إسلام ويب

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - كبائر الذنوبللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الذنوب تنقسم إلى: صغائر وكبائر، ومن رحمة الله بعباده أن جعل الحسنات يذهبن السيئات، وبما أن الإنسان معرض للذنوب فحري به أن يكثر من فعل الطاعات؛ حتى تكفر عنه المعاصي والسيئات، وقد حذر الشرع من الوقوع في الذنوب وخاصة الكبائر منها، وأعظم الذنوب وأكبرها الشرك بالله، فعلى المرء أن يجتنب الذنوب صغيرها وكبيرها.
    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد:

    من بديع نسق المصنف رحمه الله أنه تكلم عن الذنوب ليلمح بذلك إلى مذهب المعتزلة والخوارج وحكم مرتكب الكبيرة الذي فصلنا فيه القول سابقاً.

    أقول مستعيناً بالله اختلف العلماء في الذنوب على قولين.

    القول الأول: أن الذنوب صنف واحد كلها كبائر، وهؤلاء يلحظون عظمة الله جل وعلا، كما قال بعض السلف، لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.

    القول الثاني: قول الجمهور وهو الحق، ويقولون: إن الذنوب تنقسم إلى قسمين: كبائر، وصغائر، وقول الجمهور صحيح؛ لأن الأثر والنظر يدلان على ذلك.

    أما الأثر: فقد صرح الله جل وعلا في كتابه فقال: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، وهذا تنصيص يفهم منه: أن هناك ذنوباً دون الكبائر وهي الصغائر.

    وأيضاً قال الله تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32]، وقال أبو هريرة: (اللمم) القبلة وهي فوق النظرة، فإذا الكبائر فوق والقبلة؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه أعد القبلة من الصغائر.

    وأيضاً حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ وفي رواية: ألا أنبئكم بالكبائر؟ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)، فهذا تنصيص من النبي صلى الله عليه وسلم على الكبائر، فدل ذلك على أن هناك ما هو دون الكبائر.

    أما النظر: فمعروف أن هناك تخصيصاً بين الكبائر وبين الصغائر؛ لأن الشريعة السمحاء، لم تفرق بين المتماثلين ولكنها فرقت بين المختلفين.

    قال الله تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص:28]، فالله جل وعلا يفرق بين المفترقين، وهنا لم تسور الشريعة بين الذي قبل أو فاخذ وبين الذي وطأ وزني، فالزنا فيه الحد وليس في التقبيل والمفاخذة الحد؛ لأنه جاء في الحديث: (أن رجلاً قبل امرأة، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أقم علي الحد فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة حتى أقيمت الصلاة وصلى معه، ثم قال: أين السائل؟ فقال: أنا يا رسول الله! قال: أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: قد غفر الله لك، ثم قرأ قول الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]) فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقم الحد على هذا الرجل الذي قبل؛ لأن القبلة لا تساوي الوطء، بل السب لا يساوي الغيبة والنميمة، كذلك إن رضي في أهله بعض الخبث دون الزنا لا يكون كالديوث؛ لأن الديوث لا يدخل الجنة.

    فهذه دلالة بالنظر على أن الفريقين المختلفين لا يستويان، فهذا من النظر الذي يدل على تفصيل الذنوب وتقسيمها إلى كبائر وصغائر.

    بعض الأحاديث التي ذكر فيها أمهات الكبائر

    لقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات الكبائر في خمسة أو ستة أحاديث منها: ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله! وما هن؟ فقال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات)، فهذه سبع من الموبقات المهلكات كما سنبينها إن شاء الله بالتفصيل.

    ومنها: ما في الصحيحين أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أن تزاني بحليلة جارك).

    ومنها أيضاً: ما في الصحيح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أنبئكم بالكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين) ومنها أيضاً: ما في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أو ذكر عنده الكبائر، فقال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس ثم قال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور، فقال الصحابي: ما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت).

    فهذه مجموعة من الأحاديث جمعت أمهات الكبائر.

    أقوال العلماء في حد الكبائر وضبطها وعددها

    لقد اختلف العلماء في حد الكبائر وضبطها وكم هي، فقال ابن مسعود هي أربع، وسنده الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قلت: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك).

    وسئل ابن عمر عن الكبائر فقال: هي سبع، وسنده في ذلك الحديث الذي رواه أبو هريرة : (اجتنبوا السبع الموبقات) فلما روي إلى حبر الأمة ابن عباس: أن ابن عمر قال: هي سبع قال: هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع، فبين أنها كثيرة.

    ونقول: الحد الذي حده ابن عباس كان حداً واضحاً فقال: كل ما أوجب الله على عمل من نار فهو كبير، وهذا حد قاطع، يعني: كل شيء أوجب الله النار على من فعله فهو من الكبائر.

    وقال سعيد بن جبير : من حد على عمل فهو من الكبائر.

    ثم إن شيخ الإسلام جمع هذه الأقوال وقال: كل لعن في عمل فهو من الكبيرة، وكل ما أوجب حداً فهو كبيرة، وكل ما جاء النص بالويل والثبور والعذاب في الآخرة فهو من الكبائر. يعني: إذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله كذا، فهذا الفعل من الكبائر، ويدخل في ذلك أمر يستخف به الناس، وهو الاستنزاه من البول، فعدم الاستنزاه أو عدم الاستتار من البول من الكبائر، فقد جاء في الحديث عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين يعذبان، فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال: بلى بل هو كبير، أما الأول فكان لا يستنزه من بوله)، فويل لمن لا يحسن الاستنجاء ويل له؛ لأنه قد فعل كبيرة، وفي رواية أخرى قال: (لا يستتر من بوله)، فويل ثم ويل لمن يتكشف ولا يستر عورته؛ فإن كشف العورات فيها العذاب في القبر، بل عامة عذاب القبر من عدم الاستنزاه من البول.

    وأيضاً: الغيبة والنميمة هما من الكبائر.

    وأيضاً: التخلي في الطرق في الأماكن، أو المثمرة -أي: التي فيها شجر أو هي ظل للناس- ببول أو غائط من الكبائر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا اللعانين، قالوا: يا رسول الله! ما اللاعنان؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الذي يتخلى في طريق الناس، أو ظلهم).

    الغرض المقصود: أن ما فيه لعن أو أوجب حداً أو كان فيه عذاب في الآخرة، فهو كبيرة من الكبائر. س

    تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لأكبر الكبائر

    إن أكبر الكبائر هو الشرك بالله، والشرك أولى التفسير به ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال فيه: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، أي: تجعل لله نداً في الأسماء والصفات، وتجعل له نداًُ في الربوبية، وتجعل له نداً في الإلهية كما سنبين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088552498

    عدد مرات الحفظ

    777284478