جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (
سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)، إذ يوم القيامة تدنو الشمس من الرءوس، وهو يوم طويل جداً يقدر بحسابنا كخمسين ألف سنة، فتدنو الشمس من رءوس الخلق فإذا بهم يعرقون عرقاً شديداً، ولا يوجد لهم مكان يختبئون ويحتمون فيه من الشمس، وينجون من العرق الذي يغطي أرجلهم، وقد يغطي رءوس بعضهم، فمن لم يبذل عرقه في الدنيا لله سبحانه وتعالى، يبذله في هذا اليوم العظيم، نسأل الله عز وجل العفو والعافية، وأن يظلنا بظله يوم لا ظل إلا ظله.
الإمام العادل تحت ظل العرش
يوم القيامة يظل الله عز وجل سبعة من خلقه في ظله يوم لا ظل إلا ظله منهم: الإمام العادل، أي: الحاكم العادل الذي يحكم بشرع الله عز وجل، فيحكم بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويسير على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، كما كان
أبو بكر الصديق و
عمر بن الخطاب و
عثمان و
علي رضي الله عنهم، وغيرهم ممن اتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسار على منهجه صلوات الله وسلامه عليه.
الشاب التقي تحت ظل العرش
الثاني: شاب نشأ في عبادة الله عز وجل، يعني: منذ طفولته وهو يعبد الله سبحانه وتعالى فشب على ذلك، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم يحفزنا أن نربي أولادنا على طاعة الله وحسن عبادته فيقول: (
مروا أولادكم بالصلاة لسبع) فإذا أصبح الطفل يفهم ويميز الخطأ من الصواب، الطيب من الخبيث فعلينا أن نعلمه كيف يصلي، وكيف يتوضأ، فإذا نشأ وشب وبلغ كان قد تعلم كيف يصلي وكيف يخاف من الله رب العالمين، فلا يزال على الخير، عابداً لربه سبحانه، خائفاً منه عز وجل؛ لأنه نشأ على حب الحلال، وعلى الخوف من الحرام، وعلى مراقبة الله سبحانه وتعالى، وعلى طاعة الله وعبادته، فهذا يظله الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله. يقول الله تعالى مخاطباً عباده:
قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ 
[التحريم:6]، فالمسلم يقي نفسه وأولاده وأهله هذه النار يوم القيامة، ويقيهم حر الشمس في ذلك اليوم الطويل العظيم، فينشئ أولاده على الفضيلة وعلى طاعة الله عز وجل، وينشئ بناته على حب الله عز وجل، وعلى الحجاب الشرعي، وعلى طاعة الله سبحانه. فاحرص على تربية أولادك وبناتك على طاعة الله سبحانه وتعالى، وعلى الالتزام بدين الله وحفظ كتابه وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه.
أهل المساجد تحت ظل العرش
الثالث: قال صلى الله عليه وسلم: (
ورجل قلبه معلق في المساجد) والإنسان المؤمن يحب بيته، ويحب بيت الله عز وجل أكثر من حبه لبيته، ففي بيت الله الثواب والأجر، وهو المكان الذي تحفه الملائكة، وتدعو له فيه، وهو المكان الذي يزور فيه ربه سبحانه، وحق على المزور، -وهو الله عز وجل- أن يكرم زائره - وهو هذا الإنسان المصلي - فهو يأتي إلى بيت الله ليقبل على الله وهو محب لبيت الله سبحانه وتعالى، وإذا ذهب إلى عمله فعقله يفكر في الصلاة القادمة وفي وقت ذهابه إلى بيت الله سبحانه وتعالى، ولذلك فهو يستريح في صلاته، وليس من الممكن أن يصل حب أحد لبيت الله إلى حب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يتمثل ويتشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم ويأتسي ويقتدي به، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن الصلاة: (
أرحنا بها يا بلال)، وكان إذا أهمه شيء وضاق صدره بشيء قال لـ
بلال : (
أرحنا بها) فينادي بالصلاة ليستريح بها، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (
جعلت قرة عيني في الصلاة)، فقرة العين وطمأنينة القلب وراحة البدن في الصلاة لله سبحانه وتعالى، مع أن الصلاة بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم متعبة جداً له، فقد كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه، ولكنه يستشعر حلاوة الطاعة التي تنسيه تورم القدمين وتجعله يواظب على ذلك، صلوات وسلامه عليه. وقوله: (
رجل قلبه معلق بالمسجد)، جاء في رواية أخرى: (
إذا خرج منه حتى يعود إليه) أي: إذا خرج من المسجد ظل قلبه معلق بالمسجد، حتى يرجع إليه في الصلاة التالية.
الحب في الله سبب للاستظلال بظل العرش
الرابع: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (
ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه)، فهذان رجلان كل همهما أن يجتمعا على طاعة الله سبحانه وتعالى، فقد تحابا لا لدنيا، ولا لمنصب، ولا لفائدة -يستفيدها أحدهما من الآخر، فإذا حصل عليهما ترك صاحبه- بل حب أحدهما أخاه؛ لأنه مطيع لله، والآخر أحبه لذلك، فاجتماعهما كان على ذلك، وسواء اجتمعا فتكلما أو لم يتكلما، فهما متحابان في الله، ولعلهما يأتيان إلى المسجد فيصليان ويسلم أحدهما على الآخر ثم ينصرفان، ولكن في قلب كل منهما حب صاحبه على هذه الطاعة في الله سبحانه وتعالى، فاجتماعهما على طاعة الله سبحانه، فإذا تفرقا تفرقا على طاعة الله سبحانه وتعالى.
العفة عن الزنا عند توفر دواعيه سبب للاستظلال بظل العرش
الخامس: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (
ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله) فهذا رجل آخر ممن يظلهم الله عز وجل بظله يوم لا ظل إلا ظله، وهو رجل تعرض للفتنة، بأن اعترضته امرأة ذات منصب وجمال، فراودته عن نفسه، فإذا به يعتصم بربه سبحانه، ويستجير به، ويستعيذ بالله منها ومن الشيطان، ويبتعد عن ذلك، يقول: إني أخاف الله. وهذه امرأة ذات منصب وجمال، فمنصبها يجعلها ذات تستقوي على هذا الإنسان وتخيفه بمنصبها، وتدعوه هي إلى نفسها، ومع ذلك يلتجئ إلى ربه ويعتصم به، ويبتعد عن الفتنة، ولا يخاف من منصبها، فالله سبحانه وتعالى يكرم هذا العبد بأن يجعل في قلبه حلاوة الإيمان؛ لأنه ابتعد عن الفتن، ويجعله يوم القيامة ممن يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
الصدقة الخالصة يوم المحشر
السادس: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (
ورجل تصدق بصدقة فأخفاها؛ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) وهذا على وجه المبالغة الشديدة بأن يخرج الصدقة من جيبه ويبالغ في إخفائها فلا يراها أحد حتى يعطيها الفقير، والصدقة في السر أفضل، وهذا هو الغالب فيها، وأحياناً قد يكون لها فضيلة في العلانية، وخاصة إذا كانت من زكاة المال، ويرجو إذا أخرجها ودفعها لإنسان أن يقتدي غيره به، لكن الغالب أن الإنسان إذا أخفى صدقته كان هذا أعظم لأجره، ويدخل تحت هذا الحديث.
جزاء البكاء من خشية الله
السابع: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (
ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)، وهذا رجل ذكر الله خالياً فبكي من خوف الله سبحانه وتعالى. وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (
عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله) والمعنى: لا تمس النار صاحب هاتين العينين، وهما: عين إنسان جندي يحرس في سبيل الله سبحانه وتعالى، والآخر: إنسان بكى من خوف الله سبحانه.
والبكاء قد يكون في جماعة، بأن يصلي إنسان مع جماعة فتحدث له رقة وبكاء فيبكى، فهذا مأجور، وقد يكون الإنسان خالياً مع الله -وهو وحده- فيتذكر ربه سبحانه، ويتذكر الحساب يوم القيامة، فيبكي خوفاً من يوم القيامة، فهذا أبعد من الرياء، وهو ممن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.