إسلام ويب

تفسير سورة الأنبياء [85 - 91]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يذكر الله سبحانه جملة من الأنبياء ويذكر صفاتهم ودعوتهم لقومهم وصبرهم وحلمهم عليهم، كل ذلك تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يقتدي بهم في ذلك، حتى إذا واجه من قومه الإعراض والإيذاء يصبر عليهم ويستمر في دعوتهم حتى يؤمنوا، أو يجاهدهم ويقاتلهم.
    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ [الأنبياء:85-86].

    قصة إسماعيل عليه السلام

    ذكر الله عز وجل في سورة الأنبياء جملة من أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، لنتعظ بذكرهم ونتأسى بفعلهم وصبرهم وجهادهم، فذكر بعضهم في هذه الآيات، قال تعالى: وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ .

    أول هؤلاء الأنبياء هو إسماعيل بن إبراهيم عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، وذكرنا بالأمس شيئاً من قصته، وكيف صبر لأمر الله سبحانه بالذبح، حتى نجاه الله سبحانه وتعالى، وفداه بذبح عظيم، وكيف أنه أعان أباه في بناء الكعبة، ودعوا ربهما سبحانه وتعالى، رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:127]، وكيف أنه صبر على أهله، فكان يأمرهم بالصلاة والزكاة، وكان من الخاشعين لربه العالمين.

    قصة إدريس عليه السلام

    إدريس عليه السلام هو نبي من أنبياء الله، ورسول من رسل الله عليهم الصلاة والسلام، ذكر الله عز وجل هنا أنه من الصابرين ومن الصالحين، (( وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ )).

    فوصفهم بالصلاح ووصفهم بالصبر، وإدريس النبي عليه الصلاة والسلام قالوا: كان قبل نوح على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، وقيل: بل كان بعد نوح عليه الصلاة والسلام والله أعلم.

    وقالوا: كان إدريس أول من خط بالقلم، وأول من خاط الثياب ولبسها، ونظر في علم النجوم وعلم الحساب، وسير النجوم وغير ذلك.

    فربنا سبحانه وتعالى ذكر أنه رفعه مكاناً علياً، رفعه بصبره ورفعه بصلاحه، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قصة معراجه أنه رآه في السماء الرابعة، فرفعه الله مكاناً علياً.

    قصة ذي الكفل والأقوال في نبوته وعدمها

    قوله: وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ اختلفوا في ذي الكفل هل كان نبياً من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أم كان رجلاً من الصالحين، فالبعض يقول: هو نبي من الأنبياء باعتباره ذكر مع هؤلاء الأنبياء في هذه السورة.

    والذي يقول: ليس من الأنبياء وإنما كان رجلاً صالحاً، وإنه تكفل لنبي من الأنبياء بشيء فوفى بما طلب منه، باعتبار ما جاء في حديث الترمذي وإسناده ضعيف: (كان الكفل لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة ولما ذكرته بالله تركها)، إلى آخر الحديث، ويشبه هذه القصة ما ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الثلاثة الذي آواهم المطر إلى غار في الجبل، ومنهم رجل وقف من امرأة موقف الرجل من زوجته فذكرته بالله فتركها وترك لها الدنانير التي كان قد أعطاها.

    فذكر في الترمذي أن اسمه الكفل، وفي الآية هنا، ذو الكفل، وقلنا: إن هذا الحديث الذي في سنن الترمذي إسناده ضعيف، فلا يصح أن يفسر به هذا الذي ذكره الله سبحانه وتعالى، وهنا كونه يذكر أنه من أهل الصلاح ومن أهل الصبر ينافي أن يكون هذا من أهل الفساد وأنه لا يتورع من ذنب، ثم فجأة يثني عليه بذلك، لعل هذا يكون بعيداً، والأقرب أنه كان نبياً من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو أنه تكفل لنبي من الأنبياء بأمر الأمة من بعده، فقد جاء في الرواية: (أن نبياً من أنبياء الله عز وجل في بني إسرائيل، لما كبر في سنه طلب من قومه من يقوم لي في هذا الأمر، أو من يكفل لي أمر الناس، بشرط أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب -يعني: من أجل أن يكون حاكماً وقاضياً على قومه- فقام شاب فقال: أنا، فقال: اجلس -كأنه استصغر أمره، كيف يكون حاكماً على هؤلاء القوم وهو صغير؟- فسكت وكرر في اليوم الثاني وفي اليوم الثالث، وكل مرة يقوم هذا الرجل فاستخلفه، فقام وتكفل بذلك).

    وكان من العباد قبل أن يتولى الحكم على قومه، فلما تولى الحكم لم ينس العبادة، من صيام وقيام ليل، وقام بالأمر الذي تكفل به خير قيام.

    كذلك كان يقوم على أمر الناس ولا يغضب، وهذا أمر صعب جداً، لا يقوم به إلا نبي من الأنبياء، حتى إن الشيطان أراد أن يخرجه عن حده وعن قوله فيغضبه فلم يقدر عليه، فجاءه في صورة إنسان ليغضبه وهو صائم، في وقت القيلولة، جاء الشيطان في صورة إنسان مظلوم يطلب الحكم له، فقال: أنا رجل مظلوم، وطلب منه أن يأتي معه لينصره على خصمه، فأرسل معه رجلاً فرفض، وأصر إلا أن يأتي معه، فخرج معه فلما أخذ بيده وانطلق إذا به يفر ويهرب منه، وإنما أراد أن يجعله يغضب؛ لأنه أزعجه وقت نومه، لكنه لم يغضب، وعرف أنه الشيطان.

    ومدحه الله عز وجل في هذه السورة بأنه من الصابرين، والصبر لم يكن مرة واحدة يصبر فيها، ولكن واضح من الآية أنهم صبروا صبراً عظيماً وصبراً طويلاً فقال: كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ أي: كل واحد اختصه الله عز وجل بمهام قام بها وأداها على أكمل الوجوه، وصبر لأمر الله حتى توفاه الله سبحانه.

    قال سبحانه: وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ، ورحمة الله سبحانه وتعالى جنته، فرحمهم الله عز وجل ورضي عنهم وأدخلهم جنته سبحانه، ثم قال: إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ [الأنبياء:86]، وإن هنا سببية معناها: لأنهم من الصالحين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089474902

    عدد مرات الحفظ

    785483896