الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة المؤمنون:
وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ * وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ
[المؤمنون:18-22] .
في هذه الآيات من هذه السورة الكريمة سورة المؤمنون يخبرنا الله عز وجل عن نعمه العظيمة التي أنعم بها على عباده، ومن هذه النعم ما ذكرنا في الحديث السابق: إنزال الماء من السماء، قال تعالى:
وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ
، هذا الماء الذي نزل من السماء بقدر لو زاد عن حده لأغرق الله عز وجل به الأرض، ولو أنه قل عن مقداره لهلك الناس من العطش وهلكت الزروع والثمار، ولكنه ينزل بقدر ما يشاء سبحانه، ونعمة الماء ونعمة الهواء ونعمة الحياة من نعم الله عز وجل العظيمة على عباده، فجعل لهم هذه الدنيا دار إقامة إلى حين، ثم يتحولون منها موتاً إلى قبورهم ثم يبعثون يوم القيامة لدار الإقامة الأبدية الدائمة.
فنعم الله عز وجل على العباد في هذه الدار تذكرهم حين يتنعمون بها كيف سيكون نعيم الآخرة؟ فأنت في الدنيا تحتاج إلى الطعام، وتحتاج إلى الهواء، وتحتاج إلى الماء، وتسأل الله عز وجل هذه النعم، فينزل عليك ما سألته، وقد يمنع عنك شيئاً منها ليذكرك بقدرته سبحانه، وبأنك مخلوق ضعيف تحتاج إلى الله سبحانه وتعالى، فإذا أعطاك النعمة شكرت ربك وحمدته على ما أعطاك، وتذكرت ما يعطي يوم القيامة عباده في جنته، فيشتاق الإنسان المؤمن إلى جنة رب العالمين، ويعمل جاهداً لها.
فهذه الدنيا نعم الله عز وجل فيها تبين للإنسان شيئاً من نعيم الآخرة، وأنه في الدنيا احتاج فأعطاه الله عز وجل وأنعم عليه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما طعم هو وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما: (
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ
[التكاثر:8] قال: وهذا من النعيم الذي تسألون عنه)، وذلك لما ذبح لهم الرجل الأنصاري رضي الله عنه شاة فأكلوا وشبعوا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم مذكراً بذلك:
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ
[التكاثر:8].
فمهما تنعمت بشيء في الدنيا تذكرت نعيم الدار الآخرة، وأن الله عز وجل يسألك عما أخذت في الدنيا، أما في الجنة فلا سؤال، ففي الجنة يأكل أهل الجنة بغير حساب، ولا سؤال بعد ذلك، فإذا كان الإنسان يستشعر بهذه النعم في الدنيا فكيف تكون النعمة في دار المقام في جنة رب العالمين؟
فمن نعم الله: الماء، قال تعالى:
وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ
، فالله أنزل الماء، والإنسان لا يقدر على تجميعه إذا نزل من السماء، ولكن الله القادر سبحانه وتعالى جعل ذلك في باطن الأرض في أماكن تستوعب هذه المياه على شكل مخازن جوفية في الأرض؛ بحار ومحيطات وغيرها تستوعب هذا الماء، فيخزنه للإنسان حتى إذا احتاجه وجده.
قال تعالى:
فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ
، فالذي أتاك بالماء، وخلق الإنسان من ماء وجعل من الماء كل شيء حي هو القادر على أن يذهب بهذا الماء الذي أوجده وخلقه سبحانه بقدرته.
ومما أخرج الله عز وجل بفضله وكرمه لعباده ما قال:
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ 
[المؤمنون:20].
إذاً: أخرج الله عز وجل للعباد ما يأكلون، وأخرج لهم طعامهم وأقواتهم، وأخرج لهم فاكهتهم، ومن ضمن ما أخرج الله عز وجل للعباد:
شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ
أي: أصلها من هذا المكان، وقوله تعالى:
طُورِ سَيْنَاءَ
فيها قراءتان: قراءة الجمهور:
مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ
بالفتح، وقراءة نافع وأبي جعفر والبصريين: أبي عامر ويعقوب : (من طور سِيناء) بالكسر، وطور بمعنى: الجبل، وسيناء بمعنى: البركة أو المباركة، فالمعنى: من الجبل المبارك، وهذا معنىً من معاني كلمة (سيناء).
وقيل: بل (سيناء) معناها: الحسن، أي: الشيء الحسن، أو الجبل الحسن، أو الجبل الذي فيه الشيء الحسن، وهذا معنىً من معاني كلمة (سِيناء).
وقوله تعالى:
تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ
المقصود بها: شجرة الزيتون، وهي شجرة لا تكلف الإنسان ولا يعاني في زرعها، ولكن الله عز وجل يزرعها للإنسان فتخرج سريعة، وهي توجد في الصحراء على شكل بذور تشبه نوى العنب، والله عز وجل يخلقها من غير معاناة للإنسان في زرعها ومراعاتها، بل يخرجها الله عز وجل بأسهل ما يكون للإنسان فيستفيد منها.
وقوله تعالى:
تَنْبُتُ
قراءة الجمهور، وقراءة ابن كثير وأبي عامر ورويس : (تُنبِت)؛ لأنه من الفعل الأول الثلاثي نَبَتَ يَنبُتُ تَنبُتُ، ومن الرباعي أَنَبَتَ تُنبِتُ، فقوله: (تَنبُت بالدهن) أي: تخرج هذا الدهن، أو تنبت وفيها هذا الدهن، أو تُنبِتُ أي: تخرج من الأرض وتخرج منها الدهن، وهو الزيت الذي فيه، فوصفه الله سبحانه وتعالى بذلك أنه دهن، وفي سورة النور قال:
مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ
[النور:35] .
فقوله تعالى:
مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ
أي: أن شجرة الزيتون شجرة مباركة؛ لما فيها من هذا الزيتون الذي يحتوي على فوائد عظيمة ذكرها العلماء، فتنبت بالدهن أي: بالزيت الذي فيها.
وقوله:
وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ
الصبغ: الإدام، فالإنسان يغمس الخبز بالزيتون أو زيت الزيتون ويأكله، أو يجعل الزيتون في طعامه.
فوائد الزيتون
والزيتونة شجرة مباركة كما سماها الله سبحانه وتعالى، والعلماء بحثوا في هذا الزيتون والفوائد الكثيرة الموجودة فيه، فمن ضمن ما ذكروا في الأبحاث الحديثة: أنهم رصدوا ظاهرة صحية لسكان بعض جزر البحر المتوسط فوجدوا بعض السكان كسكان جزيرة كريت وغيرها أنهم يعيشون حياة طيبة، وأن صحتهم عالية، ودرجة الحيوية عندهم عالية، وأنهم يتمتعون بصحة ونشاط، وحاولوا أن يبحثوا عن سر صحة أهل هذه الجزر -كريت وما حولها- فوجدوا أن الغذاء عندهم يعتمد أساساً على زيت الزيتون، فهم أقل الناس تعرضاً للإصابة بارتفاع ضغط الدم وبأمراض القلب وأمراض تصلب الشرايين؛ لأنهم يتمتعون بمستوى معتدل صحي بنسبة الكلسترول الموجودة في دم الإنسان، والسبب في هذا كله اعتمادهم على زيت الزيتون وعلى الزيتون في طعامهم.
والعصرة الأولى من زيت الزيتون فيها الفوائد كلها، والعصرة الثانية والثالثة يتسرب إليه أشياء رديئة، وقد يكون زيت الزيتون مغشوشاً في السوق، وقد أخذ من السوق ما كان موجوداً من زيت الزيتون لأنه يسبب السرطان، لكن زيت الزيتون نفسه لا يسبب سرطاناً، بل تصنيع هذا الزيت أو طرق التصنيع هي التي تسبب هذا الشيء، حيث إنهم كانوا يستوردونه من أسبانيا وإيطاليا، ويأتون به وقد اعتصر العصرة الأولى ويسمونه كسباً أو تفلاً، ثم يعصرونه مرة أخرى في درجة حرارة عالية جداً، فتدخل فيه مواد كيميائية تسبب سرطانات في الجسم، فهذا هو السبب في الإصابة بالسرطانات، وليس لكونه زيت زيتون، ومن أنقى زيوت الزيتون وأفضلها الذي يأتي من سيناء؛ لأن الله سبحانه وتعالى سماها الشجرة المباركة.
وزيت الزيتون غني جداً بالدهون، وفيه نوعان من أنواع الدهون: دهون مشبعة، ودهون غير مشبعة:
فالدهون المشبعة فيه نسبة قليلة منها ومفيدة للإنسان.
والدهون غير المشبعة فيه نسبة كبيرة منها، وهي مفيدة جداً جداً، ولا توجد إلا في الزيوت النباتية فقط مثل زيت الزيتون وزيت السمسم وزيت الذرة، وفيها الزيوت غير المشبعة وهي مفيدة للإنسان.
والزيوت غير المشبعة الموجودة في زيت الزيتون هي دهون ومع ذلك يقولون: إنها تساعد على تخفيف الدهون الموجودة في الجسم، فالإنسان السمين إذا شرب من زيت الزيتون فإنه يساعده على تخفيف أو إزالة الدهون الموجودة في الجسم، ومن العجب أن تأخذ دهناً لتزيل به دهناً آخر! فدهن زيت الزيتون هذا غير مشبع، ويمنع الأكسدة التي تؤدي لخمول ذهن الإنسان وعدم التفكير، وغير ذلك من الأمراض.
ومن الأبحاث التي أجريت على زيت الزيتون: أن ملعقة من زيت الزيتون يومياً تقلل من سرطان الثدي عند النساء أربعين في المائة.
وكذلك تناول زيت الزيتون لمريض قرحة المعدة تساعده على قتل نوع من أنواع الجرثومات تسمى: (الهلوبكتر)، وهي نوع من أنواع الجرثومات الحلزونية الموجودة في المعدة وتعمل على قرحتها، فشراب زيت الزيتون يقضي على هذه الجرثومة.
ويمنع من سرطان المعدة، ومن سرطان القولون كذلك، ومن تصلب الشرايين، وزيت الزيتون ملطف وملين ومدر للصفراء ومفتت للحصى، ويحتوي على مضادات للأكسدة في جسم الإنسان، وكذلك يحتوي على فيتامينات: فيتامين (أ) و(ب) و(هـ) و(ج)، ولو دهن الإنسان شعر رأسه فإنه يمنع من سقوط شعر الرأس، ودهانه لجلد الإنسان مع شربه يمنع التشققات وغيرها من الأمراض الجلدية التي تكون عند الإنسان.
هذه جملة من الفوائد التي جمعها الله سبحانه وتعالى لنا، وقال في زيت الزيتون أو في الزيتون نفسه: ((وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ)).