إسلام ويب

شرح رياض الصالحين - الشفاعةللشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • التعاون على الخير والنفع سلوك حسن، وعبادة جليلة ممدوح فاعلها من الله ومن الناس، ومن ضروب التعاون الشفاعة، ولنفعها العظيم، وترسيخها لمبدأ التعاون فقد رتب عليها الأجر الجزيل على أن تكون في خير وصدق، لا في إثم وكذب، أو في حد من الحدود، أو لمقابل رخيص كهدية أو غيرها.

    تعريف الشفاعة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الإمام النووي رحمه الله: [باب الشفاعة.

    قال الله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85].

    عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه، فقال: (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب)، متفق عليه.

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (في قصة بريرة وزوجها، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لو راجعته قالت: يا رسول الله؛ تأمرني؟ قال: إنما أشفع، قالت: لا حاجة لي فيه)، رواه البخاري].

    هذا باب من أبواب كتاب رياض الصالحين، للإمام النووي رحمه الله، وفيه قول الله عز وجل: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85].

    الشفاعة: مأخوذة من الشفع، والشفع ضد الوتر.

    والمعنى: أنه يكون واحد منفرداً فيأتي الآخر معه فيشفع، ويعينه على قضاء الحاجة التي يريدها، وإنجاز المصلحة التي هو فيها، وبهذا المعنى جاءت أقوال المفسرين عند قوله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85]، فقالوا: من يزيد عملاً إلى عمل فيحسن، فالله عز وجل يعطيه إحساناً.

    ومنها أن يعين أخاه بكلمة عند غيره في قضاء حاجته، كأن يذهب به إلى القاضي، أو يذهب به إلى من بيده المصلحة لهذا الإنسان، فيعينه على قضاء الحاجة التي هو فيها.

    ومن معاني الشفيع: المعين في الجهاد في سبيل الله عز وجل، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك يذكر الإمام الطبري من معاني الآية: من يكن يا محمد شفيعاً لوتر أصحابك في الجهاد للعدو يكن له نصيب في الآخرة من الأجر، ومن يشفع وتراً من الكفار في جهاده، يكن له كفل في الآخرة من الإثم.

    فضل الشفاعة الحسنة وعقوبة الشفاعة السيئة

    الشفاعة الحسنة: هي الإعانة على الخير.

    أما الشفاعة السيئة: فهي الإعانة على الشر.

    فإذا أعان الإنسان إنساناً آخر على خير فقد شفع شفاعة حسنة؛ لأنه كان فرداً فشفعه فكان معه زوجاً، وإذا أعان الإنسان آخر على الشر، فقد شفع شفاعة سيئة.

    وتعلمنا الآية أن الإنسان ينبغي أن يكون متعاوناً مع غيره من الناس على الخير، بالدلالة عليه، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله، والعكس بالعكس، فمن دل على شر فعليه مثل وزر فاعل هذا الشر، قال تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85].

    فالذي يجد إنساناً وحده، يريد أن يعمل عملاً من الخير، ومصلحة من المصالح، فيفسد بينه وبين صاحب المصلحة، حتى يترك صاحب المصلحة عملها، فقد ارتكب الشفاعة السيئة التي عليه الوزر منها.

    وفي المتفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري : (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه، فقال: اشفعوا تؤجروا).

    ورواية مسلم : (اشفعوا فلتؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب) وفي رواية: (ما شاء).

    والمعنى: أن الإنسان قد يأتي والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف هل هو محتاج أو ليس محتاجاً، وقد يعرف الجلوس أن هذا الإنسان يحتاج إلى شيء من الأشياء، وأن له حاجة من النبي صلى الله عليه وسلم فيستحيي أن يتكلم معه فيها، فيقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا فلتؤجروا) أي: من يعرف عن هذا الإنسان فليتكلم عنه بخير، فلعل هذا يجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعينه على ما يريد.

    ما تكون فيه الشفاعة

    يجدر التنبيه هنا أن الشفاعة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا في حق، فيتكلم الإنسان في حق أخيه بالخير الذي يعرفه، أما أن يدلس ويكذب فيجد إنساناً كذاباً، منافقاً، عاصياً، جاء يكيد بإنسان ليأخذ منه ماله، أو ليعينه على باطل، فيدلس الشفيع ويقول: لا بأس به، أعطوه، أو يؤكد أنه يعرفه، وأنه يستحق كذا، فهذه من الشفاعة السيئة؛ لأنه يغرك ويمكر بك من أجل أن تعطي مالك، أو تعطي معونتك لإنسان يعصي الله عز وجل بها.

    ولذلك ذكر الله نوعي الشفاعة: الحسنة والسيئة، ولذا عندما يشفع الإنسان لآخر ينبغي أن ينصح بما يعرفه عنه فإن كان إنساناً محتاجاً نصح أن يعطوه، وإن كان عاصياً لله سبحانه وتعالى ولا يستحق العطاء، أو مبذراً أو سفيهاً فينصح بما يعرف عنه بصدق.

    الشفاعة والصلح بين الأزواج

    ومن الأحاديث التي جاءت في هذا المعنى: ما ذكره الإمام النووي عن ابن عباس في قصة بريرة وزوجها، وكانت بريرة أمة وزوجها عبداً، ثم حرر بريرة سادتها وأعتقوها.

    والحكم الشرعي: أن الأمة إذا كانت متزوجة بعبد، ثم حررت صار من حقها أن تطلب الفسخ، أو تبقى زوجة له.

    وقد طلبت بريرة حقها في عدم البقاء مع زوجها، وكان الرجل يحبها حباً جماً، وذهب يستشفع إليها بكل من يرجو شفاعته، حتى وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـبريرة: (لو راجعته).

    يعني: لو ترجعين إلى زوجك؛ لأن زوجها كان يحبها حباً شديداً، وكان يعجب النبي صلى الله عليه وسلم من شدة حب هذا الإنسان لامرأته، وأما هي فكانت تبغضه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (لو راجعته)، وهذا نوع من الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم، يريد لو تفعلين ذلك، وكأنه يحثها عليه.

    وتساءلت المرأة: يا ترى أهذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم ليس لي إلا أن أنفذ، أو أن هذا تخيير؟ فسألت النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: (يا رسول الله تأمرني؟)، أي: هذا أمر واجب علي، أو هذا شيء آخر؟

    فقال: (إنما أشفع)، يعني: أني لا آمرك أمراً واجباً بحيث تعصين لو لم تطيعي، بل أنا أشفع، فمع أن مقامه عظيم إلا أن به من الرأفة والرحمة ما أخبر الله عنه فقال: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، إذ كان يمكنه أن يقول لها: نعم. ارجعي له، فهو زوجك، وقد مكثت معه سنين فارعي العشرة، والألفة، والمودة، والرحمة.

    وفي العادة أننا لا نقول مثل هذا الشيء من دون أن ننظر إلى الطرف الثاني، ومن غير أن ننظر إلى أن المرأة تُبغض زوجها، ولا تريد أن تعيش معه ولا تطيقه، فإنها لما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (تأمرني؟) لو كان الأمر كما نفعل من تغليب العاطفة، لقلنا: ارجعي، وعللنا بما سبق، ولكان أخبرها صلى الله عليه وسلم بذلك، ولكن قال: (إنما أشفع)، أي: أنا مجرد شافع أشفع فقط، فإن أردت الرجوع فارجعي، وإن كنت لا تريدين فالأمر عائد إليك.

    فقالت: (لا حاجة لي فيه)، فقد كانت تبغضه بغضاً شديداً، وهذا من العجب أنه يحبها وهي تبغضه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088985154

    عدد مرات الحفظ

    780373234