إسلام ويب

تفسير سورة الأحقاف [15 - 19]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد امتلأت آيات القرآن الكريم بذكر صفات عباد الله المؤمنين، وذلك للحث على التحلي والاتصاف بها، لأجل تكوين الجيل المسلم المنشود، كما أنه قد وردت في القرآن صفات الكافرين والمنحرفين، تنبيهاً على الابتعاد عنها واجتنابها، ولقد بين الله في كتابه جزاء كل من الفريقين، وعاقبة الطرفين، حتى يكون الإنسان على بصيرة، وحتى لا يكون هناك حجة لأحد، وتأتي هذه الآيات مؤكدة لهذا الأمر العظيم، ومدللة عليه.
    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

    أما بعد:

    قال الله عز وجل في سورة الأحقاف: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ * وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ * وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف:15-20].

    ذكر الله سبحانه تبارك وتعالى في هذه الآيات وما قبلها فريقين: فريقاً من المؤمنين، وفريقاً من الكافرين، فأما المؤمنون فذكر الله سبحانه وتعالى من صفاتهم أنهم: قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30]، وأخبر أن أصحاب الجنة: َلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:38]. وأخبر سبحانه أنهم يعبدونه سبحانه وتعالى، حتى إذا بلغ أحدهم أشده وبلغ أربعين سنة دعا ربه سبحانه وتعالى وهو موقن بأنه راجع إليه، وأنه راحل إلى ربه سبحانه، كما قال تعالى: قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ .

    فدعا الله بخيري الدنيا والآخرة، فطلب من ربه سبحانه وتعالى أن يعينه ويوزعه ويحثه ويدفعه إلى شكر نعمه عليه سبحانه، وإلى أن يكون حماداً شكاراً له سبحانه، كما قال تعالى: أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ أي: ألهمني أن أعمل صالحاً ترضاه، وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ، فدعا لنفسه بالخير، ودعا لذريته بالخير، وتاب إلى ربه فقال: إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ .

    لا يتقبل الله إلا من المؤمنين

    إن هؤلاء الذين هذه صفاتهم يخبر الله عز وجل أنه يتقبل عنهم أحسن ما عملوا، ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة، والإنسان قد يعمل أعمالاً هي حسنة في نظره، فمنها ما يكون مباحاً، ومنها ما يكون مستحباً، ومنها ما يكون فرضاً واجباً، فالله عز وجل يجزيه على ما كان عبادة، وعلى أحسن الحسن، فيجزيه على ذلك خير الجزاء. وكل ما يعمله الإنسان من عبادة يتقرب بها إلى الله ولو مثقال ذرة من خير فإن الله عز وجل يثيبه عليها، ويزيده من فضله.

    إذاً فليس المعنى: أن حسنات الإنسان منها حسنة يتقرب بها إلى الله ولا يؤجر عليها، وحسنة أخرى يؤجر عليها، لا، فكل ما يتقرب به إلى الله ولو كان مثقال ذرة من الخير فإنه يؤجر عليه، وإنما أفعل التفضيل هنا بحسب نظر الإنسان، فقد يعمل العمل فرحاً به ويظنه حسناً، ولكنه ليس عبادة، وآخر يعمل عملاً حسناً وهو عبادة لله عز وجل، فهذا الذي يؤجره الله عز وجل عليه، ويعطيه من فضله.

    مجازاة الإنسان على العمل الحسن ولو كان كافراً

    إن الكافر لو عمل العمل الحسن فإنه يؤجر عليه في الدنيا، فالإنسان الكافر قد يبر والديه، فيعطيه الله في الدنيا مالاً، ويزيده رزقاً، ويعطيه من ثناء الناس، وقد يفعل الإنسان معروفاً: فيخدم إنساناً، أو يجري في مصلحته، ويكون هذا الفاعل كافراً، أو يكون فاجراً، أو يكون فاسقاً، فيعطيه الله أجرة في الدنيا على ما عمل، ولا يضيع الله عز وجل عمل إنسان، ولكن العمل الذي يريده الله سبحانه، والذي ينتفع به الإنسان في الآجلة هو الذي يكون مقروناً بالإيمان، وبعبادة الله سبحانه وتعالى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089187375

    عدد مرات الحفظ

    782546332