قال الله تعالى:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ 
[الزمر:68] أي: يوم القيامة، فتحدث الصعقة، وقد ذكر لنا نفختين في كتابه سبحانه وتعالى، النفخة الأولى يموت منها جميع الخلائق، والنفخة الثانية يقومون مفزوعين من قبورهم، قال سبحانه:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ 
[الزمر:68] فصعق أي مات.
مَنْ فِي السَّمَوَاتِ
[الزمر:68] أي: سكان السماوات
وَمَنْ فِي الأَرْضِ
[الزمر:68] أي: سكان الأرض، ويبقى من استثنى الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه:
إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ
[الزمر:68] ومن هؤلاء الذين استثناهم الله سبحانه وتعالى؟ الله أعلم بهم.
ولذلك يقول النبي صلوات الله وسلامه عليه حين وقعت خصومه بين صحابي وبين رجل من اليهود وسنذكرها: (ينفخ في الصور فأكون أول من يفيق، فإذا بموسى باطش بالعرش -أي: ممسك بالعرش- فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله سبحانه وتعالى).
فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يدري هل موسى ممن استثناهم الله سبحانه من هذا الصعق لكونه صعق قبل ذلك لما أراد أن يرى الله سبحانه وتعالى وقال:
قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي
[الأعراف:143] وفي آخر الآية:
وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا
[الأعراف:143] هل جوزي بهذه فلم يصعق يوم القيامة أو أنه أفاق قبل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدري فكيف بنا نحن؟ فنحن لا ندري بهؤلاء الذين استثناهم الله سبحانه بقوله: (إلا من شاء الله).
اختلاف العلماء في الذين استثناهم الله من الصعق
اختلف العلماء في الذين استثناهم الله سبحانه استناداً إلى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بعضها صحيح لكنه لا يدل على المطلوب، وبعضها ضعيف وفيه نص على المطلوب.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في هذه المسألة عشرة أقوال:
الأول: أنهم الموتى، فيكون تقدير الآية صعق من في السماوات ومن في الأرض من الأحياء (إلا من شاء الله) وهم الموتى فلا ينالهم شيء من هذا لأنهم ميتون أصلاً، وهذا استثناء صحيح بهذا المعنى.
وقد ذكر هذا الاستثناء بعض أهل العلم منهم القرطبي صاحب المفهم شرح صحيح مسلم وهو غير القرطبي أبي عبد الله صاحب التفسير.
الثاني: أن المستثنى: هم الشهداء؛ لأنه حكم بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون فلا يموتون، وفي الحديث الذي رواه الحاكم ورجاله ثقات عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه سأل جبريل عن هذه الآية من الذين لم يشأ الله أن يصعقوا؟ قال: هم شهداء الله).
فهذا الحديث يبين أن الذين لا يصعقون هم الشهداء، مع النظر إلى أنهم في حكم الدنيا أموات، لكنهم عند الله أحياء ليس كحياة الدنيا، فإن الله يجعل أرواحهم في أجساد طير خضر يسرحون من الجنة كما يشاءون، فهي حياة ليست كهذه الحياة التي على الأرض.
الثالث: أن المستثنى هم أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام؛ لأنهم في هذا الحين يكونون قد ماتوا جميعاً بما فيهم المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام الذي رفع إلى السماء ولم يمت ثم ينزل ليحكم بالقرآن، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، ويحكم بشرع الله سبحانه، ثم يموت ويدفن في الأرض، فيكون الأنبياء كلهم ممن استثناهم الله عز وجل، وجنح إلى هذا القول الإمام البيهقي .
الرابع: أن الذين استثناهم الله من هذه النفخة هم ملائكة الله سبحانه، جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، ثم يأمر الله عز وجل ملك الموت فيقبض هؤلاء، ثم يأمر ملك الموت فيموت ملك الموت بعد ذلك، فلا يبقى شيء على هذا الكون حي غير الله سبحانه وتعالى فيقبض السماوات ويقبض الأرضين ويقول: (أنا الملك، أين ملوك الأرض؟) إذاً: يستثنى من الصعق ملائكة الله عز وجل ثم يقبضهم الله عز وجل بعد ذلك.
الخامس: أن المستثنى هم حملة العرش، وجاء في ذلك حديث بإسناد ضعيف.
السادس: أنه موسى وحده على نبينا وعليه الصلاة والسلام، ساقه الإمام الطبري بإسناد ضعيف.
السابع: أن الذين استثناهم الله من الموت هم أهل الجنة، أي: الذين خلقهم الله عز وجل في الجنة وهم الحور العين، والولدان المخلدون.
الثامن: أنهم خزان الجنة وخزان النار.
التاسع: أنهم الملائكة جميعهم، أي: أن النفخة في الصور تكون لكل الأحياء إلا الملائكة فيقبض الله عز وجل الملائكة بعد ذلك كيف يشاء سبحانه وتعالى.
وجاء عند الطبري بسند صحيح عن الحسن قال: يستثني الله وما يدع أحداً إلا أذاقه الموت.
بمعنى: استثنى الله من شاء ولكن مع ذلك كل من خلقه الله لا بد وأن يذيقه الله عز وجل الموت سواء كان بهذه النفخة التي ينفخها إسرافيل، أو يقبضه الله سبحانه بما يشاء.
التحذير من انتقاص الأنبياء
الزمن الذي بين النفختين