لقد جعل الله عز وجل لهذا الإنسان سداً منيعاً من النوافل يحول بينه وبين الشيطان، ويكمل الفرائض، فيجبر نواقصها، ويقيم اعوجاجها، ومن هذه النوافل: قيام الليل، وصلاة الضحى، وصلاة التسبيح، وصلاة التوبة، فقد جاءت فيها أحاديث عظيمة تبين أهميتها، وعظيم أجرها وثوابها، فعلى الإنسان أن يحافظ على مثل هذه النوافل لكي تجبر كسره أمام الواحد في ذلك اليوم العصيب.
الترغيب في قيام الليل، وصلاة الضحى
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الحافظ المنذري رحمه الله: [ الترغيب في قضاء الإنسان ورده إذا فاته من الليل، والترغيب في صلاة الضحى.
والمعنى: أنه يستحب للمسلم أن يكون له ورد من الليل يقوم به، فلا يكن قيام الليل في رمضان فقط، بل لابد للصالح أن يتعود على ذلك.
فقد كان الصالحون كـسفيان الثوري وغيره يقول: كابدنا قيام الليل سنة واستمتعنا به عشرين سنة. فقيام الليل يتعب الإنسان فيه نفسه، وقد يجد في رمضان من يعينه على صلاة الجماعة، لكنه يجد نفسه في غير رمضان وحيداً فلعله يشق عليه، ولكن مع التعود يصير سهلاً عليه، فقد يتعب سنة فيه ثم إذا به يستمتع بقيام الليل طول عمره، فتصير له عادة طيبة، وقد يجد من يوقظه بالليل، فهو ينام وفي قلبه منبه يوقظه في الساعة التي يقوم فيها الليل؛ لأنه اعتاد على قيام الليل في هذا الوقت.
لذلك يجب على الإنسان المؤمن أن يعود نفسه على ذلك، فيكون له ورد بالليل يقوم به ولو شيئاً يسيراً، ساعة أو أقل بحسب ما يفتح الله عز وجل به عليه.
فلو أن إنساناً نام في الليل على أن يقوم ويصلي فنام ولم يستيقظ من الليل فإنه يكتب له كأنه قام وصلى، بل يكون نومه صدقة من الله عز وجل عليه كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، لكن يبقى عليه أن يعوض هذا الذي فاته من الليل في وقت صلاة الضحى.
ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في فضل صلاة الضحى وعظم أجرها
ووقت صلاة الضحى: بعد شروق الشمس بحوالي ربع ساعة أو ثلث ساعة إلى قبل صلاة الظهر بدقيقة أو بدقيقتين، وهذا وقت واسع لأن تصلي فيه صلاة الضحى، أما صلاة الضحى فأقلها ركعتين، ولا حد لأكثرها.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلاها أربعاً وثماني ركعات واثني عشرة ركعة صلوات الله وسلامه عليه، فصل ما شئت في وقت الضحى، وأهم شيء في ذلك المواظبة عليها، ولذلك قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها صلاة الأوابين)، والأواب: الكثير الرجوع والتوبة إلى الله سبحانه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ[البقرة:222]
قال: (وصيام ثلاثة أيام من كل شهر)، يعني: ليس مجرد صوم رمضان فقط، ولكنه يصوم النوافل، فإذا صام مثلاً ستة أيام بعد رمضان من شوال فإنه يكتب له كأنه صام الدهر، قال: (وصيام ثلاثة أيام من كل شهر)، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب صيام النوافل، وقد ذكر لنا: أن أفضل الصوم في النوافل صوم داود: (كان يصوم يوماً ويفطر يوماً)، فالمقصود: أن يجعل الإنسان له من النوافل بحسب ما يسر الله له سبحانه.
وفي هذا دليل على كفاية الله ورعايته سبحانه لعبده الذي يصلي هذه الصلاة، فإذا صليت أربع ركعات في وقت الضحى حفظك الله عز وجل، ودافع عنك، وكفاك ما أهمك من أمر الدنيا، وأمر الخلق، وأمر أعدائك، وأمر الآخرة كذلك بفضله وبرحمته سبحانه.
فهذه أربع ركعات من الممكن أن تصليها في ثلث ساعة أو نصف ساعة وتحصل على هذه المغفرة العظيمة، أربع ركعات ستقول فيها ذكراً كلنا نحفظه: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمساً وسبعين مرة في كل ركعة، أي: أنك ستقولها ثلاثمائة مرة في أربع ركعات، والنتيجة أن يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل زبد البحر.
وفي الحديث: استحباب أن يصلي المسلم هذه الصلاة مرة في اليوم إن استطاع، فإن لم يستطع ففي الأسبوع مرة، فإن لم ففي الشهر مرة، فإن لم ففي السنة مرة، فإن لم ففي العمر مرة.
اعتراض والرد عليه
فإن قيل: فهل تصلى جماعة أم فرادى؟
فالجواب: لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بأصحابه جماعة صلوات الله وسلامه عليه، فعلى ذلك وجب أن يصليها الإنسان وحده، فهذا الذي ذكره صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله عنه وأرضاه.