التوسل الشركي
أما التوسل الشركي: فهو صرف التوسل لغير الله:
إذ إن كل عبادة ثبتت بالشرع فصرفها لله عبادة، وصرفها لغير الله شرك، وقد ثبت في الشرع أن التوسل عبادة فصرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك.
ونرى اليوم من صرف التوسل الذي هو عبادة لغير الله فأشرك في ذلك، كمن يذهب إلى البدوي فقول: يا بدوي ! أنقذني من المهالك، أو المرأة تذهب إلى قبره فتقول: يا بدوي ! ابنتي لا تنجب فاجعلها تنجب، أو كمن يذهب إلى ضريح عبد القادر الجيلاني فيقول: يا جيلاني ! يا ولي الله! اجعل السماء تمطر، فهذا دعاء لغير الله، وصرف الوسيلة لغير الله شرك، فقد وقع من يفعل ذلك في الشرك والعياذ بالله.
على أن هذا هو فعل الذين أشركوا في الجاهلية قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا يتعبدون لغير الله فيدعون ويستغيثون بغير الله، ويقولون:
مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى
[الزمر:3] فكذبهم الله.
ومن يذهب إلى البدوي أو إلى الجيلاني فيصرف التوسل لغير الله كأن يدعوه ويستغيث به، فقد كفر من وجهين اثنين:
الوجه الأول: أنه صرف التوسل وهو عبادة لغير الله، فكفر من جهة الإلهية؛ لأن القاعدة في الإلهية: كل عبادة ثبت بالشرع أنها عبادة فصرفها لله توحيد وصرفها لغير الله شرك.
الوجه الثاني: وهو وجه الربوبية؛ لأنه اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله.
قال ابن تيمية وتابعه ابن القيم : من اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله فقد كفر.
فمن يذهب إلى قبر البدوي فقد اعتقد في البدوي ما لا يعتقد إلا في الله، فاعتقد فيه أنه سينقذه من المهالك، واعتقد فيه أنه سيحيي له ابنته، أو يصلح له زوجه أن تنجب، وهذا لا يكون إلا لله.
والقاعدة عند العلماء: من اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله فقد كفر.
إن إطلاق لفظ (بدعة) يفيد أن العمل لا يرتكز على دليل، إذ الأصل في العبادات التوقيف.
ونعني بقولنا: الأصل في العبادة التوقيف، أنه لا يمكن أن ينشئ المرء عبادة إلا بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله.
فأي عبادة يريد المرء أن يتعبد الله بها فلا بد أن تكون خاضعة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا قلت: التوسل عبادة، فلا بد لي من دليل حتى أتوسل به.
التوسل البدعي: هو توسل جاء به صاحبه من غير دليل من الشرع، وهو أقسام:
القسم الأول: توسل بذات الصالحين، أو بجاه الصالحين.
القسم الثاني: التوسل بدعاء الأولياء الأموات.
وإنما قيد بالأموات لأنه يجوز التوسل بدعاء الصالحين الأحياء.
التوسل بجاه الصالحين
التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم مما انتشر بين العامة، فتجد أحدهم يقول: اللهم بحق جاه نبيك افعل كذا وكذا.
وهذا التوسل عند أهل التحقيق من أهل السنة والجماعة بدعة من البدع المنكرات، يحرم على الإنسان أن يفعله، فإن فعله جاهلاً فعلم فأصر على ما هو فيه، فهو آثم عند ربه، وهذه ذريعة للشرك والعياذ بالله.
وهذا التوسل توسل بدعي لأمرين اثنين:
الأمر الأول: أنه لم يأت عليه دليل من الكتاب، ولا من السنة، ولا من فعل الصحابة، والله قد أمرنا باتباع كتابه وسنة نبيه، ثم اتباع أصحاب نبيه من بعده.
وإنما عطفت السنة على الكتاب بالواو لأنه لا بد من اقتران كتاب الله مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهما صنوان.
أما الكتاب: فلم يرد في كتاب الله دليل يثبت التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما السنة: فلم يرد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لا من قوله ولا من فعله ولا من تقريره.
وأما ما ورد عن أبي بكر وعمر أنهما استسقيا بجاه النبي صلى الله عليه وسلم فإنه من الكذب المفترى على الصحابة رضوان الله عليهم.
وبما أنها لم ترد في كتاب ولا سنة ولا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فهي بدعة وإن قال بها بعض الفضلاء من أهل السنة والجماعة، وإن كانوا من العلم بمكان مثل: العز بن عبد السلام وغيره، فإن قولهم ليس بصحيح بحال من الأحوال، بل هو بدعة مميتة لأمرين اثنين:
الأمر الأول: أنه لم يرد دليل.
الأمر الثاني: أنه توسل بشيء أجنبي وهو جاه النبي صلى الله عليه وسلم، وجاه النبي ينفع النبي لأنه صاحب الجاه ولا ينفع غيره، فمن يتوسل بجاه النبي يتوسل بشيء أجنبي، ولا يتوسل بشيء شرعه الله جل في علاه، وإنما ينفعك النبي بشفاعته لا بجاهه.
ولو كان الجاه والتوسل بالجاه مشروعاً لبينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لم يتم لنا البيان، ولم يتم لنا البلاغ.
والرسول هو أحرص الأمة على أن يدل الأمة على كل خير، ولو كان في التوسل بجاه النبي خير، لكان لزاماً على رسول الله أن يبين لنا أن التوسل المشروع هو التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم، فلما لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن جاهه يمكن التوسل به، قلنا: هذه بدعة، ولا يصح لأحد أن يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم.
التوسل بطلب الدعاء من الأموات