, وأيضاً يكتب الله له حرزاً وحفظاً وحصناً من الشيطان الرجيم, فلا يستطيع إليه سبيلاً.

    وأيضاً الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تأتي بالبركة حسياً ومعنوياً، فكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تزيد البركة, بل من بركة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يكفيك همك، ويغفر ذنب, فمن بركة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يكفيك الهم والحزن, ويبارك لك في رزقك.

    وأيضاً كثرة الاستغفار تأتي بالبركة في الدنيا والآخرة معنوياً وحسياً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن تسره صحيفته يوم القيامة فليكثر من الاستغفار) يعني: يرى في صحيفته يوم القيامة كثرة الاستغفار, فبالاستغفار تتنزل الرحمات, وينزل الغيث من السماء, ويكون الولد, وتكثر الأموال.

    فإذا استيقن المرء وعلم أن البركة بيد الله، وطلبها من الله مع الأخذ بالسبب الصحيح الشرعي من تلاوة قرآن وكثرة ذكر الله جل في علاه, فإن البركة ستحل به من كل جانب.

    البركة في الأفعال

    كذلك من أعلى وأرقى الأفعال الجالبة للبركة طلب العلم, فطلب العلم كله بركة, ويا خسارة من ترك طلب العلم وقد من الله عليه بهذا الطلب ويسره عليه، فمثل هذا ضاعت منه البركة؛ لأن البركة كل البركة مع طالب العلم, وبركة طالب العلم في الحل والترحال حسياً ومعنوياً, قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مامن شيء إلا ويستغفر لطالب العلم) فهذه بركة معنوية, فحتى الحيتان في البحر تستغفر لطالب العلم, وحتى النمل في الجحر تستغفر لطالب العلم.

    ومجلس طلب العلم تحفه الملائكة، وتنزل فيه الرحمة، وتغشاه السكينة، فمن بركة مجالس العلم أن الجاهل الذي يأتي لمصلحة دنيوية حين يجلس في مجلس العلم، وتأتي الملائكة لتكتب الأسماء، فتقول: يا رب إن معهم فلاناً ما جاء إلا لحاجة دنيوية، فيقول الله جل في علاه: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم.

    وأيضاً من بركة طلب العلم أن الملائكة دائماً تحف طالب العلم, وتضع أجنحتها رضاً بما يفعل طالب العلم, فهنيئاً لطالب العلم البركة الحسية والمعنوية، وقد ورد في الحديث: (أن رجلاً فقيراً جلس يسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم ويكتب الحديث، فجاء أخوه الذي يرعاء ويسعى عليه ويكد ويتعب له, فقال: يا رسول الله إني أكد من أجل فلان ويتركني ويأتيك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : دعه لعلك ترزق به) يعني: أن الرزق الذي يأتيك لو كان درهماً واحداً فببركة طلب علم أخيك ستأتيك آلاف الدراهم.

    فهذه البركة فاتت على كثير من الناس, وضاعت عن أذهان كثير من الناس, وما فاز بها إلا من حباه الله أن يسلك طريق طلب العلم.

    وأيضاً من البركات في الأفعال: الاجتماع, يقول النبي صلى الله عليه وسلم (يد الله مع الجماعة) فالاجتماع دائماً يأتي بالبركة الحسية والمعنوية، فإذا كان الله معك وهو ناصرك فمن يستطيع أن يغلبك؟! وإذا كان الله معك رازقك فمن يمنع عنك الرزق؟! وإذا كان الله معك غافراً لذنبك فمن يأخذك بهذا الذنب؟! وإذا كان الله معك رافعاً إياك دراجات فمن يذمك؟! فالممدوح بحق من مدحه الله, ولما دخل الأعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أعطني؛ فإن مدحي زين وذمي شين، قال صلى الله عليه وسلم ذاك الله) يعني: أن المدح بحق من الله والذم بحق من الله.

    وأما حسياً فمثل: الاجتماع على الطعام، فطعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة, والنبي صلى الله عليه وسلم ينصحنا ويحث الأمة على هذه البركة والتمسك بها فيقول: (اجتمعوا على طعامكم، واذكروا الله عليه؛ يبارك لهم فيه)، فالبركة في الطعام تأتي بالاجتماع، وتأتي بتسمية الله جل في علاه عليه.

    وأيضاً من أجل الأسباب مع طلب العلم للحصول على البركة: التقوى، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ [الأعراف:96] وما قال: كثرنا، قال: لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96]، وقال سبحانه: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].

    وأيضاً من الأطعمة والأشربة التي هي مباركة: ماء زمزم, فماء زمزم كله بركة, كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ماء زمزم لما شرب له) وفي رواية صحيحة قال: (إنه طعام طعم، وشفاء سقم).

    وبقي أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه أربعين يوماً وليلة لا يأكل شيئاً غير ماء زمزم.

    وأيضاً: الزيتون مبارك، قال الله تعالى: يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ [النور:35]،والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلوا من هذا الزيت وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة).

    وأيضاً: الحبة السوداء, فالحبة السوداء فيها بركة، وكثير من الناس يغفل عنها مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الحبة السوداء دواء من كل داء إلا الموت).

    وأيضاً: عسل النحل فيه بركة، فعجباً لهؤلاء القوم الذين يذهبون يتمسحون بالأولياء وتراب الأولياء ويتركون هذه البركات الحسية والمعنوية التي نراها في عسل النحل، قال الله عنه : فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ [النحل:69].

    وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه جاءه رجل يشتكي بطن أخيه, فقال: أسقه عسلاً، فازداد الأمر عليه، قال: اسقه عسلاً، فازداد الأمر عليه، قال: اسقه عسلاً, فازداد الأمر عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق الله وكذبت بطن أخيك، اسقه عسلاً, فشفي الرجل بعدما شرب العسل) ، فالعسل فيه بركة.

    الأماكن التي تحل فيها البركة وحقيقة هذه البركة

    هناك أماكن مباركة تحل فيها البركة, لكن هذه الأماكن ليست مباركة بجدرانها ولا بترابها، فلا تذهب تتمسح بالجدار ولا بالترب، وإنما البركة تحل فيها بالأعمال الصالحة.

    وأول هذه الأماكن: مكة، فمكة حرم الله المبارك, وقد حرمها إبراهيم عليه السلام, وفيها البيت مبارك, كما قال الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا [آل عمران:96].

    والمدينة أيضاً مباركة, وقد حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفيها المسجد النبوي.

    وأيضاً: بيت المقدس مبارك, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً بركة هذه البقاع الثلاث: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الأقصى، والمسجد الحرام)ثم فسر النبي صلى الله عليه وسلم بركة هذه البقاع بقوله: (إن الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة, والصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة)، وقد جاء في الأثر وإن كان يضعفه بعضهم: (أن الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة)، لكن يستأنس به، وله شواهد تدل على مضاعفة الأجر بالصلاة في بيت المقدس.

    إذاً: فالتبرك بهذه الأماكن ليس بترابها ولا بجدرانها، بل بالأعمال فيها.

    وأيضاً: أرض الشام كلها مباركة، ولذلك لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب تفضيل هذه الأرض عن غيرها، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الملائكة باسطةً أجنحتها على أرض الشام) فهذه من بركة أرض الشام، وكذلك جاء في الحديث: (اللهم بارك لنا في شامنا).

    إذاً: فأرض الشام بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها أرض مباركة.

    وكذلك المدينة فضلها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من استطاع منكم أن يموت في المدينة فليمت، فإني شفيع لمن مات في المدينة).

    فعلى المرء أن يلتمس البركة في هذه الأراضي ليس في جدرانها ولا بترابها, وعندما نقول: هذه الأراضي مباركة لا نعني أن الناس الذين فيها مباركون؛ لأنك قد تجد في هذه الأراضي المباركة أفسق وأفجر أهل الأرض, فالناس لا يقاسون بالأراضي, ولو قيس الناس بالأراضي لكان أرفع الناس أبا جهل , مع أنه أكفر الناس.

    إذاً: فالناس لا يقاسون بالأراضي, وإنما الأمر كما قال: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] يعني: أن ميزان الأشخاص ومقياسهم عند ربهم هي القلوب التي عمرت بالإيمان.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088479878

    عدد مرات الحفظ

    776932844