إسلام ويب

شرح كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب -فوائد أحاديث الشفاعة [2]للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أعظم موقف سيقفه المرء هو الموقف الأكبر يوم القيامة، وفي ذلك اليوم يتمنى المرء شفاعةً تنتشله من هذا الموقف العصيب، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: أنه سيسجد، ولا يرفع رأسه إلا بعد أن يؤذن له في الشفاعة، فيقف ليكون أهم طلب له أن يقول: يا رب أمتي أمتي! فنسأل الله أن تنالنا شفاعته في ذلك اليوم.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    لقد تكلمنا سابقاً عن الشفاعة وأهميتها، ومن يستحقها، وعن حرص الرسول على هذه الأمة، وقوله في عرصات القيامة: (أمتي أمتي) في حين يقول كل نبي: (نفسي نفسي).

    بعد ذلك يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم فيسجد تحت العرش، ثم يقال له: (يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع)، وسبق أن تكلمنا عن الفوائد المستنبطة من أحاديث الشفاعة، ونتكلم الآن هنا فنقول: قوله في آخر الحديث: (اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: أنت رسول الله فضلك الله برسالاته وبتكليمه على الناس) ففيه دليل: على ثبوت صفة الكلام لله جل في علاه.

    قوله: (قالوا: فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى بن مريم عليه السلام، فيأتون عيسى عليه السلام، فيقولون: يا عيسى! أنت رسول الله، وكلمت الناس في المهد، وكلمة منه ألقاها إلى مريم) وقوله: ( وكلمت الناس في المهد )، هذه معجزة من المعجزات، فقد اقتضت حكمة الله جل في علاه أنه لا يرسل رسولاً إلا ويعضده بالمعجزات التي تكون بين يديه، حتى لا يكذبه أحد من البشر، وحتى تكون هذه المعجزات دليلاً له على صدقه، وعلى أنه مرسل من قبل الله جل في علاه.

    فما من نبي إلا وأيده الله بالمعجزات، فنوح عليه السلام كانت السفينة من أكبر المعجزات التي أظهرت قوة صدق نوح عليه السلام أمام قومه.

    وأيضاً: إبراهيم عليه السلام كانت له معجزات كثيرة، منها: إلقاؤه في النار، قال الله: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69].

    وأيضاً: عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى، وكان يبرئ الأكمه، قال تعالى: وَتُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ [المائدة:110].

    وقبله موسى: فقد كانت عصاه تنقلب حية، ويده إذا نزعها تخرج بيضاء أمام الناظرين، حتى يؤثر في الناس، ويُعلِّم الناسَ أن هذا من الله وليس منه.

    فعيسى عليه السلام أعطاه الله هذه المعجزة، وهي الكلام مع الناس في المهد، وهو طفلٌ رضيعٌ.

    الفرق بين المعجزة والكرامة

    والمعجزة والكرامة أمر يهبه الله جل وعلا لعبد من عباده ويؤده به، فالمعجزة للنبي، والكرامة للولي، وهما يتفقان ويفترقان، فيتفقان: في أن كلاً من المعجزة والكرامة أمر خارق للعادة، فالمعجزة أمر خارق للنبي، والكرامة أمر خارق للولي، ويفترقان: في أن المعجزة يتحدى النبيُّ بها أي أحد يأتي بمثلها، أما الولي الذي تظهر له كرامات فلا يتحدى بها، ولا يجوز له أن يدعي الكرامة؛ لأن الله جل وعلا يقول: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32].

    فالنبي يصرح بالتحدي بها؛ لأن الله أيَّده بها حتى يعلم الناس صدق رسالته فيؤمنوا به، وأما الكرامة فهي لطف وكرم وتفضل وتمنن من الله جل في علاه لإظهار مكانة هذا المتعبد الناسك.

    وهذه المعجزة التي بين يدي عيسى أنه يتكلم في المهد قد اتفقت لبعض أولياء الله الصالحين، كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة تكلموا في المهد) منهم عيسى عليه السلام، وابن كثير كان يروي بعض الآثار التي يتسامح فيها، وذكر منها: أن عيسى كان يكلم أمه وهو في بطنها، أي: كان إذا خلت به كلمها وهو في بطنها.

    وقد ذكر الله كلام عيسى عليه السلام في قوله: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا [مريم:30].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089352155

    عدد مرات الحفظ

    784003440