النبي صلى الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، به انقشع ظلام الكفر والغواية، وولى غبار الجاهلية الجهلاء، ابتعثه الله ليكون داعياً إلى توحيد الله، وليكون شاهداً على جميع أفراد الأمة ومبشراً ونذيراً، وليكون سراجاً منيراً يضيء الله به العقول والقلوب، وتحيا به الأفئدة.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
يقول الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ[الأحزاب:45] فالله الذي أرسله صلوات الله وسلامه عليه وليس أحداً غيره.
وعبر بنون العظمة بياناً لعظمة الرب سبحانه: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ[الأحزاب:45] فالإرسال من الله العظيم سبحانه أرسل نبيه صلى الله عليه وسلم برسالة يبلغها؛ ليكون على الخلق شاهداً ومبشراً ونذيراً.
وقد أرسل لهذه الوظيفة وهي تبليغ رسالة الله تبارك وتعالى، وأن يكون شاهداً على هذه الأمة، وأن يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بأن لهم أجراً حسناً، وأن ينذر الكفار الذين يعصون الله سبحانه من عذاب الله ومن عذاب النار، فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا[الأحزاب:45] فهو الشاهد والمبشر والمنذر عليه الصلاة والسلام.
وهو نبي التوبة، وهو نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام، فالله حين يذكر أنه الشاهد وأنه المبشر وأنه النذير يبين لنا وظيفته، فلما بلغ الأمة رسالة ربه صلوات الله وسلامه عليه قبضه ربه بعد ذلك ولم يستمتع من الدنيا بشيء.
فلما بلغ رسالة الله صلوات الله وسلامه عليه وبشر المؤمنين وأنذر الكافرين قبض صلوات الله وسلامه عليه بعدما أشهد الناس على أنفسهم وقال لهم: (ألا هل بلغت؟) فأجاب الجميع أنه قد بلغ وشهدوا له، قال: (اللهم فاشهد). صلوات الله وسلامه عليه.
فيوم القيامة يؤتى من كل أمة بشهيد، والشهيد هو نبي كل أمة فيؤتى به يوم القيامة ويسأل: هل بلغت؟ فيقول: بلغت. وتسأل الأمة فتكذب نبيها ويقولون: لا، لم يبلغنا. فيقال للأنبياء: من يشهد لكم؟ فيقولون: أمة محمد صلوات الله وسلامه عليه، فتشهد أمتنا للأنبياء أنهم بلغوا رسالة الله سبحانه، وأمتنا لم تر هؤلاء الأنبياء، ولكن الله أخبرنا بالخبر الصدق في كتابه الكريم سبحانه، فنخبر ونشهد تصديقاً لما قاله الله سبحانه يوم القيامة، فالله عز وجل يشهد على هذه الأمة النبي صلوات الله وسلامه عليه ويقول: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا[النساء:41] فهو شهيد على هذه الأمة وعلى غيرها من الأمم عليه الصلاة والسلام.
وهو المبشر صلوات الله وسلامه عليه للمؤمنين، والبشارة: هي الإخبار بخبر سار، وهذا الغالب في البشارة، وقد تأتي كلمة البشارة بالخبر الضار الغير سار مثل قوله سبحانه: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[آل عمران:21] وهذا لأهل النار، ولكن هذا يكون بقيود، فالغالب في البشارة أنها في الشيء الذي يسر الإنسان أن يسمعه، فقال الله عز وجل: وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا[الأحزاب:45] أي: مبشراً للمؤمنين، فيبشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، ويبشرهم بالنعيم المقيم، ويبشرهم ربهم بمغفرة منه وفضل ورحمة وجنات لهم فيها نعيم مقيم.
ونذيراً للعصاة، أي يخبر بالذي سيضرهم جزاء بما فعلوا.
فالبشارة يخبر بالذي يسرهم على ما صنعوا، والنذارة عكسها، فأنذرهم النبي صلوات الله وسلامه عليه من عذاب الله، ومن جهنم والعياذ بالله.
تفسير قوله تعالى: (وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً)
قال: وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ[الأحزاب:46] فهو أول المسلمين عليه الصلاة والسلام في هذه الأمة، وهو الداعي إلى ربه تبارك وتعالى، فقد دعا الناس آحاداً وجماعات، دعا إلى الله عز وجل ليلاً ونهاراً، دعا وجاهد في سبيل الله حق جهاده فقال له ربه سبحانه: وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ[الأحزاب:46].
وذكر فضله سبحانه أنه داع إلى الله بإذن الله، قد أذن له بالدعوة إليه، وقد أعانه ووفقه، فالفضل من الله سبحانه تبارك وتعالى.
قال تعالى: وَسِرَاجًا مُنِيرًا[الأحزاب:46] فهو السراج المنير عليه الصلاة والسلام، والمصباح الذي يضيء، فالله عز وجل جعل القمر فيهن نوراً، والشمس سراجاً مضيئاً تضيء للخلق فيأتيهم النهار مع ضوء الشمس، والنبي صلى الله عليه وسلم السراج العظيم المنير الذي أضاء الله عز وجل به لهذه الأمة وللخلق جميعهم ظلمات الكفر والشك والضياع بنور الإيمان ونور اليقين به صلوات الله وسلامه عليه، فقال: وَسِرَاجًا[الأحزاب:46]، وأكد ذلك أنه مُنِيراً[الأحزاب:46].
ولاحظ الفرق بين سراج مضيء وسراج منير، فالسراج المضيء الذي فيه وهج، والذي فيه لهب، والذي فيه نار فقد يحرق الإنسان الذي يقترب منه، ولكن النور فيه برودة وإنارة، فالإنسان يجد النور فيمشي، والقمر نور، والشمس سراج، والشمس تحرق وتلهب في الصيف، بينما الإنسان يمشي في نور القمر ولا يتأذى منه، فالنبي صلى الله عليه وسلم سراج وهاج منير عليه الصلاة والسلام، فالذي يكون معه صلوات الله وسلامه عليه يجد الطيب من النبي صلى الله عليه وسلم، والطيب من القول ومن الهدى من رحمة رب العالمين سبحانه بهذه الأمة.
وهنا قد يقال: ذكر الله عز وجل أنه سراج والسراج العادة أنه يضيء فلم قال: وَسِرَاجًا مُنِيرًا[الأحزاب:46]؟
والجواب: أن هذا تأكيد من الله سبحانه وتعالى، وقد ينير السراج للإنسان فعلاً ولكن إنارة بسيطة، ونور خافت، فأكد الله عز وجل أن النبي عليه الصلاة والسلام السراج المنير أضاء الله عز وجل وأنار به الكون كله، وليس سراجاً فاتراً.
ويأتي الأنبياء يوم القيامة إلى ربهم سبحانه والنبي قد دعا أمة ولم يستجب له أحد، ونبي استجاب له واحد، ونبي استجاب له عشرة، ونبي استجاب له أمة كبيرة، ونبينا صلى الله عليه وسلم أعظم الناس في قدر من استجاب له صلوات الله وسلامه عليه فهو السراج المنير العظيم عليه الصلاة والسلام.
فالداعي إلى الله سبحانه وتعالى يكون على الأمر الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فييسر للناس ولا يعسر عليهم.
(بشرا ولا تنفرا)، التبشير بجنة الله سبحانه ومرضاة الله عمن يطيعه.
(ولا تنفرا) الإنسان قد يدعو إلى الله سبحانه ولكنه شديد، وفي أسلوبه غلظة فينفر أكثر مما يدعو، وقد يقول النصيحة اثنان، فالذي يرفق بالناس يستجيبون له ويطيعونه، والذي يتشدد على الناس ويغلظ عليهم لا يستجيب له أحد، ويمكن أن يتعارك مع أحد المنصوحين أو يشتمه.
فالإنسان الذي يدعو إلى الله عز وجل يكون رفيقاً بالناس رحيماً بهم، قال عليه الصلاة والسلام: (وإن الله ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الشدة) ولكن الله يعطي فهذا قد يرفق بالناس فيستجيب الكثيرون، وهذا يغلظ مع الناس فلا يستجيب له أحد، مع أن هذا يدعو إلى الله وهذا يدعو إلى الله، وهذا مخلص وهذا مخلص، ولكن الفرق في الأسلوب في التعامل مع الخلق، فلذلك يتعلم الإنسان المؤمن من النبي صلى الله عليه وسلم حسن الخلق، ويتعلم منه الرفق، والتبشير والتيسير كما قال صلى الله عليه وسلم: (بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا). فيبشر وييسر على الخلق حتى يستجيبوا لله سبحانه.
الناصح في دعوته الخلق لابد أن يكون أهم شيء عنده أن يستجيب الذي ينصحه، وأن يخرجه من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، ومن الضلالة والمعاصي إلى طاعة الله قال عليه الصلاة والسلام: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس).
فالتيسير والتبشير من دين ربنا سبحانه الذي أمر به نبينا صلوات الله وسلامه عليه، قال له ربه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ[آل عمران:159] أي: بأي رحمة عظيمة من الله قد أعطاكها، برحمة عظيمة جليلة من الله جعلها في قلبك.
شهد شاهد من أهلها، أهل التوراة كـكعب الأحبار وكـعبد الله بن سلام رضي الله تبارك وتعالى عنهما، فقد دخلا في الإسلام وكانا يهوديين، أما عبد الله بن سلام فتشرف بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى رؤيا أنه يمسك بعروة فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتمسك بالإسلام حتى يموت عليه، فكانت بشارة من الله على لسان النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن سلام رضي الله عنه.
وأما كعب الأحبار فلم ينل هذا الحظ العظيم؛ لأنه لم يسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أسلم في زمن عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه، وكلاهما أخبر عن هذه الآية أنها في التوراة قرآها في التوراة وحفظاها بشارة بالنبي صلوات الله وسلامه عليه.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ[الأحزاب:45] فذكر النبوة والرسالة، يا أيها المنبأ بأخبار من الغيب من الله سبحانه، يا أيها النبي الذي يوحى إليك بغيب من الله تبارك وتعالى إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ[الأحزاب:45] أي: جعلناك رسولاً لتبلغ رسالة من عندنا، وهو هذا القرآن العظيم والوحي من عند رب العالمين سبحانه، ومبشراً لمن آمن ومنذراً لمن كفر.
وداعياً إلى الله بفضل الله فقد أذن لك بالدعوة إليه.
وَسِرَاجًا مُنِيرًا[الأحزاب:46] أي: نوراً عظيماً، مصباحاً تضيء للخلق وتنير لهم، فدلهم على كل خير حتى تغيظت اليهود من النبي صلوات الله وسلامه عليه من كثرة اهتمامه بأمته واهتمامه بتبليغهم كل شيء، حتى إن قائلهم ليقول للمسلمين: ما يفعل بكم هذا النبي عليه الصلاة والسلام؟ ما ترك من شيء إلا علمكم حتى الخراءة، يعني: أدب الخلاء، يعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت الخلاء تدخل برجلك اليسرى تقول: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.