لقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في المشي إلى المساجد وأخبر أن الله سبحانه يُعد لمن مشى إليها نزلاً عنده في الجنة كلما غدا إليها أو راح، كما بشر النبي صلى الله عليه وسلم الذين يذهبون إلى المساجد في الظُّلم -خاصة- بالنور التام يوم القيامة وأخبر أن الله ضمن لمن خرج إلى المسجد أن يرزقه وأن يكفيه ما دام حياً وإن مات أن يدخله الجنة.
روى الإمام
أبو داود حديثاً عن
أبي أمامة وفيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
ثلاثة كلهم ضامن على الله -يعني: مضمون لهم ما وعدهم الله عز وجل به- إن عاش رزق وكفي، وإن مات أدخله الله الجنة) وأمنية كل إنسان هي: أن يرزقه الله ويكفيه إذا عاش وأن يدخله الجنة إذا مات، قال النبي: (
من دخل بيته فسلم فهو ضامن على الله) والإنسان الذي يتعود السلام على الخلق وعلى أهله يتعامل مع الناس بالأمن والأمان والطمأنينة فيكون سالم مسالم، لا يريد أن يؤذي أحداً من الناس، والسلام عنوان لذلك، وبعض الناس مع الغريب يقول: السلام عليكم، لكنه إذا دخل بيته يضرب هذا ويرفع صوته على هذا ويوقظ هذا مع أن النبي قال: (
خيركم خيركم لأهله) فإذا سلمت حين تدخل البيت فأنت مأجور على ذلك، وسيرزقك الله سبحانه ويدخلك الجنة.
فالسلام مفتاح حسن الخلق، فإذا كان خلقك حسناً فأنت تستحق من الله أن يرزقك، وأن يكفيك، وأن يدخلك الجنة، فكأن السلام عنوان حسن خلق الإنسان، ومن الناس من يدخل بيته ولا يسلم! كأن يدخل إلى الأكل والشرب مباشرة، أو يقول: صباح الخير، أو مساء الخير، وينسى التسليم الذي جاءنا به القرآن وجاءت به السنة، وهو قول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ولو أنك كلما دخلت بيتك سلمت اعتاد أهل البيت ذلك وحرسته الملائكة، فكان في سلام وطمأنينة، وأمن وبركة من الله عز وجل.. وهذا هو معنى قوله: إن الله عز وجل ضامن لمن دخل بيته فسلم عليهم.
قال: (ومن خرج إلى المسجد فهو ضامن على الله) أي: إذا ذهبت إلى صلاة الجماعة وأنت مأمور بها فإن الله هنا من لك الرزق والجنة. فلا تضيع الجماعة، ولا تصل متكاسلاً في بيتك، وتقول: عندي عمل والصلاة ستضيع علي الوقت، الصلاة لن تضيع عليك شيئاً.
أحياناً بعض الناس قد يعمل عند شخص من الأشخاص فيقول لصاحب العمل: اسمح لي أن أصلي صلاة الجماعة، وأحياناً قد يكون صاحب العمل سيء الخلق فيمنعه من الصلاة، وأحياناً يكون المصلي نفسه هو السبب في منعه من صلاة الجماعة؛ لأن صلاة الجماعة قد تأخذ من الوقت عشر دقائق، أو ربع ساعة، فيذهب يصلي في جماعة ويتأخر ساعتين فيمنعه صاحب العمل بسبب ذلك، فالعمل عليك واجب لأنك تأخذ عليه أجراً، فاعط العمل حقه، وصلاة الجماعة لها قدر معين، فالله لم يأمرك أن تصلي صلاة الجماعة ساعتين، فتصلي في المسجد ثم تتكلم مع هذا وتتحدث مع هذا، ثم بعد ذلك تأتي إلى العمل، فإذا أردت أن تصلي صلاة الجماعة فاذهب وقت صلاة الجماعة، ثم صل ركعتين، ثم ارجع إلى عملك عندئذٍ يعرف صاحب العمل أنك أمين مع الله عز وجل، وستكون أميناً على عملك.
وإذا تركت الصلاة لست مأموناً على دينك ولذلك لن تكون مأموناً على عملك، والله سبحانه وتعالى لا يجعل صاحب العمل في كثير من الأحيان يحب تارك الصلاة ويتمسك به. وكثير ممن ترك الصلاة يذهب يبحث عن عمل فلا يقبله صاحب العمل أبداً، بخلاف المحافظ على الصلاة فإنهم يحبونه ويقولون عنه: إنه أمين وإنه ممتاز.
فيجب عليك أن تؤدي الأمانات إلى أصحابها، وأمانة الله عز وجل الصلاة فتؤديها في وقتها، وتصليها حيث ينادى بها، وأمانة صاحب العمل إن تواظب على عملك في وقته ولا تفرط فيه، وسوف تؤجر على هذا كله.
فإذا كنت تصلي الصلوات المكتوبات في بيت الله عز وجل فالله ضامن أن يرزقك ويكفيك سبحانه وتعالى، وإذا مت أن يدخلك الجنة.
قال: (ومن خرج في سبيل الله فهو ضامن على الله) أي: ومن خرج مجاهداً في سبيل الله عز وجل فهو ضامن على الله أن يرجعه بأجر وغنيمة أو يستشهد فيكون في أعلى عليين.
روى
مسلم عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) .
وفي المسند عن جبير بن مطعم : (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أي البلاد أحب الله؟ وأي البلدان أبغض إلى الله؟ -والبلاد هنا بمعنى: المواطن والأماكن- فقال: لا أدري حتى أسأل جبريل، فأتاه جبريل فأخبره أن أحب البقاع إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق) . فلا تشبه المسجد بالسوق أبداً، فالمسجد بيت الله عز وجل يجب عليك أن تحترمه وتعظمه، والسوق مكان الشيطان وفيه يرفع رايته.
ففي السوق الكذب، والغدر، والخداع، والغش، والخيانة، وأكل أموال الناس بالباطل، وفيه هيشات وصخب وضجيج، أما المسجد فلا يكون كذلك أبداً، ولذلك نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع والشراء في المسجد وقال لنا: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، فإن المساجد لم تبن لهذا) . فالمسجد لا يشبه بالسواق أبداً، فلا ترفع فيه الأصوات، ولا تكون فيه عقود البيع والشراء والإجارة ونحوها، ولا يكون فيه أمور تؤذي المصلين، كما أن الأسواق فيها الرائحة الكريهة، والمساجد يجب أن يكون فيها الروائح الطيبة، فلا تؤذي أحداً في المسجد لا بصوت ولا بكلام ولا بضجيج، ولا ترفع صوتك إلا محتاجاً إلى ذلك، سواء كنت عالماً أو متعلماً سائلاً أو مسؤلاً، وقد ترفع صوتك بالقراءة كصلاة الجماعة مثلاً، أو في مجلس علم بشرط ألا تؤذي أحداً من المسلمين.
وبعض الإخوة يدخل المسجد وقد ضبط ساعته على وقت معين فتنبهه الساعة في المسجد وهذا تشبيه لها بالأسواق لأنه لم يحترمها، وكذلك التلفون قد يدخل به المسجد وينسى أو يتعمد بأن يتركه حتى يدخل في الصلاة، ثم يتصل به فإذا بالتلفون يشغل المصلين، والتلفونات أصبحت كلها موسيقى وأشياء تجعل الملائكة تنفر من المكان التي هي فيه؛ فلا تأت المسجد بالتلفون حتى لا تطرد الملائكة من المسجد، وحين تأتي إلى المسجد ضع تلفونك في بيتك ولا تأت به إلى المسجد وإذا جئت به فأغلقه.
وقد يقول قائل: إذا كانت نغمة التلفون موسيقى لكن على لحن الأذان؟ الجواب: الأذان لا يصلح فيه هذا أصلاً، والذي يأذن ويتغنى في الأذان واقع في الحرام فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنه أنه دخل مسجداً فسمع المؤذن يتغنى في الأذان، فلما سمع المؤذن يتغنى لم يصل في المسجد الذي فيه ذلك، فلحقه المؤذن وقال: ما هذا يا أبا عبد الرحمن والله إني لأحبك في الله. قال أبو عبد الرحمن : والله إني لأبغضك في الله. فقال: ولم يا أبا عبد الرحمن ؟ -و عبد الله بن عمر صحابي فاضل وهذا المؤذن تابعي- فقال له: لأنك تتغنى بالأذان وتأخذ عليه أجراً. والتغني يكون في قراءة القرآن وليس في الأذان، فكأنه يقول له: تريد أن تشبه الأذان بالقرآن؟ والتغني لا يكون إلا في قراءة القرآن فقط، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) . فلا تقنت في الصلاة أو تدعو في الصلاة وتغني فيه وتقول: إن الناس يعجبهم هذا، وإلا فكل إنسان سيفعل مثل ذلك حتى يشبه الكلام العادي بكتاب الله عز وجل.
فالتغني فقط بالقرآن لا بالأذان ولا بالدعاء ولا بغيره.
جاء عن أحد السلف أنه دخل المسجد ثم خرج وقال: أخرجتني البدعة -قد يكون ابن عمر أو غيره- وذلك لأنه سمع المؤذن يتغنى بالأذان.
فإذا كان التغني بالأذان ممنوع منه فما بالك بالموسيقى التي على صوت الأذان، وليست بأذان أصلاً، فلا يجوز لك أن تدخل بها بيت الله سبحانه وتعالى، وقد تكون معذوراً بأن تكون محتاجاً لهذا الجهاز وفيه نغمات الموسيقى، لكن ليس معنى ذلك أن تدخل به المسجد والله أعلم.
نكتفي بهذا القدر، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.