من الصفات الفعلية لله صفة الاستواء على العرش، فالله مستو على عرشه بائن عن خلقه محيط بهم، والإيمان باستواء الله على عرشه يلزم منه الإيمان بأن لله عرشاً يستوي عليه، وأن عرشه تعالى كان على الماء قبل خلق السماوات والأرض وبعد خلقهن صار العرش فوق السماء.
الكلام على عرش الرحمن والاستواء عليه
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
فهذا العرش عظيم معظم مكرم ممجد عند الله جل في علاه، وتمجيد هذا العرش وتعظيم هذا العرش بأن الله استوى عليه، وكفى بالعرش شرفاً أن الله استوى عليه، فهو جسم مجسم.
معنى العرش وبيان عظمته
معنى العرش: هو سرير الملك، وهو جسم مجسم له قوائم، لكن لا يعلم عظم خلقه ولا كيفية خلق العرش إلا الله جل في علاه.
ويروى في بعض الإسرائيليات -التي ينظر في أسانيدها والتي تقال للترقيق- أن حملة العرش بعدما يأتي يوم القيامة ينظرون إلى عظمة الله فيبكون ويقولون: ما عبدت حق عبادتك، سبحانه وتعالى جل في علاه، هو الذي يشكر القليل من العمل ويغفر الكثير من الزلل، وحتى القليل من العمل لا يكون إلا منه، وما من شيء فيه خير للعبد إلا هو من الله جل في علاه.
والمقصود: أن العرش عظيم وعظم خلق العرش لا يقدر قدره إلا ربنا جل في علاه.
بيان مكان العرش
العرش له حالتان:
الحالة الأولى: قبل الخلق، والحالة الثانية: بعد الخلق.
فكان الله جل وعلا ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، فاستوى الله جل وعلا إلى السماء بعدما كان العرش على الماء فسواهن سبع سماوات، ثم بعد ذلك أصبح العرش فوق السماء.
والعرش له فضائل كثيرة في الدنيا وفي الآخرة، أما في الدنيا فهو يحب المؤمنين، وفي هذا رد على أهل البدعة والضلالة وأهل التأويل الذين يقولون: إن هذه جمادات لا تشعر وليس لها ذلك، ولا بد أن تؤول، فيؤولون قول النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا أحد جبل يحبنا ونحبه) يقولون: المقصود به أهل الجبل، يقولون: وهو كقوله: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا[يوسف:82]، قالوا: اسأل أهل القرية، فإن الجدران لا تنطق.
والصحيح أن الجبل يحب، فقد كان يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأرض نفسها تبغض أهل المعاصي وتنقم على أهل المعاصي، وما من شيء إلا ويشكو من ابن آدم ومعاصي ابن آدم.
ولقد ورد بسند بصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: كنا نسمع تسبيح الطعام فكانوا يأكلون ويسمعون تسبيح الطعام.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتكئ على جذع أثناء خطبته، ثم بعدما بني له المنبر كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب عليه، فحن الجذع إلى رسول الله وسمعوا له أنيناً من شدة الحزن، وما سكت الجذع حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن المنبر ووضع يده الشريفة عليه.
وموسى عليه السلام عندما اغتسل وكانوا قد اتهموه بأنه آدر، وأراد الله جل وعلا أن يبين أنه ليس به مرض، فقام الحجر فأخذ ثوب موسى وفر به وموسى يجري خلفه يضربه.
وكان الشجر يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة.
فقال الذين يؤولون -ونقل ذلك البيهقي غفر الله لنا وله-: إن المقصود: اهتز حملة العرش فرحاً بقدوم روح سعد ، والصحيح الراجح أن العرش هو الذي اهتز؛ لأن هذا هو قول النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لنا أن نقدر تقادير أو نقول أن هذا مؤول إلا بقرينة، ولا قرينة هنا.
سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه اهتز عرش الرحمن لقدومه؛ فأي فضيلة وأي مكانة لـسعد بن معاذ عند الله جل في علاه، لما يستشعر هذا العرش العظيم بفضل سعد فيهتز لقدوم روحه رضي الله عنه وأرضاه.
ومن فضل العرش في الدنيا أيضاً: أن الله جل وعلا وضعه كما وضع الكعبة تطوف حوله الملائكة، ثم أوحى الله لملائكته الذين يحملون العرش والذين يطوفون حوله أن يستغفروا لمن في الأرض، فالملائكة الذين يحفون بالعرش ويطوفون حوله: يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ[الشورى:5].
وفضل العرش يوم القيامة فضل عظيم، لكن هذا لا يناله إلا الخاصة والشرفاء عند الله جل في علاه، فالله جل في علاه إذا حشر الخلائق حشرهم على أرض غير الأرض وسماء غير السماء: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ[إبراهيم:48].
فهذه الأرض لا معلم لأحد فيها ولا مستظل لأحد فيها، فالشمس تدنو من الرءوس قدر ميل ولا مستظل لأحد منها إلا عرش الرحمن.
فعرش الرحمن أفضل ظل يستظل به المؤمن الشريف الذي له المكانة الراقية عند الله جل في علاه، والله ما جعل هذا العرش ظلاً لأحد إلا للخاصة.
نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا جميعاً من هؤلاء السبعة فنستظل بظل عرش الرحمن، وهاء الضمير في قوله إلا ظله تعود على عرش الرحمن، ولا تعود على الله؛ لأن الظل ليس صفة من صفاته تعالى، نسأل الله جل وعلا أن يغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها، ويجعلنا من المستغفرين، ويجعلنا من المتذللين الخاضعين له، المتقنين في أمر التوحيد الذي هو فرض عين علينا، المتعبدين له به.