روى
أبو داود رضي الله عنه عن
ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (
نضر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع). وفي هذا الحث على تبليغ حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن بقيد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه سمعه منه صلى الله عليه وسلم، أو ساوى من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فالسامع من النبي صلى الله عليه وسلم على يقين أن هذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يساويه هو من عنده الإسناد الصحيح بحيث يستيقن أن هذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا القيد الأول.
والقيد الآخر: أن تبلغه كما سمعته، ولا تزد فيه شيئاً، قال صلى الله عليه وسلم: (فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع)، وفي هذا يحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على تبليغ الحديث بألفاظه، فربما لا يكون عندك فقه، ولا تفهم في اللغة العربية تماماً، ولكنك تبلغ الحديث لإنسان يفهم اللغة العربية، وعنده فقه فيأخذ الحديث ويستنبط منه الفقه فيتعلم الناس ويتفقهون بما رويته أنت لهذا الآخر، فقال صلى الله عليه وسلم: (نضر الله) وهذا دعاء له بالنضارة، والنضارة في وجه الإنسان نعمة وبهجة وحسن وجمال.
فعندما تنقل ما سمعت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث صحيحة يكون لك هذا الأجر حياً وميتاً، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
فإذا بلغت العلم الشرعي فانتفع به الناس سواء في حياتك أو بعد وفاتك فإن الذي نقلته وعلمته الناس ينفعك.
لو أن إنساناً نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، أو فسر القرآن بغير الذي أراده الله تبارك وتعالى فهذا مصيبته مصيبة، فبقدر ما يأخذ الذي يبلغ الصحيح مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من حسنات عظيمة، ويكون له كأجر الحاج وأجر المجاهد في سبيل الله، بقدر ما يهيئ هذا نفسه للنار؛ لأنه كذب على الله وعلى رسول الله.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).
وفي رواية أخرى عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) فالذي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث علامات الكذب فيه واضحة يعد كذاباً، فعلى المسلم أن يحذر من أن يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن كذباً علي ليس ككذب على أحدكم)؛ فالذي يتقول على النبي صلى الله عليه وسلم إنما يكذب على الوحي، ويكذب على الله سبحانه تبارك وتعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى.
والذي جعلنا نتكلم في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وجود من يوزع أوراقاً فيها حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن في غنى عن مثل هذا الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فالناس ولله الحمد منذ عشرين سنة أو أكثر وهم يدرسون سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كالكتب السنة الستة: البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
وكذلك مسند الإمام أحمد . فنحن في غنى عن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الورقة التي وزعت بين الأخوات فيها حديث مكذوب عليه صلى الله عليه وسلم، وفيه: أنه من فاتته صلوات عمره ولم يحصها فليقم في آخر جمعة من رمضان وليصل أربع ركعات بتشهد واحد، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة القدر خمس عشرة مرة، وسورة الكوثر كذلك، ويقول في النية: نويت أصلي أربع ركعات. فهل النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهذا؟! وكل العلماء يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال أبداً: نويت أصلي ولا نويت أصوم، ولا أمر بذلك، إنما هذا من كلام الفقهاء، فهذا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم فما أمر بقراءة سورة أكثر من مرة في صلاة قط، ولا يصح هذا عنه صلى الله عليه وسلم، والحديث جاء فيه من الثواب: أنه يغفر له ذنوب أربعمائة سنة، وأن أبا بكر الصديق قال هذا، فقال علي بن أبي طالب معقباً عليه: لا بل ألف سنة، أي: يغفر له ذنوب ألف سنة، وهذا معناه: إلغاء الدين كله، فلو لم تصل ولم تصم فسيكفيك هذا الفعل، ويذكر في هذا الحديث المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال: إن أحدنا يعيش ستين سنة أو مائة سنة فلمن تكون الصلاة الزائدة؟ -يعني: تكفير ذنوب ألف سنة كثير ويتجاوز عمر الإنسان- قال: تكون لأبويه وزوجته ولأولاده وأقاربه وأهل البلد. فهذا من الكذب! ولعنة الله على الكذابين! لعنة الله على الكذابين! لعنة الله على الكذابين!
ولماذا توزع مثل هذه الأحاديث؟ أليس هناك كتب فيها الأذكار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ككتاب الدعوات مثلاً، ففيه الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهناك ورقة أخرى وزعت قبل مدة فيها حديث: أن الشيطان قابل النبي صلى الله عليه وسلم فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور، والشيطان أجاب على تلك الأسئلة، وهذا كله كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يثبت فيه شيء ولا يصح، فاتقوا الله عز وجل، واتقوا الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين).
ولا يجوز لكل من قرأ حديثاً في ورقة أو مجلة أن يلقيه على الناس حتى يتأكد من صحته عند أهل العلم.
وقد وزعت قبل أيام ماضية ورقة فيها كذبة، وهي أن خادم الحرم واسمه الشيخ أحمد رأى رؤيا فيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: يا شيخ أحمد ! الأمة ستهلك! -وكلام آخر غير هذا- فاكتب هذه الورقة، والذي سيصورها عشر مرات سيحصل له كذا .. والذي لا يصدقها ولا يوزعها سيبتليه الله بكذا. والناس عادتهم دائماً يعيشون في أحلام وأوهام، فيقولون: إن أحدهم نسخها فحصل على ألف جنيه، وآخر مزقها فحصلت له مصيبة، فعلينا أن نكتبها حتى لا نصب بمثل هذا، فهذه أحلام وأوهام وغباء -ولا حول ولا قوة إلا بالله- سيعيش المسلمون عليها إلا أن يرحمهم الله سبحانه وتعالى، وإذا ظلوا في هذا الضلال وفي هذه الخرافات سيأتي لهم الكنز من غير تعب، وهكذا يأتي أحدهم فينسخ الورقة عشر مرات أو خمسة عشر مرة لأجل أن يفتح له أبواب الرزق بالكذب على النبي صلوات الله وسلامه عليه، والورقة هذه لها أكثر من عشرين أو ثلاثين سنة وكل سنة تتجدد وتنزل للناس، والعلماء ينكرون وجود شخص بهذا الاسم، ولكن أعداء الإسلام هم الذين يصنعون ذلك لأجل يشغلوا المسلمين بذلك فيظلوا تائهين في الأحلام، وهذه عادة كثير من الناس، فأحدهم ينتظر متى سيأتيه اتصال على الهاتف يبشره بجائزة، ويقعد عن العمل والكسب، فلما صار المسلمون على ذلك ضعف دينهم، وأصبحت الأمم الكافرة في القمم وهم في الذيول والرمم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فاتقوا الله في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تكذبوا على الله، ولا تكذبوا على رسول الله.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.