إسلام ويب

تفسير سورة غافر (تابع) الآية [60]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد اشتمل الدعاء بمدلولاته على أنواع التوحيد الثلاثة، وهذا يدل على أهميته في حياة المسلم اليومية، والحقيقة: أن الدعاء باب لا يغلق، وفيض لا ينقطع، وسلاح ذو أثر عجيب، وهو أسرع الطرق للوصول إلى ما يتمناه الإنسان، فلتحرص عليه؛ لأن المدعو كريم حيي يستحي إذا رفع العبد يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين.
    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].

    ذكرنا هذه الآية في الحديث السابق، وذكرنا أن الله سبحانه أمر عباده بدعائه، وذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم عظم الدعاء فقال: (الدعاء هو العبادة)، فالدعاء يشتمل على توحيد الله سبحانه وتعالى بأنواعه، ففيه توحيد الألوهية، وفيه توحيد الربوبية، فعندما يدعو الإنسان ربه سبحانه وتعالى يقول: يا رب! وهو موقن بأن الله يستجيب الدعاء، وهذه من خصائص ربوبيته سبحانه، فهو الذي يستجيب الدعاء ويعطي عباده ما سألوه سبحانه وتعالى، وهو عندما يدعو ربه فإنه يتقرب إليه وحده لا شريك له، وهذه من خصائص توحيد ألوهية الله سبحانه، فهو الإله الذي يستحق أن يعبد، وأن يتوجه إليه بالعبادة.

    وعندما تتوجه إلى الله بالدعاء فإنك تقول: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا عظيم، يا عزيز، يا حكيم، فتسأل ربك بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، فهو وحده الذي يستحق هذه الصفات، ففيه توحيد الأسماء والصفات، كما قال سبحانه وتعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الأعراف:180]، أي: له وحده لا شريك له.

    فالدعاء مشتمل على أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، قال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (من لم يسأل الله يغضب عليه)، وجاء عنه قوله: (ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء) وجاء عنه صلى الله عليه وسلم كذلك أنه قال: (من سره أن يستجيب له الله عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء)، وهذا الحديث رواه الإمام الترمذي ، وهو حديث صحيح، وفيه: أن تعود نفسك على الدعاء في كل وقت، سواء في وقت الرخاء والخير أو في وقت البلاء والضيق، فإذا أكثرت من الدعاء في كل وقت كنت جديراً باستجابة الله لك حين ينزل بك شيء من البلاء، فيكون الله معك وبجانبك.

    ومما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء أن تدعو لأخيك بظهر الغيب، وهذا من أجمل ما يكون إذا دعوت لنفسك وغيرك، فإنك إذا دعوت لأخيك أيضاً أمن الملك على ذلك، ففي الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: آمين ولك مثله)، فإذا أوصاك إنسان بالدعاء له فادع وأنت موقن بالإجابة، فإن الملك يدعو لك بمثل ما سألت لأخيك، ولذلك لا تستكثر على أخيك شيئاً في الدعاء، بل ادع له بالنجاح والرزق والجنة ونحو ذلك، فإن لك مثل الذي سألت لهذا الذي دعوت له بظهر الغيب.

    وجاء في الترمذي من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل، أو كف عنه من السوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم)، إذاً: فالإجابة على وجوه:

    إما أنه يعطيك الشيء الذي سألته بعينه، أو أن يكف عنك من الشر والسوء بمثل هذا الذي سألته سبحانه، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً: (أن العبد يجد يوم القيامة جبالاً من الحسنات فيقول: يا ربي! لم أعمل هذا، فيقال: هذا دعاء ادخرناه لك)، فيتمنى العبد لو لم يستجب له أي دعاء، فلو ادخرت له الأدعية كلها ليوم القيامة لكان أنفع له يوم القيامة.

    كذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوته فلم أره يستجيب لي)، يعني: أنه يضجر لعدم الاستجابة فيمتنع عن الدعاء، فيحرم نفسه من فضل الله سبحانه ويدع الدعاء.

    من شروط استجابة الدعاء

    وحتى يستجاب للإنسان: فعليه أن يطيب مطعمه ومشربه وكسوته ورزقه الذي يأخذه؛ لكي يستجيب الله عز وجل لدعائه، ولذلك جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس! إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]، ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب!) إنسان مسافر سفراً طويلاً (أشعث)، أي: أن شعره غير مرتب من طول السفر، فهو لا يجد وقتاً ليمشط فيه شعره، (أغبر) أي: ممتلئ بالتراب وغبار الطريق، فهذا الإنسان على هذه الهيئة هيئة المسكين الذليل التعبان المنهك الذي يدعو ربه، فهو بهذه الحال حري أن يستجيب الله عز وجل له، ولكن هذا الإنسان الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لا يستجيب الله له؛ والسبب هو قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له)، أي: إذا كان هذا يأكل الحرام ويمد يده على أموال الناس يأخذها ويأكلها ولا يتحرى الحلال فيأخذ منه، وكذلك مشربه وثيابه، فهو يسرق ويلبس ويغتصب ويشتري الشيء دون أن يدفع ثمنه، أو يلبس الحرير أو الذهب أو ما حرم الله سبحانه وتعالى.

    قال:(وغذي بالحرام)، إذاً: فهذا الإنسان يشبع بطنه من الحرام ثم يقول: يا رب! يا رب! فهذا بعيد من الله سبحانه وتعالى، قال: (فأنى يستجاب له)، أي: كيف ينتظر الإجابة من الله سبحانه وهو قد أبعد نفسه عن ربه بهذا الحرام؟

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089154214

    عدد مرات الحفظ

    782236314