تعريف الصيام
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد:
الصيام: هو الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله سبحانه تبارك وتعالى.
ويجب على كل مسلم بالغ عاقل، أما المرأة فيزاد عليها أن تكون طاهرة من الحيض والنفاس.
والمفطرات هي: الطعام أو الشراب أو الجماع في نهار رمضان.
حكم من تقيأ في نهار رمضان
من المفطرات تعمد القيء في نهار رمضان كأن يضع أصبعه في حلقه من أجل أن يخرج ما في بطنه، أما لو غلبه القيء فلا يفطر، لحديث: (
من ذرعه القيء فلا شيء عليه)، وذرعه القيء معناه: غلبه القيء، لكن إذا تعمد أن يجعل أصبعه في جوفه أو أن يضغط على بطنه من أجل أن يخرج ما فيها فإنه يفطر بذلك.
والدليل على ذلك ما رواه أبو داود أو الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض)، ومن ذرعه القيء أيْ: غلبه فليس عليه قضاء، فالذي يخرج من بطنه شيء ثم يرجع إلى جوفه بدون تعمد منه فهو معذور فيه ولا شيء عليه، لكن إن تعمد ابتلاعه فإنه يفطر بذلك.
حكم وضع قطرة الأنف للصائم
لو استنشق شيئاً كالسعوط فوصل إلى حلقه أفطر بذلك، والسعوط شيء يضعه المريض في الأنف ويستنشقه ويصل إلى حلقه، فما وصل إلى الحلق ثم إلى الجوف فإنه مفطر.
إذاً: وضع القطرة في الأنف تفطر إذا وصلت إلى الحلق، لكن لو أن الإنسان أتى بقطنه مبلولة بشيء من نقط الأنف التي تسمى (روزلين) أو غيرها ومسح بها داخل أنفه ولم ينزل شيء إلى حلقه ولم يستنشق شيء منه فهذا لا يفطر، وهذا حكمه مثل حكم المضمضة ومن ثم يتفل ولم ينزل شيء إلى حلقه لأن مجرى الأنف يتصل بالحلق وينزل فيه.
حكم المبالغة في الاستنشاق للصائم
لو أنه بالغ في الاستنشاق متعمداً فإنه يفطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقال ل
لقيط بن صبرة (
وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، وهذا من النظافة العظيمة في هذا الدين القيم، فالوضوء فيه مضمضة وهي: تطهير الفم وهذا تطهير ظاهر، وأيضاً تطهير باطن أن ذنوب الفم تنزل في أثناء المضمضمة، وكذلك الاستنشاق فهو تطهير لما في الأنف من أتربة وجراثيم ما زالت على الشعيرات الأنفية ونحو ذلك فتخرج هذه الأشياء مع الاستنشاق.
فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بمبالغة الاستنشاق، وهو أنْ تجعل الماء في أنفك وتستنشقه بقوة بحيث يصل إلى داخل الأنف ثم تخرجه لكي ينظف مجرى النفس في أنفك، فقال صلى الله عليه وسلم: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم الصائم عن المبالغة في الاستنشاق؛ لأن الأنف له مجرى إلى الحلق وإلى الجوف، فإذا كنت صائماً فلا تفعل ذلك، أما من استنشق ولم يبالغ فيه فسبقه الماء إلى جوفه فالراجح أنه لا شيء عليه إذا كان كذلك؛ لأنه معذور أو أنه نسي في ذلك، أمَّا لو تعمد الاستنشاق وعلم أنه صائم وأنه لا يجوز له أن يبالغ في الاستنشاق وعلم أنه لو بالغ فيه فإنه سينزل إلى حلقه فإنه يفطر بذلك، فإذا لم يقصد الفطر أو ظن أنه يحبسها بحيث لا تصل إلى حلقه فالراجح في هذه الصورة الثانية أنه لا يفطر بذلك.
حكم من جامع زوجته في نهار رمضان
حكم القبلة والمباشرة للصائم
من جامع زوجته فنزع مع طلوع الفجر فأنزل
إذا جامع الرجل زوجته قبل الفجر فسمع الأذان فنزع مع طلوع الفجر وأنزل أي: خرج منه المني فالراجح أن صومه صحيح؛ لأنه عمل بما في الآية قال الله سبحانه تبارك:
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ 
[البقرة:187]، فأحل الله الجماع في الليل إلى قبيل الفجر مباشرة فإذا جامع في الليل فقد أخذ بما ذكر الله سبحانه، ثم نزع قبيل الفجر بثوان أو أنه سمع النداء فنزع فخرج منه المني بعدما نزع فالراجح أنه لا شيء عليه ويصوم هذا اليوم.
حكم نظر الصائم إلى المرأة
لو أن الصائم نظر إلى زوجته أو إلى غيرها فلا شيء عليه، وسواء نظر لزوجته أو إلى غيرها مرة واحدة أو مرات ولم يحدث له شيء فلا شيء عليه، وكذلك لو أنه باشر أو قبل.
لكن لو نظر إلى امرأته أو إلى أجنبية فاستثارت شهوته بهذه النظرة ثم أدام النظر فيها حتى خرج منه المني فقد بطل صومه بهذه الحالة؛ لأنه الذي استدعى هذا الفعل؛ ولأنه يعلم أنه بهذه الحالة يخرج منه المني فكأنه يستدعيه بهذا الشيء فيبطله، لكن لو نظر إلى امرأة نظرة واحدة ثم صرف بصره عنها فاستثارت نفسه لغلبة غلمته وشهوته فلم يتمالك أن خرج منه المني فلا شيء عليه.
ونفرق بين من نظر فاستدام النظر حتى خرج منه المني فبطل صومه وبين من نظر مرة واحدة فلا شيء عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما لك النظرة الأولى).
ولو أن إنساناً ذهب فكره إلى بعيد فإذا به يقع في هذا الأمر فخرج منه المني فالراجح أنه لا شيء عليه، ولكن يصرف فكره ويتفكر فيما هو فيه من الصيام والامتناع عن الشهوة وغير ذلك.
حكم الاستمناء باليد للصائم وغيره
الجماع في نهار رمضان حرام، والوقوع في الزنا أو غيره كالاستمناء باليد حرام في رمضان وغير رمضان، فمن استمنى بيده في نهار رمضان فهذا حرام ويبطل صومه لذلك، وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل وعليه أن يقضي يوماً مكانه، أما من جامع فعليه القضاء والكفارة.
حكم من قبل زوجته فأمذى وهو صائم
لو أن إنساناً قبل امرأته فخرج منه المذي أو تفكر في الجماع ومقدماته فأمذى، فالراجح أن خروج المذي لا يبطل الصيام بخلاف خروج المني فإنه يبطله، فمن نظر أو باشر أو قبل فخرج منه المني فعليه القضاء بسبب ذلك.
حكم من أفطر ناسياً
من أفطر ناسياً فالراجح والصواب أنه لا شيء عليه، وكذلك إذا كان جاهلاً في غير بلاد المسلمين، أما في بلاد المسلمين فلا يصدق أنه يجهل أن الطعام والشراب من مبطلات الصيام، فلا يقبل منه ذلك، والذي يقول أنه يجهل ذلك فهو كذاب، أما في بلاد الكفر فقد يعتاد الناس أن يصوموا عما فيه الروح، وما ليس فيه الروح يأكلونه، فمن دخل منهم في الإسلام فقد يتصور الصيام كذلك، فإذا به يصوم عن الأشياء الذي كان يصوم عنها قبل ذلك، فالراجح في ذلك أن هذا جاهل فيعلم ولا يلزم بالقضاء، فمن أخطأ فأفطر ناسياً أو جاهلاً وتذكر أنه كان صائماً يكمل صومه سواء كان في صوم فريضة أو في صوم نافلة، فلا فرق بين صوم الإثنين والخميس وصوم رمضان وصوم كفارة وصوم النذر وصوم كفارة الظهار ونحو ذلك.
فإذا نسي فأكل أو شرب قليلاً أو كثيراً فلا شيء عليه طالما أنه ناسي، لكن لو أنه أكل وهو ناسي فتذكر أنه صائم ثم استمر في الأكل فقد صار مفطراً الآن.
وكثير من الناس يظن أن الفطر ناسياً في صوم النافلة يبطله وهذا خطأ، ولا فرق بين النسيان في صوم الفريضة وصوم النافلة، فمن نسي في ذلك فلا شيء عليه، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه). (ورجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل وهو ناسي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الله أطعمك وسقاك)، وقال في رواية أخرى: (من أكل أو شرب ناسياً فلا يفطر)، فمن أكل أو شرب ناسياً فلا شيء عليه، ولا يتمادى في الفطر وليتم صومه وليس عليه قضاء.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.