إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. محمد حسن عبد الغفار
  5. سلسلة القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه
  6. القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه - درء المفاسد مقدم على جلب المصالح

القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه - درء المفاسد مقدم على جلب المصالحللشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد نهى الإسلام عن مضرة الآخرين، وأصَّل في ذلك قاعدة تندرج تحتها كثير من المسائل العلمية، وهي: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والأدلة على هذه القاعدة ثابتة بالكتاب والسنة، ولها صور من الواقع الذي نعيشه.

    المعنى العام لقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]، أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    فإنَّ القاعدة الفقهية تقول: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

    والمفسدة: هي التي تلحق بمن وقعت عليه الضرر، وهي مرتبطة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).

    والمصلحة: هي التي تجلب المنفعة لمن كانت له هذه المصلحة.

    والمعنى العام للقاعدة كما بينا في القواعد الفقهية: أنه إذا تعارضت مفسدة مع مصلحة فالأولى أن لا ننشغل بالمصلحة، بل الأولى إزالة المفسدة؛ لأن إزالة الضرر أولى من جلب المنفعة؛ لأن إزالة المفسدة أو درءها فيها منفعتان:

    المنفعة الأولى: عدم وقوع المفسدة.

    المنفعة الثانية: تركُ المرء سالماً؛ لأن الضر إذا وقع على الإنسان فإنه يعيقه عن كثير من المصالح التي لا بد أن يتقدم لها.

    ففيها منفعتان: قطع هذه المفسدة التي كانت ستقع، وأيضاً قطع أبواب مفاسد أخرى يمكن أن تجرها هذه المفسدة.

    الأدلة على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح

    والأدلة على هذه القاعدة العظيمة العريضة التي يندرج تحتها كثير من المسائل العلمية: قول الله تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108].

    فالله جل وعلا نهى الصحابة الكرام أن يسبوا الآلهة أو يسفهوا أحلام من يعبد هذه الآلهة، مع أن سب الآلهة الباطلة ممدوح، بل محثوث عليه، وتسفيه أحلام من يفعل ذلك ممدوح، بل محثوث عليه، بل يثاب المرء إذا فعل ذلك، لكن منع الله جل في علاه هذه المصلحة لدرء مفسدة أعظم منها، أو لتعارض مفسدة مع هذه المصلحة، ألا وهي سب الله جل في علاه، فإن من أعظم المفاسد أن يسب الله جل في علاه.

    ولذلك بين لنا الله جل في علاه قاعدة شرعية لا بد أن نسير عليها طيلة تعبدنا لله جل في علاه، ألا وهي: دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، فإن كان في سب الآلهة مصلحة فإن دفع المفسدة أولى.

    ومن الأدلة التي تثبت ذلك: حديث النبي صلى الله عليه وسلم عموماً: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا).

    ففي هذا الحديث دلالة على هذه القاعدة العظيمة، ووجه الدلالة: أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه منفعة، فسهل فيه وعلقه بالاستطاعة، وأمر بامتثال النهي مطلقاً لأنه مفسدة تجتنب، فالحديث يبين أن الشرع يهتم بالانتهاء عن المنهيات، بدفع المفاسد كلها.

    فالمنافع فيها التسهيل، قال صلى الله عليه وسلم: (فأتوا منه ما استطعتم)، أما في المنهيات وفي المفاسد قال: (فانتهوا).

    وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله عنه وأرضاها وقال لها: (لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة، ولبنيتها على قواعد إبراهيم، ولجعلت لها باباً منه يدخل الناس، وباباً يخرجون منه)، ولم يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

    فالمصلحة هنا: أن تكون الكعبة كما بنيت على عهد إبراهيم.

    والمصلحة الثانية: أنه لا يفرق بين الناس، حيث إنَّ أهل مكة كانوا قد جعلوا مصعداً يصعد عليه الشرفاء ليدخلوا الكعبة، لكن الضعفاء أو الفقراء لا يدخلون.

    فكان النبي صلى الله عليه وسلم يريد مصلحة أعظم من ذلك ألا وهي عدم التفريق؛ لأن رب أشعث أغبر عند الله أفضل من آلاف من هؤلاء المعظمين، فقال: (ولجعلت لها باباً يدخل منه الناس)، والمصلحة العظمى: باب يخرجون منه خشية التزاحم.

    فهذه مصلحة عظيمة جداً أن تبنى الكعبة على قواعد إبراهيم، لكن نازعت هذه المصلحة مفسدة فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الشاهد، والمفسدة هي: حدوث الفتنة وهو ارتدادهم عن الإسلام، فإنَّ أهل مكة كانوا يعظمون الكعبة، ويعظمون الشعائر، فإذا رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يهدم الكعبة سيقولون: النبي صلى الله عليه وسلم لا يعظم الكعبة فتحدث الفتنة بينهم، فيرتدون عن الإسلام؛ لأنهم لا يفقهون أن النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم مصلحة كبيرة جداً، بل سيقولون: لم يعظم شعائر الله جل في علاه، كيف يأمرنا أن نعظم شعائر الله وهو لم يعظم شعائر الله حين هدم الكعبة؟

    ومن الأدلة على ذلك: الرجل الذي جاء ينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الغنائم، فقال: اعدل يا محمد! هذه قسمة ما أريد بها وجه الله تعالى.

    فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ويحك، ومن يعدل إن لم أعدل)، وفي رواية قال: (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟! فقام خالد بن الوليد ، وقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا، حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه).

    فوجه الدلالة في هذا الحديث قوله: (لا، حتى لا يتحدث الناس أن محمداًً يقتل أصحابه) فالمصلحة: كل من تطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحده القتل حتى لا يتجرأ أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وأما المفسدة: فهي أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، وتحدث مفسدة ناجمة عن ذلك بعدم دخول الناس في الإسلام خوفاً، فيقولون: ما من أحد يكلم هذا الرجل إلا وقتله.

    إذاً: في قتل هذا المنافق مفسدة وهي تنفير الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقدم درؤها على مصلحة قتله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089156379

    عدد مرات الحفظ

    782252436