إسلام ويب

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - الإيمان يزيد وينقصللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأن الناس يتفاوتون في التصديق والإيمان، والإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح. أما مسألة الاستثناء في الإيمان فأهل السنة مختلفون فيها على أقوال عدة.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ما زلنا مع شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للعلامة اللالكائي في باب: جماع الكلام في الإيمان، وقد سبق الكلام على الإسلام والإيمان والعلاقة بينهما، وبيّنا فصل الخطاب في تعريف الإيمان لغةً وشرعاً، وبينا أيضاً أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين ظاهر الإيمان وباطنه.

    وسنتكلم هنا عن الاستثناء في الإيمان، وعن زيادة الإيمان ونقصانه فأقول: باب جماع ما قيل في الإيمان والكلام على أن الإيمان يزيد وينقص.

    إن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فيزيد بكل طاعة يطيع المرء بها ربه جل وعلا حتى يصير كالجبال، فيعيش المرء بجسده مع الناس وروحه في السماء مع الملائكة.

    وأيضاً ينزل الإيمان بسبب المعاصي حتى يتسفل المرء، فيعيش بجسده مع الناس وهو بروحه مع الجن والشياطين في سابع أرض.

    قال بعض السلف: يزيد الإيمان حتى يصير كالجبال، وينقص حتى يصير كالهباء.

    أجمع أهل السنة والجماعة خلافاً للمرجئة على أن الإيمان يزيد وينقص، ثم اختلفوا فيما بينهم في محل الإيمان هل هو القلب أم العقل.

    والصحيح: أن محل الإيمان هو القلب، والإيمان الذي في القلب قول وعمل، فقول القلب هو التصديق، وعمله هو الانقياد والاتباع واليقين.. إلى آخر هذه التسلسلات.

    ثم اختلفوا فيما بينهم: هل زيادة الإيمان تكون في التصديق أم في الأعمال فقط؟ وقد اتسعت دائرة الخلاف بين أهل السنة والجماعة، وهو خلاف لفظي، والراجح: أن الإيمان يزيد في التصديق وينقص، ويزيد في الأعمال الظاهرة وفي أعمال القلوب وينقص.

    الأدلة على تفاوت التصديق

    إن تصديق الملائكة لا يساويه تصديق أحد من الخلق، فتصديق الصحابة الكرام لا يداني تصديق الملائكة الذين رأوا كمال الله جل وعلا، وجماله وعظمته وآثار قوته وجبروته.

    وأيضاً فتصديق الصحابة الكرام لا يداني تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أُوحي إليه، وكذلك تصديق التابعين لا يساوي تصديق الصحابة، بل إن الصحابة الكرام يتفاوتون فيما بينهم في التصديق، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه سبق الجميع؛ لتصديق قلبه بالله جل وعلا، وبما أوحاه الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وهذه أمثلة تبين لك زيادة التصديق وعلوه إلى السماء:

    فـأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بعلو التصديق، وذلك لما غاضب أبو بكر عمر رضوان الله عليهما، فجاء أبو بكر وحسر عن ركبته، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إليه وقال: (أما صاحبكم فقد غامر)، وعلم أن هناك مشاحاة بينه وبين أحد الصحابة، فلما جاء عمر بعده نظر النبي صلى الله عليه وسلم إليه مغضباً وتمعر وجهه، وعُرف الغضب في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (هلا تركتم لي صاحبي؟! صدقني وكذبتموني)، فشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بعلوه في التصديق.

    وأيضاً: ظهر علو تصديق أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه على الصحابة بما فيهم عمر وعثمان وعلي في مواقف كثيرة جداً.

    منها: لما مات النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر من قال: (إن نبي الله قد مات علوته بسيفي هذا، إن رسول الله ذهب إلى ربه وسيرجع كما ذهب موسى إلى ربه ورجع، ثم دخل الصديق بعلو صدقه في قلبه على النبي صلى الله عليه وسلم فبكى، ثم قبل النبي صلى الله عليه وسلم بين عينيه وقال: طبت يا رسول الله حياً وميتاً، ثم خرج على الناس فقال: أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم قرأ قول الله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران:144].

    فخر عمر رضي الله عنه وأرضاه مغشياً عليه؛ لأنه لم يحتمل الموقف، لكن تصديق أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه كان أقوى فثبت في هذا الموقف؛ لذلك فالعلماء حينما يفاضلون بين الملُهم وبين الصديق فإنهم يقولون: الصديق أعلى مقاماً من الملهم، فـعمر كان ملهماً بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن كان في هذه الأمة ملهم فهو عمر بن الخطاب)، لكن الصديق لم يحتج إلى إلهام؛ لأن قلبه ناصع، فيجري الحق على قلبه دون إلهام.

    ودليل ذلك أيضاً: أن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه وافق كلامه كلام النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، وأما عمر فلم يتحمل هذا الموقف فقال: (يا رسول الله! ألسنا على الحق؟ قال: نعم، قال: أليسوا على الباطل؟ قال: نعم، قال: فلم نعطي الدنية في ديننا؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا رسول الله ولن يخذلني الله جل وعلا، ثم رجع عمر وقال: أذهبُ إلى أبي بكر لعله يؤثر في رسول الله، فذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه فقال: يا أبا بكر ! ألسنا على الحق؟ قال: بلى، قال: أليسوا على الباطل؟ قال: بلى، قال: فلم نعطي الدنية في ديننا؟! فقال أبو بكر بتصديقه التام المجرد في قلبه الناصع، مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هو رسول الله ولن يخذله الله، والزم غرز رسول الله صلى الله عليه وسلم).

    فهذا يدل على التفاوت في التصديق القلبي بين الصحابة رضوان الله عليهم وأرضاهم.

    وأيضاً: مما يدل على التفاوت في الإخلاص والمحبة، قول عمر رضي الله عنه وأرضاه لما استعلى يقينه بربه: والله إني لا أحمل هم الإجابة -أي: إجابة الدعاء- ولكني أحمل هم الدعاء، فإذا رفعت يدي لله جل وعلا فإن الله سيقبل دعائي يقيناً؛ عملاً بقول الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].

    فاستيقن بقول الله تعالى، فقال: والله إني لا أحمل هم الإجابة؛ لأني على يقين منها؛ لأن القائل هو الله، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122].

    واستعلى يقين خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه لما شرب السم أمام ملك الروم أو الفرس، واستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم لم يضره شيء).

    فاستيقن في هذا وعلم النتيجة يقيناً ثم وقف أمام الرجل وأخذ السم وقال: أشرب هذا أمامك ولا أموت، فأخذ السم وقال: (باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) وشرب السم ولم يحدث له شيء.

    وكذلك همم الصحابة علت لما علا اليقين والتصديق في قلوبهم، فجاء رجل في غزوة أحد أو في غيرها للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله ما يضحك الرب؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أن تتقدم مقبلاً غير مدبر، وتخلع درعك وتقدم نحرك أمام الأعداء، فتقاتل حتى تقتل في سبيل الله، قال: أيضحك الرب من ذلك؟ قال: يضحك الرب من ذلك، قال: يا رسول الله، إذاً: لن نعدم خيراً من رب يضحك، ثم أخذ الدرع فألقاه، وأخذ السيف ودخل حين حمى الوطيس يقاتل في سبيل الله، وقدم نحره حتى قتل في سبيل الله)، ونحن على يقين أن الله سيضحك له يوم القيامة، ثم ينال رحمات الله في الفردوس الأعلى إن شاء الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحسبه كذلك بإذن ربنا الجليل، وقبح الله المبتدعة الذين ينفون صفة الضحك.

    حال الصديقين وحال المنافقين في غزوة الخندق

    لقد فصل الله بين صف الصديقين وصف المنافقين في غزوة الخندق، لما تألب الناس من مشارق الأرض ومغاربها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى إنه لم يستطع أحد من الصحابة أن يقضي حاجته، وعندما ظهرت كدية كبيرة وهم يحفرون الخندق ولم يستطيعوا أن يفعلوا لها شيئاً، جاء النبي صلى الله عليه وسلم فضربها حتى فلقها نصفين، ثم قال: (الله أكبر، أعطيت الكنزين: الأحمر والأصفر)، يعني: بلاد فارس والروم.

    فلتصديق ويقين وإيمان الصحابة صدقوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [الأحزاب:22].

    أما المنافقون الذين في قلوبهم ريب فقالوا: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12]؛ لأن الريب يملأ قلوبهم.

    فالإيمان يزيد وينقص، ومحله القلب، فيزيد بالتصديق، بأعمال القلب من إخلاص ومحبة ويقين وتوكل على الله جل وعلا، وهناك أمثلة كثيرة جداً في التوكل، فمنها: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً).

    وكما فعل كثير من الصحابة كان يكتفي بقوت يومه؛ لأنه يعلم أن الرزق بيد الله، وكان الحسن البصري تاجراً فكان يعرض بضاعته فإذا اكتفى بقوت يومه انتهى، وقال: الحمد لله، وأخذ تجارته، قالوا: يا رجل يأتي الناس إليك لتربح في التجارة، قال: علمت أن رزقي بيد ربي ولن يصل إلى غيري فاطمأن قلبي.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088542975

    عدد مرات الحفظ

    777228210