أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة غافر:
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ * اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ
[غافر:60-63].
في هذه الآيات من سورة غافر يأمر الله سبحانه وتعالى عباده أن يدعوه، قال تعالى:
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي
[غافر:60] ووعد بالإجابة على الدعاء فقال:
أَسْتَجِبْ لَكُمْ
[غافر:60] ولم يجعل بينهما شرطاً، ولم يقيد الدعاء بشيء في الآية، وإنما قال:
رَبُّكُمُ ادْعُونِي
[غافر:60] .
أسباب إجابة الدعاء
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (
إن الله يستجيب الدعاء ما لم يدع أحدكم بإثم أو قطيعة رحم).
إذاً: الإنسان المؤمن يدعو ربه بما شاء من الدعاء، فالله يستجيب بقيد: لا تدع بإثم، ولا تطلب ذنباً فتسأل ربك أن يعينك عليه مثلاً، أو تدعو على أحد بشر أو بشيء تأثم أنت حين تسأل ربك ذلك، وكذلك أن تدعو بقطيعة رحم، أو تدعو بشيء يكون فيه قطيعة الرحم، فلا يستجاب لك في ذلك.
وقال عليه الصلاة والسلام: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: دعوت فلم يستجب لي)، فعلى الإنسان إذا دعا ربه أن يصبر وليسأل ربه الخير فهو أعلم سبحانه وتعالى، فقد تسأله الشيء الذي يعلم أن فيه ضرراً لك فلا يستجيب لك، ويعطيك مكانه من الخير أشياء أخرى، وقد يعطيك في الدنيا، وقد يعطيك الثواب في الآخرة، وقد يصرف عنك من السوء بقدر ما سألت الله عز وجل من الخير، فالله يستجيب الدعوات يقيناً لا محالة في ذلك ولا شك فيه.
وأمركم أن تدعوه سبحانه تضرعاً وخفية وخيفة، فتسأل ربك سبحانه متضرعاً إليه، وتسأله في العلن وفي الخفاء، وتسأله وأنت محب له عز وجل خائف منه سبحانه.
معاني الدعاء
والدعاء على معنيين:
ادْعُوا رَبَّكُمْ 
[غافر:49] بمعنى: وحدوا ربكم سبحانه وتعالى، و
ادْعُونِي 
[غافر:60] اطلبوا مني، إذاً: ادع ربك موحداً له؛ لأن الدعاء فيه توحيد الله سبحانه وتعالى، وترسيخ العقيدة، فلذلك جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (
الدعاء هو العبادة)، والعبادة: هي توحيد الله سبحانه وتعالى، تعبد ربك، وتتذلل لخدمته سبحانه، ولخدمة دينه سبحانه، والعبادة لله: اسم جامع لكل خير، ولكل شيء تثبت به لربك سبحانه أنك عبد له، فهو اسم جامع لكل الطاعات للأقوال والأعمال والأفعال الظاهرة والباطنة التي ترضي بها ربك سبحانه وتعالى، ولذلك فقولك: لا إله إلا الله دعاء له سبحانه، وأعظم ما دعا به الأنبياء والمرسلون في يوم عرفة قولهم: لا إله إلا الله، فهم يوحدون الله سبحانه وتعالى، فالدعاء توحيد؛ لأنك تقول: يا رب أعطني كذا، فأنت تطلب منه وحده، وتقول: أنا أوحدك يا رب، أنت المستحق لأن تدعى فأنت الإله الذي تستحق ذلك وحدك، وأنت الرب الذي تستجيب.
فالدعاء هو العبادة، فتوحد ربك سبحانه بالدعاء، فتقول: يا رب! أنت وحدك الذي أتوجه إليك بهذا الدعاء، وهذا توحيد الألوهية، وأنت وحدك الذي تقدر على الإجابة، وهذ1 توحيد الربوبية، فمقتضى ربوبيته سبحانه أنه يعطي سبحانه، ومقتضى ألوهيته سبحانه أنك تتقرب إليه وتدعوه.
كرم الله سبحانه واستجابته للدعاء على أي وجه من الوجوه
جاء في الحديث الذي رواه
الترمذي عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
من لم يسأل الله يغضب عليه) .
انظر إلى كرمه سبحانه وتعالى، يقول لك: اطلب مني، وإذا لم تطلب مني فسأغضب عليك، فأنت تطلب من الإنسان ما تحتاج إليه فتقول: يا فلان! أعطني كذا، فيكون كريماً، وتطلب منه مرة ثانية فيكون كريماً، وتطلب منه مرة ثالثة فيقول لك: ليس كل مرة تأتيني وتطلب مني! فالعبد يغضب إن طلبت منه الشيء، والرب سبحانه يغضب إن لم تطلب منه سبحانه وتعالى، ولذلك الإنسان المؤمن يعرف أن له رباً كريماً سبحانه وتعالى، يعطي سبحانه عطاء عظيماً، وعطاؤه الشيء كن فيكون، وخزائن الله عز وجل ملأى لا تغيظها نفقة، فعلى المؤمن أن يكثر من الدعاء، فالدعاء ينفعه في الدنيا والآخرة، فهو توحيد لله سبحانه وتعالى.
والله يستجيب للعبد على وجه من الوجوه التي كلها خير، فإما أن يعطيه هذا الذي سأله، أو يصرف عنه من الشر بقدر ما طلبه من الخير، أو يدخر ذلك له ويجعلها جبالاً من الحسنات يجدها يوم القيامة عند الله سبحانه وتعالى، فلا تعدم خيراً في الدعاء مهما دعوت ومهما سألت الله فكن على يقين بالإجابة على وجه من هذه الوجوه، وكن على ثقة في الله سبحانه أنه كريم جواد يستحيي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً، ومستحيل أن ترفع يديك وتقول: يا رب! ويردك ولا يستجيب لك، بل لابد أن يعطيك من فضله ومن كرمه سبحانه، فهو أعلم بالخير، فلا تقل: إني أدعو وربي لا يستجيب لي، فلعل هذا الذي تطلبه ليس فيه الخير لك، فإذا صرفه الله عز وجل عنك فثق أن الخير في غيره وليس فيه.
ولذلك علمنا النبي صلى الله عليه وسلم الاستخارة في الأمور كلها، فالاستخارة دعاء تطلبه من ربك، حيث إنك لا تطلب شيئاً بعينه، بل تقول: يا رب! اختر لي، إذا كان هذا الشيء فيه خير لي فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كان فيه شر لي فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به.
فالمؤمن يرضى بما يرضى الله عز وجل به.
وقوله تعالى:
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ
[غافر:60] هذه قراءة الجمهور، وقراءة ابن كثير : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونيَ أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
استكبار العبد عن الدعاء استكبار عن عبادة الله سبحانه
علو الله فوق عرشه وقربه من العبد إذا دعاه فيستجيب له
الأصنام لا تملك لمن يدعونها شيئاً من الإجابة
فضل الله علينا ومنه باستجابته دعاءنا عند الاضطرار
أمر الله سبحانه لعباده أن يخلصوا في دعائهم وعبادتهم له